4- الشيعة والسنة والحديث الشريف:
الحديث الشريف هو الأصل الثاني للتشريع بعد القرآن الكريم ويتضمن: تفسير القرآن، والسنن التي هي أفعال النبي(ص) وأوامره الأخرى.
الفرية:
تدّعي كل فرقة إسلامية أنها ملتزمة بسنة النبي(ص) ولا تحيد عنها، وأن غيرها ليس كذلك. على أن بعض هذه الفرق تسرف في اعتدائها على غيرها. في حين أن الشيعة يعتقدون ويقولون بأن عند اخوانهم السنيين الكثير من السنن الصحيحة وبعض البدع، والتي جاءت بسبب إبعادهم القسري عن طريقة أهل البيت(ع)، فإن معظم أهل السنة، وترديداً لما يقوله علماؤهم، يعتقدون بأن الشيعة ما عندهم غير البدع، أو على أحسن الأقوال الكثير من البدع والقليل من السنن الصحيحة. والسبب في ذلك، حسبما يعتقدون، هو ذات السبب الذي يعتقدون أنه يقف وراء نشأة التشيع، أي إما الفرس الذين يريدون هدم الإسلام، وهو الاعتقاد السائد اليوم، أو السبأيين أتباع عبد الله بن سبأ اليهودي، وهو ما ناقشناه وأثبتنا بطلانه في الحلقتين الأولى والثانية من "شبهات وردود".
نصوص الأحاديث والاجتهاد:
الحديث عند الشيعة هو نصوص مقدسة لا يمكن الحيود عنها بالاجتهاد لكونه(ص) ﴿وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى . إِنْ هُوَ إِلا وَحْيٌ يُوحَى﴾، سواء أكان الحديث في أمور الدين أو الدنيا، ويعتقدون بأن النبي(ص) ما جاء بشيء إلا من عند الله تعالى وليس تأييداً لرأي بشر كما في اعتقاد أهل السنة بأن نزول آية الحجاب كان تأييداً من الله تعالى لرغبة صحابي (أكثر غيرة على المسلمات من النبي، فيما يبدو!) وأن أذان الصلاة – التي هي عمود الدين – قد سمعه بعض الصحابة في منامهم فأخبروا النبي(ص) فأقرّه، وغير ذلك. أما عند أهل السنة فإن الحديث هو نصوص يمكن التعامل بمرونة مع ما كان منها في الأمور الدنيوية لأن الرسول(ص) لم يكن معصوماً عندهم إلا في التبليغ الذي هو مقتصر على التشريع.
أدى هذا إلى وجود إمكانية الالتفاف على أي حديث شريف لم يعجب بعض الصحابة بسبب عدم اعتيادهم على الحكم الوارد في النص (كما في متعة الحج حيث لم يتقبل عمر بن الخطاب فكرة أن يحل الرجل من إحرامه ويجامع زوجته ثم يعود إلى المناسك فنهى عنها، وكما في عدم تقبل بعض كبار القرشيين مساواتهم في العطاء والجاه بعد الإسلام مع من كانوا في الجاهلية أقل منهم شأناً)، أو إذا كان النص مرفوضاً لأسباب سياسية (كما في رفضهم استخلاف علي بن أبي طالب وأولاده من بعده كون ذلك سيقطع أي أمل بتربع هؤلاء الرافضين للنص على كرسي خلافة رسول الله(ص)).
كما أدى ذلك إلى أن يتمكن علماء أهل السنة، الباحثون والمحدثون والمؤرخون، من القيام بالالتفاف على أي حديث شريف لم يعلم به الصحابة الذين يوالونهم هؤلاء العلماء، حتى وإن أدّى ذلك إلى اللعب بالألفاظ العربية الصريحة التي لا تحتاج إلى كثير جهد لمعرفة الأحكام التي جاءت بها. من ذلك ما كان في باب الفقه، كأن يذهب العلماء بعيداً في محاولة إثبات أن متعة النساء قد نهى النبي(ص) عنها بعد إباحتها ثلاثة أيام، على الرغم من أن كتب الحديث والتاريخ المعتبرة عندهم تنص على استمرار حكمها بعد وفاة الرسول(ص) وما ذلك إلا لأن أحد كبار الصحابة قد نهى عنها.
وفي الفقه أيضاً، وافق عمر بن الخطاب على طلب قبيلة تغلب (التي تقع مضاربها في شمال الجزيرة العربية على حدود الشام ورفضت أن تدخل الإسلام مفضلة البقاء على النصرانية) دفع الزكاة بدلاً من الجزية لأنهم أنِفوا أن يدفعوا جزية وهم قوم عرب، فاعتبر المفكر سيد قطب (رحمه الله) ذلك دليلاً على مرونة الإسلام، مع أنه تجاوز واضح لنصوص صريحة قرآنية وحديثية تأمر بأخذ الجزية من كل من يرفض الدخول في الإسلام ﴿وَهُم صاغِرون﴾، والتي ربما تكون إحدى وسائل الضغط النفسي عليهم عسى أن يفكروا فيهتدوا لدين الله.
وفي التاريخ كان على العلماء أن يوردوا معاني كثيرة لكلمة المولى لكي يثبتوا أن النبي(ص) ما أراد استخلاف علي(ع) يوم الغدير عندما قال للناس: ‹‹من كنت مولاه فعلي مولاه››، فقالوا إنه(ص) أراد بها الصديق أو المحب أو الناصح أو الناصر أو غير ذلك من صفات لعلي بن أبي طالب هي من البديهيات عند كل مسلم بحيث لا تحتاج أن يجمع النبي(ص) فجأة في رمضاء الهجير، ويطلب أن يرد من تقدم في الركب منهم وينتظر من تأخر منهم، ويشهدهم على أصول الدين، ثم بعد أن يقول النص المذكور (وهو جزء صغير مما قاله النبي(ص) يوم الغدير) يأمر الناس أن يبلّغ الشاهد منهم الغائب؛ هذا والنبي(ص) قد أجمعت الأمة، بل والناس جميعاً، على حكمته البالغة وعلى أنه لا يمكن أن يقوم بفعل لا فائدة من ورائه.
وفي السياسة كان على العلماء أن يجدوا وسائل للالتفاف على النصوص التي تأمر بعدم رد أوامر النبي(ص) في حياته وبعد وفاته. فكان أن أوّلوا قول عمر بن الخطاب أن النبي(ص) يهذي والعياذ بالله "ما له أَ يهجُر؟" أو "دعوه فإنه يهجُر" عندما أمرهم بإحضار قلم وورقة لكتابة ما يؤمن الأمة من الضلال، بأن ما قاله عمر هو "أن النبي غلب عليه الوجع"، وهي لا تعني سوى الهذيان أي كلمة الهجر ذاتها، أو أن عمر كان مشفقاً على النبي(ص) أن يتعب من هذا الفعل فمنعهم من إجابة طلبه، بل إن بعضهم قال بأن ما قاله عمر كان توفيقاً من الله سبحانه وتعالى لأن النبي(ص) كان يختبرهم، فعندما قال عمر "حسبنا كتاب الله"، أي لا نحتاج لكتاب النبي(ص) الذي يريد كتابته، فعرف النبي(ص) أن الصحابة يعرفون المطلوب! وفعلاً أمنت الأمة من الضلال إلى يومنا هذا!
مصادر الحديث:
مصدر الحديث هو النبي محمد بن عبد الله (ص) لا غير. أما بعد ذلك فإن الناقلين لحديثه(ص) هم، عند أهل السنة، الصحابة ثم التابعون ثم تابعو التابعين وهكذا وصولاً إلى شيوخ أصحاب كتب الحديث كالبخاري ومسلم وابن ماجة، وهم جميعهم عرضة للجرح والتعديل، أي القبول والرد، ما عدا الصحابة الذين يعدهم علماء أهل السنة عدولاً جميعاً فلا يجوز محاسبتهم على فعل أو نقدهم على قول حتى وإن تضاربت أفعالهم وتناقضت أقوالهم، بل وحتى وإن جرى بينهم السيف والرمح وقتل بعضهم بعضاً.
وهذا هو رأي أصحاب أبي حنيفة النعمان أيضاً على الرغم من كونه قد ردّ روايات بعض الصحابة طعناً في عدالتهم كأبي هريرة وسمرة بن جندب.
وهكذا أصبح للصحابي الحق في تغيير سنّة النبي(ص) ونصوصه الصريحة كإلغاء كلمة (حيّ على خير العمل) الموجودة في الأذان والتي نص عليها البخاري في صحيحه، وتحريم متعة الحج ومتعة النساء المعمول بهما على عهد النبي(ص) استناداً إلى نصوص القرآن الصريحة، وإلغاء سهم المؤلفة قلوبهم من الزكاة وإتمام الصلاة في السفر، والخروج على الإمام المبايع، بل عدم إعطائه البيعة مع أن النبي(ص) قد نص على أن ‹‹من مات ولم يكن في عنقه بيعة مات ميتة جاهلية››، وتجاهل أوامر الرسول(ص) بقوله: ‹‹لا ترجعوا بعدي كفاراً يضرب بعضكم رقاب بعض›› فخرج بعضهم على بعض وأشعلوا أوار أول حرب بين المسلمين أنفسهم طمعاً في الدنيا.
وبغض النظر عن عدالة الصحابة جميعاً أو عدمها فإن معظم الصحابة ما عاشوا إلى أكثر من منتصف القرن الأول أو بعده بقليل، ولم يعمر إلى ما بعد ذلك سوى الأقلية، ولم يعش إلى بداية القرن الثاني سوى أنفار قلائل يعدون على أصابع اليد منهم جابر بن عبد الله الأنصاري (كما روي)، والذين كانوا أطفالاً زمن النبي(ص). أي أن المصدر الأول للحديث والمتلقين منه استمروا إلى ما يزيد بقليل عن النصف قرن.
أما عند الشيعة فإن الحديث لا يؤخذ مباشرة من الرسول(ص) فقط، بل من الأئمة(ع) أيضاً على أساس أنهم معصومون، مما يجعلهم مؤتمنين على النصوص بشكل كامل. وهكذا فإن الجرح والتعديل لا يتعرض له الأئمة(ع) كونهم صحابة (علي والحسنان(ع)) وتابعين (السجاد والباقر(ع)) وتابعي التابعين ومن بعدهم (الأئمة الآخرون(ع))، وإنما يتعرض له الناقلون عن النبي(ص) غيرهم، والناقلون عنهم(ع) من غيرهم. فمثلاً، عندما ينقل عن الإمام الصادق(ع) إبنه موسى الكاظم(ع) فإن الكاظم لا يتعرض للدراسة الرجالية من جرح وتعديل لعصمته، أما عندما ينقل عن الصادق(ع) المفضل بن عمر أو أبو بصير فإنهما يتعرضان للجرح والتعديل كونهما غير معصومين.
وطالما أن الأئمة عاشوا وسط الناس إلى سنة 256هـ فإن الحديث الشريف المنقول عن معصوم وصل إلى الناس لمدة قرنين ونصف، أي خمسة أضعاف مدة وجوده عند أهل السنّة (نصف قرن).
هذا مع غض النظر عن فترة 74 عاماً هي مدة حياة الإمام الثاني عشر(ع) حتى نهاية الغيبة الصغرى، والتي كانت النصوص تخرج عنه بشكل قليل جداً عن طريق سفرائه الأربعة.
أما لماذا يرفض الشيعة عدالة الصحابة ويقبلون بعصمة الأئمة فهذه مواضيع أخرى سنتعرض لها في حلقات قادمة بإذن الله.
ولكن ما نريد تثبيته هنا هو أن الإمام لا يأتي بحديث من عنده لأن الوحي قد انقطع بوفاة رسول الله(ص)، ولكنه يخرج للناس علوم رسول الله(ص) التي لا يعرفها غير الإمام الذي تعلّمها من أبيه عن جده وصولاً إلى الإمام الأول علي بن أبي طالب الذي تعلمها من رسول الله(ص)، ولعل هذا هو السبب وراء مشيئة الله تعالى بوجود الأئمة(ع)، لأن الفترة القصيرة التي عاشها رسول الله(ص) لا تسمح بإخراج جميع الأحكام الشرعية، وحتى بعض الأطر العامة أيضاً، لا سيما لأن فتوحات كبيرة ستحصل سيدخل بعدها إلى الإسلام أقوام مختلفة وستتشعب الأهواء والآراء، وتحتاج الأمة بسبب ذلك إلى قيادة عالمة علماً كاملاً بما جاء إلى النبي(ص) من عند الله بما يصلح الأمة، خصوصاً فيما يخص التوازن بين الالتزام بالأطر العامة والمرونة في التفاصيل.
لهذا فإن كتب الحديث الشيعية لا تذكر عادة السند ما بين الإمام، أي إمام، وبين رسول الله(ص) وذلك لعلم أصحاب هذه الكتب أن هذا الإمام المحدث لا يتفوه بشيء سوى من تعليم أبيه عن آبائه عن رسول الله(ص)، في حين تذكر ما عدا ذلك من السند، أي الرجال الذين يقعون ما بين الإمام والشيخ المباشر لصاحب الكتاب. ولم يفهم الشيخ محمد منظور نعماني هذه الحقيقة في كتابه (الثورة الإيرانية في ميزان الإسلام) حيث قال بأن الباحث في كتب الحديث الشيعية لا يجد لحديث رسول الله(ص) سوى أحاديث لا تزيد عن 5% من مجموع الأحاديث المذكورة في هذه الكتب، فظن بأن الشيعة تساوي بين قول الأئمة(ع) وقول النبي(ص) من ناحية الأصل، مع أنهم يعتقدون أن الأصل هو النبي(ص) وأن الأئمة(ع) هم الناقلون الأمناء لسنته(ص)؛ وهذا من عدم فهم علماء السنة لمذهب أهل البيت(ع).
وقد تنبّه الأئمة(ع) لهذه المسألة، فكانوا أحياناً كثيرة يذكرون السند بينهم وبين رسول الله(ص) بقولهم: حدثني أبي عن آبائه عن أمير المؤمنين عن رسول الله(ص) تنبيهاً لهذه الحقيقة.
شيوخ الحديث وأقسامه:
على الرغم من أن الأمة انفصلت هذا الانفصال المؤسف إلى طائفتين هما الشيعة والسنة إلا أن علماء الطائفتين ظلوا في أحيان كثيرة يجلس بعضهم في دروس البعض الآخر ليتعلم منه الفقه والأصول، وينقل عنه الحديث الشريف. لهذا تجد أن في سند الكثير من أحاديث السنة رجالاً من الشيعة (راجع كتاب المراجعات لشرف الدين حيث أحصى مائة رجل من الشيعة كانوا شيوخاً للحديث عند محدثي أهل السنة) لأن محدثي السنة ورجال جرحهم وتعديلهم قالوا عن الشيعي الذي يأخذون منه الحديث (لنا صدقه وعليه بدعته).
وقد أمر الإمام جعفر بن محمد الصادق(ع) أصحابه بأن يأخذوا الحديث عن ثقاة أهل السنة بقوله: ‹‹خذوا ما رووا وذروا ما رأوا››، وهي كلمة توضح الفرق بين من يصف عقيدة إخوانه بأنها بدعة وبين من يصفها بأنها رأي. وهذه الحالة موجودة في جميع أقسام الحديث، أي الصحيح والحسن والضعيف والموضوع كما يقسمه علماء السنة، أما عند الشيعة فقد وضعوا الحديث الذي يرويه سنّيّ باباً خاصاً سمّوه (الـمُوَثَّق) أي تم توثيقه لأن راويه صادق ثقة في النقل، على الرغم من اختلاف مذهبه.
صحاح السنّة وكتب الحديث الشيعية:
يعتقد السنة بأن كل الأحاديث الواردة في الكتب المسماة صحاحاً، لا سيما صحيح البخاري وصحيح مسلم، أحاديث صحيحة وذلك لأنهم يثقون بالبخاري ومسلم اللذين قالا بأنهما لم يدرجا في كتابيهما إلا الحديث الصحيح. على أن هذا الأمر قد أوقعهم في إشكالات سببها بعض الأحاديث التي لا يمكن قبولها لمصادمتها صريح القرآن، أو صحيح الحديث، أو العقل، من ذلك أن القرآن قد أكد على أنه محفوظ من عبث العابثين بقوله تعالى: ﴿إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ﴾ في حين أن كتابَيّ البخاري ومسلم أوردا أحاديث عن صحابة – والصحابة كلهم عدول صادقون عندهم- تؤكد على ضياع المئات بل الآلاف من الآيات القرآنية (راجع الحلقة السابقة من شبهات وردود). بل إن بعض الأحاديث تشير إلى أن النبي(ص) قد نسي بعض الآيات فذكره رجل أعمى سمعه يقرأ القرآن! وهذا يجلب الشك في تمامية القرآن الذي بين أيدينا، بل في عصمة الرسول(ص) من نسيان التنزيل.
ومن ذلك أن الرسول(ص) قد نام حتى سمعوا غطيطه ثم قام فصلى دون أن يتوضأ. وهذه مخالفة لصريح الحديث الشريف بأن الذي ينام يجب – بعد استيقاظه – أن يتوضأ قبل أن يصلي حتى وإن لم يحدث أو ينقض الوضوء قبل النوم.
ومن ذلك ما أورده البخاري ومسلم وغيرهما من أن موسى بن عمران(ع) قد لطم ملك الموت لطمة فقأت عينه لأنه لم يشأ أن يموت، فصار ملك الموت يأتي إلى الناس خفية بعد أن كان يأتيهم عياناً حسب نص الحديث! وهو كما ترى مخالف للعقل، لأنه إن كان أحد الخمسة أولي العزم من الرسل ومن كلمه الله تكليماً لا يرغب في لقاء الله تعالى فمن ذا الذي يرغب فيه؟! هذا ناهيك عن صعوبة معرفة كيفية تأثر الملائكة بلطمات بني آدم خصوصاً وقد روت هذه الصحاح بأن جبريل(ع) قد ضغط النبي(ص) ضغطاً شديداً عندما جاءه بـ ﴿إِقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ﴾ وأنه(ص) كان يتعرض للمشقة فيثقل ويعرق حينما يأتيه الوحي.
أما عند الشيعة فليس هناك كتب حديث كل ما حوته صحيحاً، بل إن فيها جميع أقسام الحديث، وأن حاله حال أي كتاب ما عدا كتاب الله تعالى الذي ﴿لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ﴾ فهو بالتالي الكتاب الوحيد في العالم الذي لا يحتوي غير الصحيح من الكلم.
من الذي يحتاج إلى مختلقات؟
أجمعت الأمة على عدالة الأئمة من أهل البيت(ع) وعلمهم، إذ لم ينقل التاريخ قولاً لحاكم (خليفة أو وال) أو مؤرخ أو محدث أو فقيه يشير إلى انحراف هؤلاء الأئمة(ع) أو جهلهم، بل لم يشر التاريخ إلى أنهم(ع) أعيتهم الحيلة في مسألة أو تلكأوا في جوابها. كما لم يثبت التاريخ أنهم تخرجوا من مدرسة غير مدرستهم عليهم السلام، فكانت الناس هي التي تأتيهم لحاجتهم إليهم، وكانوا هم مستغنين بما ورثوه من علوم جدهم رسول الله(ص). ولعل مطالعة سريعة لما ذكره ابن حجر في كتابه (الصواعق المحرقة في الرد على أهل البدع والزندقة)، (الذي ألّفه لشتم الشيعة) في حق هؤلاء الأئمة(ع) وبضمنهم الإمام الثاني عشر (الذي نص ابن حجر هذا على غيبته) تجعل المرء يخرج بنتيجة واحدة وهي العدالة المطلقة لهؤلاء الأئمة وعلمهم الذي لا يحتاج معه إلى غيره.
أما غيرهم فقد روى التاريخ أن كبار الصحابة توقفوا في مسائل وحكموا أحكام متناقضة في المسألة الواحدة تجعل المرء يعجب أشد العجب لهذا العناد الذي عند بعض العلماء وهم يرون الفرق الهائل بين أهل بيت محمد(ص) وغيرهم. فقد حكم بعض كبار الصحابة بأحكام ما أنزل الله بها من سلطان كما في فتواهم لمن أجنب ولم يجد الماء أن يتوقف عن الصلاة مع أن آية التيمم نصب أعينهم في كتاب الله الذي قالوا عنه أنه حسبهم (حسبنا كتاب الله)، وكما في حكمهم على امرأة زنت بالرجم مع أنها مجنونة وضعت عنها الحدود، وكما في حكمهم بمسائل الميراث أحكاماً مختلفة عديدة. بل لقد صرّحوا بجهلهم بعض معاني القرآن كما في كلمة الأب في قوله تعالى ﴿وفاكهة وأبّاً﴾.
ولقد كانوا يتوقفون في الكثير من المسائل فيفزعون بعد إياس إلى أمير المؤمنين، باب مدينة علم النبي(ص)، فيعلمهم الجواب دون حاجة إلى تدبر أو تفكير، مع تنبيههم في بعض الأحيان إلى الفرق بينه وبينهم كان يرفع بيده الشريفة حفنة من تراب ثم يتركه يسقط من يده قائلاً: ‹‹إنها – أي المسألة – أيسر من هذا››.
وحتى قال فيه عمر: "لولا علي لهلك عمر".
فهل تحتاج الشيعة إلى الفرس أو اليهود أو عقول القاصرين ليبنوا عليها عقيدتهم بعد أن أنعم عليهم الله تعالى بولاية خزّان علوم الرسول(ص)، الذين هم خلفاؤه الراشدون المهديون بحق، والذين ربّى بعضهم بعضاً بدءاً من تربية الرسول(ص) للإمام الأول القائل: ‹‹كنت أتبعه اتباع الفصيل إثر أمه›› إلى أن وصل إلى درجة من الكمال الإنساني وصفها معلمه(ص) نفسه بقوله: ‹‹علي مع الحق والحق مع علي يدور معه كيفما دار››. ثم من تربية النبي(ص) وعلي(ع) للحسنين(ع) ثم كل إمام لابنه الذي يليه في المنصب الإلهي.
أين أحاديث أهل البيت(ع) إذاً؟
إذا كان الشيعة ليسوا على مذهب أهل البيت(ع) لأن ما عندهم من أحاديث هي من مختلقات الفرس وغيرهم، فأين هي أحاديث أهل البيت(ع)؟
هل يعقل أن يذكر المؤرخون السنة أن الإمام الصادق(ع) كان يحضر مجلس درسه في المدينة المنورة تسعمائة شيخ (وعلى رواية أخرى أربعة آلاف) ثم لا يصل من أحاديثه لهؤلاء الشيوخ شيء يذكر في صحاح البخاري ومسلم وابن داود وغيرها؟
كيف يصف الناس، ومنهم ابن حجر صاحب الصواعق المحرقة (الذي ذكر أئمة أهل البيت الإثني عشر واحداً واحداً ولم يذكر غيرهم من أهل البيت وهو اعتراف غير مباشر بإمامتهم وإلا لماذا لم يذكر غيرهم من عظماء أهل البيت كزيد بن علي ويحيى بن زيد ومحمد وابراهيم ولدي عبد الله بن الحسن وغيرهم)، بما يوضح جلالة قدرهم وعظيم منزلتهم وكثير علمهم، ثم لا نجد شيئاً لهذا العلم في كتب الحديث السنية اللهم إلا بعض الأحاديث لبعضهم؟ وهلاّ جاء محمد بن اسماعيل البخاري صاحب صحيح البخاري بحديث واحد على الأقل من أحاديث الإمام الحسن العسكري الذي عاصره، وقد قال بأن كتابه لم يحوِ غير الأحاديث الصحيحة التي اختارها من مائة ألف حديث صحيح وبأنه كان يسافر لطلب حديث واحد عندما يسمع به؟
وأين أحاديثهم النافية عن الدين التحريف والغلو والباطل والجهل وقد قال جدهم(ص) عنهم: ‹‹في كل خلف من أمتي عدول من أهل بيتي ينفون عن هذا الدين تحريف الغالين وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين›› الذي ذكره فيمن ذكره ابن حجر معترفاً بصحته؟
ولكنها السياسة التي حكمت بأن يخمل عند البعض ذكر أهل البيت(ع) ويطير ذكر غيرهم ممن لا يدانيهم في شيء فصار حديثهم(ع) عند البعض غريباً غربة الإسلام... ﴿إِنَّ الأَرْضَ لِله يُورِثُهَا مَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ﴾.