فيما يلي مقالة "من قتل الحسين؟" للشيخ السعودي د. عائض القرني، يتبعها رد سريع عليها كتبته لبعض الذين تداولوا المقالة، والتي – وكما هو حال الكثير من مقالات شبكة الانترنت – تعود إلى الظهور بين فترة وأخرى. ولمن لم يسمع بالشيخ عائض القرني، فهو شيخ داعية سعودي على المذهب الوهابي، له الكثير من المحاضرات المتلفزة والمؤلفات، ويتمتع بحضور وقبول، لطريقة عرضه البسيطة وكلامه المفهوم من عامة الناس.
أولاً: المقالة
من قتل الحسين؟
د. عائض القرني
أنا سُني حسيني، جعلتُ ترحُّمي على الحسين مكان أنيني،
أنا أحبُ السّبطين،
وأتولَّى الشيخين،
أنا أعلن صرخة الاحتجاج،
ضد ابن زياد والحجاج،
يا أرض الظالمين ابلعي ماءك،
ويا ميادين السفَّاحين اشربي دماءك،
و لعنة الله وملائكته والناس أجمعين
على من قتل الحسين أو رضي بذلك،
ولكن لماذا ندفع الفاتورة منذ قُتل الحسين إلى الآن من دمائنا ونسائنا وأبنائنا بحجة أننا رضينا بقتل الحسين ونحن في أصلاب آبائنا وفي بطون أمهاتنا؟!
لقد استباح ابن العلقمي بغداد بحجة الثأر للحسين،
وذبح البساسيري النساء والشيوخ في العراق بحجة الثأر للحسين،
والآن تُهدَّم المساجد في العراق ويُقتل الأئمة وتُبقر بطون الحوامل وتحرَّق الجثث ويُختطف الناس من بيوتهم وتُغتصب العذارى بحجة الثأر للحسين،
إن المنطق الذي يقول:
إن مليار مسلم كلهم رضي بقتل الحسين وكلهم ناصبوا العداء لأهل البيت منطق يخالف النقل والعقل والتاريخ، ومعناه إلغاء أهل الإسلام والقضاء على كل موحِّد في الأرض، هل من المقبول والمعقول أن يجتمع مئات الملايين من العلماء والخلفاء والحكماء والزُّهاد والعُبّاد والمصلحين ويتواطأوا على الرضا بقتل الحسين والسكوت على هذه الجريمة الشنعاء؟!
لماذا لا يُحَكّم العقل ويسأل نفسه الذي يمشي وراء السراب ويصدق الوهم ويؤمن بالخرافة؟ هل من المعقول أن تُحارب أمة الإسلام لأجل كذبة أعجمية صفوية ملفّقة كاذبة خاطئة تكفِّر الصحابة والتابعين ودول الإسلام وتتبرأ من أبي بكر وعمر وأصحاب بدرٍ وأهل بيعة الرضوان ومن نزل الوحي بتزكيتهم وأخبر الله أنه رضي عنهم؟
متى تُكف المجزرة الظالمة الآثمة التي أقامها الصفويون ضد كل مسلم ومؤمن تحت مظلة الثأر للحسين؟
نحن أولى بالحسين ديناً وملَّة، ونسباً وصهراً، وحباً وولاءً، وأرضاً وبيتاً، وتاريخاً وجغرافيا، ارفعوا عنّا سيف العدوان، فنحن الذين اكتوينا بقتل الحسين، وأُصبنا في سويداء قلوبنا بمصرع الحسين:
جاؤُوا بِرَأْسِكَ يا ابْنَ بِنْتِ مُحَمّدٍ مُتَـزَمِّـلاً بِدِمائِهِ تَزْمِيلا
ويُكَبِّـرونَ بِـأَنْ قُتِلْـتَ وإنّما قَتَلوا بكَ التّكْبيرَ والتّهْليلاَ
يقول شيخ الإسلام بن تيمية: قتل الحسين رضي الله عنه مصيبة من أعظم المصائب ينبغي لكل مسلم إذا ذكرها أن يقول:
إنا لله وإنا إليه راجعون،
وأقول لو كره عضو من أعضائنا الحسين أو أهل بيت الرسول صلى الله عليه وسلم لتبرأنا من هذا العضو ولبترناه،
لكننا نحبهم الحب الشرعي الصحيح الموافق لهدي الرسول عليه الصلاة والسلام، لا الحب الصفوي والسبئي الغريب على الأمة وعلى الملّة وعلى السماء وعلى الأرض:
مَرحباً يا عراقُ جئتُ أغنّيـ ـكَ وبعضٌ من الغناءِ بكاءُ
فجراح الحسين بعض جراحي وبِصَدرِي من الأسى كربلاءُ
الحسين ليس بحاجة إلى مآتم وولائم، تزيد الأمة هزائم إلى هزائم، رحم الله السبطين الحسن والحسين، وجعل الله علياً وفاطمة في الخالدين ورضي الله عن الشيخين .
ثانياً: الرد على المقالة
تعليقات خاطفة على مقال (من قتل الحسين؟) لعائض القرني:
-1 قوله «جعلت ترحمي على الحسين مكان أنيني» قول من لا يعرف ثواب التوجع والأنين على مصائب الناس عموماً وسادة الناس خصوصاً. ونشكره كثيراً على ترحمه الذي هو تحصيل حاصل!
2- أعلن صرخة الاحتجاج ضد أبن زياد والحجاج، ولكنه لم يحتج على من أمر أبن زياد، ربما لأنه أبن الصحابي الجليل معاوية!
-3 تسأل «لماذا ندفع الفاتورة منذ قتل الحسين الى الآن من نسائنا ودمائنا... الخ» ... وان «استباح ابن العلقمي بغداد بحجة الثأر للحسين»... وأن «الآن تهدم المساجد في العراق... وتغتصب العذارى بحجة الثأر للحسين»... منتهياً الى نتيجة بأن المنطق الذي يقول أن مليار مسلم كلهم رضوا بقتل الحسين هو منطق يخالف النقل والعقل والتاريخ... وأسأله هنا: متى دفع هو وأبناء جلدته فاتورة قتل الحسين وهذه الدول التي قامت طيلة التاريخ الأسلامي تضطهد أولياء الحسين وأتباعه كما عرف ذلك أصغر المؤرخين... أما أكذوبة ابن العلقمي فقد فندها الباحثون رادين بذلك على أفتراءات ابن تيمية (شيخ القرني)، وإلا فهل كان التتار سيتوقفون على استباحة بغداد لولا ابن العلقمي... ثم لماذا قتل ابن العلقمي مع الخليفة والأخرين يا أولى الألباب؟!
أما أن يجعل ما يحدث في العراق الآن مختصاً فقط بطائفته فهذا من الجرأة بل الوقاحة لأننا نشهد ذلك بالصوت والصورة ولم يعد هناك كذابون كأبن تيمية يسطرون ما شاؤا في الكتب ويخدعون الناس...
ولا شك أن الشيخ عايض يعتقد بما أعلن في الغرب بأن 650،000 قد قتلوا في العراق من الغزو، وأنه يعتقد بما صرح به الشيخ حارث الضاري في مؤتمر في عمان قبل أشهر بأن 200،000 سني قد قتل في العراق نصفهم على يد الاحتلال. وهذا يعني وبعملية حسابية بسيطة ان ما يقرب من نصف مليون شيعي عراقي قد قتل في نفس الفترة... ترى هؤلاء النصف مليون دفعوا فاتورة من؟! أم ان هؤلاء لا قيمة لهم؟!
4- سأل لماذا لا يحكم العقل ولماذا تصديق الوهم والأيمان بالخرافة. معتبراً أن هناك حرباً على أمة الأسلام (ويقصد السنة فقط) لأجل كذبة أعجمية صفوية واستمر بالضرب على طنبور الصفويين، وهو الذي تعلمته الجوقة الاعلامية في هذه الأيام، وكأنه لا يعرف ان الصفويين ما قاموا في ايران الا قبل 500 سنة فقط... ويتهم الآخرين بالخرافة وهو يصدق خرافة عبدالله بن سبأ التي نسفها الباحثون المنصفون، بل لعل اول من شكك فيها الدكتور طه حسين قبل عشرات السنين. تلك الخرافة التي جعلت من صحابة اجلاء كعمار ابن ياسر ألعوبة بيد يهودي اسمه عبدالله ابن سبأ حتى اقنعهم بإمامة علي وبالثورة على عثمان، ثم ليختفي من صفحات التاريخ نهائياً وكأنه لم يكن. أفهذا هو المنطق وتحكيم العقل الذي يدعوننا اليه الشيخ السعودي؟
5- ثم يعلن اعلاناً هو أقرب الى النكتة من الحقيقة، حيث يقول «نحن أولى بالحسين ديناً وملةً، ونسباً وصهراً، وحباً وولاءً وارضاً وبيتاً» فكيف يتوافق هذا الادعاء العريض مع اتباعه الأئمة الآخرين وعدم أخذه بالحسين والائمة من اولاد الحسين بشيء لا في اصول الدين ولا فروعه ولا فقهه ولا اخلاقه ولا سيرته... ولو كان أولى نسباً وصهراً لما تبرأ من الحكام الصفويين وهم سادة العرب من نسل الامام الكاظم في الوقت الذي يوالي من كان قبلهم من حكام ايران الفرس، بل لكان انقطع في العلم الى علي وآل علي سادة العرب بدلاً من أئمة من الفقهاء والمحدثين وجلهم من الفرس. ولكنه لم يستطع ان يذكر حتى يزيد ابن معاوية بسوء ناهيك عن ابيه معاوية الذي اشرع السيوف والرماح في قتال علي والحسن والحسين، بمعنى لو انه لظفر بهم لقتلهم... ولو كان اولى ارضاً وبيتاً لما أصطف مع الذين يفجرون اجسادهم الخبيثة عند مراقد الحسين واولاد الحسين.
6- ذكر قول شيخه ابن تيمية بأن قتل الحسين مصيبة ينبغي لكل مسلم اذا ذكرها ان يقول: «إنا لله وإنا اليه راجعون. فعلاً (صارت عليك زحمة...!!) ان الاسترجاع هي كلمة امر الله بها من القرآن عند كل مصيبة موت، لذا فيبدو ان الحسين شخصاً ومقتله الفريد لا يساويان عند عايض وشيخه اكثر من اي شخص آخر... افهذا هو الحب والولاء الشرعي الصحيح الذي ادعاه والذي قال انه الموافق لهدي الرسول عليه الصلاة والسلام؟ ان هدي الرسول (ص) في مسأله مودة أهل البيت التي أمرت الأمة بها في كتاب الله من ضمنها قوله لعلي وفاطمة والحسين «انا حرب لمن حاربكم وسلم لمن سالمكم» وقوله لعلي «اللهم وال من ولاه وعاد من عاداه» فأين عائض القرني من هذا الهدي وهو لا يستطيع ان يذكر اعداء علي وآل علي بكلمة نقد واحدة بل هم عنده صحابة أجلاء يفسق بل يكفر كل من ينقدهم او يتبرأ من افعالهم المخالفة للشرع، ومنها الحروب التي أكلت عشرات الألوف من العرب في الجمل وصفين وما بعدها.
7- قال بأن الحسين ليس بحاجة الى مآتم وولائم تزيد الأمة الى هزائم وهزائم. ونحن نقول له بأن الحسين بالتأكيد ليس الذي هو بحاجة الى المآتم والولائم ولكننا نواصل شحذ همم الأمة واستنفار غيرتها على الدين من خلال المآتم والولائم. وهذه مجالس الحسين كلها علم وفقه وسيرة ودعوة الى الالتزام والعدل والجهاد ومجابهة الظالمين؛ ولكن لعل هذه الاخيرة، أي مجابهة الظالمين، هي التي تزعج القرني ومن لف لفه. ان بعض الذين يقيمون المآتم والولائم للحسين هم الذين هزموا عدو الأمة في حين ان الذين يستهجنون المآتم والولائم هو الذين أدخلوا الامة في هزائم تلو الهزائم.
8- أخيراً - وهذا الكلام موجه لمن ارسل لي الإيميل والذين يتداولون مقالة القرني هذا: أقول عجب وأي عجب ان يحتاج العراقيون المتعلمون المثقفون اصحاب الخبرات الطويلة الى شخص سعودي لعله لا يعرف عن العراق شيئاً كثيراً ليحلل لهم ما يجري في العراق وهم الذين عاشوا عشرات السنين ولم يروا ولم يسمعوا ولم ينقل اليهم أن سنياً واحداً قتله الشيعة بدعوى ثارات الحسين كما افترى عايض القرني في مقاله. بل الآن وفي أثناء هذا القتل الطائفي المفتعل أتحدى القرني ومن يردد كلامه ان يأتيني بحادثة واحدة قتل فيها سني واحد تحت شعار الثأر للحسين.
لو أن بعض المواكب الحسينية المليونية أرادت ان تطبق على منطقة ما لاستطاعت بكل سهولة... ولكن هؤلاء الملايين الموالين لأهل البيت الموالاة الحقة يستمعون كل يوم تحت منابر المآتم التي يرفضها القرني سيرة أهل البيت في العفو والصفح بحيث ان الحسين يبكي في ارض المعركة حزناً على الجيش الذي جاء ليقاتله ويستأصله لأنهم سيدخلون النار بسبب قتله. ولكن هذا لا أظن ان القرني ومن قبله أشياخه محمد عبد الوهاب، الذي استباح المسلمين في الجزيرة العربية وغيرها، وابن تيمية صاحب فتاوى التكفير والتفسيق، واحبابه من ابن لادن ومن شاكلته، لا أظن ان هؤلاء يستطيعون فهم مثل هذا النبل وهذه الروحية العالية...
فيا ايها العراقيون الذين يرددون ويتداولون كلام هؤلاء الغرباء عن فكرنا وواقعنا أقول: فكروا بعقولكم لا بآذانكم.
والسلام مع محبتي ودعائي
أبو جعفر السامرائي / لندن