لا
تخلطوا الآني بالأبدي والمحلي بالعالمي
(ث)
كيف الخلط؟
ثالثاً – صعوبة التغلب على الافتراء المنظم
ماذا أذكر وماذا أترك، فلا ينبئك مثل
خبير؟!
أ مهزلة "خان الأمين"، أم
الطعن في الحزن على أهل البيت (ع) بافتراء "إطفاء الأنوار مساء يوم عاشوراء
والجنس الجماعي" بدلاً من شكر الشيعة على مودة القربى، أم "أنتم أولاد
زنا أولاد متعة" جملة وتفصيلاً، أم "ترمون أم المؤمنين عائشة
بالزنا" – والعياذ بالله –، أم "إلى متى تنتظرون المهدي يخرج من
السرداب"، أم "أنتم أولاد ابن العلقمي الذي أدخل المغول إلى
بغداد"، أم ضرب العقيدة من أساسها "أنتم مشركون تسجدون للتربة"، أم
غيرها وغيرها؟
ولكن دعونا نأخذ قضيتين هما من
الأوسع انتشاراً واللتين يمكن ردهما في هذه المقالة القصيرة بكل سهولة ومنها تعرف
ضعف هذه الافتراءات:
(الفرية الأولى) أن الشيعة يرمون
السيدة عائشة بالزنا – نعوذ بالله وبه نستجير –
لا أدري كم عدد المرات التي أوضحت
فيها لبعض الإخوة – وهم متعلمون مهنيون ولكن كالأطفال يرددون كالببغاوات – نقطتين
بشأن هذه التهمة الفظيعة:
(1)
إنه من
المستحيل والمستحيل والمستحيل والمستحيل والمستحيل والمستحيل والمستحيل نرددها إلى
يوم يبعثون أن يعتقد الشيعة بهذه الفرية الظالمة، لا حباً بأم المؤمنين عائشة لأن
الشيعة لا يحبونها (لحربها أهل البيت (ع))، ولكن لأنهم يعتقدون، كعقيدة دينية لا
مجال لنقضها، أن بيوت الأنبياء والمرسلين (عليهم السلام) من المستحيل والمستحيل
ونرددها إلى يوم يبعثون تتطرق إليها الفاحشة، فما بالكم ببيت سيد المرسلين محمد
(صلى الله عليه وآله)؟ وأن معنى ((فخانتاهما)) بخصوص زوجتي نوح ولوط (عليهما
السلام) "الخيانة في العقيدة". وبالتالي فإن السيد عائشة أم المؤمنين
بريئة تماماً مما نسب إليها ظلماً لأن أساس الفكرة مستحيلة الوقوع.
(2)
إن الذين
رموا السيدة عائشة بهذه التهمة الشنيعة، ومعها ذلك الصحابي المظلوم صفوان بن
المعطل، إنما هم الصحابة وليس الشيعة! قال تعالى ((إن الذين جاءوا بالإفك عصبة
منكم)) نكررها ((منكم)) مرة أخرى ((منكم))، أي من المخاطبين وهم
"الصحابة"، فكيف ترمون الشيعة بهذه الفرية؟! وأنت تشتمون الشيعة لأنهم
ينتقدون الصحابة! فما هذا الافتراء والظلم المركب؟ أم المؤمنين نفسها عندما نزلت
براءتها قالت للنبي (ص) – وعلى طريقتها في الحديث معه بخشونة أحياناً – "لا
بحمدك وبحمد أصحابك"، وذلك لأنهم بقوا يلوكون في سمعتها وسمعة بيت نبيهم (ص)
"شهراً" حسبما روت هي وحسبما فضحهم القرآن ((إذ تلقونه بألسنتكم وتقولون
بأفواهكم ما ليس لكم به علم وتحسبونه هيناً وهو عند الله عظيم)).
(الفرية الثانية) أن الشيعة ينتظرون
المهدي المنتظر يخرج من سرداب سامراء
المهدي المقصود هو محمد بن الحسن
العسكري (عليهما السلام)، والسرداب في بيت أبيه وجده علي الهادي (ع) في مدينة
سامراء العراقية، وهؤلاء الجهلة مغسولو الدماغ يصوره لهم من يقودهم من الجهلة
أيضاً أن الشيعة طالما يزورون مرقد الهادي والعسكري (ع) وينزلون إلى السرداب
فيدعون الله تعالى بظهور الفرج إنما يطلبون من المهدي الخروج إليهم من هناك وإنهاء
غيبته التي لم تزل منذ بدايتها وحتى الآن في السرداب! أي أنه (ع) موجود في السرداب
– هكذا يعتقد الشيعة بزعمهم!
ولم يكتفوا بهذا، بل نظموا فيه
شعراً:
أما آنَ للسرداب أن يلدَ الذي **
صيّرتموه بزعمكمْ إنسانا
فعلى عقولكمُ العفاءَ فقد ** ثلّثتمُ
العنقاءَ والغيلانا!
والله على العقول التي ركبت في
الآذان العفاء إذ تصدق هذا الافتراء.
نرد على هذا بنقطتين أيضاً:
1- الشيعة كلهم دون استثناء يعرفون من التاريخ القطعي أن
الإمام المهدي (ع) لم يدخل السرداب وقتها، بل العكس تماماً: خرج من السرداب ومن
البيت كله عندما جاءت شرطة الخليفة العباسي تقبض عليه! فقد خرج منه ولم يعد إليه.
2- الشيعة يزورون النبي (ص) وأهل البيت (ع) من بُعد، أي
بعيداً عن المراقد المشرفة، ومن يزورونه منهم (ع) يتوجهون باتجاه مرقده، فمثلاً
المصري الذي يزور النبي (ص) أو الزهراء وأئمة البقيع (ع) من القاهرة يتجه باتجاه
جنوب الشرق، قريباً جداً من اتجاه القبلة لأن مكة قريبة من المدينة اتجاهاً، فإذا
ما أراد زيارة أئمة العراق (ع) فإنه يتجه إلى الشمال الشرقي قليلاً، ومثله زيارة
الرضا (ع) مشهد بإيران – لكنه إذا أراد زيارة المهدي (ع) فإنه لا يتوجه باتجاه
سامراء في العراق ولكن باتجاه مكة المكرمة لأن ظهوره – القريب بإذن الله – سيكون
من هناك من البيت الحرام، فلو كان هذا الشيعي يعتقد أن المهدي (ع) يعيش في السرداب
(ويا للمهزلة) فإنه كان سيتوجه باتجاه سامراء.
وهذا
يكفي لمن يحترم عقله.
أعود فأقول: هل هي الدنيا المؤقتة
وحسب؟
إن على الذي وضع الآخرة ورضوان الله نصب
عينيه أن يكون منصفاً في الدنيا لأن الإنصاف هو الأقرب للتقوى، فقد أمر به الله
تعالى حتى مع من تبغضهم ((ولا يجرمنكم شنئان قوم على أن لا تعدلوا، إعدلوا هو أقرب
للتقوى))، وأول خطوات العدل أن تسأل المتهَمين أنفسهم لتعلم ما يقولونه هم أنفسهم
لا ما يقوله الآخرون عنهم، فإذا كان هؤلاء الآخرون أعداءهم معلني العداوة ضدهم فهل
من العدل أخذ التهمة منهم وقبولها ثم نشرها دون تثبّت؟ أي دين هذا الذي يبيح هكذا
تعامل مع الآخرين حتى لو لم يكونوا على دينك ومذهبك وطريقتك؟
وبعيداً عن الآخرة وحساباتها، فهل من
احترام العقل ترديد اتهامات لا يقبلها الطفل الصغير أو المجنون المختلط؟
وإذا لم ينفع لا هذا ولا ذاك، فلا تعتب
على الآخرين إذا عابوا عليك إيمانك بأمور يجدونها مضحكة لا يقبلها عقل سليم...
ولكن النتيجة هي اشتداد الخصومة إلى ما لا نهاية...
فأدعوك وأدعوك وأدعوك:
أن تحاول العيش مؤقتاً في العهد
النبوي، تستمع إلى آيات القرآن والبيان الرسولي لها والحديث النبوي فتفهمه، فتعود
إلى الواقع اليوم وأنت أقوى في مواجهة الافتراءات المنظمة منذ القديم والتي أطلقها
الجاهلون أو المغرضون أو الذين جمعوا بين الصفتين ثم أخذ يرددها بعدهم من سلمهم
عقله وقلبه (بحسن نية أو سوء نية)... تفعل ذلك مع توجه صادق إلى الله، ليصدق عليك
((والذين آمنوا أشد حباً لله)).