تعليقات سريعة على مقال حول الشخصية العراقية
لخضير طاهر
لا ماسوشية ولا سادية ولا زئبقية ولا وصاية أمريكية
بقلم: غسان نعمان ماهر
مقال للكاتب "خضير طاهر" حول "الشخصية العراقية"، على صفحة "كتابات" على شبكة الانترنت، وردود على أهم ما جاء فيه. المقال باللون الأسود، وموضع الرد عليه باللون الوردي، أما الرد فباللون الأزرق.
أحب التنبيه إلى ما يلي:
أولاً – رغم أن المقال تاريخه في موقع "كتابات" 6/5/2007، فإني لم أطلع على المقال (ولا على المقالات المفصلة التي سبقته) إلا الآن (13/6/2007)
ثانيًا – لا أحمل تخصصًا في علم النفس، لاسيما الاجتماعي منه، ولعل هذا سيجعلني لا ألتفت إلى جوانب في المقال موضوع البحث، ولكن من يدري، لو كنت متخصصًا ربما كنت سأجد جوانب ضعيفة أخرى غير التي وجدت. لا أحمل تخصصًا ولكني أحمل شيئين: الأول هو رؤية إلى الإنسانية عمومًا مؤسسة على نصوص مقدسة تعلن عن تساوي البشر باختلاف أعراقهم، بل وتجعل ذلك من أجل التعارف لا التسلط وسيادة أعراق على غيرها كما أوصى كاتب المقال في آخره، وهو أمر يجعل من غير المفيد الاعتماد على النصوص المقدسة لأن الذي يوصي بوضع قومه – وهو من ضمنهم – تحت وصاية من لا يرحم لا أظنه ينطلق في فكره من نصوص مقدسة؛ الثاني هو حب العراق والعراقيين، وهو حب مؤسس لا على عواطف – فمن عرفني يعرف أني لا أؤسس آرائي على هذا – وإنما على فهم للظروف الضاغطة من جانب، وعلى المقارنة بين هؤلاء الناس – العراقيين – وغيرهم الذين وقعوا في ظروف مماثلة في دورات التاريخ المتعاقبة. وسنشير في أدناه إلى الفارق بين من أسس حضارات على فكر ومن أسسها على منطق القوة وإبادة الآخرين، وإن كانت الأخيرة هي التي تشير إعجاب الكثيرين ومنهم كاتب المقال.
ثالثًا – بسبب الظروف الخاصة المتعلقة ستكون التعليقات مختصرة جدًا، وهو أمر مؤسف بلحاظ خطورة الموضوع، ولكنه يهون إذا ما كنا نتوقع أن ما ذهب إليه الكاتب لا نظنه سيكون ذا تأثير يعتد به؛ إلا أن مثل هذه الأفكار منتشرة عند الكثيرين – عراقيين وغير عراقيين – ما يجعل تناولها بالرد أمراً مفيداً.
شخصية تدمر نفسها
تناول الشخصية العراقية من منظور التحليل النفسي أمر في غاية الأهمية، ويفترض أن يكون من أولويات المؤسسات العلمية والنخب العراقية، فما نشهده من تشوهات إجتماعية ومصادرة للحريات وإنعدام إحترام حق الاختلاف والفساد الاداري وسرقات للمال العام وعمالة لأجهزة المخابرات الايرانية والسورية المعادية للعراق، وجرائم الخطف والارهاب وقطع الرؤوس، وقبلها سلسلة الانقلابات والسجون والاعدامات والمقابر الجماعية... كل هذه البشاعات هي عبارة عن ظواهر ( ونتائج ) تقف خلفها (أسباب) سايكولوجية إستوطنت في الشخصية العراقية.
هل توجد شخصية عراقية واحدة؟.. الجواب بالنفي، فبعد إستبعاد وفرز المشترك العام للنوع الانساني والمشترك القطري الواحد.. ستتجلى لنا تنوعات الشخصية العراقية كالشخصية الشيعية والسنية والكردية وبقية الاقليات الاخرى وسنجد تنوعاً لدرجة التعارض أحيانا.
تقف الشخصية بشكل عام على ثلاثة أركان:
- العقلي
- النفسي
- الجسدي
وهنالك علاقة تفاعلية عضوية تربط منظومة الذات الانسانية هذه، و في حال حصول أدنى خلل سيؤثر حتما ًعلى كل كيانها، والسؤال الكبير الذي علينا مواجهته هو : هل الأسرة العراقية تمتلك الوعي التربوي العلمي لإنجاب أفراد أصحاء؟.. وهل المدرسة والجامعة لديهما المناهج العلمية وألاساتذة الأسوياء لصناعة شخصيات سليمة تتمتع بالصحة النفسية؟.. ماذا عن سلطة القبيلة والمؤسسة الدينية والاحزاب والتقاليد والاعراف وقمع الدولة والمفاهيم المغلوطة المكونة لهوية الشخصية العراقية ورغم وجود الاختلاف مابين ما سوشية الشيعة وسادية السنة وزئبقية الاكراد وأنطوائية الاقليات الاخرى.. توجد ( بنية ) نفسية ترسم الإطار العام الشعوري واللاشعوري للشخصية العراقية.
* السؤال نفسه ينبغي أن يطرح بخصوص دول ومجتمعات أخرى، وبضمنها المجتمعات الغربية التي سيقول الكاتب فيما بعد أنها أرقى بايولوجيًا – وها نحن عشنا زمانًا في الغرب وعرفنا حال الأسرة والمجتمع، وهي أحوال لولا القانون الصارم لكان الكاتب رأى في شوارع الغرب عجبًا.
ونحن هنا نعاود المحاولة مرة أخرى ـ كانت المحاولة الاولى قبل عشر سنوات نشرت في بعض صحف المعارضة العراقية ـ تناولنا فيها بعض جوانب الشخصية العراقية التي تؤثر على التفكير والسلوك السياسي، فبعد زوال الشماعة التي علقت عليها كل أوجه الخراب بزوال نظام صدام الذي كان ( نتيجة ) للتشوهات النفسية وليس ( سبباً ) لها وإنكشاف المخبوء ونزف قيح التخلف للعلن... أصبح لزاماً علينا مواجهة الذات والأعلان من أننا شعب مصاب بالوباء النفسي والعقلي الجماعي .
* من العجيب أن الكاتب لا يجعل لما جرى أيام نظام صدام ولا ما قبله أي يد في ما يجري الآن، فهل كان العراقيون سيتصرفون بنفس الطريقة لو كان الغزو الأمريكي قد جاء بعد فترة هدوء واستقرار شبيهة بما في بعض الدول القريبة من العراق مثلاً؟ بل لماذا كان سيكون هناك غزو والذي أسقط الدولة وقواتها التي يمكن لها أن تحفظ الأمن؟ إن مثل هذا المنطق نتيجة لمن يتفاعل مع الأحداث التي يعيشها ويؤسس عليها نظريات وكأن الأحداث منفصلة بذاته. هذا ناهيك عن أن الكل يعرف حجم التدخل الخارجي في العراق منذ الحرب وهو تدخل ظالم ولا يقيم لأرواح العراقيين وممتلكاتهم ومستقبلهم وزنًا، وإذا كانت العملية السياسية – على ضعفها – هي الأخرى من ضمن ما أسس الكاتب نظريته عليها، فإنه يعرف تمامًا أن هذه التدخلات الخارجية تستهدف أهم ما تستهدف خراب هذه العملية. فكيف نرمي اللوم كله على الشعب المسكين حتى وإن كان بعض أفراده هم من يساهم في التخريب؟
ماسوشية الشيعة
الشخصية الشيعية هي نتاج التاريخ بإمتياز بمعنى إنها ليست شخصية عفوية، وإنما هي ترزح تحت إكراهات التاريخ والايديلوجيا وعملية ( التفريس ) التي مارسها اللوبي الايراني منذ أكثر من ألف عام لقولبة شيعة العراق، ونتيجة لعملية غسيل الدماغ الجماعي وإدخال أفكار وطقوس وممارسات بعيدة عن الفطرة الانسانية وطبيعتها العفوية.. ظهر مرض (( الماسوشية )) في المجتمع الشيعي العراقي على وجه الخصوص .
* هناك خلط، فيما يبدو، بين بدء التشيع في إيران وبعض الطقوس التي يمارسها الشيعة، فإن الكثير هذه الأيام يعزفون على طنبور التشيع الصفوي الذي أطلق الحديث عنه علي شريعتي (ويقول الأستاذ حسن العلوي أنه أول من تكلم فيه من العراقيين، والأستاذ حسن يحب دائمًا أن يذكر بالريادة، فلنعطيه ذلك). وهنا نقاط: (أولاً) الصفويون فرضوا التشيع في إيران (وهم من نسل الإمام الكاظم (ع) وربما هذا هو السبب وراء ما صنعوه، لا أن الفرس أرادوا التشيع، بخلاف غيرهم ممن أصر ولا يزال يصر على اتباع غير العرب من أئمة المذاهب الأخرى) وفرضوا إظهار الحزن والبكاء والسواد ومجالس عاشوراء، كما فعل الفاطميون قبلهم بقرون طويلة في مصر؛ (ثانيًا) إلا أن الذي جاء بالزنجيل وضرب القامات إلى العراق تحديدًا هم الشيعة البكداشية الأتراك، وهم ليسوا أتراك إيران الآذريين (آذربيجان) بل أتراك تركيا، وكان ذلك في بداية القرن العشرين فقط (ثالثًا) لا يعرف لا كاتب المقال ولا أكثر الناس أن هذه الطقوس اللاعقلانية، التي تصادم الشريعة كما أعلن الكثير من العلماء والمراجع، من ضرب الزنجيل والقامات كانت تمارس في بعض مناطق الامبراطورية الرومانية حزنًا على صلب المسيح (ع)، ولعل هذا هو الذي نقلها إلى تركيا حيث كانت العاصمة الشرقية للامبراطورية الرومانية (وقد أظهر ذلك بعض أفلام هوليوود في الأربعينات أو الخمسينات، من أفلام الرومانيين، ولكني لا أذكر اسم الفلم مع الأسف) (رابعًا) تأكيدًا لما أوردناه في "ثالثًا" نحن نسمع ونشاهد ما يفعله بعض المسيحيين في جنوب شرقي آسيا في عيد الفصح ذكرى صلب المسيح (ع) وقيامته، حيث يقيمون الصلبان الخشبية ويصلبون عليها بعض المتطوعين بتثبيتهم بالمسامير في أرجلهم وأيديهم. فعلى هذا، الماسوشية ليس مرض الشيعة فحسب، وإنما مرض الرومان والأتراك والفليبينيين! وبعد، (خامسًا) ربما لا يعلم الكاتب انتشار الماسوشية في الغرب بشكل كبير حيث يذهب البعض من الرجال، ومنهم موظفون كبار في شركات محترمة، إلى بيوت خاصة لتقوم صاحبة البيت بتعذيبهم في أجسامهم ومنها الأجزاء التناسلية؛ نفس الشيء على النساء أيضًا إلى درجة القتل أحيانًا، بل إن الذي ينتشر أيضًا هي ظاهرة العبيد، حيث يأتي الرجل أو المرأة إلى بيت سيده أو سيدته أو سيدها أو سيدتها، كل يوم أو في أوقات محددة بما يشبه الدوام الرسمي، ليقوم أو تقوم لها بأعمال البيت حسب الأوامر، بل وحبوًا على الركب، ويخرجون أحيانًا – كما عرض التلفزيون لمن لا يصدق – إلى الشارع وقد ربط السيد عبده برباط جلدي وهو يقوده كالكلب! فما رأي الأستاذ خضير بذلك، ما رأيه بهذه النماذج من الشعوب التي يريدنا أن ننام تحت أحذيتها؟!
من أبرز أعراض مرض (( الماسوشية )) النفسية وليس الجسدية هي التواري خلف الصفوف الامامية وعدم الجرأة في أخذ زمام المبادرة والطليعية وإستمراء الخضوع للافكار والطقوس والاشخاص، وأخطر مافي هذا المرض هو التوجه بصورة لاشعورية الى إتخاذ مواقف وسلوكيات تؤدي الى الاخفاق من أجل الاستلذاذ بعذابات الفشل ونشير إننا لانعمم على جميع الشيعة وإنما نتحدث عن الغالبية العظمى.
- هذا صحيح، ولكن أليس هذا من أسباب التسلط السياسي للحكم، أي حكم. جرب أن تحصر شخصًا في دائرة الاشتباه والملاحقة والتخويف والتجويع والتهميش وسترى أنه سيعيش في خوف وقلق وانعدام الثقة بالنفس. بمعنى، أن هذا غير مختص بشعب دون آخر، وهو واضح. أما الرغبة في الإخفاق من أجل الاستلذاذ بعذابات الفشل فهي دعوى عريضة أنى للأستاذ الكاتب إثباتها. كيف يثبت أن الشيعي يمارس الوظيفة أو السياسة أو الرياضة أو الفن أو غير ذلك من أجل أن يفشل حتى يتلذذ بالفشل؟ إذًا، لماذا لا يحزن عندما ينجح في الامتحان أو المناصب أو في كرة القدم أو غير ذلك، أفتونا يا أولي الألباب!
العناصر المؤسسة لمرض (( الماسوشية )) لدى الشخصية الشيعية هي:
- المنبر الحسيني
- طقوس عاشوراء
- تقليد المراجع
بالنسبة للمنبر الحسيني فمنذ مئات السنين يقيم الشيعة مآتم الحزن والعزاء بصورة مستمرة سنوياً على ذكرى إستشهاد الامام الحسين بن على بن أبي طالب، ومن طبيعة عمل هذه المنابر هو القيام بضخ وتكريس مفاهيم تحقير الذات والشعور بالذنب والإضطهاد وعدم جدارتها بالحياة، وعادة ماتكون مصحوبة هذه المآتم بالعويل والبكاء، وتعتبر هذه الاجواء والممارسات بيئة مثالية لتحطيم الذات وقتل شعورها بالاعتداد وتشويه إحساسها بالحياة وجمالياتها.
* من العجيب القول بأن المنبر الحسيني يؤسس للماسوشية، عجيب حقًا أن المنبر الذي كله تمجيد للثورة والقتال من أجل الحق وعدم الخنوع حتى وإن كان الأعداء أكثر بكثير وحتى وإن كان النصر غير منتظر، أنه يؤدي إلى الشعور الماسوشي. منبر يقول للناس إن صاحب الحادثة خرج للإصلاح والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وهي أهداف يحترمها الغرب ويعمل من أجلها، وأنه إن قبله الناس فبها وإلا "أصبر" أي لا أجبركم على اتباعي، وهي حرية الفكر التي يحترمها الغرب ويحميها، وعندما يخير بن الذل أو القتال يختار القتال، وهذا ما فعلته بريطانيا وفرنسا وغيرها عندما احتلها النازيون أو هددت بالاحتلال، أيام تشرشل وديغول اللذين ذكرهما الكاتب فيما بعد بكل احترام متألمًا أننا لم نستطع أن ننجب مثلهما، رفضوا الذل وقاتلوا رغم أن النصر كان يبدو محتومًا لألمانيا، ثم عندما يهاجم دافع عن نفسه، وهو أمر بديهي وفعله الغربيون – كل ذلك في قضية نهضة الإمام الحسين عليه السلام وكل ذلك فعله العقلاء الغربيون الذين ينظر الكاتب إليهم بعين التابع الداعي إلى اتباعهم. فأين الماسوشية في المنبر الحسيني؟! وكيف هي بيئة مثالية لتحطيم الذات وتشويه احساسها بالحياة؟ ولماذا لم تشوه الحياة في عين رواد المنابر ولا حتى خطبائه – هل قرأ قصائد الشيخ الوائلي وأمثاله، أم وجد أن رواد المنبر الحسيني من الشيعة عزفوا عن الحياة والزواج والدراسة والسياحة والفرح بأشكاله؟!
أما طقوس عاشوراء فهي مناسبة تستمر لمدة أربعين يومياً لدى الشيعة وتعتبر تطبيقاً عملياً لمرض (الماسوشية) وتعذيب الذات جسدياً ونفسياً، فليس من الطبيعي وفق قوانين الصحة العقلية والنفسية قيام الشيعة بضرب أكتافهم وظهورهم بالسلاسل كل يوم وطوال العشرة الاولى من شهر محرم، ثم تأتي ذروة عملية تعذيب الذات في اليوم العاشر من محرم حينما تخرج المواكب لضرب الرؤوس بالسكاكين وإخراج الدماء بصورة مقززة تتعارض تماما مع تعاليم الاسلام التي تؤكد على أن النظافة من الايمان وتحريم إيذاء النفس.
* هذا صحيح تمامًا، وغير مقبول من قبل جلّ العلماء. ولكن طالما تحدث عن الصحة العقلية والنفسية نسأله هنا: ترى لماذا تنتشر الأمراض النفسية عند الغربيين الذين لا يضربون الزنجيل ولا القامات ولا يبكون حتى على أعزائهم أكثر بكثير وبما لا يقاس من انتشارها عند الشيعة العراق؟ هذا مع الفارق الهائل بين سهولة الحياة التي يعيشها الغربي وصعوبتها التي يعيشها الشيعي العراقي – يعني واحد "مدلل" والآخر "مصخم"!
طبعا ليس هذا فحسب ، وانما يتخلل السنة العديد من مناسبات وفيات الائمة الاثنى عشر وتتم فيها ايضا طقوس اقامة المنبر الحسيني والعزاء والبكاء والعويل .
وبخصوص العنصر الاخير المسبب للمرض وهو تقليد المراجع الذي يتخذ شكل نمط علاقة (الراعي والقطيع) بصورة فيها إمتهان ومصادرة لآدمية وكرامة الانسان وحريته في التفكير والارادة، فكما هو معروف أن القرار الديني والسياسي لشيعة العراق يهيمن عليه اللوبي الايراني منذ اكثر من الف عام وينحصر دور الشيعة فقط في دفع أموال الزكاة والخمس وتقبيل أيادي رجال الدين الفرس الذين يضربون طوقاً حديديأ على المرجعية ويتصدون بشراسة الى كل عنصر عراقي عربي يحاول البروز وقيادة أبناء وطنه من داخل المؤسسة الدينية.
- هنا ينعى على الشيعة اتباع مراجعهم ويصفها نمط الراعي والقطيع وفي آخر المقال ينادي بأن نتبع الأمريكان بشكل مشابه تمامًا (وإلا ما هو معنى الوصاية – الوصاية تكون للقاصرين، أي الذين لا يستطيعون التصرف بأمورهم بشكل صحيح، وبالتالي لا بد أن يتبعوا الوصي عليهم اتباعًا كاملاً)؟ يصف اتباع المراجع الذي جاء من نصوص شريفة (حتى وإن لم يؤمن هو بها، ولكن الشيعي يؤمن بها وبالتالي اتباعه على أساس عقلاني بالنسبة إليه على الأقل، وليس بسبب مرض نفسي) بأنه امتهان ومصادرة للآدمية والكرامة والحرية مع أن الشيعي يفعل ذلك لتبرأ ذمته في العبادات والمعاملات أمام الله تعالى، في حين يريد منا اتباع الأمريكان الذين لا يقودونا إلى الآخرة، ولا إلا الدنيا حسب رأينا وإن كان الكاتب يعتقد عكس ذلك. إذًا، العقل يقول أن المقارنة بين الدنيا القصيرة الزائلة والآخرة الأبدية الباقية لا بد أن تكون في صالح الآخرة – يقول الإمام الكاظم (ع): "إن العاقل نظر إلى الدنيا وإلى أهلها فعلم أنها لا تنال إلاّ بالمشقة، ونظر إلى الآخرة فعلم أنها لا تنال إلاّ بالمشقَّة، فطلب بالمشقّة أبقاهما" هذا منطق العقل، لا من نتائج الترتيب الخطأ للعلاقة مع العلماء.
- نعم، هناك وعي عند شيعة العراق، خصوصًا المتعلمين ومن هم على اطلاع على واقع المرجعية الدينية، وهو وعي يبدو أن بدأ ينتشر إلى أوساط البسطاء، وهو أن الإيرانيين كانوا ولا زالوا يريدون السيطرة على الشيعة، ليس في العراق فحسب بل وفي العالم، وأن موقع النجف هو الأهم لأنهم لا يمكن أن ينتجوا بديلاً عنه بلحاظ مرقد علي (ع) وحوزة النجف التي هي أقدم حتى من الأزهر الشريف. ولكن هذا لا يخص المذهب ولا الشخصية العراقية الشيعية، بل هو أمر يمكن العمل عليه من داخل الوسط الشيعي العراقي. ولكن هل ساعد الآخرون على ذلك، لاسيما الحكام؟ هذا السيد محمد محمد صادق الصدر، من الذي منع مرجعيته من أن تتصدر الزعامة المطلقة في العراق، أليس الحكم المتسلط على العراقيين والشيعة منهم؟
وواضح ان الهدف من آلية عمل تقليد المراجع هو إحداث (خصاء نفسي) جماعي وشل الارادة والعقل وقيادة الجموع بصورة عمياء وفق أهواء اللوبي الايراني.
لقد وصلت تآمر المرجعية ورجال الدين الفرس على شيعة العراق الى درجة إصدار فتاوى في السابق منعتهم من الانخراط في وظائف الدولة ودخول المدارس الحكومية بغية تكريس المزيد من الجهل بينهم ومنع تنامي مشاعرهم الوطنية والمشاركة في بناء العراق.
* هذه جديدة حقًا! الكل يعلم أن الفتاوى كانت على أساس ديني وهو منع العمل لدى الظالمين ومعاونتهم، وهو امتداد لنصوص شريفة من الأئمة (ع) كانت تخص عصرهم وظروفهم وبعض أصحابهم، بل أنهم أجازوا لبعض أصحابهم العمل عند الحكام. وهذه نصوص تسبق دخول إيران في التشيع بقرون فلا يستطيع أحد القول أن الفرس هم الذين اخترعوها. ولو كان ذلك كذلك، لماذا دخلت شخصيات من العوائل الرئيسية لشيعة العراق في الحكم ومن أوله – ألم يسمع الكاتب بالسيد هبة الدين الشهرستاني، أو بالسيد محمد الصدر، بل أن الشيخ الخالصي هو الذي علم العراقيين البيعة للملك فيصل وعلى الملأ، فمن أين جئتنا بأنها مؤامرة فارسية؟ وهلاّ قال الناس وقتها للمرجعية بأن إيران كلها تعمل بالوظائف عند الشاه القاجاري وغيره. هنا أيضًا، تتم تبرئة الحكم الطائفي وإلصاق التهمة بغيره.
وستبقى أزمة الهوية الوطنية لدى الطائفة الشيعية العراقية قائمة مالم يثوروا على هيمنة اللوبي الايراني على قرارهم السياسي والديني ، فالمطلوب من شيعة العراق البرهنة على وطنيتهم العراقية بالثورة على كل ماهو ايراني قبيح سواء داخل المرجعية او احزابهم ومؤسساتهم ، فمن العيب على شيعة العراق والعار انهم يدفعون الخسائر والتضحيات والمقابر الجماعية ... ثم يأتي الايراني من خارج الحدود ويستلم أعلى المناصب الوزارية ويحتل مقاعد البرلمان ومن سراديب النجف يتم التحكم بمصيرهم السياسي والديني من قبل المرجعية الايرانية بينما شيعة العراق العرب مجرد عبيد وخدم ووقود للقتل والمقابر الجماعية وخيرات وطنهم يستولي عليها اللوبي الايراني !!
سادية السنة
كان الطرف الصانع لتاريخ العراق منذ أكثر من ألف عام هم السنة أبتداءاً من عملهم مع الدولة الاموية في الشام الى السيطرة المباشرة للدولة العباسية في بغداد حتى عند حصول الاحتلال العثماني البغيض كانوا الطرف المقرب منه بحكم الرابطة الطائفية الواحدة وصولاً لتأسيس الدولة العراقية الحديثة ولغاية إسقاط نظام صدام ... لقد نجحوا في الهيمنة على السلطة وخسروا القيم والمباديء.
وقبل الحديث عن النزعة السادية لدى الشخصية السنية لابد من الاشارة الى إننا لا نعمم كلامنا على كافة السنة وانما نتكلم عن الغالبية العظمى ويجب الحذر هنا من الوقوع في فخ الطرح المثالي الذي يريد إلغاء مشكلة الشر من الاساس ورؤية مجتمع فاضل بلا مشاكل وتشوهات وبالتالي سنصطدم بالبديهيات والمنطق ونتجاهل سنن الحياة وقوانين الواقع .
مرض السادية يكثف معاني السلوك العدواني بمعناه الشامل، وبالاضافة الى الاسباب التقليدية لهذا المرض كالبيئية والوراثية والخلل العقلي والنفسي... فأن عوامل محلية عراقية معززة للسلوك السادي تتمثل في :
- طبيعة المكان الصحراوية
- الجذورالبدوية
- الجذورالتركية
- تضخم مفهوم توكيد الذات
بالنسبة للعامل الاول، فأن معظم المدن التي يقطنها سنة العراق تعتبر مدن صحراوية قاسية ماعدا أجزاء بسيطة ، ومعروف تأثير طبيعة المكان عندما يكون بهذه المواصفات على تشكل الشخصية من حيث الميول والاتجاهات والمشاعر والافكار ودرجة الاحساس بالقيم والجمال ونوعية التعامل الاجتماعي وكيفية مساهمته في بلورة شخصية خشنة عنيفة.
* لا أدري إن الأستاذ خضير طاهر قد رأى أطلسًا وطالع فيه أين تقع المدن السنية العراقية أم لا، فها هو يعلن بضرس قاطع أن معظم المدن التي يقطنها سنة العراق تعتبر مدنًا (وليس مدن) صحراوية قاسية ما عدا أجزاء بسيطة – هل أن مدينة الموصل، وجلّ سكانها سنة، ومدينة البصرة، وربع سكانها سنة صحراويتان؟ هل أن مدينة بغداد، التي كان نصف سكانها من السنة ثم قلت نسبتهم بسبب زيادة نسبة الشيعة النازحين إليها من الجنوب، هل هي صحراوية قاسية؟! هل أن مدن محافظة ديالى صحراوية، وهي مدن كلها زراعية لا توجد بينها منطقة واحدة صحراوية؟ هل أن سامراء وتكريت والدور وبيجي صحراوية، وهي حواضر يعمل أهلها في الزراعة؟ بل حتى مدن الرمادي وهيت وحديثة وعانة، كلها مدائن يعمل أهلها في الزراعة، وإن كانت في وسط الهضبة الغربية (ليس صحراء لأن الصحراء هي ما بين جنوب الأنبار وغرب النجف وكربلاء والسماوة وباقي الجنوب إلى الأردن والسعودية، وهي مناطق غير مأهولة). ولا أدري إن كان 5% حتى من سنة العراق يعيشون في مناطق صحراوية. لذا، فإن هذه النقطة تنهار، ومعها ينهار ربع اتهام سنة العراق بالسادية!
أما الجذور البدوية لسنة العراق فهي العامل الاكبر في تعزيز السلوك العدواني، فقد كانت الاعراف البدوية التي تمجد القوة والغزو وإخضاع الاخر لها دور كبير في التفكير والممارسة السياسية للسنة.
* وهذه هي الأخرى بلا دليل، إذ ما هو الدليل على أن سنة العراق من البدو؟ وحتى لو كان فيهم من أصلهم من البادية، فإنهم بعد أن تمدنوا وسكنوا الحواضر تتبدل أخلاقهم ومعاملاتهم، وأكبر دليل على ذلك التغير الهائل الذي حصل بسرعة كبيرة في الخليج العربي بعد أن تبدلت السكنى من بادية في معظمها إلى حضر في معظمها. وبما أن الخليج خاضع بشكل شبه تام للغربي الأمريكي فإن الأستاذ خضير طاهر لا يمكن أن يقول أن التغير الذي حصل هناك مذموم!
وبخصوص العامل الاخر وهو الجذور التركية لقطاعات واسعة من السنة، فأن هذا الموضوع كان من الأسرارالمعتم عليها دائما، فالتواجد التركي قديم في العراق أذ أستقدمت الدولة العباسية أعدادا كبيرة منهم لحمايتها وتم إسكانهم في مدينة سامراء التي كان تشمل مدينة تكريت أيضا، و أثناء الاستعمار العثماني تغلل الكثير من الاتراك ضمن صفوف العشائر السنية ، اضافة الى مجاورة مدينة الموصل لتركيا وتسرب الاتراك اليها ، ومعروفة الطبيعة الخشنة للشخصية التركية .
* لست مؤرخًا ولم أتعمق إلا في بعض جوانب التاريخ الإسلامي، ولكن معلوماتي تقول أن سامراء لم تستمر عاصمة للعباسيين سوى 52 سنة فقط، وبالتالي فلماذا بقي الأتراك فيها إذا تركها أولياء نعمتهم، وهي لم يكن فيها سوى قبري الإمامين العسكريين وبعض أهليهم والبعض من شيعتهم. أكيد كان فيها بعض السكان، ولكن كان قليلاً. وها هي عشائر سامراء تحتفظ بمشجرات أنسابها العلوية (عشيرتنا ألبو عباس وعشيرة ألبو نيسان ترجع إلى الإمام الحسن (ع) وعشائر أخرى ترجع بالنسب إلى الإمام الهادي (ع)) فأين هم الأتراك الذين صارت جذورهم منبعًا للسادية السنية؟ ثم ما هو الدليل على سادية أهالي سامراء؟! هل هو ما نشاهده من حالة الضياع التي تعيشها المدينة – مع الأسف الشديد – تحت ضغط المجرمين؟ هل هو في فشل الأهالي منع الاعتدائين على رمز مدينتهم وعزتها وشرفها ومكانتها؟ (لو كان المجال يتسع لأخبرت الكاتب ومن يقرأ تعليقاتي بالارتباط الروحي العجيب بين أهالي سامراء والإمام الهادي بالخصوص، ليعلم من يريد الاصطياد بالماء العكر أن الحال في العراق غير الحال في بلدان أخرى.) أما تغلغل الأتراك في العشائر السنية، فحتى لو كان قد حدث، كم نسبته، وهي يؤثر على الشخصية؟ يجب أن لا ننجر إلا مواجهة اتهام شيعة العراق بالفارسية باتهام سنته بالتركية.
أما عامل توكيد الذات فقد وجد البيئة الشاذة التي غيرت مساره الايجابي ، وأتجهت به صوب ميول متضخمة لدى سنة العراق لتوكيد الذات والشعور بالقيمة والاعتبار عن طريق الاستيلاء على السلطة وإخضاع الاخرين بالقوة والبطش والمذابح.
لم تكن عمليات قطع الرؤوس مجرد عمل إجرامي أُرتكب كرد فعل على فقدان السلطة من قبل السنة ، بل هو إمتداد لتقاليد وأعراف وقناعات دأبت منذ مئات السنين على إلغاء الاخر وسرقة حصته من ثروات بلده وخطف النساء من الشوارع وإغتصابهن وحفر المقابر الجماعية لأبناء الوطن.
* هذا ليس سادية، وإنما استئثار طائفي بالحكم ليس إلا، ثم تنامى إلى حد وصل إلى الخوف من وصول الآخرين إلى السلطة – الشيعة والأكراد تحديدًا – والانتقام منهم، وهي مشاعر نراها موجودة عند البعض. أما القوة والبطش والمذابح، فإن أقسى ما وصلت إليه هي في زمان المجرم صدام، وهذه لم تكن سادية سنية ضد الآخرين، بل سادية صدامية لم تنج منها لا سنة ولا شيعة، بل ولا حتى أقرب المقربين والأقرباء منه. صحيح، هو تربى على العقد الطائفية، لاسيما وقد رباه خاله طلفاح المعروف بطائفيته الشديدة، ولكن هذه التربية منتشرة، وإنما فعل ما فعل لظروفه الشخصية وعقده هو، وأيضًا – وهو مهم جدًا هنا – بسبب الارتباط بالجنس المتطور الذين يريدنا الكاتب أن نخضع له بعد أن أذاقنا عن طريق إبنه البار ما أذاقنا!
هل السلوك العدواني يقتصر على ابناء الطائفة السنية فقط ؟ .. الجواب مؤكد لا وألف لا ، فأجهزة نظام صدام التي كانت تفتك بالشعب العراقي كانت من : الشيعة والسنة والاكراد وبقية الاقليات ، وما تقوم به اليوم الميليشيات الشيعية من جرائم وحشية هو عمل سادي بشع يعبر عن همجية شوهت كثيرا صورة الشيعي .
* وهنا برز الانسحاب الشيعي العراقي واضحًا (وهو أمر كتبنا عنه فيما سبق)، حيث خشي الكاتب من أن يتهم بالطائفية فدافع عن السنة مباشرة وشتم الشيعة ومليشياتها (وهو طنبور آخر من طنابير أيامنا، إذ كل شيء سيء بسبب المليشيات والصفويين!) على رسلك يا أستاذ، فقد وزعت التهم بالعقد على الجميع فلا تخش شيئًا!
ولكن النقطة الجديرة بالأشارة هي ان العدوانية السياسية والتسلط وإلغاء الاخر أقترنت بالسنة من حيث المبادرة والتخطيط والتنفيذ ... والسؤال الهام هل سيتغير سلوك السنة وعموما الشعب العراقي؟
زئبقية الأكراد
يكره الاكراد وضعهم ضمن النسيج الاجتماعي العراقي، فرغم عدم إعتراض الاقليات أخرى كالتركمان والصابئة والأزيدين والكلدوآشور على النظر اليهم كمواطنين عراقيين، نجد الاكراد حتى الذين عاشوا في مدن الوسط والجنوب وبغداد لمدة مئات السنين فهم جميعاً يرفضون إعتبارهم جزءا من الشعب العراقي، ورغم تمتع الاكراد بخيرات وثروات العراق في كل مجالات معيشتهم، فأنك حينما تسأل الكردي العراقي من أي بلد أنت؟ يجيبك أنه كردي دون ذكر أسم العراق حتى لو كان يعيش هو وأجداده في بغداد منذ مئات السنين فلا يوجد كردي واحد على وجه الارض يشعر بالولاء والانتماء للعراق بل ان الاكراد يعلنون صراحة عن مشاعر الكراهية لكل ماهو عراقي.
* ما أعرضه من ادعاء! كيف عرفت ذلك؟ هل أجريت عملية استفتاء شملت جميع أنحاء العالم وعرفت أنه لا يوجد كردي واحد على وجه الأرض يشعر بالولاء والانتماء للعراق؟ ماذا يقول الكاتب لو قلت بأني أعرف مثلاً مائة وثلاثة وخمسين كرديًا يشعرون بالولاء والانتماء للعراق؟! ما هذا الكلام غير العلمي؟ ومن هم الأكراد الذين أعلنوا صراحة كرههم لكل ما هو عراقي؟ نعم سمعنا، ونظن ذلك صحيحًا، أن مسعود البارزاني يكره بغداد الخ، ولكن هذا شأنه هو. ثم لماذا تريد من الكردي العراقي أن يشعر بالولاء والانتماء للعراق إذا كان يشعر ويعتقد بحقه في أن تكون له دولته المستقلة؟ لماذا جيبوتي وجزر القمر لها دولة، لماذا البوليساريو تدعم الجزائر وغيرها سعيها للاستقلال؟
ويتصف المجتمع الكردي بالطابع العشائري الذي يتخذ شكل جمود صخور الجبال التي تتحطم عليها كل محاولات بلورة وعي نقدي تنويري، فالمحرك الاساسي للشخصية الكردية ليس البديهيات والمنطق والعقلانية، وإنما هو التعصب العرقي العنصري الشوفيني والعناد الذي تشتهر به هذه الشخصية ، وأمام إفتراس مشاعر التعصب لهذه الشخصية يتساوى هنا المثقف والشخص الأُمي الكردي في عدم الايمان ورفض مفاهيم : المواطنة والعيش المشترك وإحترام حق الاختلاف والديمقراطية وحقوق الاقليات.
بل المضحك أن العناصر الكردية في الحزب الشيوعي العراقي قامت بالانشقاق وأسست حزباً شيوعياً كردياً، فتصوروا المفارقة الشيوعيون الذين ينادون بالاممية والمساواة يوسسون حزباً شيوعياً على أساس عرقي قومي.
لقد صنعت الجبال سلوك الاكراد وطبعته بطابع خاص أخذ شكل التخفي والأفلات من أية تعهدات وإلتزامات، فالحماية التي وفرتها الجبال لهم شجعت الاكراد على التمرد والخروج على القانون والهرب والتخفي في الكهوف والافلات، ولهذا تعد بحق شخصية (زئبقية) تجمدت على عتبة المفاهيم العشائرية والشحن الايديولوجي العنصري البغيض وكراهية الاخر شريكها في الوطن، وأمام هذا الجمود المزمن يصبح من الصعب حدوث أي تطور نوعي في المجتمع الكردي فكل قيم الحضارة والتنوير كالحرية والمساواة ومفهوم المواطنة لاتجد لها آذان صاغية أمام التمترس خلف صخور التعصب والانغلاق.
* وهذه دعوى عريضة أخرى، فإننا نشأنا ونحن نسمع من الأهل وغيرهم عن صفة تميز الأكراد في العراق، وهي الإخلاص، وهذا أمر سمعت الدليل تلو الدليل عليه من العديدين. فكيف صارت الطبيعة الجبلية تؤسس للإفلات من التعهدات والالتزامات؟ خيال واسع حقًا. إذًا، لماذا كان ديدن الغربيين – وقد عاش آباؤنا القريبون وعشنا نحن زمانهم – التنصل من التعهدات والكذب والافتراء (ولعل كلمة "أراضي محتلة" أم "الأراضي المحتلة" هي التي أدت إلى ابتلاع معظم الضفة الغربية، بسبب الاختلاف بين النصين العربي والانجليزي لمشروع قرار 242 بعد حرب 1967 وهو مشروع وضعه الغربي لورد كارينغتن، وهو بريطاني لورد مهذب مخلص في تعهداته وذو جينات متطورة حسب كاتب المقال!) والله لم نسمع إلا كل خير من الأكراد الكثيرين الذين كانوا يعيشون في بغداد (بل وحتى في سامراء، وبعضهم عاش في بيت جدي وعم والدي سنين طويلة) والذين كنا لا نشعر بفرق مطلقًا عنهم في المحلة والمدرسة والعمل وما شئت من أماكن، فأين كراهية شريك الوطن؟ ولكن قل كراهية العنصري العربي الذي يريد وضعهم تحت الحذاء، بل والذي......
وسيبقى الاكراد كورم مرض السرطان ينخر في جسد العراق ولن تنفع معهم كافة الحلول السياسية والاتفاقيات والمواثيق ، لذا لايوجد حل للمشكلة الكردية ألا باللجوء الى منح مدن : اربيل ودهوك والسليمانية فقط حق الانفصال وتشكيل دولة كردية مستقلة من هذه المدن الثلاثة وقيام الحكومة العراقية بتسفير الاكراد وترحيلهم من مدن كركوك وديالى والموصل وبقية المدن الاخرى بأعتبارها مدناً عراقية ولايحق لهم بعد الانفصال الاقامة فيها ويتم قطع كافة الحصص المالية التي تدفعها الحكومة العراقية من ميزانية الدولة لهم اذ ان الاكراد يشكلون عبئا ً اقتصاديا ُ ولايستفاد منهم العراق بأي شيء.
* ... يريد تسفيرهم، أسوة بما فعل المجرم صدام! إن هذا النفس، هو عنصري سادي انتقامي، وكان ليهون لو أنه أسس على حقائق وأرقام. وها هو التناقض مرة أخرى: يجب أن نخضع تحت وصاية أمريكا، ولكن الأكراد يجب أن يخضعوا تحت وصايتنا! نحن لا نستطيع أن ندير شؤوننا، ولكن عندما تأتي الدورة إلى الأكراد، نستطيع أن ندير شؤونهم رغمًا عن أنفهم، وإلا نسفرهم ونطردهم ونقطع الأرزاق عنهم!
دوافع الانخراط في النشاط السياسي
كل سلوك بشري يقف خلفه دافع شعوري أو لاشعوري من أجل تحقيق هدف ما، وقضية الدوافع من وراء إنخراط أبناء المجتمع العراقي لممارسة النشاط السياسي تبدو واحدة من أخطر التشوهات النفسية التي أصابة الشخصية العراقية، فأذا كان الفرد المسيس بشكل عام غير مؤمن بالمباديء السياسية التي تخص المجتمع والوطن مثل : الأيمان بحق المواطنة للجميع والديمقراطية كقيمة وممارسة داخل حزبه ومع الاخرين وفي ظل غياب واضح لمشاعر الانتماء الوطني للعراق وتفضيل مصالحه العليا على المصالح الشخصية والحزبية والعرقية والطائفية.
فالسؤال الهام هو: لماذا إذن الانخراط في مجال العمل السياسي اذا كان الساسة لايحترمون مباديء العمل السياسي النبيل التي تهدف الى خدمة الوطن؟.. وبأستثناء العناصر الانتهازية، فأن دوافع الفرد العراقي اللاشعورية التي دفعته للعمل السياسي وتحمل معاناة الملاحقة والاعتقال والاعدامات ليست لها علاقة بالشأن العام، وإنما هي دوافع شخصية محضة، فلو حللنا دوافع عناصر التيارات الرئيسية الثلاثة : الماركسية والقومية والاسلامية سنجد مايلي :
التيار الماركسي :
كان عنصر جذب للكثير من أبناء المجتمع ليس بسبب الايمان بمباديء الماركسية، وإنما لأن الحزب الشيوعي كان يوفر لهم البيئة المناسبة للتعبير عن تمردهم وإحتجاجاتهم على القمع الأسري والعشائري والاجتماعي والديني وإضطهاد السلطة وإعطاء شرعية ودعم من قبل جماعة تشاركهم نفس الميول، وكما هو معروف كان أغلب عناصر الحزب الشيوعي من طبقة العمال والفلاحين البسطاء وكان أكثرهم لايجيدون القراءة والكتابة ولايفقهون شيئاً عن الماركسية، وحتى الحديث بالماركسية والايمان بها من قبل البعض الذي يأتي لاحقا هو غطاء للدوافع اللاشعورية الأصيلة الرافضة للتقاليد والسلطويات المختلفة و ليس له علاقة بالسياسة وأهدافها.
التيار القومي :
ونقصد به العربي وكافة الاحزاب الكردية مهما كانت تسمياتها فهي أحزاب قومية، وكذلك التنظيمات التركمانية، أن تحول الهوية القومية الى أيديولوجيا سياسية عنصرية هو إمتداد لتقاليد ومفاهيم القبيلة بكل ما تعنيه من تخلف وظلامية، ودوافع إنخراط الافراد في الاحزاب القومية هو إحياء لحياة القبيلة وتكريس للعنصرية، ومن الناحية النفسية يحصل الفرد هنا على نفس المشاعر التي تمنحها القبيلة للافراد من مشاعر الامان والقيمة والاعتبار ويتخلص من مشاعر الدونية والنقص من خلال التماهي بالجماعة القبيلة / الحزب، وتغذية نرجسيته عن طريق مقولات وشعارات تلعب على وتر التعصب العرقي والاعلاء من شأنه عبر عمليات الحفر التاريخي والبحث عن أمجاد الماضي وإستحضارها ونفخها وإسباغ صفات البطولة والتفوق بمساعدة أكداس من القصائد الشعرية والحكايات الاسطورية.
التيار الاسلامي :
دخول الاسلام السياسي الى الحياة السياسية يعد من أخطر فصول تاريخ العراق الحديث، إذ أن هذا التيار يعتبر تهديداً حقيقياً للوحدة الوطنية نظراً لطبيعة توجهاته الطائفية، وكذلك يشكل خطراً كبيراً على الحريات العامة والديمقراطية وتنمية المجتمع بأتجاه العلمنة والليبرالية، كلنا يعرف أن أعداداً كثيرة من أبناء المجتمع انخرطوا في التيار الاسلامي وتعرضوا للاعتقال والاعدامات، ولكن رغم كل هذه التضحيات الهائلة فأنهم لم يكن لديهم أي مشروع سياسي وطني لصالح عموم البلد ، فدوافع إنضمام عناصر هذا التيار ليست لها علاقة بالشعارات المعلنة من قبيل محاربة الظلم والدكتاتورية ونشر العدالة والقيم النبيلة في المجتمع، وإنما ترجع الى عوامل لاشعورية تدفع الفرد الى خيار الاسلام السياسي - وليس الايمان بالعقيدة الاسلامية المقدسة - فهذا التيار إستقطب الافراد الذين لديهم ميول (( ماسوشية )) عميقة تدفعهم لمعاقبة الذات عن طريق توريطها في نشاط خطر يؤدي بها الى تلقي العذاب والموت تحت ذريعة الجهاد ونيل الشهادة. لاحظ الاحتفاء والتباهي الغير طبيعي بحوادث الاعتقال والتعذيب والاعدامات من قبل التيار الاسلامي، فليس من المعقول كل هذه الاحتفائية والافتخار الدائم بهكذا مشاهد بشعة، ولو كان الهدف كسب مرضاة الله تعالى ودخول الجنة فأن تحقيق هذا الهدف لايحتاج الى ممارسة العمل السياسي ضمن الأحزاب الدينية، وإنما مجرد العمل الصالح لخدمة المجتمع وأداء العبادات كفيل بتحقيق هدف المؤمن بدخول الجنة.
* هنا أيضًا، يقول بالقطع، وليس حتى باحتمال كبير، وإنما يقطع أن الذين انتموا إلى الحركة الإسلامية أرادوا تعذيب أنفسهم لأنهم سينتهي بهم الأمر إلى العذاب والموت تحت ذريعة الجهاد ونيل الشهادة. ولا أدري على ماذا أعلق وعلى ماذا أسكت، أعلى هذا القطع الذي ربما لا يخلو من وقاحة – مع الاعتذار – ولكن هؤلاء الأفراد الذين يضحون بأنفسهم بدلاً أن يكونوا محط شكر وتقدير صاروا محط رمي بالمرض النفسي. وأنا لا أتكلم عن الذين عاشوا في زمننا، ولكن عن الماضين كلهم، وإلا لا بد أن بلالاً وخبابًا وعثمان بن مظعون وغيرهم من المعذبين في سبيل الله كانوا مرضى نفسيين، لأنهم انضموا إلى الإسلام، الذي كان سياسة وصراع وقتال كما لا يخفى. وماذا يصنع هؤلاء وهم يقرؤون آيات الكتاب العزيز تحث على الجهاد وعلى الصبر وتحمل العذاب من أجل نيل مرضاة الله تعالى، هل يدعونها جانبًا كما يريد السيد الأمريكي الآن (وهو لا بد منه إذا اتبعنا نصيحة الأستاذ خضير طاهر وعشنا تحت وصايته). أما كلمته بأن مجرد العمل الصالح لخدمة المجتمع وأداء العبادات كفيل بتحقيق هدف المؤمن بدخول الجنة فهي تنم عن عدم معرفة بأن العمل الصالح عنوان عريض يقع تحته الجهاد والنضال ضد الطغاة والظالمين، كما أن أداء العبادات يتضمن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وهذا كله يضعه أستاذنا تحت عنوان المرض النفسي. وهكذا، فإن المفكر الكبير السيد محمد باقر الصدر مريض نفسيًا، والسيد الخميني كان مريضًا نفسيًا، والسيد محمد حسين فضل الله يعاني اليوم من المرض النفسي... لقد هزُلت حقًا.
أن العملية السياسية برمتها و بمشاركة كافة الاحزاب طوال تاريخ العراق الحديث كانت عبارة عن صراعات وإنقلابات دموية وعبث وتوريط أبناء الشعب ودفعهم الى المعتقلات والاعدامات ولعل أخطر ما فيها هو ان النشاط السياسي للفرد العراقي المتحزب كان دوماً يفتقر للأهداف الوطنية المخلصة التي تهتم بمصالح العراق أولاً بعيدا عن المصالح الشخصية والحزبية والطائفية والقومية ، ولاغرابة من فشل الاحزاب والنخب السياسية منذ تأسيس الدولة العراقية الحديثة 1921 ولغاية الآن في بناء دولة وطنية علمانية حديثة لأن من يقود العملية السياسية كانوا ومازالوا مجرد أناس مشوهة نفسيا وعقليا واخلاقيا فشلت حتى في الوصول الى مستوى حياة حشرات النمل في التنظيم والتعاون والعمل من أجل مصلحة الجميع!!!
غياب رجل الدولة
لعل من أحد أكبر عيوب الشخصية العراقية المزمنة هو الافتقار الى وجود رجل الدولة الذي يتمتع بمزايا الكاريزما والقوة الداخلية المشعة على المحيط المقرونة بالذكاء والقيم الاخلاقية والانتماء الوطني الحقيقي والقدرة على أستقطاب الجماهير وجمع الفرقاء والسير بهم بأتجاه هدف واحد لدى الجميع وهو بناء الوطن.
في مجتمع أبوي / سلطوي كالمجتمع العراقي الذي تقوم فيه العلاقات الاجتماعية على التراتبية وفق نمط (الراعي والقطيع) ، حيث تنعدم فيه المساواة وتفصله مسافات شاسعة عن دولة المؤسسات.. يصبح من الضروري وجود رجل الدولة كحاجة ملحة لممارسة دوره السياسي والرمزي الابوي الذي يحل محل سلطة الاب وشيخ القبيلة ورجل الدين.
لقد عانى العراق كثيراً من عدم وجود رجل الدولة الوطني من طراز العظماء : تشرشل وديغول وجورج واشنطن وميتران... وكان البلد تائهاً في صحراء الانقلابات العسكرية والصراعات الحزبية الصبيانية والتكالب على الاستئثار بالسلطة.
وتعتبر منظومة التقاليد والاعراف والأساليب التربوية في البيت والمدرسة والجامعة وعموم الثقافة العراقية مقبرة حقيقية قامعة لنمو وتفتح شخصية الفرد وتنمية قدراته الطبيعية في التعبير عن ذاته بعفوية داخل محيط الأسرة وفي مختلف نواحي الحياة، فكل شيء تجده مأزوما ومتوترا وغير عفوي اذ لايوجد إحترام لحق الاختلاف وحرية التعبير، والبعد الانساني مفقود في العلاقات الاجتماعية حتى لو حفلت بالعواطف الهوجاء المتطرفة في حالتي الحب والكراهية.
* هذا صحيح في بعضه، ولا بد من تغييره لإطلاق الفكر والعقل والتطور وحرية الاختلاف واحترام آراء الآخرين. ولكن هذا لا ينحصر في العراق فقط، هذا أولاً، وغير صحيح القول بأن جميع الأعراف والأساليب التربوية خطأ، ثانيًا، لأن بعض هذه الأعراف إنسانية عالمية، ولأن الأساليب التربوية المتبعة هي من بنات أفكار الغرب في الكثير منها حيث دخلت مع المدارس الحديثة، إلا أن الذي يحدث هو أن الغرب يطور ويحدث بناء على التجربة والخطأ، أما عندنا فالأمر يستغرق وقتًا أطول وأيضًا يخضع لمزاجيات الحكم.
وينظر دائماً الى موضوع الزعامة بمعناه الايجابي الشامل .. ينظر الى هذا الامر من قبل المجتمع بالكثير من الشكوك والاتهامات والتخوين والسخرية... أذ يتم الخلط بين مفهوم الزعامة الوطنية الشريفة الضرورية لضبط إيقاع المجتمع وتوحيده، وبين الساسة الانتهازيين الذين إغتصبوا السلطة ومارسوا القمع الدكتاتوري وأحدثوا الكوارث المعروفة، وأيضا ينظر كذلك معهم الى الساسة الانتهازيين من خارج السلطة الذين تاجروا بدماء الشعب ومصيره، ومع هذا ورغم كل هذه الاعتراضات تجد ان قطاعات كبيرة من المجتمع تنقاد الى زعامات دينية وعشائرية وسياسية هزيلة بلا مصداقية ولعل هذا السلوك يكشف ليس عن أزدواجية الشخصية العراقية، وإنما عن تعدديتها وتشظيها وإضطرابها المميت.
* هذا صحيح أيضًا، وسببه اغتصاب السلطة والقمع والكوارث كما ذكر الكاتب. أما ردة الفعل بالانقياد إلى زعامات دينية وعشائرية فهو ليس بالمطلق، لأننا عاصرنا كيف أن قطاعات واسعة انقادت إلى الحزب الحاكم وأجهزته الحزبية والقمعية. أما الانقياد إلى زعامات دينية وعشائرية فهو ليس حالة سلبية بالمطلق، لأنه ثبت أن الزعامات الدينية يمكن لها أن تقوم بدور إيجابي كبير، كما أن الزعامات العشائرية يمكن لها أن تقوم بدورها في ضبط الأوضاع في دائرتها الضيقة. وإلا هل كان النبي (ص) جاهلاً عندما كان يبقي شيخ العشيرة على رئاسة قومه ويبقي الترتيب العشائري كما هو – حيث تسير الأمور بسلاسة – ويرسل صحابيًا أو اثنين مهمتهما تعليم الفرائض فقط، أي ليس لهم أن يتدخلوا بشؤون القبيلة والعشيرة. وكذا فعل الخلفاء من بعده، حتى عندما كانوا يمصرون بلدًا كالبصرة والكوفة فإنهم كانوا يقسمون السكن فيها بين القبائل ويبقون على التمثيل القبلي للقبيلة عند الخليفة أو الوالي. وتثبت الأحداث اليوم أن القبيلة والعشيرة هي أقل الجميع طائفية، لأن العامل الطائفي لا يشكل نفس الدرجة من التأثير كما العوامل الاقتصادية والاجتماعية فيها.
وفي ظل أجواء سلطوية مليئة بالممنوعات والمحرمات وإنعدام كل أشكال الحرية والاساليب التربوية العلمية السليمة.. سيكون من الطبيعي أن يصاب الفرد بمرض (( الخصاء النفسي )) وتكمم قدراته وتقتل مواهبه في مجال الزعامة وأخذ زمام المبادرة لقيادة المجتمع قيادة حقيقية بعيداً عن الاعتماد على أسم العائلة وسلطة القبيلة والقدرات المالية وشبكة العلاقات والحيل لخداع الجماهير.
ان الدرس العراقي المستخلص من هذه التجربة الدامية الممتدة منذ قيام العراق الحديث سنة 1921 هو أنك لاتستطيع نزع جلد المجتمع وتغيير بنيته مهما كانت النوايا حسنة والمخططات علمية سليمة وتصب في مصلحة الشعب ، فمحددات الشخصية العراقية - غالباً - ماتكون ضد المنطق والعقل ومسار الخير.
* إذًا، كيف تغيرت المجتمعات الغربية التي كانت تعيش معيشة الوحوش؟ وهل تغيرت محددات الشخصية الانجليزية مثلاً من شخصية متوحشة قاسية متخلفة إلى محددات صنعت منها دولة ومجتمعًا كان يسود نصف الكرة الأرضية؟ وكيف تغير محددات الشخصية الألمانية حيث كانت ألمانيا عبارة عن عشائر تسمى البرابرة لتصبح واحدة من أكثر البلدان قوة اقتصادًا وعلمًا وإدارة؟ وماذا عن اليابان التي كان كبراؤها يدهم على السيف، يضربون الآخرين من الصينيين وغيرهم من جانب، ويطعنون بطونهم كردة فعل على الأخطاء في القيادة أو الإدارة والحروب من جانب آخر، وها هم أسوة بألمانيا سادة العالم في الاقتصاد والاختراعات؟ هذا كلام يائس مرفوض ينبع من مشاعر بالدونية أمام الآخرين – ربما ماسوشية!
الفشل في النشاط الجماعي المؤسساتي
الفشل في النشاط الجماعي مشكلة مزمنة بحجم الكارثة تتجسد على شكل إخفاق دائم في كافة النشاطات المؤسساتية إبتداءاً من النشاط الحزبي لجميع الاحزاب ونزولاً الى النقابات والجمعيات والاتحادات، حتى ادارة مساجد العبادة التي يفترض توفر نكران الذات بمن يشرف عليها فشل العراقيون في إدارتها بما فيها المساجد في أوربا وأمريكا الموجودة في وسط مناخ ديمقراطي وبلدان تشتهر بالعمل المؤسساتي ومع هذا تجد المشاكل بين المشرفين عليها من العراقيين وحدوث الصراعات والانشقاقات بينهم.
* هذا صحيح جدًا، ولكن هنا ثلاث نقاط: (أولاً) أليس هؤلاء العراقيون أبناء المحنة ذاتها؟ هل يتوقع لهم أنهم مجرد أن يغادروا العراق ينقلبوا شيئًا آخر وكأنهم ما كانوا تحت القمع والتسلط وكم الأفواه ومنع الرأي الآخر، مما ذكره الأستاذ في مقاله؟ فكيف يتوقع لهم ألا يكونوا هكذا؟ (ثانيًا) إنه من الطبيعي أن التأقلم والتعلم لا يمكن أن يكون من الجيل الأول للمهاجرين، أيًا كانوا ومن أي بلد جاؤوا وإلى بلد هاجروا، لذا يجب النظر إلى ما سيكون عليه الحال مع الجيل الثاني والثالث وما بعده. وها هم الهنود والبنغاليون مثلاً، الكثير من الجيل الأول لا يحسنون التحدث بلغة البلاد التي هاجروا إليها، فهل هذه سبب الماسوشية أم السادية أم الزئبقية عندهم؟! (ثالثًا) بالمقارنة بين العراقيين وغيرهم من العرب، وهم الأقرب في الشخصية والعادات والذوق، لا نجد أن العراقيين يعيشون حالة من الفشل أكثر من غيرهم، ولعل العاملين في هذه المجالات يعرفون ذلك. (رابعًا) نحن نقول أن الشخصية العراقية فيها "ذكاء فيه جانب سلبي" وهو جانب يدعو إلى الاختلاف، وما ذلك إلا لأنهم تربوا على قولة "لا" للحاكم، ومنذ أيام علي (ع). وقد حدثنا التاريخ عن العراقيين – رجالاً ونساءً – الذين كانوا يفدون على معاوية في الشام وكيف كانوا يحدثونه بكل عنفوان وهو يقول لهم: هيهات يا أهل العراق، لقد لمظكم ابن أبي طالب الجرأة على الحكام. وقد كان من أمرهم، بالسلب هنا، أنهم آذوا عليًا (ع) حتى قال: "أفسدتم عليّ رأيي" إن صحت الرواية. ولكن بالمقارنة مع الذين كانوا يتبعون معاوية اتباعًا أعمى، ترى من يختار الكاتب الفاضل، لاسيما وهو يدعو إلى إطلاق حرية الفكر والرأي الآخر وعدم الانسحاق أمام الآخرين؟
قبل الدخول في تفاصيل هذه المشكلة يجب التفريق أولاً مابين الطاقات الفردية التي أنجبها المجتمع وقامت بمبادرات إجتماعية ووطنية وأمتلكت مواهب متميزة ، فقد حفل العراق بالطاقات الفردية العظيمة ، ولكن كان تأثيرها معدوماً ولم تحقق النجاح المطلوب ضمن إطار العمل الجماعي.
وكما هو معروف أن النجاح في العمل المؤسساتي يعبر عن درجة الرقي الحضاري وحضور سلطة العقل في تنظيم الحياة والشعور بالمسؤولية حيال المجتمع والوطن وهو ما يتطلب توفر صفات نكران الذات ، والاستمتاع في ممارسة العمل الجماعي النبيل لخدمة الناس وتنظيم الحياة وديمومتها.
يؤمن التحليل النفسي أن المحرك الاساسي للسلوك ـ ليس العقل ـ وإنما هو منطقة اللاشعور وما تحويه من غرائز وذكريات وترسبات وعُقد تغذي الفكر والمشاعر والسلوك وفق منطقها ونظامها الخاص، وليس وفق ما يريده العقل، فالعمر الزمني والتعليم والثقافة لاتعني أن الشخص متوازن نفسياً ويستطيع الانخراط في المجتمع ويساهم في أدارة شؤونه.
ومن أهم المعوقات التي تسبب الفشل في النشاط المؤسساتي هي :
- المبالغة في محاولة توكيد الذات.
- إنعدام وجود الايمان في قيم الخير والاستمتاع بالعمل الجماعي.
- الشك في نوايا الاخرين.
* وهذه هي الأخرى من نتاج المحنة، التي كانت محاطة بالمخابرات والأمن والشك والكذب والمؤامرات. لهذا تجد الفرد الغربي يصدق بسذاجة عجيبة كل ما يلقى إليه في وسائل الإعلام لأنه تربى على صدق السياسي والحاكم والصحفي. أما الإيمان بقيم الخير فكيف علم بانعدامه؟ دائمًا دعوى كبيرة بالمطلق لا تقوم لا على إحصاء ولا غيره. إذًا، ما الذي تقوم به جمعيات الأيتام والأرامل والتي كانت وما تزال تحاول جهدها في هذا الشأن. نعم هو جهد أقل بكثير من الحد الأدنى، ولكن هذا نتاج المحنة والظروف الضاغطة التي تحتاج إلى وقت لتغييرها.
بالنسبة لقضية المبالغة في توكيد الذات داخل إطار الجماعة فأن سبب إنحراف هذه النزعة عن مسارها الطبيعي يعود الى الشعور بالدونية والنقص الذي يدفع صاحبه الى الهرب من هذا المرض المؤلم فيصدر عنه رد فعل يأخذ شكل سلوك متصلب خشن وميول للتسلط والدكتاتورية وبالتالي يصعب عليه التكيف والانسجام مع الجماعة في نشاط ما ولهذا ترى الصراعات أجل الهيمنة والتسلط الذي يتيح للفرد الهرب من شعوره القاسي بالنقص، وهذا الوصف ينطبق على كل من يحاول الظهور بمظهر الانسان القوي الشخصية، فرغم كل مظاهر العنتريات التي التي يبدو عليها ألا انه في حقيقته هو انسان ضعيف ومهزوز ومعذب بمشاعر النقص هذه.
أما إنعدام وجود الايمان في قيم الخير والاستمتاع بالعمل الجماعي، فأن التشوهات النفسية تحول دون تحسس القيم العليا وتذوقها لذاتها بأعتبارها تمثل الخير المطلق بغض النظر عن درجة الالتزام بمفاهيم وأحكام الدين، فالترقي النفسي للوصول الى مرتبة عشق القيم النبيلة وممارستها على أرض الواقع.. تستوجب مغادرة الفرد بسلام لمرحلة ( نرجسية الطفولة ) والخروج من شرنقة الذات والعمل بشكل معافى مع الجماعة وهذه المرحلة تتطلب نضوجا في الجانب الاجتماعي في الشخصية.
بقية قضية الشك في نوايا الاخرين وإنعدام الثقة فيهم كأحد أسباب مشاكل العمل المؤسساتي، فأن هذا الشك هو عرض لمرض الشيزوفرينيا / الانفصام الذي من مظاهره الشكوك الدائمة بالاخرين وتوهم غدرهم وتأمرهم.
أن المجازر النفسية التي يتعرض لها الفرد العراقي والذي ما أن يفتح عينه على الحياة حتى يجد نفسه مطوقاً بسلسلة من الاعراف والتقاليد والثقافات والممارسات من مختلف الجهات.. هذه المجازر كفيلة في قتل فرص التمتع بالصحة النفسية ووقف نمو الشخصية ونضج مشاعرها وإنفعالاتها وميولها وتحسسها للقيم وقدرتها على التكيف مع الجماعة.
والسؤال المصيري الذي يواجه العراقيين جميعا هو : اذا قد كنا فشلنا في كافة تجاربنا الحزبية والنقابية وكل نشاط جماعي يتطلب الاتحاد كفريق واحد والعمل من اجل مصالح العراق ... واذا قد كنا فشلنا في هذا الركن الاساسي في بناء الوطن والمجتمع وتقدمه هل فكر احد منا كيف سنبني العراق ونحافظ عليه ونحن مازلنا نتعامل بأنانية صبيانية تمليها علينا مصالحنا الشخصية والحزبية والطائفية والعرقية ونسينا مصلحة الوطن المقدسة ؟!
غياب إحترام حق الاختلاف
في مجتمع أبوي قائم على نظام الراعي والقطيع وتتجذر فيه الاعراف القبلية وسلطة المؤسسة الدينية وتشيع فيه مفاهيم مغلوطة تضفي الشرعية على القمع والسلوك الدكتاتوري وإلغاء الأخر المختلف من قبيل المفاهيم التالية:
((الأب هو الرب الثاني / الأكبر منك بيوم أكبر منك بسنة / فلان شخص مهذب يذهب ويجيء في طريقه صامتاً لادخل له بما يحدث من حوله / الانسان الجيد هو الذي يسمع نصائح الاخرين الاكبر منه سناً / فلان يبدوعليه شخص سيء غير مهذب لايسمع نصائحي وكلامي / لقد قطعت علاقتي به وانهيت صداقتي معه لانه شخص عنيد وافكاره لاتعجبني ولايفكر مثلي/ انه صديق جيد ينسجم ويتطابق معي في كل شيء)) هذه طائفة من المفاهيم المشوهة والخطيرة التي تتحكم بمفاصل العلاقات الاجتماعية وطريقة التعامل مع الاخر المختلف.
ترتكز ممارسة الحريات العامة والديمقراطية السياسية على قاعدة أساسية هي ضرورة الايمان بوجود (( فروق فردية )) بين البشر من حيث القدرات والمواهب والافكار والمشاعر والامزجة وردود الافعال والسلوك ومن حق كل أنسان التعبير عن ذاته وإختلافه عن الاخرين، وبناءا على هذا الايمان والقناعة بوجود هذه الفروق الفردية ينتج إحترام حق الاختلاف من قبل الناس الاسوياء والمجتمعات المتحضرة.
ويلعب مرض (( العصاب / خلل وظيفي)) دوراً رئيساً في شيوع الدكتاتورية بشقيها الاجتماعي والسياسي وإنعدام إحترام حق الاختلاف، فالشخص العصابي مأزوم دائماً ويرتدي عدة أقنعة إجتماعية، ويعتمد شعوره بالاستقرار والامان النفسي وقيمته أمام نفسه والمجتمع على درجة مقبوليته من قبل الاخرين وأنسجامهم مع أفكاره وتصرفاته، وفي حال حدوث أي إختلاف معه في التفكير والقناعات والسلوك سيشعر ان أحساسه بالامان النفسي مهدد وعندها ستتحرك في داخله مشاعر الدونية والنقص وستصدر عنه ردود افعال عدوانية تأخذ عدة أشكال كأستخدام السخرية والتهكم وشتى أنواع العدوان اللفظي وربما يتطور الأمر الى أستعمال القوة والسجن والاعدامات والحرب الأهلية في المدن .
لقد أثبتت الاحداث خطر الديمقراطية على المجتمع العراقي.. فقد أنطلقت غزائز المجتمع البدائية واصبحت الاكثرية من مختلف الطوائف والاعراق تتعامل بصورة إفتراسية وحشية فيما بينها ومع الوطن والممتلكات العامة وأنتشر الفساد الاداري والارهاب والقتل ... أنه ألأنفلات من أسطبل الدكتاتورية الى فوضى الشارع الذي تتلاعب به الاحزاب وأجهزة المخابرات الايرانية والسورية وعملاؤها.
* (أولاً) ظني أن الكاتب لا يعرف الفرق بين الديمقراطية وبين الانتخابات وإطلاق الحريات وغير ذلك. الديمقراطية هي حكم الشعب بنفسه من خلال نوابه، في مقابل حكم الله من خلال نواب الشعب مثلاً، أو حكم الحزب الواحد. بمعنى أن الأمر المركزي في الديمقراطية هو حكم المجتمع كما يرى نوابه من خلال العقد الاجتماعي، بعيدًا عن التشريعات السماوية. أما الانتخابات فهي آلية تعتمدها الدول الديمقراطية وغيرها، بل حتى أن الاتحاد السوفياتي كان يجري انتخابات، بل إن الانتخابات في الدول الديمقراطية يمكن أن تأتي بالدكتاتورية كما حصل في ألمانيا الثلاثينات. أما ما حدث في العراق فهو غياب سلطة القانون من جهة، والعمل الإجرامي للسلطة التي انهارت من أجل تدمير المجتمع ومحاولة العودة من جديد من جهة ثانية، وعمل الدول التي تريد الانتقام أو التخريب كيلا تبدأ المحاولة معها من جهة ثالثة. وما قول الكاتب عن المخابرات الإيرانية والسورية إلا دليل على هذا لا العكس. وإني لا أدري والله كيف يقبل إنسان لنفسه وقومه أن يختار الكبت وعدم الاختيار وعدم الحرية التي تتمتع بها شعوب لا تختلف عنه كثيرًا سواء من العنصر أو الدين أو المنطقة... إن هذا من أعراض الأمراض النفسية بكل تأكيد.
(ثانيًا) عندما انقطعت الكهرباء في مدينة نيويورك في الثمانينات لمدة 45 دقيقة فقط، كان حجم السرقات من البنوك والمحال التجارية هائلاً – ثلاثة أرباع الساعة، وغير منتظرة، ومع ذلك قامت العصابات في تلك الفترة القصيرة بسرقات لا مثيل لها. وفي التسعينات الشيء ذاته في لوس أنجلس، وهذا في وضح النهار ونقل التلفزيون الناس وهم يسرقون المحلات التجارية "عيني عينك". أما قبل سنتين، فإن الإعصار والفيضانات في جنوب أمريكا فضح الطبيعة الرائعة لمن يريدنا الكاتب أن نعيش تحت أقدامهم حيث السرقات واغتصاب النساء والجرائم على اختلافها، ومن ضمنها سرقات الدولة والحكومة الفيدرالية لما خصص لإعادة الإعمار والتعويضات. فماذا يقول عن ذلك؟
ان من أخطاء الديمقراطية هو مثاليتها وتفاؤلها المفرط في توهم ان نظام الحكم السياسي الديمقراطي هو وصفة سحرية ناجحة لكافة المجتمعات من دون مراعاة الفروق البنيوية للمجتمع المراد تطويعه للديمقراطية ، وسنشرح لاحقا كيف ان الانسان العراقي لايصلح للديمقراطية حتى أولئك الذين عاشوا سنوات طويلة في أروبا وأمريكا في قلب الديمقراطية .
* ويبدو أننا بدأنا نقترب من بيت القصيد! لا نستحق الديمقراطية (يقصد حرية الانتخاب والتبادل السلمي للسلطة لا الديمقراطية بمعناها الذي أشرنا إليه والذي يبدو أن الكاتب غافل عنه).
مشاعر الانتماء الوطني
أحد أسباب خراب العراق يكمن في غياب مشاعر الانتماء الوطني لدى الغالبية العظمى من المواطنين وخصوصاً النخب السياسية التي تلهث خلف مصالحها الشخصية والحزبية والطائفية والعرقية وهنا مكمن الكارثة ، علماً ان هناك فرقا بين مشاعر الانتماء الوطني الحقيقي، وبين الحنين للمكان والمدينة والازقة والشوارع والعادات والتقاليد، فالحنين شعور عفوي تشكل بفعل الاعتياد والادمان ولايترتب عليه أي التزام إخلاقي وسياسي وطني، بينما الانتماء الوطني موقف وخيار وشعور شريف بالمسؤولية وتفضيل واع لمصلحة الوطن على كافة المصالح الاخرى.
* يتهم "الغالبية العظمى" بعدم تمتعها بمشاعر الانتماء الوطني الحقيقي، طبعًا دون دليل ولا حتى قرينة. صحيح الحنين وغير ذلك ليس هو الأساس، ولكنه "موقف وخيار وشعور شريف بالمسؤولية وتفضيل واع لمصلحة الوطن على كافة المصالح الأخرى" كما قال. ولكن كيف نصنع الموقف إذا كان الانضمام إلى الأحزاب وراءه عقد نفسية ورغبة في تحطيم الذات وتعذيبها؟ وكيف نختار إذا كان بعضنا يريد تسفير البعض الآخر – كما دعا هو لتسفير الأكراد – أو يخضعون له؟ وكيف يكون الشعور الشريف بالمسؤولية (وإن كنت لم أفهم ما معنى "شريف" هنا) ونحن نرى المدرسين والأطباء والموظفين ورجال الشرطة والمزارعين والعمال وغيرهم الكثير يحاولون القيام بواجباتهم في ظروف لا مثيل لها من الصعوبة؟ وكيف يكون التفضيل لمصلحة الوطن على المصالح الأخرى إن لم يكن التضحية بالنفس من أجل الوطن "والجود بالنفس أقصى غاية الجود" والذي اعتبره رغبة في العذاب وأن نيل الجنة يمكن أن يكون بالطرق الأخرى؟ لينظر كيف يتخلى الغربي عن انتمائه عندما يتعرض لعشر معشار ما تعرض له العراقي، هؤلاء الغربيون المدللون الذين صار حتى الجنود ورجال الشرطة والإطفاء يذهبون إلى العلاج النفسي بعد الخدمة أو الحوادث لأنهم لا يحتملون ما تتضمنه مهنهم! بل لينظر إلى بعض العرب الذين يتغنون ببلادهم إلى درجة تعصبية قبيحة، ثم يبيعونها برخص التراب مع أول فرصة للتوطن في الغرب، لاسيما أمريكا كعبة العرب الأولى.
من اسباب إنعدام وجود مشاعر الانتماء الوطني.. هو عملية الخلط بين السلطة والوطن، فرغم غياب حقوق المواطنة ومصادرتها من قبل السلطات المتعاقبة على حكم العراق، وحرمان المواطن من حقوق : المساواة أمام القانون، والتوزيع العادل للثروات، والمشاركة في صنع القرار السياسي والتعبير عن افكاره بحرية... ألا أنه حصل خلط تمثل في زحف مشاعر الكراهية على ظلم السلطة الى صورة الوطن فتساوى في الكراهية السلطة والوطن وهذه مشكلة في الادراك والوعي يتحمل الجميع مسؤوليتها.
* ها هو يعدد ما جرى على المواطن العراقي على أيدي السلطات المتعاقبة، ثم يريد منه أن يتصرف برد فعل كما الغربي الذي يعيش في استقرار الدولة والمجتمع والحقوق المعيشية. نعم، حصل خلط بين الوطن والحاكم عند البعض، ولكننا لم نجد أحدًا صار يكره العراق (قال "مشاعر الكراهية")، وذلك بضمنهم الذين هجروا وعذبوا وقتل إخوانهم وأعزاؤهم، فمن أين جئت بهذه الفرية على الملايين؟
ولهذا على سبيل المثال نجد المواطن العراقي لايحافظ على الممتلكات العامة ، وعند أقرب فرصة ممكنة نجده يسرق وينهب ويحطم ممتلكات الدولة ودوائرها باعتبارها رمزاً للسلطة الغاشمة ، ولعل صور الفساد الاداري البشعة هي احدى تطبيقات زحف مشاعر الكراهية للسلطة الى صورة الوطن ومؤسساته ، فالمواطن العراقي للأسف لايشعر بأي حرج او تأنيب ضمير او حرمة اخلاقية ودينية عندما يقدم على سرقة الدولة والمال العام !
* وهل هذه وقف على العراقي؟ هذه ردة فعل طبيعية لمشاعر الكبت التي تسببها السلطات الغاشمة. ولكن هنا في الغرب أيضًا: كلما كانت المنطقة تعاني من مشاكل كزيادة البطالة والفقر (طبعًا ليس كفقرنا!) تجد الجدران تمتلئ بالشتائم والكلمات النابية، وتجد الصبغ على إشارات المرور، بل وتجد تحطيم مصابيح الشوارع وغير ذلك. هذا وقد ذكرنا ما حصل في أمريكا من سرقة للمال الخاص والعام في أحداث انقطاع الكهرباء والفيضان. نفس الشيء حصل في مناطق أخرى من العالم، ومنه الغربي، كالذي حصل في فرنسا من قبل الشباب في حرق السيارات والشوارع لأيام طويلة عندما كان الرئيس الحالي ساركوزي وزيرًا للداخلية.
العامل الاخر هو تنازع الاستقطابات والانتماءات العشائرية والمناطقية والطائفية والعرقية وإفتراس مشاعر التعصب وتغييبها وحجبها لمشاعر الانتماء الوطني مما يعكس حالة من التدني في المستوى الحضاري للأفراد والمجتمع.
وكذلك يوجد عامل اخر هو تعرض الافراد لمشكلة الاحتجاز داخل قوقعة ( الطفولة النفسية ) وضآلة درجة النضج الوجداني/النفسي نتيجة المؤثرات الاسرية والاجتماعية والثقافية التي جمدت تمدد وتفتح وترقي الشخصية نفسياً وثبتتها على مرحلة الطفولة النفسية ومنعتها من النضج والشعور بالمسؤولية والانفتاح على القضايا العامة بأخلاص بغض النظر عن العمر و درجة التعليم والثقافة.
ان المرتكز الأساسي لبناء الأوطان يعتمد على مدى توفر مشاعر الانتماء الوطني لدى الاحزاب والنخب السياسية والجماهير ، وفي العراق ومنذ تأسيسه الحديث سنة 1921 لم ينجب المجتمع ايا من الاحزاب والنخب السياسية الشريفة الوطنية التي تضع مصالح العراق أولا ، وكانت كافة التضحيات وماتعرض له ابناء العراق من سجون وتعذيب وأعدامات هي غالبا لأسباب حزبية وليست وطنية ، فالشيوعي كان يسجن ويعدم لأنه كان يتآمر على الدولة لغرض الهيمنة على السلطة وتحويل العراق الى بلد شيوعي وهذا ليس نضالاً وطنيا من اجل جميع العراقيين وانماهو عبارة عن اطماع حزبية ، وكذلك الاسلامي عندما كان يسجن ويعدم فأن تضحياته كانت لغرض تطبيق نظام حكم اسلامي في العراق بعد الاستيلاء على السلطة وبالتالي فأن مشروع الاسلاميين ليس وطنيا وانما طائفيا خطرا على مستقبل العراق ، ونفس الكلام ينطبق على التيار القومي الذي كان يريد تطبيق القومية العربية العنصرية ، وكذلك العصابات الكردية التي كانت عبارة عن مجموعة من المرتزقة وبندقية للإيجار بيد اعداء العراق
* وهكذا لم يبق سياسيًا أو حزبيًا أو حزبًا شريفًا في العراق وعلى طول الـ 86 سنة الماضية! هل رأيتم جلدًا للذات مثل هذا... هذا إن كان يشعر أنه جزء من هذا الشعب أصلاً. واللطيف في القول، وهو ينم عن عدم فهم لا يصدق، أن السجون والتعذيب والاعدامات كانت غالبًا لأسباب حزبية وليست وطنية – إذا كان الحزب، أي حزب، يعمل من أجل إصلاح الأحوال في البلاد، فإنه من الطبيعي أن نعتبر أن أي أذى يلحق به هو لمصلحة الوطن، ولكن يبدو أن الأمور مقلوبة فهمًا عند البعض. اللهم إلا أن يكون السجن والتعذيب والقتل من نصيب غير الحزبيين حتى يكون ذلك من أجل الوطن، وهذا لم يقل به أحد فيما نعلم. وألطف منه أن الإسلاميين كان مشروعهم ليس وطنيًا والتيار القومي عربيًا والشيوعيين لتحويل العراق إلى بلد شيوعي، ماذا يظن إذًا؟ أن يعمل الإسلاميون على جعل العراق غربيًا والشيوعيون على جعله رأسماليًا والقوميون على جعله أعجميًا؟! ألا يعملون من أجل الأهداف التي يرفع شعارها الحزب الذي ينتمون إليه – بغض النظر عن درجة الصدق والإخلاص عند القادة أو الارتباطات المشبوهة وغير ذلك. هؤلاء بتضحياتهم الكبيرة لم تكن لأجل الوطن ولكنه هو بدعوته إلى الخضوع إلى الأمريكان – وهي دعوة توصف من قبل الأمريكان أنفسهم بالخيانة – هي من أجل الوطن! وما عشت أراك الدهر عجبًا.
وبناءا على هذا الغياب المريع لمشاعر الانتماء الوطني سوف ستفشل كل بنود الدستور مهما كانت براقة وجذابة وهامة، وستفشل كل مشاريع التنمية والبناء، وستفشل كل الجهود حتى على مستوى تنظيف مجاري مدينة بغداد.. طالما لاتوجد مشاعر إنتماء وطني لدى المواطن والسياسي.
التلاقح الحضاري
يكمن امتياز الانسان في كونه يمتلك القدرات العقلية التي تمكنه من تغيير الواقع بفضل عمليات التفكير والتفكيك والتركيب والابداع وهذا يتطلب وجود مرونة عقلية تتصف بالقدرة على التعلم وهضم المعرفة وإعادة انتاجها وفق ظروف الزمان والمكان ومقتضيات المصلحة الفردية والجماعية.
وأذا سألنا : هل أستفاد المجتمع العراقي من معطيات الحضارة ؟.. يكون الجواب بالنفي قطعاً ، فعلى الصعيد السياسي إندفع العراقيون للانخراط في تنظيمات : ماركسية وقومية وأسلامية.. لم تحقق للبلد متطلبات التنمية والديمقراطية وكبدته خسائر كثيرة في الارواح وتبديد الثروات الوطنية، وقد كان السلوك السياسي للشخصية العراقية ضد البديهيات والمنطق ومصالح العراق وإتصف على الدوام ومازال بالتخبط والعشوائية والتدمير الذاتي.
كانت الفاجعة الحضارية الكبرى التي فجعنا بها تتعلق بأحوال أبناء المجتمع العراقي المقيميين في أروبا وأمريكا وكندا وأستراليا، فهؤلاء وفق القوانين الطبيعية للترقي الاجتماعي والحضاري والتأثير والتأثر.. يفترض بهم أنهم تعلموا من تجربة هذه المجتمعات الناجحة في مختلف المجالات وخصوصا فيما يخص العمل المؤسساتي وسلطة القانون واحترام الحريات العامة.
ألا أن هذه التجمعات العراقية فشلت تماما في التكيف مع إنجازات الحضارة وتطوير ذاتها.. فقد أخفقت على الصعيد الجماعي في تأسيس جمعيات وأتحادات وأحزاب وطنية ديمقراطية تعمل لخدمة العراق، حتى على صعيد السلوك الفردي اليومي نجد المهاجر العراقي ـ غالبا ـ ما يلجأ الى أستغلال أجواء الحرية وحقوق الانسان للاحتيال على القوانيين والقيام بمختلف أعمال الغش والسرقة داخل الدول التي وفرت له اللجوء والسكن والراتب الشهري ومنحته جنسيتها ـ ونحن هنا لانعمم على جميع المهاجرين وإنما نتكلم عن الغالبية العظمى.
* أجبنا عن ذلك فيما سبق وقلنا أن ذلك يستدعي وقتًا وأجيالاً. وأما استغلال أجواء الحرية والاحتيال على القوانين فليس من اختصاص العراقيين فقط، بل يقوم به الجميع من عراقيين وغيرهم من العرب والعجم، وحتى الأوروبيين الذين صاروا يفدون إلى الغرب من بوسنيا وبولونيا وروسيا وغيرها، وهو أمر معروف تمامًا.
لقد بات سلوك ـ غالبية ـ العراقيين في المهجر مثيرأ للاشمئزاز، فهل يعقل أن يمارس العراقيون في قلب الدول المتحضرة طقوس عاشوراء وضرب الرأس بالسكاكين والانغلاق والتقوقع داخل تجمعات تشبه أقفاص الدجاج، ومن المقرف سماع الدعوات الطائفية والعرقية تصدر عن الجاليات العراقية التي تعيش في بلدان علمانية ليبرالية تطبق مفهوم دولة المواطنة على الجميع، فمن المستهجن أنطلاق الدعوات الطائفية من المهاجرين الشيعة الذين يشكلون نسبة الاكثرية في الخارج، وكذلك الاطروحات العرقية الشوفينية للاكراد لدرجة ترى حتى الكتاب الاكراد الذين يعيشون في رحاب الحضارة الغربية عندما يقوم كاتب ما بالتعريف عن نفسه يذيل أسمه بأنه كاتب كردي فقط وليس مواطن عراقي رغم انم جميع الأكراد يعيشون بفضل اموال وخيرات العراق مما يدل على عنصرية و سخف عقليات هؤلاء الكتاب.
- نحن ضد هذه الممارسات في بلادنا، ولا شك أننا ضدها في أي بلاد أخرى يكون من جرّائها تنقيص قدرنا وجلب الضرر إلينا. ورد عن أئمتنا (ع): "كونوا لنا زينًا لنا ولا تكونوا لنا شينًا علينا" وقولهم: "جُرّوا إلينا كل مودة وادفعوا عنا كل قبيح" إلى غير ذلك.
- أما الدعوات الطائفية أو العنصرية، فسواء كانت طائفية وعنصرية حقًا، أو كانت تعبيرًا عن المظلومية الواضحة، فإن الكاتب يريد من العراقي المضطهد المظلوم أن يبقى صامتًا حتى في أجواء الحرية! إذًا ما فائدة أجواء الحرية؟ ولماذا لم يقل له الغربيون المتعاطفون معه من نواب البرلمانات والنشطاء أن عليه أن يسكت لأن هذا عيب أو لا وطنية؟ أليس هؤلاء هم من تريدنا أن نخضع لهم ونأتم بهم؟! واللطيف هو أنه يريد من الكردي الذي لا يزال ينتمي إلى العراق، سواء رضي أو لا، برفض التمتع بخيرات العراق وهو لا يوجد عنده خيار آخر. بعبارة أخرى، يريده أن "يزعل ويطخ راسه بالحايط" وعندها سيقولون: أنظروا كردي لا يفهم، وتنطلق النكات إياها!
يفسر التحليل النفسي ظاهرة إنعدام التلاقح الحضاري ويرجعها الى عدة أسباب منها : الخوف من الانفتاح على الاخر وحضارته بسبب مشاعر النقص التي تدفع الافراد الى التمترس خلف جدار الاعراف والتقاليد بحجة الحفاظ على الهوية والدين والاخلاق، بينما القضية في جوهرها تكمن في وجود مشاعر النقص والخشية من التغيير فالجمود وأبقاء الاوضاع كما هي دون أحداث تبديلات يوفر للخائفين الشعور بالامان النفسي والاستقرار الزائف.
* هنا شق صحيح وهو أن هناك خوفًا غير مبرر من الانفتاح، وشق غير صحيح وهو أن المحافظة على الهوية – عندما يكون الفرد مؤمنًا ومقتنعًا بأنها هي الصحيحة أو الأصح – يشكل هاجسًا له، خصوصًا لأولاده، وهو أمر طبيعي تمامًا. وإلا، لماذا يؤسس الغربيون مدارس ومراكز ثقافية ونوادي بمجرد أن يشتغلوا في مكان خارج بلادهم، أليس من أجل أن تعنى هذه المرافق بهم وبأولادهم حتى لا تنطمس هويتهم الحضارية؟ وهذا حتى عندما يذهبون إلى بلاد لا تختلف عنهم سوى في اللغة، كما في أحوال المهاجرين أو العاملين البريطانيين في إسبانيا مثلاً.
أن التحجر ورفض التطور والتغيير وأستلهام تجارب الاخرين الناجحة يصفه التحليل النفسي بالعناد (( والتشنج العقلي )) الذي يجعل صاحبه مفتقراً للمرونة العقلية والقدرة على رؤية زوايا الحياة المختلفة ويجعله ساكناً.. سكون أهل القبور.
واذا كان المواطن العراقي قد فشل في رهان التغيير والتطور والحداثه وهو يعيش في قلب الحضارة وفتحت أمامه كل سبل النهوض والتقدم على صعيد أستلهام قيم وجمالية الحضارة الغربية والتعلم منها طرق التفكير والتعامل الديمقراطي واحترام القوانين وتقديس العلم والعقلانية والعمل المؤسساتي الجماعي وأدراك أهمية مشاعر الانتماء الوطني والاخلاص للوطن في عملية التنمية والبناء ورغم كل هذه الفرصة الذهبية ولكنه فشل تماما ... فاذا كان العراقي الذي يعيش خارج العراق أخفق في كل هذا .. فمن الطبيعي ان يخفق العراقي الذي يعيش داخل العراق وتفشل مشاريع التغيير والتقدم وتستمر الفجيعة والكارثة !!
* ليس هناك تلازم لأن المسألة تختلف بين وضع المواطن في الخارج ومشاكل الهوية والاندماج والتنافس مع الآخرين وبين وضع المواطن في الداخل والضغوط في الداخل. إن هذا يدل على جهل بهذا الفارق الكبير. إن الذي يعيش في الخارج لديه حدود ضيقة للتغيير ولكن ربما تكون واسعة للإبداع التكنولوجي، أما في الداخل فستكون هناك رحابة أكبر إن توفرت السلطة التي لا تقمع المواطن أو تشغله عندها كالأجير المرتزق.
المستقبل والحتميات البايلوجية
أن الايمان بمبدأ المساواة بين البشر لايمنع من الاقرار بوجود فروق في الاستعدادات والامكانات والمواهب والطاقات لدى الافراد والجماعات والشعوب ، والاطروحة المركزية التي أركز عليها هنا هي تتعلق بتفوق أعراق معينة دون غيرها بطبيعة بنيوية تكوينية بعيداً عن مؤثرات التعليم والثقافة والظروف وأعني بها الحتميات البايلوجية، وهذه الاطروحة ليست لها علاقة بقضية العرق السامي والآري التقليدية العنصرية، فالاكراد والتركمان على سبيل المثال ينتمون الى العرق الآري ولكنهم من النوع الرديء المحدود الامكانات الغير متطور ، فالمقصود هنا جينات الشعوب الشرقية بكافة أعراقها وطوائفها .
* لا تعليق على هكذا تفكير عنصري! ينبغي أن تهدى هذه العبارات إلى الغربيين الذين يتطلع إلى وصايتهم كي نرى رأيهم في قائلها.
والحديث عن ماضي الشخصية العراقية وحاضرها ومستقبلها مرتبط بموضوع نوعية بنية هذه الشخصية البايلوجية المسؤولة عن أمكاناتها وفكرها ومشاعرها وسلوكها على الدوام وبمعزل عن عوامل : التعليم والثقافة والظروف، فالافراد هنا منقادين بواسطة حتميات بايلوجية ثابتة وسأورد بعض الامثلة عن دور الحتميات البايلوجية في صنع تاريخ الشعوب وعموم النهضة العلمية والفكرية .
* كلام لا يأخذ بنظر الاعتبار لا الظروف التاريخية، ولا العمل السلبي بأشكاله لهؤلاء المتطورين بايولوجيًا حسب اعتقاده اتجاه هذه الشعوب المغلوبة على أمرها.
لنأخذ مثال دولة جنوب أفريقيا التي ظلت لمدة آلاف السنين تعيش هي وكافة دول القارة الافريقية في تخلف وفقر ومجاعات ووحشية على كافة الصعد ... لحين قيام مجموعة من الاوربيين البيض بغزوها وحكمها بالقوة، وخلال فترة قصيرة تمكن النظام العنصري الذي قاده الاوربي من بناء دولة عصرية فيها مؤسسات ونهضة صناعية وصلت الى درجة صناعة الاسلحة وبضمنها القنبلة النووية في الوقت الذي فشلت جميع الدول الافريقية المحكومة من قبل أبناء البلد في بناء دول بمستوى دولة جنوب أفريقيا الحالية.
مثال أخر يخص أستراليا التي كانت جزيرة بدائية متخلفة في كل شيء لغاية إقدام بريطانيا على إبعاد مجموعة من السجناء البريطانيين من أصحاب الجرائم الكبيرة اليها، وخلال فترة قصيرة تمكن هؤلاء السجناء من بناء دولة ديمقراطية زراعية صناعية فيها رفاهية اقتصادية وهو الامر الذي عجز عنه سكان البلد الاصليين منذ آلاف السنين.
* كم استغرق ذلك؟ هل كان المجرمون المنفيون إلى هناك هم الذين صنعوا المعجزات، أم أن القتل الذي قاموا به بشكل مخز للإنسانية جمعاء مهد الطريق لأولادهم الذين بعد أن تمكنوا صاروا يتعاملون فيما بينهم بأخلاق كبيرة، ثم بنوا ما بنوا كجزء من دورة الحضارة حيث الحضارة الغربية هي التي تقود تكنولوجيًا (بعد أن بنت على ما قامت به الحضارة العربية الإسلامية – والعراق في مركزها الأساسي – وبضمنها ليس فقط المكتشفات والطب والفلك، وإنما أهم من ذلك وهو المنهج التجريبي الذي كان الإمام جعفر الصادق (ع) رائده في التطبيق، وإن كان الأئمة (ع) حثوا عليه بدءًا من أولهم، فقد ورد عن علي (ع): "العقل غريزة تزيد بالعلم والتجارب" وقوله: "الأمور بالتجربة" وقوله: "التجارب علم مستفاد" وغير ذلك).
وكلنا يعرف قصة المعجزة الأمريكية التي صنعها المهاجرون الاروبيون البريطانيون والفرنسيون والالمان في بناء أعظم دولة على وجه الارض من كافة النواحي وخلال فترة زمنية قصيرة بعد أن كان سكانها الاصليون الهنود الحمر يعيشون حياة بدائية .
* المعجزة الأمريكية كان أساسها إبادة الملايين من الهنود الحمر، فإذا كان التطور التكنولوجي أثمن عنده من أرواح البشر وكراماتهم فلا نستغرب دعوته إلى الوصاية الأمريكية لأنها بتقدمها التكنولوجي أهم من دمائنا وأعراضنا وممتلكاتنا.
أما عن سبب حدوث هذه المفارقة المتمثلة في فشل سكان البلد الاصليين في بناء أوطانهم وقيادة أنفسهم ونجاح المهاجرين في بناء هذه البلدان فأن هذا الامر يعود الى الفروق البايلوجية التي يمتاز بها أبناء المجتمعات الاوربية وتحديدأ دول أوربا الغربية وفي مقدمتها بريطانيا وفرنسا والمانيا.
* سؤال هنا: لماذا لم يقم الغربيون المهاجرون بتقديم ما عندهم من علم إلى السكان الأصليين ويشاركونهم البلاد ويعيشون سوية بسلام مستفيدين، هؤلاء بعلومهم وهؤلاء بأرضهم وخيراتهم؟ هل قاموا بذلك ورفض السكان الأصليون، أم أنهم بادروهم بالقتل والإبادة؟ وأين الشخصية الغربية ذات المحددات المتطورة الكبيرة إذًا؟! عندما كانت تصل السفن الإسبانية إلى شواطئ أمريكا اللاتينية والجنوبية، كان السكان البسطاء يخرجون إليهم بالورود والتحيات، وما أن تصل السفن قريبًا حتى تشرع بالقصف بالمدافع، قتلاً بالمساكين، ثم ينزل الغربيون المتطورون لينهوا الأمر على البر، حتى تمكنوا من البلاد والعباد، بل ألغوا لغاتهم وهوياتهم.
ماذا عن المجتمع العراقي ؟.. نفس الكلام ينطبق عليه، فالمجتمع العراقي فشل على مر التاريخ في قيادة نفسه وبناء وطنه وألاستفادة من الثروات الطبيعية الموجوده في أرضه، أنظروا الى التاريخ وستجدونه متخماً بالصراعات والحروب والقتل والخراب الشامل وسلسلة متواصلة من عمليات التدمير الذاتي، والسبب يعود الى بنية وتكوين الشخصية العراقية وأمكاناتها المحدودة غير القادرة على بلوغ درجات الترقي والتطور النوعي رغم تراكم تجارب التاريخ حتى لو توفر لها الظرف المثالي في التعليم والثقافة والحرية كما هو حال افراد الجاليات العراقية في دول أوربا وأمريكا وكندا وأستراليا الذين فشلوا في تحقيق أي تطور على صعيد السلوك الحضاري والنشاط المؤسساتي والابداع العلمي والفكري المتميز.
* هذا ليس من صنع يد العراقيين، أو على الأقل ليس كله، بل ولا حتى جلّه، لأن موقع العراق والدول التي تناوبت هي المسؤولة عن ذلك. وهنا أيضًا نسأل: هل قرأ تاريخ أوروبا الدامي وحروبها؟ بل هل قتل العراقيون ما قتل الألمان نتيجة الحرب العالمية الثانية فحسب؟!
ماذا عن مستقبل العراق ؟.. للأسف البلد يقف على كف عفريت ويعيش في خطر دائم ولكن لاأحد ينتبه للكارثة.. فالعراق مهدد في كل لحظة من خطر إكتشاف بدائل للنفط في مكان ما وعندها لاأدري كيف سيعيش الشعب من دون بيع النفط ؟.. دع عنك أوهام الخيرات الزراعية والسياحة الدينية فالعراق يعيش من دون ضمانات اقتصادية للمستقبل وفي ظل وجود نخب سياسية عبارة عن لصوص وعملاء فمؤكد ضاع حاضر ومستقبل العراق .
* هذا جهل فاضح، فإن العراق كان يعيش في اكتفاء ذاتي اقتصادي قبل النفط، وإن السياسة النفطية الخطأ هي التي دمرت الزراعة التي كان العراق يفيض ناتجه منها كل عام. والله لو انقطع النفط لصارت الأمور أفضل كثيرًا. أما إذا حسب الكاتب ذلك، مع السياحة الدينية، وهمًا، فهذا لقلة معرفته، بل ولانعدام ثقته بالعراقيين وهو منهم. أما النخب التي اتهمها باللصوصية والعمالة، فقد شاهدنا الحاكم المدني الأمريكي يسرق أضعاف ما سرقه اللصوص العراقيون، وأما العمالة فلا أظن أن الدعوة إلى قبول الوصاية الأمريكية تخرج من ذلك.
أن العراق لايوجد أمامه أي خيار وطني لقيادة نفسه في ظل القصور الذاتي الدائم للمجتمع وإنعدام وجود أحزاب ونخب سياسية وطنية ديمقراطية شريفة ، وفشل كل المحاولات التي قام بها العراقيون لقيادة أنفسهم منذ قيام الدولة الحديثة قبل ثمانين عاما ولغاية اللحظة الراهنة، فلم يبقى أمام العراق سوى خيار الوصاية الامريكية المباشرة التي لابد منها وبصورة مستمرة، فالعراق بحاجة ماسة للوصاية الامريكية في كل شؤونه .
* ما أعظمه من خيار... المباشرة وبصورة مستمرة، يعني إلى يوم القيامة أم قبله بقليل؟! ومن سيكون الحاكم المدني هذه المرة – أنا أفضل بول بريمر لأنه سرق وشبع (أظن!) أفضل من أن يأتي واحد آخر ويبدأ من جديد!
ويجب على كل عراقي وطني شريف السعي بقوة الى اقامة علاقة صداقة استراتيجية دائمة مع الولايات المتحدة الامريكية ، فصداقة دول مثل أمريكا بأعتبارها أعظم دولة على وجه الارض هي أمنية عزيزة على قلب وعقل كل مواطن وشعب ذكي يريد بناء وطنه علميا واقتصاديا وعسكريا ، والخراب الموجود في العراق لايستطيع الشعب بأحزابه وساسته إيقافه فالشعب العراقي فشل دوما في قيادة نفسه وكان سبباً في تدمير نفسه وعليه لابد من وضع العراق تحت الوصاية الامريكية المباشرة وإلغاء الاحزاب والعملية السياسية وتشكيل حكومة انقاذ عسكرية مركزية تستخدم أقسى درجات الحزم والصرامة والقوة مع العراقيين لضبط فوضويتهم وهمجيتهم فقد أثبتت الاحداث ان العراقي لايستحق الحرية والديمقراطية ويجب رفع العصا فوق رأسه بأستمرار .
- ما شاء الله على العراقي الشريف الذي يسعى بقوة إلى أن يعيش تحت أقدام من لا يرحم، أقدام من لا يمكن أن يخرجوا عما تريده إسرائيل (التي لم ترد في المقال مطلقًا، ربما لأنه الدولة المتحضرة الوحيدة وسط الهمج!) وأمنية عزيزة عن المواطن الذكي... حقًا الكلمات تعجز عن التعبير عن مثل هذا جهل ممتزج بالانهزامية وانعدام الثقة بالنفس (ولا بالله طبعًا).
- لا شك أن هذا يبهج جميع الطغاة الذين تعاقبوا على دمائنا، حيث يقول "العراقي لا يستحق الحرية والديمقراطية ويجب رفع العصا فوق رأسه باستمرار"، وقد خلط بين الحرية والديمقراطية جهلاً منه بالفارق كما أشرنا، ويبدو أن العراقي أقل شأنًا من المجرمين البريطانيين في استراليا أو رعاة البقر في أمريكا أو العنصريين في جنوب إفريقيا بحيث لا يستحق ما استحقه أولئك.
أخيرًا، الذي يتحدث بهذه اللغة لا شك أن عنده ما يبررها، وطالما أنه لم يقدم دليلاً مقنعًا في معظم ما طرحه، بل أطلق العناوين بشكل مطلق دون حساب، فإنه يحق لنا أن نقول إن الدليل الوحيد الذي يملكه، بحيث يجعله يتحدث بهذه الثقة، هو عن نفسه هو، وهذا أمر يجيب عليه هو، وعندها نقول له: إذهب إلى وصاية أمريكا وحدك ولا تطلب ذلك ممن لا يرضون بالذلة والخضوع لمن ليسوا أفضل منهم إنسانيًا ولا بذرة واحدة.