عندما حدثت زوبعة الفيلم الهولندي الذي يتناول بعض جوانب حياة النبي(ص) دعوت إلى استثمار تلك الفرصة لتنقية تراثنا الإسلامي من الروايات التي يعتمد عليها أعداء الإسلام في هجماتهم الإعلامية، ومن ضمنهم من ينتجون الأفلام المسيئة للمقدسات الإسلامية. هذا ستكون عائدته أكبر وأعمق وأكثر استمراراً من التظاهرات والدعوة إلى مقاطعة البضائع أو حتى مهاجمة السفارات وقتل السفراء. فإن التهجم من قبلهم فعل والتظاهرات ومهاجمة السفارات والمحال التجارية رد فعل من قبلنا، وعليه فإنهم يستمرون في التخطيط وتنفيذ التخطيط متى ما شاؤوا، ونحن نستمر في القيام بردة فعل بما ربما جر علينا الدواهي.
نعم، هناك أمر إيجابي يظهر من خلال ردود الفعل الإسلامية: وحدة الموقف الإسلامي التي تصب في جهود التقريب بين المسلمين، التي لا يقوم بها سوى القلة الضئيلة من المسلمين مع الأسف الشديد، وبذا فإنها تقضي على الكثير من جهود التفرقة والتباغض بينهم، والتي يشترك فيها الكثيرون عن علم أو غفلة.
ونحن نعيش اليوم في خضم مثل هذه الجهود المدمرة حيث يريدون منا أن نتخذ بعض المسلمين العدو الوحيد، أو على الأقل العدو الأول، ونتغاضى عن العدو الحقيقي حتى وهو يقضم الأراضي العربية الإسلامية ومن ضمنها مدينة القدس التي يقدسها جميع المسلمين دون استثناء... فإذا بالذين يثيرون المسلمين على بعضهم، أو أذنابهم من المسلمين، هم أنفسهم يجمعون المسلمين في القضية المشتركة – النبي(ص) –، وإذا بالأصوات القبيحة الصادرة من الصدور الموبوءة بالحقد الطائفي، ومعها التي تفتح أفواهها للسباب بينما تفتح جيوبها لقبض السحت، ضعيفة مهزومة... حقاً، كما قال المولى عز وجل: ((ويمكرون، ويمكر الله، والله خير الماكرين)).
إن هذه فرصة ذهبية لتناول الموضوع بشكل جاد ودقيق ومتأن في:
(أولاً) موارد الهجوم على الأمة الإسلامية
(1) مسألة الحريات
(2) قضايا المرأة
(3) الإرهاب والعنف.
وهذه يكتب فيها الكثير من علماء الدين والباحثين والصحفيين والأساتذة في الاختصاصات المختلفة والناشطين، بعضهم بنية صادقة، وبعضهم ليسوا كذلك. فالنقاشات حولها كثيرة وموجودة في كل مكان لمن يريد – البعض يذهب إلى حد القبول بتضييق الحريات على الناس، والمرأة بالخصوص، بدعوى أن هذا هو الدين، وغيرهم يقفون على النقيض في دعواهم لإطلاق الحريات لتكون كما هي في الغرب، ويقف نفر ثالث في الوسط يريد مزاوجة هذا وذاك، وتحاول مجموعة رابعة تلمس الطريق وسط هذا كله، فكتبوا في مسائل الحجاب – وهذه من أكبر المشاكل عند الغربيين – وإرث الأنثى نصف أخيها الذكر وشهادة الرجل بشهادة امرأتين وأشباهها.
ومثله مسألة الإرهاب، ونقطته المركزية: من هو الإرهابي ومن هو المقاوم أو المقاتل من أجل الحرية – وكل يفصل على هواه أو حسب الموقف الذي يجد فيه نفسه، حتى أن البعض، وهم في وسط التآمر على الأمة مع أشد أعدائها، يتهمون – بصلف عجيب – المقاومين الذين حققوا الانتصارات الواضحة بأنهم يعملون ضمن مؤامرة مع الأعداء الذين هزموهم!
(ثانياً) أهداف هذا الهجوم
(1) الهدف الظاهر وهو النبي(ص) والقرآن العظيم
(2) الهدف المستتر الحقيقي وهم المسلمون جميعاً والأمة الإسلامية في جميع مقدراتها.
هنا أحب التنبيه إلى نقطة غاية في الأهمية، تنبع أهميتها ليس فقط من أهمية ما يستهدفه الأعداء في هجماتهم – أي النبي(ص) والقرآن والمسلمون – ولكن أيضاً من ضرورة التفريق بين الأهداف.
الكل يرى كيف أن دفاع المسلمين في شوارع المدن العربية والإسلامية يتركز على شخصية الرسول الأكرم محمد(ص) على أساس أنه هو هدف الهجوم في هذه الفيلم الجديد. وهذا مشابه للتركيز في الدفاع عنه(ص) أيام الفيلم الهولندي، ثم أيام الصور الكاريكاتورية الدانماركية، ومشابه للتركيز في الدفاع عن القرآن الكريم فيما بين ذلك (أيام أراد القس الأمريكي جونز القيام بعملية إحراق عامة للكتاب العزيز). وهذا ليس مقتصراً على عامة الناس، بل العلماء أيضاً، بحيث أنك تستمع إليهم وهم يقولون بأن النبي(ص) هو المستهدف الحقيقي في الهجوم.
شخصياً لا أعتقد أن هذا صحيح، أو على الأقل أجده غير دقيق. ذلك أن أعداء الإسلام لا يرون أن نبينا محمداً(ص) كما نراه: نبي مرسل من ربه معصوم يجب اتباع ما جاء به – بل هو عندهم ما بين مفتر كذاب – نعوذ بالله – أو مصلح عبقري أو ما بين ذين. وعليه، فلا يعتقدون أنه موجود بروحه وفكره وأوامره ونواهيه الواجبة وسننه المستحبة وهديه وطريقته التي يحاول الكثير من المسلمين اتباعها.
نفس الشيء بالنسبة إلى القرآن الكريم، فإنهم لا يؤمنون به أصلاً ككتاب منزل من السماء، دع عنك ما نؤمن به أنه الكتاب الوحيد في الدنيا الصحيح من الجلد إلى الجلد لأن الله تعالى تعهد بحفظه في الوقت الذي نؤمن – اتباعاً لما أخبر القرآن به – أن كتبهم المقدسة قد تم تحريفها.
هذا من جانب، من جانب آخر إن صراعهم هو مع المسلمين، أولاً كونهم من شعوب العالم الثالث التي يريدون الاستمرار في التحكم بها والسيطرة على مواردها، ثانياً كونهم من العالم الإسلامي الذي يعتقد بالمادة كما يعتقد بالروح وبالتالي فهو كيان عملي وجدوا أنه يقارعهم ويناضل ضدهم دون كلل، ثالثاً لأن إسرائيل نشأت في وسط العالم الإسلامي هذا وهو لم يقبلها، وتيقنوا أنه لن يقبلها.
هنا، ماذا يفعلون؟ يجلس واضعو الخطط عندهم لينظروا في السبيل إلى تطويع المسلمين كي يقبلوا بالتحكم الغربي والوجود الإسرائيلي، فيتوصلون إلى أن المشكلة هي في أمرين:
الأول – وجود النص المقدس، وهو القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة
الثاني – تمسك المسلمين عموماً بهذا النص، بالالتزام به اتباعاً، أو على الأقل تصديقاً وتقديساً بحيث وجدوا أن غير الملتزمين من المسلمين لا يتقبلون النيل منه.
لذا، وجدوا أنه من الضروري التعامل مع هذين، وذلك بضربة واحدة وهي محاولة جعل المسلمين يتخففون من تحمل هذا النص بإصدار الأوامر إلى عملائهم من الحكام والموظفين الكبار – لا سيما من هم بعنوان مستشارين – والصحفيين والباحثين ومن يسمونهم خبراء لإضعاف وجود النص الديني في التعليم والإعلام.
والدليل على قولي هو الجواب على السؤال التالي: لو أن المسلمين اليوم وقبل اليوم لا يقاومون الغزو الغربي بأشكاله المختلفة، ولو أنهم تقبلوا وتعايشوا مع الوجود الصهيوني في فلسطين، هل كان سيكون هناك أفلام مسيئة للنبي(ص) أو محاولات لإحراق القرآن العظيم؟
على أننا يجب أن لا نغفل أن هناك أصواتاً في الغرب تدعو بإخلاص إلى التفاهم بين أتباع الديانات وإلى اتباع أسلوب الحوار من أجل التعايش السلمي. ولكن هذا هو بالضبط ما يزيد من عزيمة الأعداء إلى تصوير المسلمين بأسوأ الصور انطلاقاً من الإساءة إلى النبي(ص) والقرآن، فإنهم يقولون لهم: إن المشكلة ليست في المسلمين كأناس يعيشون اليوم وما بعد اليوم، ولكن المشكلة في النصوص التي يتمسكون بها، وبالتالي لا فائدة من جهودكم في التفاهم والحوار والتعايش بل يجب أن تهدموا الأساس وهو مقدساتهم.
ولكن – هل أنهم نجحوا في مساعيهم إضعاف الروح الإسلامية في الأمة؟ واضح أنهم فشلوا، بدليل استمرار المقاومة الإسلامية تحت عنوان الإسلام ومن خلال الروح الإسلامية المشتركة لكل مشاريع التحكم والسيطرة والغزو، بحيث أنك تجد المسلم في أقصى آسيا يخرج غاضباً ويصطدم مع قوى الأمن من أجل فلسطين، كما تجد المسلم الإفريقي يخرج في العواصم الغربية نصرة لأخيه المسلم الذي يتعرض لحملة إبادة في بورما.
إذاً، لا بد من الهجوم على الأصل الذي يحيل من ضعفهم وتشتتهم وتخلفهم، وفي لحظة واحدة، إلى قوة وصلابة وروح تضحوية حتى الموت من أجل نصرة المقدس، في غيرة على الدين لا يجد الغربي لها مبرراً لأنه لا يفهمها نتيجة ابتعاده الكامل عن أجوائها في مجتمعاته وتعليمه وإعلامه وحياته كلها.
فهل وجدوا ضالتهم في ذلك الأصل، أو قل في المصادر التي تصور ذلك الأصل – النبي محمد(ص) والقرآن؟
هذا يقودنا إلى الجانب الثالث في الموضوع، وهو ما يستندون إليه في الهجوم علينا.
(ثالثاً) مستندهم في الهجوم
يمكن القول أن ما يستند إليه أعداء الإسلام في هجماتهم الإعلامية المختلفة – ومنها الأخيرة – هي:
(1) أفعال المسلمين المعاصرين وأقوالهم
(2)المصادر التي يستند إليها هؤلاء الأعداء في هجماتهم على الإسلام والمسلمين.
أما الأفعال، وبالخصوص ما يتعلق بمسائل الحريات والمرأة والعنف والإرهاب التي عددناها في (أولاً)، فقد بحث فيها الباحثون ولا يزالون من أجل معرفة (أ) أسبابها و (ب) جذورها.
أما الأسباب، أعني المباشرة، فهي الجهل في التعليم والصحة والصناعة وغيرها، والتخلف في كافة المجالات، والقهر السلطوي، والتسلط الأجنبي، وأي أسباب أخرى لها مدخلية في الحالة المؤسفة للأمة.
وأما الجذور فالبعض لا يحب أن يذهب بها أبعد من سقوط الخلافة العثمانية، وكأن تلك الخلافة كانت مثالاً في التعليم والتطور والحريات والقيم. هؤلاء يتغنون بما قبلها بدرجة أشد، وصولاً إلى الذين جرى حب الدولة الأموية فيهم مجرى الدم بحيث يعتبرونها نموذجاً يحتذى، لأنها كانت متمكنة من البلاد والعباد. وإذا ما شكى بعض الذين تعرضوا لانتهاكات من المسلمين في الماضي فإنه يوصمون بالكذب والافتراء جملة وكأنما ما يقولونه لا يمكن أن يكون صحيحاً، بل ولا حتى مدعاة للنظر فيه من أجل الحكم بعد التدقيق.
عندما بدأ "ميلوسوفيتش" حملته لتهييج الصربيين ضد المسلمين تمهيداً لتمكين صرب البوسنة وضرب استقلال الدولة البوسنية الوليدة فإنه أعلن أنه لن يكون هناك كوسوفو جديدة، أي يذكرهم بما فعله الأتراك العثمانيون عندما دخلوا كوسوفو في القرون الوسطى. هذا من جانب يمكن للبعض أن يجادل فيه على أساس أن النتيجة هي أن الآخرين انتقموا من المسلمين فيما بعد، حتى عشنا أيام المجازر والانتهاكات المريعة في البوسنة. أي: إذا كنا قد فعلنا في الماضي فإنهم قد فعلوا اليوم – خصوصاً وأن هناك اصطفافاً أوروبياً ضد المسلمين عموماً لا سيما في قضية فلسطين التي لم تزل جرحاً كبيراً هائلاً نازفاً في جسد الأمة الإسلامية عموماً والعربية خصوصاً.
ولكن ماذا عن الذي حصل فيما بيننا؟ ماذا عن المجازر الإسلامية الإسلامية؟ ماذا عن الحروب الداخلية بين المسلمين؟ ماذا عن الانتهاكات الصارخة بحق بعضهم البعض؟ ماذا عن الكيل بمائة مكيال فيما بينهم مما نعيشه اليوم بشكل يبعث على العجب من قابلية البعض على ضرب جميع المقاييس عرض الحائط؟
إن الذي يستخدم كمادة تاريخية في إنتاج هذه الأفلام وتلك الأعمال الأدبية أو البرامج على وسائل الإعلام – بغض النظر عن مستواها الفني أو الأدبي أو الفكري – إنما يأتي من مصادرنا التاريخية نحن، ومن أقوال خطبائنا نحن، ومن كلام وعاظنا نحن، ومن أفعالنا التي تستند إلى هذه المصادر والأقوال والكلام.
لماذا استخدام جوانب المرأة أو الحريات العامة أو العنف وانتشار الإسلام بالسيف أو الإرهاب والقتل العام من قبلهم للتهجم علينا؟ هل يأتي هؤلاء بشيء من عندهم ويؤسسون عليه كتبهم وأفلامهم وهجومهم، أم أن تراثنا هو الذي يفتح لهم الباب واسعاً؟
أقرؤوا مصادرنا لتجدوا العجب مما نقدمه على طبق من ذهب لأعدائنا:
ففي باب المرأة ستجدون الهوس الجنسي في التعامل مع المرأة واضحاً، الأمر الذي استمر في الذهنية المسلمة بحيث أن بعض المسلمين اليوم عندما يشتمون الطوائف الأخرى فإن السب ينحو هذا النحو – فهم أولاد متعة أولاد زنا الخ... مع أنكم لو دققتم لوجدتم أن المرأة نقلها الإسلام – بما جاء في القرآن والسنة – نقلة هائلة عما كانت عليه، ثم جاء المسلمون بعد النبي(ص) فأدخلوها نفقاً مظلماً، حتى عادت المرأة كائناً مظلوماً لا تكاد تملك لنفسها شيئاً... ولكن هذه هي الصورة التي يتمسك بها معظم المسلمين، فيقدمونها هدية لأعدائهم...
وفي باب الحريات العامة، تجد التركيز على أن مناط الأمر بيد الحاكم، وبما أن الحاكم لا يجوز الثورة عليه أو الاعتراض عليه (بل ولا حتى الدعاء عليه – وهذا مقرر في العقائد وليس من عندي) وبما أن السلطة ستجعل من الحاكم دكتاتوراً، فالنتيجة هي أن الشعب سيفقد حرياته، وإن بدرجات متفاوتة...
في نفس الباب حريات أهل الكتاب، فإن عنوان "أهل الذمة" هو العنوان الأثير عند أعداء الإسلام كما عند متعصبي جهلة المسلمين، فيرون أن المسيحي في المجتمع المسلم إنما هو أسير يدفع عن نفسه العقاب بدفع الجزية، مع أن هذا غير موجود اليوم مطلقاً... وهذه صورة أخرى يتمسك بها كثير من المسلمين، بالقول أو على الأقل بالفعل، فيقدمونها هدية لأعدائهم...
أما إذا جئت إلى العنف والإرهاب فستجد العجب في كافة المصادمات:
بين المسلمين أنفسهم، ولعل ما فعله بعض كبار قادتهم ببعض المسلمين ممن افتروا عليهم أعظم فرية وهي الارتداد عن الإسلام مع أنهم لم يرتدوا، بل لم يمتنع بعضهم حتى عن أداء الزكاة، يشكل جرائم إبادة وبتفاصيل وحشية حقاً... أو على الأقل هذا هو الذي روته مصادرنا التي تستخدم ضدنا...
وبين المسلمين ممن لم يتهموا بالارتداد، حتى أن بعض كبار الصحابة يهجمون على مقر عثمان بن حنيف، والي الخليفة المبايع، الراشدي الرابع، في البصرة، فينكلون به حتى ينتفوا شعر لحيته وحاجبيه، وينهبون بيت المال، ويقتلون ما يزيد عن مائة وعشرين من المسلمين... أو هذا ما روته مصادرنا التي تستخدم ضدنا...
أو عندما نكل الحكام بأعدائهم – من تشريد وتحريق وقتل مريع، حتى الدفن أحياء، أو الإعدام وترك المعدوم معلقاً سنوات، وهتك أعراض النساء بالجملة في مدينة النبي(ص) ذاتها (شبيه بما فعله الصرب بمسلمات البوسنة)... أو هذا ما روته مصادرنا التي منها يذهب الأعداء إلى الصفة العنيفة المتأصلة فينا من ديننا...
بل لم تسلم منهم حتى الكعبة المشرفة فتم ضربها بالمنجنيق وإحراقها وهدمها، وهذا في القرن الأول الذي لا يزال يصر معظم الأمة على أنه خير القرون... ومصادرنا تفصل فيما فعلوه – وهم يفتخرون – بالبيت العتيق...
بل ان مصادرنا تنسب بدايات هذه الأفعال، سواء المتعلقة بالنساء أو الحريات أو العنف والإرهاب، إلى العصر النبوي، مع أنه(ص) كان لا يغادر القرآن لحظة واحدة... وأما سنته فكانت المبينة للقرآن الكريم...
ولكن لما هجرت الأمة القرآن وأسلمت قيادها لأعدائها الأولين، ثم من تبعهم على منهاجهم، وقبلت بكل هذا الغث، من كذب وافتراء ودس وتدليس وتخليط وجهل، ينال من مقال النبوة المقدس:
حتى جعلوا النبي(ص) مهووساً بالنساء تارة، فكانت الأفلام المسيئة إليه من هذه الناحية...
وجعلوه معرضاً للسحر وعبث الشيطان، فكانت الآيات الشيطانية كتاباً منح صاحبه الجوائز...
وجعلوه آمراً بالقتل والاغتيال والاعتداء، وأن أصحابه كلهم عدول أبرار أتقياء وعليه فإذا ما قام أحدهم بإصدار الأوامر بقتل المسلمين ظلماً وجعل رؤوسهم أثافي للقدور يطبخ عليها اللحم للجيش المنتصر، ثم ليصطفي زوجة المهزوم المقتول المظلوم، فإن هذا عمل إسلامي لأنه صدر عمن جاؤونا بالإسلام...
وهذا كله، ومنه مئات الروايات والقصص، في مصادرنا، والبعض لا يزال يناضل عن ذلك... فهل نلوم الأعداء على استغلال هذا للهجوم علينا؟
ماذا ننتظر من الأعداء؟ إذا كان الأولياء، وهم المسلمون، يفعلون ببعضهم، اليوم وقبل اليوم، ما لا يفعله أشد الأعداء بأعدائهم، فكيف نلوم الأعداء على كتابة كتاب أو إنتاج فيلم أو ما شابه؟
أعود فأقول: إنها فرصة ذهبية
أكرر ما قلته في مقالة أحداث الفيلم الهولندي: ربّ ضارّة نافعة، ولعل هذه الحملات ضد الإسلام والمسلمين التي تتخذ شكل التهجم على النبي(ص)، معرفة من الأعداء أن هذا هو أقسى ما يمكن بالنسبة لكل مسلم، لعلها تكون فاتحة – ولو على المستوى الفردي – للنظر في الغث الذي في تراثنا... أقول على المستوى الفردي لأنه يبدو أن الضجيج والعقل الجمعي في الاتجاه الغوغائي لن يؤدي إلا إلى مزيد من التجهيل ومن ثم ردود أفعال يدفع المسلمون ثمنها غالياً وتزيد من شدة هذه الحملات ومن قناعة الشعوب الأخرى بها. فالقرآن ينصح الناس بأن يتوجهوا بشكل فردي أو مزدوج من أجل التفكر: ((قُل إنّما أعِظُكُم بواحدةٍ: أنْ تقوموا للّه مَثنى وفُرادى ثمّ تتفكّروا))، أي أن يجلس الإنسان مع نفسه ويفكر، أو يجد له صديقاً أو رفيقاً للبحث في المواضيع المثارة، بعيداً عن الضوضاء والضجيج المليء بتهم التكفير والتضليل والعمالة والتفسيق الخ.
والله تعالى هو المسؤول أن يدافع عن نبيه الكريم محمد(ص)، فإن هذه الهجمات لن تزيده إلا شرفاً وعزةً ومكانةً عند المسلمين وغيرهم، فإن ((الله يدافع عن الذين آمنوا)) فكيف بسيد المؤمنين(ص).
والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وآله الطاهرين وصحبه الشاكرين ((الذين آمنوا به وعزّروه ونصروه واتّبعوا النّور الذي أنزل معه أولئك هم المفلحون)).