الوحدة الإسلامية
1-11 of 11
هذه مجموعة مقالات تتناول هذا الموضوع الذي يشكل واحداً من أكثر المواضيع ذكراً وتنويهاً عند المسلمين، من العامة والخاصة، المتعلمين وغير المتعلمين، الباحثين في الشأن الإسلامي والعلماء وطلبة العلوم الدينية، بل وحتى السياسيين الذين لا يصدق الناس معظمهم،
يرتبط مصطلحا "الوحدة الإسلامية" و "التقريب" ببعضهما البعض على الدوام لأن الذين يدعون إلى الأول يدعون إلى الثاني، أو لأن الثاني مقدمة للأول على أساس أن الوحدة الإسلامية كي تتحقق ينبغي تقريب وجهات النظر وردم الفجوة أولاً من خلال التقريب. ولكن كم هو دقيق أي من المصطلحين؟
إن مفهوم الأمة الواحدة في الإسلام من الوضوح بحيث نستطيع القول دون مجازفة أنه أحد المبادئ الأساسية للأمة. قال تعالى: ((إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ)) الأنبياء: 92، وقال: ((وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ)) المؤمنون: 52 – والخطاب موجه للمؤمنين بالقرآن وهم المسلمون.
كأي أمة تتميز بخصائص معينة، فإن الأمة الإسلامية لها مكونات مختلفة: مناطق جغرافية، شعوب، عشائر وقبائل، حضر وريف وبدو، مجتمعات، معاهد، بلدان، حكومات، أحزاب، جماعات، مذاهب، أفراد. جميع هذه المكونات تتأثر بشكل أو بآخر بموضوع الوحدة الإسلامية لأنها تتأثر بالتفاعل المستمر فيما بينها. فمهما كان الانعزال شديداً لمكون من هذه المكونات فلا بد وأن يتأثر بحالة الأمة، في تباعدها وتقاربها، تماسكها وتمزقها، قوتها وضعفها، تقدمها وتخلفها.
في أي مشروع من المفيد أن يتم الانتباه منذ البدء إلى مواطن الضعف التي يمكن أن تؤدي إلى الفشل من أجل إدراجها في جدول العمل ذاته، وإلا ستضيع جهود كبيرة ووقت طويل وأموال يمكن أن توظف لما هو أفضل. ولا يخرج مشروع التقريب بين المذاهب الإسلامية، بمعنى بين أتباع المذاهب الإسلامية (راجع مناقشتي للمصطلح ذاته في حلقات سابقة)، عن هذا.
قلنا أن المعوقات في طريق العمل التقريبي والوحدوي لا تتعلق بالأهداف المرجوة من العملية ولا بالوسائل المتبعة من أجل تحقيق تلك الأهداف فحسب، ولكن أيضاً بما يكمن داخل نفوس المشتركين في العملية أو المتفاعلين معها أو المتأثرين بها.
قلت سابقاً أن معوقات عملية التقريب أو أي عملية توحيدية تلخص في ثلاثة جوانب: الأهداف المرجوة، والوسائل المتبعة للوصول إلى تلك الأهداف، وما في النفوس من مشاعر نحو الآخر؛ وبما أن ما في النفوس من مشاعر وعواطف، من حب وميل أو كراهية وابتعاد، تدخل في تحديد الأهداف – على أساس النظرة إلى الآخر، أو بعض الآخر، هل هو ممن يستحق الضم إلى تلك الأهداف أما لا، وفي الشك في نواياه – كما تدخل في الوسائل – على أساس أن العملية إما أن تكون جادة أو لا، أيضاً ما تخربه مشاعر ظن السوء بالآخر في كل ما يطرح في إطار بحث الوسائل، فإن من أهم الأسس لتقييم عملية التقريب بين المسلمين وتقويمها هو معالجة المشكلة النفسية.
أذكر مرة أخرى بأن معوقات عملية تقع في ثلاثة جوانب: الأهداف، والوسائل، والنفس؛ وبما أن ما في النفوس من مشاعر تدخل في تحديد الأهداف كما تدخل في الوسائل، فإن من أهم الأسس لتقييم عملية التقريب بين المسلمين وتقويمها هو معالجة المشكلة النفسية.
أعود مرة أخرى وأذكّر بأنه ينبغي على الباحث والمتصدي لمسألة التقريب بين المسلمين النظر في الجوانب الثلاثة: الأهداف، والوسائل، وما يعتمل في النفوس التي هي من يقوم بتحديد الأهداف واستخدام الوسائل وصولاً إلى تلك الأهداف. دون التعامل مع القضية النفسية، بما في النفس من مشاعر مضادة للآخر نشأت من بيئة معادية تجهل حقيقة الآخر، وترسخت من خلال التعليم المستمر والتوجيه السلطوي المستمر، سواء أكان سلطة الدولة أو سلطة المؤسسة الدينية أو سلطة العائلة والمجتمع، فبنيت فيها حواجز عالية، بل شاهقة، لا بد من التعامل معها لإزاحتها من الطريق، أو أن الفشل هو النتيجة الحتمية، وهو المشاهد من حال جهود التقريب.
إن النجاح في أي مسعى يجب أن يحيط بجوانب الفشل المحتملة أو الحاصلة كي يمكن النظر فيها ومعالجتها العلاج الصحيح؛ بعد ذلك، ينبغي التفكير في الجوانب الأخرى والوسائل الكفيلة بترسيخ النجاح وإثرائه من أجل تحقيق المزيد منه. لذا، فإن أولى الخطوات اللازمة من أجل معالجة أسباب الفشل الحاصل في مساعي التقريب بين المسلمين هي النظر في مواطن الفشل وأسبابه.
مما مر في حياتنا أمثلة لمحاولات تهدف – في ما ادعى أو يدعي أصحابها – إلى لم الشمل وتحقيق التقارب والتعاون من أجل قوة الأمة وتقدمها ورد الأخطار والاعتداء عنها. بعض هذه الأمثلة شملت مشاريع لدولتين أو أكثر، بينما شمل بعضها الآخر مجموعة من الدول، حتى جميع الدول المنضوية تحت عنوان معين. ولا يستهدف المقال تقديم تحليلات لأسباب الفشل أو النجاح – إن وجد –، كما أن المجال لا يتسع لمثل هذا ولو بالإشارة، ولكني أريد ذكر هذه المشاريع، والإشارة الخاطفة إلى نتائجها الواضحة، وأسباب هذه النتائج كما قال ويقول المهتمون والباحثون.