أولاً – تقييم عام للكتاب
يمتاز كتاب "الإمام علي جدل الحقيقة والمسلمين" بمزايا عديدة:
الأولى : أنه استطاع أن يبوّب المواضيع إلى فصول صغيرة مع استيفائها لمواضيعها مما يجعل كل فصل منه وحدة قائمة بذاتها يمكن الرجوع إليها في ذلك الموضوع.
الثانية : أن الكاتب تمكن أن يجمع بين الأسلوب المنطقي واللغة العاطفية، حيث نسج بين البحث عن الحجج والدخول في المحاجات العقلية وبين المشاعر الفياضة التي يملكها للنبي (ص) وآله (ع) في أسلوب جعل للغة الكتاب طابعًا خاصًا جميلاً.
الثالثة : أن الكاتب حاول، وكما يفعل عادة من يكتب في مثل هذا الموضوع، أن يستوعب معظم الأحاديث والأدلة والأقوال، وقد نجح في ذلك – وإن كان ذلك مستحيلاً بالطبع ولكن بحسب المتيسر من حجم الكتاب.
الرابعة : أن الكاتب لم يلتزم بما توصل إليه غيره من الكتاب في النتائج، بل توصل إلى نتيجة لا تلتقي مع رأي أهل التسنن ولا مع رأي الشيعة، ولكنها تشبه رأي الشيعة الزيدية. وهذه النقطة، وإن كنا نختلف معه فيها، إلا أنها عامل تفرّد للكتاب تجعل للعمل خصوصيته.
بعبارة واحدة، نجح الكاتب في إيصال أفكاره إلى القراء، بغض النظر عن الالتقاء أو الاختلاف معه في الرأي.
وقبل أن نعرّج على المناقشات، هناك ملاحظة تخص خطأين: الأول هو اسم أم المؤمنين أم سلمة (رض) والذي كتبه المؤلف "أم سلمى"، وهو ما لا نعرفه، فإن كنيتها هي كنية زوجها الأول "أبي سلمة"، فلا ندري من أين جاء المؤلف بهذه الكنية والتي لا يمكن أن تكون خطئًا مطبعيًا لأنها وردت في جميع المرات.
الخطأ الثاني هو وصف أنس بن مالك أنه "الإمام أنس بن مالك" في ص 338، وهو خلط بينه وبين مالك بن أنس إمام المذهب المالكي، أما أنس هذا فهو خادم النبي (ص).
*******
ثانيًا – مناقشة المؤلف
أ – المذكور من فضائل الإمام علي (ع) مما يوجب استخلافه بعد النبي (ص) مباشرة
ذكر المؤلف فضائل كثيرة للإمام أمير المؤمنين عليه السلام، وهي فضائل تعطر أي كتاب مهما كان غرضه، وتحسب للكاتب في ميزان أعماله إن شاء الله، ولكنا نريد هناك الفضائل التي توجبه استخلافه (ع) بعد رسول الله (ص) دونما فصل. والغاية من ذلك هو محاججة المؤلف في ما ذهب إليه من تصحيح استخلاف الثلاثة الآخرين قبله (ع)، فإنهم لا بد وكانوا يعرفون بهذه الفضائل التي تضع لعلي (ع) منزلة فريدة خاصة موجبة لوضعه موضع خليفة النبي (ص) بعد رحيله.
-
ص 200، قول المؤلف ضرورة الأخذ بخطبة الغدير وأنها من سنة النبي (ص). إذًا، لا بد من استخلاف علي (ع) بعد وفاة النبي (ص) عملاً بأمره (ص) في الخطبة.
-
ص 272 حديث المنزلة، وهو وضع علي (ع) في موضع هارون (ع) يوم استخلفه موسى (ع) على قومه.
-
ص 288 حديث ((من سب عليًا فقد سبني ومن سبني فقد سب الله)) وهذه المنزلة العظمى ربط بينه (ع) وبين الله تعالى لم يصرح النبي (ص) لأحد آخر بها.
-
ص 290 حديث ((على مع القرآن)) وحديث ((علي باب علمي ومبين لأمتي ما أرسلت به من بعدي)) والأول واضح في عصمته (ع) ومعرفته الكاملة بالقرآن فلا بد إذًا من استخلافه لأنه لن يخطئ ولأن عنده علم الكتاب، والثاني واضح في أنه المأمون على الشريعة بعد النبي (ص) ووجوب بسط يده لأجل تنفيذ الشريعة.
-
ص 291 حديث ((لا يؤدي عني إلا أنا أو علي)) وحديث ((وهو وليكم بعدي)) وحديث ((فليتول علي بن أبي طالب فإنه لن يخرجكم من هدى ولن يدخلكم في ضلالة)) وهي واضحة ليس فقط في أن الإمام الخليفة بعده هو علي (ع) وإنما في أن غير علي (ع) لن يستطيع أن يؤدي عن النبي (ص) وأن غيره غير مأمون أن لا يدخل الأمة في الضلالة، وكلها أحاديث لم ترد في غيره (ع).
-
مثل ذلك ص 292.
-
ص 301 آية الولاية وهي صريحة في حصر الولاية في علي (ع) بكلمة ((إنما)).
-
ص 314 تعيينه منذ أول الدعوة – آية الإنذار يوم الدار. وهذه من أصرح ما يكون أن عليًا (ع) له مكانته في خلافة النبي (ص) منذ بدء الإسلام، أي قبل أن يبز الآخرين في الجهاد والعلم وغيره، أي أن النبي (ص) أوضح لعلي (ع) مكانته مثلما عرفت الأمة مكانة النبي (ص) فيها، وإلا هل يعقل أن يعين النبي (ص) صبيًا في العاشرة على مشيخة بني عبد المطلب أم كان يمزح معهم؟!
-
ص 329 حديث ((لم يجز على الصراط إلا من معه كتاب ولاية علي –ع-)) وهذه تعطي عليًا (ع) منزلة لم ينلها غيره من الأصحاب، كيف وهي في موقف النجاة إلى الجنة أو الهلكة في النار.
-
ص 335 آية المباهلة، وهي – برأيي - أعظم فضيلة لعلي (ع) دون استثناء إذ سواه الله تعالى بفعل نبيه (ص) وهو الفعل المفسر للآية في أعظم منزلة وهي نفس النبي (ص) سيد البشر أجمعين. وهناك حديث يؤكد الآية وهو رسالته (ص) إلى بني لهيعة يهددهم بإرسال ((رجلاً عدل نفسي)) ثم أرسل لهم عليًا (ع) فقاتلهم وهزمهم.
-
ص 365 بعث أبي بكر ببراءة ثم بعث علي (ع) خلفه. وهذه خطة أراد الله تعالى بها تنبيه الناس أجمعين وإلى قيام الساعة بأن منزلة علي (ع) في الإسلام فوق منزلة أبي بكر وأنه (ع) هو المؤدي عن النبي (ص) لا غيره، وإلا لماذا بعث النبي (ص) أبا بكر ثم عدل عنه إلى علي (ع)، أليس كل ذلك بوحي السماء لأنه ((لا ينطق عن الهوى . إن هو إلا وحي يوحى )).
-
ص 369 حديث ((علي خاتم الأوصياء)) وحديث ((وصيي علي بن أبي طالب)) وهما يجعلان من علي (ع) وصي النبي (ص) كما هو الأمم السالفة، والوصي هو المؤتمن على تركة النبي (ص) في علمه وقيادة أمته. وهذه الصفة لم يستطع الوضاعون أن ينسبوها لغيره (ع) فصارت صفة خاصة به حتى قال صاحب القاموس في معنى وصي أنها صفة علي بن أبي طالب.
-
ص389 أحاديث علم علي (ع) والعلم هو أهم متطلبات الخلافة كما لا يخفى.
-
ص 503 قوله (ص): ((إنك تسمع ما أسمع وترى ما أرى إلا أنك لست بنبي ولكنك وزير)) وهي في غاية الصراحة أنه (ع) شريك للنبي (ص) في الأمر في تبليغ الناس بعده (ص) وهي وزارة هارون لموسي عليهما السلام التي من ضمنها الشراكة كما في دعاء موسى المستجاب ((واجعل لي وزيرًا من أهلي . هارون أخي . أشدد به أزري . وأشركه في أمري)). وأين الذي كان يعبد الاصنام ويتقرب بها إلى الله زلفى من الذي يسمع ما يسمع النبي (ص) ويرى ما يراه.
إن كل حديث أو آية من التي ذكرها المؤلف في كتابه، والتي ذكرناها أعلاه، تكفي لإثبات الخلافة لعلي (ع) بعد النبي (ص) مباشرة، فكيف إذا جمعت كل هذه الأحاديث والآيات، والتي إن هي بعض ما فضل الله تعالى هذا العبد الصالح (ع).
*******
ب – المذكور من نصوص للإمام (ع) وغيره مما يدين استخلاف غيره
-
ص 81 قول علي (ع) حول ظلم الزهراء (ع). وأي خليفة يبدأ ولايته بالظلم، وظلم من، بنت النبي (ص)!
-
ص 94 إعادة عمر بن عبد العزيز فدكًا إلى ذرية الزهراء (ع) وهي إدانة صريحة لأبي بكر ليس فقط في علمه وإنما في الأسباب الحقيقية لنزعها من الزهراء (ع) إلا أن يقال بأن بن عبد العزيز كان أعلم من أبي بكر وهذا لم يقله أحد.
-
خطبة الزهراء (ع) من ص 101 ((ظهر فيكم حسكة النفاق)) وما بعدها، وكلها تقريع وتهديد بالنار ورمي بالكفر والنفاق مما لم يتجرأ أحد أن يفعله مع المنحرفين غيرها (ع)، وهي المعصومة التي لا تنطق بدافع العاطفة خصوصًا بلحاظ ذكرها الخلافة قبل ذكرها فدكًا.
-
ص 111 إتهامها (ع) إياه بالغدر والزور.
-
ص 117 قولها ((أين زحزحوها...)) عن علي (ع) لأنهم نقموا نكير سيفه الخ، أي أنهم يبطنون الحقد من جهاده، وهذا رمي بالنفاق كما لا يخفى.
-
ص 122 شكوى علي (ع) إلى النبي (ص) يوم دفن الزهراء (ع).
-
ص176 و 177 ((لا يبغضني إلا منافق)) ولا ندري إن كان ما فعلوه لم يكن بدافع البغض فماذا؟
-
ص 239 إدانة العباس بن عبد المطلب (رض) لهما.
-
قول علي (ع): ((لقد علمته أني أحق الناس بها من غيري)) والذي وضع المؤلف خطًا توكيديًا تحته، وهي ترد من يقول أنه لم يكن هناك فهم عام، بل معرفة، بأن الخليفة بعد النبي (ص) هو علي (ع) دون منازع.
-
ص 295 ((أن الأمة ستغدر بك بعدي)) وهي إدانة صريحة من النبي (ص).
-
ص 346 إتهام جابر الأنصاري بالظلم من لم يشهد لعلي (ع) بالخلافة تعقيبًا على حديث المنزلة.
-
ص 498 الخطبة الشقشقية، وهي أشهر من نار على علم في إدانتها الكاملة، ليس برفض ما فعلوه ولكن بوضعهم موضع الخارجين عن الأمة أو الناكثين بالعهد لأن الإمام (ع) قال بأنه لم يقاتلهم لأنه لم يجد معينًا إلا أهل بيته، وطبيعي أن الإمام (ع) لا يقاتل إلا الناكثين أو القاسطين أو المارقين.
-
ص 502 قوله (ع): ((الآن إذ رجع الحق إلى أهله ونقل إلى منتقله)) وهي إدانة لمن نقل هذا الحق إلى غير أهله وغير مكانه الصحيح.
-
ص 502 قوله (ع): ((الأئمة من قريش غرسوا في هذا البطن من هاشم لا تصلح على سواهم ولا تصلح الولاة من غيرهم)) وهي تؤدي غرضين: تثبيت الإمامة في أهل البيت (ع) وتنزعها من غيرهم وبذا فهي تدين من تقمصها من غيرهم.
-
ص 502 قوله (ع): ((ما زلت مدفوعًا عن حقي مستأثرًا علي منذ قبض الله نبيه حتى يوم الناس هذا)) وهي إدانة صريحة لكل المستخلفين قبله.
خلاصة الكلام، أن أقوال النبي (ص) وابنته (ع) وعلي (ع) وغيرهم في حصر الإمامة والخلافة في آل محمد (ص) وفي رفضها في غيرهم، وفي اتهامهم بالغدر والزور والنفاق، وفي تهديدهم بالعذاب الأخروي، كلها تدينهم بصراحة. والغريب أن بعض هذه الإدانات صدرت في زمانهم ومع ذلك لم يتراجعوا! كل ذلك لأنهم عقدوا العزم على صرف الأمر عن أهل البيت (ع) مهما كلف الثمن، وهو ثمن غال جدًا دفعت الأمة ولا تزال أضعافه المضاعفة ولا حول ولا قوة إلا بالله. أو ليس ذلك تحقيقًا لقول الزهراء (ع): ((وسيعلم التالون غب ما أسس الأولون))؟
*******
ج – مناقشة نصوص وآراء واردة في الكتاب
-
ص 221 سؤال المؤلف: لِمَ لم يمنع من كان حاضرًا عمرًا من منع النبي (ص) يوم الخميس؟
الجواب: نعم! أحضروا الدواة والكتف استجابة لأمر النبي (ص) ولكنه (ص) إنتبه إلى أن عمرًا قد أوقع الشك في القدرات الذهنية للنبي (ص) لأن البعض قال ما قاله عمر، فخاف النبي (ص) أن يكتب أي شيء مما لا يريدون فيشككوا فيه ثم ينسحب الشك على أي كلام أو فعل أو تقرير للنبي (ص) لا يعجبهم أو يعجب من يأتي من بعدهم، ولهذا غضب النبي (ص) ورفض الكتابة قائلاً: ((أبَعدَ الذي قلتم؟)) ثم قال مغضبًا: ((قوموا عني فإنه لا ينبغي عند نبي تنازع)).
-
ص 237: قوله (ع) إلى أبي سفيان ((وجدنا أبا بكر لها أهلاً)) و ((تريد أمرًا لسنا من أصحابه)) معارض بغيره الكثير من أقواله التي أوردنا بعضها في (حجج النهج) والتي أورد المؤلف بعضها. وكم من الأكاذيب وضعت على لسان علي (ع) وآله واصحابه في هذا السياق.
-
ص 243 أسباب عدم بيعة علي (ع) للأول، والتي ذكرها المؤلف، تشكل كلها إدانة لبيعة الأول.
-
ص 246 ما استدل به المؤلف من فضائل أبي بكر في آية ((ثاني اثنين إذ هما في الغار))، لا يصح فإن الآية تدل على العكس. وهذا يتطلب تحليلاً للآية الكريمة:
إلاّ تنصروه : تقريع للمعاندين الكافرين
فقد نصره الله : أي نصر النبي (ص) لأن الهاء للمفرد المخاطب وهو واضح
إذ أخرجه كفروا : والهاء تعود عليه (ص)
ثاني اثنين : ذكر لخروج أبي بكر معه كواقع تاريخي لا يعني موقفًا لأنه تعالى لم يقل – أخرجهما الذين كفروا –
إذ هما في الغار : وهي مثلها في تأكيد الواقع التاريخي من أن أبا بكر كان مع النبي (ص) في الغار
إذ يقول لصاحبه : وهذه من التي أوقعت الكثير في خداع بعض المؤرخين والكتّاب فإن الصاحب لا تعني مدحًا لأن الصاحب قد يكون صاحب خير أو صاحب شر أو صاحب في موقع دون مدح أو ذم؛ ألم تسمع قوله تعالى: ((يا صاحبي السجن)) حيث خاطب يوسف (ع) من كان معه في السجن بغض النظر عن موقفهما العقائدي، وقوله: ((قال له صاحبه وهو يحاوره أنا أكثر منك مالاً وأعز نفرًا)) وهذا الصاحب ((دخل جنته وهو ظالم لنفسه)) إلى آخر الآيات التي ذمت هذا الصاحب.
لا تحزن إن الله معنا : والسؤال هنا لماذا كان أبو بكر حزينًا؟ قال المؤرخون أنه كان حزينًا على النبي (ص)، وهو تفسير ممكن يستحق عليه أبو بكر الأجر والثواب، ولكن إن كان ذلك كذلك لماذا ينهاه النبي (ص) عنه؟ هل ينهى النبي (ص) عن أي عمل فيه أجر؟ ولكن لعله ليس نهيًا بل تطييبًا وتطمينًا؟ قد يكون ذلك. أي أن الأمر ليس مؤكدًا، لأنه من الممكن أن النبي (ص) شعر بأن أبا بكر حزن من إطباق الكافرين عليهما فخاف من الوقوع بيدهم والقتل على أيديهم، أليس ذلك ممكنًا؟ ولعل الدليل عليه التتمة...
فأنزل الله سكينته عليه : أي على النبي (ص) فقط وليس على أبي بكر، أي أن الله أبقاه في اضطرابه وحزنه وخوفه مما يشير إلى أن خوفه كان غير محمود أي ليس على النبي (ص) وإنما على نفسه هو. واللطيف أن بعض المفسرين أراد أن يصرف هذا الاستدلال القوي بالقول بأن الهاء في (عليه) تخص أبا بكر لأن النبي (ص) لا يحتاج إلى إنزال السكينة لأنها لم تزل فيه، ولكنهم ذهلوا عن قوله تعالى في معركة حنين: ((ثم أنزل الله سكينته على رسوله وعلى المؤمنين)).
-
ص 247 فضائل أبي بكر التي ذكرها المؤلف كلها لا تؤسس أي حق في الخلافة مطلقًا:
القدم في الإسلام – غيره أيضًا له ذلك ولا سيما علي (ع)
أعلم بأنساب العرب – ما أهمية ذلك، فهو كما قال النبي (ص): ((علم لا ينفع من علمه ولا يضر من جهله))
من رؤساء قريش – من قال هذا؟ بل هو من تَيْم من أفخاذ القريش الضعيفة الصغيرة، بل (أقل حي في قريش) حسب وصف أبي سفيان يوم سمع ببيعة أبي بكر؛ وكيف من رؤسائها وقد وبخه أبوه أبو قحافة يوم تكلم باستعلاء مع أبي سفيان مذكرًا ابنه بالفرق بينهما فأجابه أبو بكر بأن الإسلام رفع بيوتًا وأنزل أخرى
بذله المال – وهو من أكثر ما انتشر بين الناس على أساس أنه كان ثريًا، ولكنه معارض بما جاء أنه كان (ينادي على مائدة عبد الله بن جدعان)، والمُنادي هو من سقطة الناس الذين يستخدمهم صاحب المائدة/الدعوة في خدمة الضيوف، فكيف يكون ذلك مع الأثرياء والوجهاء
كونه كان زاهدًا بعد الخلافة – وهذا لا يعطيه حقًا فيها لأن الزهد ليس الصفة الأكثر أهمية، فقد قلنا إنه العلم ثم القدرة على التنفيذ؛ كذلك فإن أصحاب الهمم العالية الطامحين إلى العُلى يزهدون في المأكل والمشرب والملبس لأن هدفهم هو الرئاسة.
-
كون علي (ع) لم يُجبَر على مبايعة عمر وعثمان أي أنه بايعهما طواعية فأعطى الشرعية لهما
الجواب: أن الأمر قد قضي في بيعة أبي بكر والتي صار بعدها لأكثر من سنتين عمر بن الخطاب الوزير، بل رئيس الوزراء ومعه الوزراء الذين ثبتوا الحكم لأبي بكر وولاية العهد غير المكتوبة لعمر، والوزراء كلهم من المتحمسين لصرف الأمر عن أهل البيت (ع) ويكفي في خالد بن الوليد والمغيرة بن شعبة عونًا على ذلك؛ ثم إذا فشل المسلمون في جمع مجموعة صغيرة لنصرة أمير المؤمنين (ع) بعد وفاة النبي (ص) مباشرة وبعد ما رأوه من ظلم فادح لبضعته الطاهرة ورد لشهادتها وشهادة علي والحسنين (ع) ومعهم أم أيمن (رض)، ولم يفعلوا شيئًا، هل كانوا سينصرونه بعد استباب الأمر للحزب الحاكم؟!
-
ص 255 قال المؤلف أني – سعيد السامرائي – قلت في (حجج النهج) أن الإمام علي (ع) (ندم على تفريطه في أمر البيعة وتفويت الفرصة)
وأرد بالقول: أني لم أقل ذلك وليس هذا رأيي، بل نقلته من كتاب شرح النهج لابن أبي الحديد؛ وكيف أقول أن الإمام (ع) ندم، كيف وما قام بأي شيء إلا بعهد معهود من النبي (ص): ألم يقل بأن النبي (ص) قال له: ((إن اجتمعوا عليك فافعل ما أمرتك به وإلا فالصق كلكلك بالأرض)) وقالت الزهراء (ع): ((ما فعل أبو حسن إلا ما ينبغي له، وما فعلوا إلا ما الله حسيبهم عليه))، فكيف أقول ذلك... فإني أعوذ بالله من هذا القول، بل أفضل أن تقطع يدي وينقطع لساني على أن أتهم سيد الوصيين (ع) بذلك.
-
ص 261 استناد المؤلف على قول علي (ع): ((وأن الشورى للمهاجرين والأنصار)) فهو قبولهم بالبيعة وليس النص، وقوله ((اجتمعوا)) ولكنهم لم يجتمعوا لأن حزب بني أمية لم يرض حتى قبل الرشوة وحزب سعد بن عبادة دِيس يوم السقيفة ثم بقي زعيمه سعد رافضًا حتى قتل غيلة، وباقي الأمة ليس لها قول ولا رأي، وأما حزب بني هاشم فظل معارضًا وتم تهديد البيت العلوي بالتحريق؛ وحتى إن قال علي (ع) ذلك فهو يقول لهم: كما قبلتهم بيعة أبي بكر وعمر وعثمان بعد رضا المهاجرين والأنصار عليكم أن تقبلوا بيعتي لأنها حصلت على رضاهم أيضًا.
-
ص 263 قول المؤلف: (الأمر لعلي (ع) إن شاء أخذه لنفسه وإن شاء ولاّه غيره)
هو قول مردود تمامًا لأن علي (ع) ليس له أن يقرر ذلك، بل هو تكليف من الله تعالى في الإمامة الكبرى والخلافة العظمى، وقد قبلها أمير المؤمنين (ع) في تقدير الله تعالى للأمور من قبل الخلق، ثم قبلها في حياة رسول الله (ص)، بل هو قدم نفسه لها منذ كان ذا عشر سنين عندما بايع النبي (ص) على النصرة على أن يكون أخاه ووصيه وخليفته من بعده في يوم الدار، ثم قبل التكليف أخيرًا يوم الغدير... فالموضوع ليس منصبًا للمنافع والوجاهة كما هو حاصل في الدنيا، بل هو مسؤولية وأي مسؤولية... فهل للأنبياء (ع) أن يولّوا أحدًا بدلاً عنهم لأن الناس رفضوهم؟! كذلك الأئمة (ع) وهم القوّام على الشريعة الخاتمة إلى يوم القيامة.
-
ص 554 قوله (ع): ((فرأيت أن الصبر على ذلك أفضل من تفريق كلمة المسلمين وسفك دمائهم والناس حديثو عهد بالإسلام))...
لا يعطي شرعية لخلافة أبي بكر، بل على العكس هو ينقضها من أساسها لأن الإمام (ع)، وكما قلنا أعلاه في مورد آخر، يصرح بشرعية قتال أبي بكر وحزبه. أما خوف الإمام (ع) من تفريق كلمة المسلمين وسفك دمائهم فهو إن حصل، أي إن كان قرر قتالهم وحصل، فهو بسبب بيعتهم غير الشرعية، أما صبره (ع) على ذلك فهو يحسب له من جهة، ومن جهة أخرى هو أخف الضررين وليس بدون ضرر. وعلى كل حال، ما فعل أمير المؤمنين (ع) إلا ما أمره به النبي (ص).
-
ص 554 أيضًا قوله (ع): ((لولا مخافة الفرقة بين المسلمين وأن يعود الكفر ويبور الدين لكُنّا على غير ما كُنّا لهم عليه))...
واضح في شرعية قتالهم لرد ما فعلوه، وإنما لم يفعل الإمام (ع) ذلك خوفًا على الدين، أي في سياق مسؤوليته العظمى في الحفاظ على الشريعة الخاتمة.
-
ص 554 أيضًا قول النبي (ص) حول الضغائن التي في صدور القوم ولن يظهروها إلا بعد وفاته (ص)، واضح جدًا في التنبّؤ بما سيحصل، وهو يلقي الضوء على السبب وراء وصية النبي (ص) لعلي (ع) أن يتبع أمره في القيام بأعباء الخلافة إن اجتمعوا عليه وإلا فليصبر وليلصق كلكله بالأرض.
-
ص 581 قول المؤلف أن أبا بكر ثبت في المعارك...
لا ينفع كفضيلة لأبي بكر، أولاً لأنه لم يثبت في بعض المعارك كما في أُحد على ما في التاريخ الشيعي، وفي حُنين على ما في التاريخ المجمع عليه بين الطائفتين، وثانيًا لأنه كان في المعارك الأخرى بعيدًا عن القتال في عريش رسول الله (ص) كما هو الإجماع. ولأنه معروف بعدم كفاءته في هذا الجانب فإنه عندما أعلن رغبته في القتال قال النبي (ص) له: ((متّعنا بحياتك يا أبا بكر)) معرفة منه (ص) بأنه سيقتل إن قاتل. فأين ذلك من الثبات في المعارك؟
-
ص 581 حول قول النبي (ص) المزعوم: ما عرضت الإسلام على أحد إلا كانت له كبوة عدا أبي بكر....
هو قول موضوع لا شك في ذلك، وإلا هل كانت لخديجة (ع) كبوة عندما عرض عليها الإسلام، أم لجعفر بن أبي طالب (ع) أم لزيد بن حارثة (رض) أم لعمار (رض) أم لأبي ذر (رض)، أم لسيد الوصيين (ع)؟! فإن كان ذلك كما يزعمون فعلامَ لم يجعل أبا بكر سيد الوصيين أو أصدق من أقلته الخضراء وأظلته الغبراء أو مملوءًا إيمانًا من رأسه إلى أخمص قدمه وغيرها من الأوصاف التي حباها لهؤلاء الصفوة من أصحابه وأهل بيته؟!
-
ص 583 حول قول المؤلف أن بيعة علي والآل (ع) والأصحاب للأول تعطيه شرعية...
غير صحيح لأسباب:
أولاً : أن الإمام (ع) وأهل بيته وأصحابه إنما بايعوا حفظًا لوحدة المسلمين وحقنًا لدمائهم كما جاء في أقوال علي (ع) وأصحابه، فكانوا يتأسفون لذلك حتى ورد عن المقداد (رض) القول: (لو وجدت أربعين لناهضتهم).
ثانيًا : أن البيعة تمت بشكل مرفوض حتى من قبل أهلها حيث صرح عمر بأنه كانت فلتة، بل دعا إلى قتل من يقوم ببيعة بشكل مشابه! فهي بيعة لا تستند على كتاب ولا سنّة.
ثالثًا : لم يتحقق الإجماع على البيعة مطلقًا، وإنما سارت الأمور كما تسير اليوم من القسر والقهر على البيعة حتى قال المؤرخون أن موكب أبي بكر كان يمر بسكك المدينة فيأخذ أعوانه أيدي الناس وهم على أبواب دورهم فيخبطوها بيد أبي بكر ليبايعوا شاؤا أو أبوا.
رابعًا : حتى لو بايع الناس أجمعون، فإن عدم بيعة الزهراء (ع) ينقض هذه البيعة من أساسها لأنها عليها السلام لا يمكن أن تكون ماتت دون إمام، أي ميتة جاهلية، فيكون أبو بكر إمامًا مفروضًا بقوة الباطل.
خامسًا : إستمرار الموقف لمصلحة أبي بكر ثم استقراره ليس لأن الناس تراجعت عن رأيها ورأوا أن بيعته كانت بيعة حق، وإنما لأنهم اعتادوا على البخوع لمن تستقر له الأمور. وهذا معروف في نظام العشائر ومعمول به لحد الآن، وأنا أتكلم من معرفة بما يدور في العشائر العربية وغيرها، ومنها عشيرتنا في سامراء، فإنهم عندما يموت الشيخ، فإنهم يسارعون إلى الصلاة عليه ودفنه، ثم يجلسون لاختيار الخلف حالما يعودون من الدفن... وبعد الاختيار يكون عسيرًا جدًا، إن لم يكن مستحيلاً الرجوع على الأمر. وإنه لمن الغريب جدًا حتى في منطق اليوم أن تتم البيعة لأبي بكر وليس لعلي (ع) وهو ابن عم النبي (ص) وصهره وأقرب الناس إليه – ولا نتحدث هنا عن فضائله وسابقته -، وأعجب منه أن تتم لرجل هو في أضعف فخذ من العشيرة.... ولكن الجنود المعروفين وغير المعروفين عززوا الضعف وتمت بيعة ما كان يمكن أن يصدق بحصولها أحد... ألم يأت سلمان (رض) إلى أمير المؤمنين (ع) شاكيًا ما رآه وسمعه من ذلك العجوز الطاعن في السن وهو يهنّئ أبا بكر قائلاً: (الحمد لله الذي لم يُمِتني حتى رأيتك في هذا المكان)، فقال سلمان لعلي (ع): (كأنه كان يتشفّى بوفاة رسول الله)، فأجابه الإمام (ع): ((أتدري من هذا؟ هذا إبليس)).
*******
ختامًا، أقول أن الخلافة والإمامة ليست بالفضائل – وإن عظمت – ولا بالقرابة ولا بالمصاهرة، وإن كان لكل هذه الأمور مكانها... أقول، على الرغم من أن عليًا (ع) يبزّ الجميع وبمسافة كبيرة في جميع هذه الأمور، إلا أن الأمر ليس لهذه الفضائل، وإنما هو لله عزّ وجلّ القائل: ((وجعلناهم أئمة يهدون بأمرنا)) والقائل: ((وربك يخلق ما يشاء ويختار ما كان لهم الخيرة)) والذي حصر الولاية بعد ولايته سبحانه وولاية نبيه (ص) بعلي (ع) والذي أمر بمودة علي وآل علي (ع) ولم يأمر بمودة غيرهم، بعد أن طهرهم ولم يطهر غيرهم... كل ذلك بعد أن كانوا دعوة أبيهم إبراهيم (ع): ((واجعلنا مسلمَين لك، ومن ذريتنا أمة مسلمة لك، وأرِنا مناسكنا وتُب علينا إنك أنت التواب الرحيم . وابعث فيهم رسولاً منهم )) أي من الأمة المسلمة ((يتلو عليهم آياتك ويعلمهم الكتاب والحكمة)) فيصبحون جاهزين للإمامة ((ويزكيهم)) للناس معلنًا أنهم الخلفاء الراشدون المهديون من بعده. والحمد لله رب العالمين.
ونختم الكلام في أمير المؤمنين (ع) في أمر الخلافة ودعوى حصول الاجماع بقول مهيار:
وكيف صيّرتم الإجماع حجّتكمْ والناس ما اتّفقوا طوعًا وما اجتمعوا
أمر علي بعيد عن مشورتهِ مستكرَهٌ فيه والعباس يمتنعُ
وتدّعيه قريشٌ بالقرابة والأنـ ـصار لا خفض لهم فيه ولا رفعُ
فأي خُلْفٍ كخُلفٍ كان بينكمُ لولا تلفّق أخبار وتُصطَنَعُ!
والحمد لله الذي جعلنا من المتمسكين بولاية أوليائه والبراءة من أعدائه، فهو سبحانه قد جعل البراءة قبل الولاية بقوله عز اسمه: ((فمن يكفر بالطاغوت ويؤمن بالله فقد استمسك بالعروة الوثقى))، بل جعل البراءة من جميع الآلهة قبل الإعلان بالألوهية لنفسه القدسية في كلمة التوحيد: لا إله إلاّ الله.
فلئن صبر إمامنا عليه السلام ومعه الصفوة من آله وأصحابه البررة، فإنما لمصلحة الإسلام التي هي أهم عنده من كل شيء، ولئن لم يتراجع الآخرون عما فعلوه في الإسلام والمسلمين فهم وما اختاروا... كما قال الكميت:
الله أعلمُ ماذا يقدمان به يوم القيامة من عذر إذا اعتذرا
وما عندنا غير ترديد قول سيدة نساء العالمين عليها السلام: ((ما فعل أبو حسن إلا ما ينبغي له، وما فعلوا إلا ما الله حسيبهم عليه)) أو كما قالت.
وأخيرًا، بارك الله لكم جهودكم وجعلنا وإياكم من المتمسكين بولاية علي وآل علي (ع)، النافذي البصيرة في أوليائهم وأعدائهم، العاملين من أجل نشر أنوارهم، الفائزين بشفاعتهم وشفاعة جدهم (ص).
والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام علي سيدنا ونبينا محمد وعلى الهداة الطاهرين من آله الطيبين والصادقين الشاكرين من أصحابه الميامين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
غسان نعمان ماهر (أبو جعفر السامرائي)
لندن – محرم الحرام 1421هـ