روي أن يوم الغدير اتّخذه النبي(ص) والوصيّ(ص) والأئمة(ع) من بعده عيداً، ليس فقط لما صرّحوا به من أنه يوم عيد تستحب فيه الطاعات المختلفة، بل أيضاً لأن النبي(ص) طلب من الناس أن يهنئوه، ولأن الصحابة وأمهات المؤمنين(رض) قاموا بتهنئة أمير المؤمنين(ع) على هذه النعمة الكبرى التي حباها الله إياه وهي خلافة سيد البشر ووصاية خاتم الرسل(ص).[1] إلا أننا نريد أن ننبّه هنا إلى أن عيد الغدير هو أعظم الأعياد وأفضلها في الإسلام.
قال رسول الله(ص): ‹‹يوم غدير خمّ أفضل أعياد أمتي، وهو اليوم الذي أمرني الله تعالى بنصب أخي علي بن أبي طالب علماً لأمتي يهتدون به من بعدي، وهو اليوم الذي أكمل الله فيه الدين، وأتمّ على أمتي فيه النعمة، ورضي لهم الإسلام ديناً››.
وكان رسول الله(ص) يقول: ‹‹هنّئوني، هنّئوني››.
وفعل علي(ع) الشيء ذاته حيث قام خطيباً في الناس يوم اتفق الجمعة والغدير، فقال: ‹‹إن الله عز وجل جمع لكم معشر المؤمنين في هذا اليوم عيدين عظيمين كبيرين، ولا يقوم أحدهما إلا بصاحبه ليكمل عندكم جميل صنعه، ويقفكم على طريق رشده، ويقفو بكم آثار المستضيئين بنور هدايته..›› إلى أن قال: ‹‹فلا يقبل توحيده إلا بالاعتراف لنبيّه صلى الله عليه وآله بنبوّته، ولا يقبل ديناً إلا بولاية من أمر بولايته، ولا تنتظم أسباب طاعته إلا بالتمسك بعصمه وعصم أهل ولايته، فأنزل على نبيه صلى الله عليه وآله في يوم الدوح ما بيّن به عن إرادته في خلصائه وذوي اجتبائه، وأمره بالبلاغ وترك الحفل بأهل الزيغ والنفاق وضمن له عصمته منهم..››
ثم قال(ع): ‹‹عودوا رحمكم الله بعد انقضاء مجمعكم بالتوسعة على عيالكم، وبالبرّ بإخوانكم، والشكر لله عز وجل على ما منحكم، واجمعوا يجمع الله شملكم، وتبارّوا يصل ألفتكم، وتهادوا نعمة الله كما منّكم بالثواب فيه على أضعاف الأعياد قبله أو بعده إلا في مثله، والبرّ فيه يثمر المال ويزيد في العمر، والتعاطف فيه يقتضي رحمة الله وعطفه، وهيّئوا لإخوانكم وعيالكم عن فضله بالجهد من وجودكم، وبما تناله القدرة من استطاعتكم، وأظهروا البشر فيما بينكم..››.
وسئل الإمام جعفر الصادق(ع): "جعلت فداك، للمسلمين عيد أفضل من الفطر والأضحى ويوم الجمعة ويوم عرفة؟"
قال(ع): ‹‹نعم، أفضلها وأعظمها وأشرفها عند الله منزلة، هو اليوم الذي أكمل الله فيه الدين وأنزل على نبيّه محمد(ص): ﴿اليوم أكملت لكم دينكم...﴾ الآية.
قال: "قلت: وأي يوم هو؟"
فقال لي: ‹‹إن أنبياء بني إسرائيل كانوا إذا أراد أحدهم أن يعقد الوصية والإمامة من بعده ففعل ذلك جعلوا ذلك اليوم عيداً، وإنه اليوم الذي نصّب فيه رسول الله(ص) علياً للناس علماً وأنزل فيه ما أنزل، وكمل فيه الدين، وتمت فيه النعمة على المؤمنين››.
قال: "قلت: وأي يوم هو في السنة؟"
قال: فقال لي: ‹‹يوم ثمانية عشر من ذي الحجة››.
قال: "قلت: فما ينبغي لنا أن نعمل في ذلك اليوم؟"
قال(ع): ‹‹هو يوم عبادة وصلاة وشكر لله وحمد له وسرور لما منّ الله به عليكم من ولايتنا، فإني أحب لكم أن تصوموه››.
وفي رواية أخرى قال الصادق(ع): ‹‹أتعرفون يوماً شيّد الله به الإسلام، وأظهر به منار الدين، وجعله عيداً لنا ولموالينا وشيعتنا؟››
فقالوا: "الله ورسوله وابن رسوله أعلم، أيوم الفطر هو يا سيدنا؟"
قال: ‹‹لا››
قالوا: "أفيوم الأضحى هو؟"
قال: ‹‹لا، وهذان يومان جليلان شريفان، ويوم منار الدين أشرف منهما، وهو اليوم الثامن عشر من ذي الحجة››.
لماذا أفضل الأعياد وأعظمها وأشرفها؟
لا بد من عقد مقارنة، وإن مختصرة، بين الأعياد الأربعة لمعرفة سبب كون عيد الغدير أفضل أعياد الأمة الإسلامية حسبما قال النبي(ص)، أو أفضل الأعياد وأعظمها وأشرفها حسبما قال الإمام الصادق(ع).
يوم الجمعة:
يوم مبارك يتجدد كل سبعة أيام تضاعف فيه الحسنات على ما في بعض الروايات، لذا كانت الأحاديث الشريفة تنشيطاً للمسلمين كي يعبدوا ربّهم في هذا اليوم أكثر من الأيام الأخرى. فالأحاديث جاءت مفصلة لما جاء في الآية الكريمة: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِي لِلصَّلاةِ مِن يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُون﴾ (الجمعة:9)، فكأن الآية تقول للمسلمين أن عليهم أن يخصصوا ساعة صلاة الجمعة لربهم لأنهم ربما شغلتهم الحياة الدنيا ومكاسبها ومشاكلها عن الالتفات إلى خالقهم كما يجب له سبحانه. كما أن ليلة الجمعة ليلة مباركة هي الأخرى تستحب فيها عبادات كثيرة وردت في الروايات، من صلاة وتلاوة ودعاء وزيارة النبي(ص) وأهل بيته(ع).
عيد الفطر:
أول أيام شهر شوال الذي جعله الله للمسلمين عيداً ولمحمد(ص) ذخراً وشرفاً وكرامة ومزيداً على ما في دعاء قنوت صلاة ذلك اليوم. في هذا اليوم يحمد المسلمون ربهم على التوفيق لأداء فروض شهر رمضان وسننه من صيام وصلاة وتلاوة قرآن وصدقة ودعاء وسائر العبادات، ولا سيما التوفيق لليلة القدر التي هي النعمة الكبرى إذ سوّاها الله تعالى بألف شهر ليضاعف الأجور للعاملين فيها.
عيد الأضحى:
عاشر ذي الحجة الحرام، وفيه يكون المسلمون قسمين: القسم الأول الذين وفّقهم الله تعالى لزيارة بيته الحرام وأداء خامس الأركان مع ما في ذلك من غسل الذنوب وتطهير الروح والجسد مما علق بهما من ظلمات الدنيا لينقلب الحاجّ وكأنما ولد من جديد إن شاء الله. هذا، إضافة إلى التوفيق لزيارة نبيه وصفيّه وحبيبه المصطفى صلى الله عليه وآله، والصلاة في الروضة المباركة. أيضاً زيارة أئمة الهدى الأربعة الحسن السبط والسجاد والباقر والصادق سلام الله عليهم أجمعين، كذلك زيارة قبر سيد الشهداء أسد الله وأسد رسوله الحمزة بن عبد المطلب(ع)، وقبور شهداء أحد وأصحاب النبي(ص).
أما القسم الثاني فهم السواد الأعظم من المسلمين الذين لم يوفقوا لأداء فريضة الحج في هذا العام. وعيد هؤلاء شبيه بعيد الفطر خصوصاً إذا كانوا من الذين ضاعفوا العبادة في الأيام التسعة الأولى من ذي الحجة، ولاسيما يوم عرفة المبارك.
عيد الغدير:
يوم الثامن عشر من ذي الحجة، يوم نُصِّب علي بن أبي طالب أميراً للمؤمنين، وإماماً ووصياً على ما ترك النبي(ص) من شريعة خاتمة للبشرية جمعاء، فصار الإمام علي(ع) حجة الله على خلقه أجمعين، ووجبت طاعته عليهم في مشارق الأرض ومغاربها. كما نُصّب الأئمة الأحد عشر الآخرون(ع) أئمة في ذلك اليوم ليخلفوا علياً(ع) كل حسب وقته المحدد، لأنه لو لم يجر نصبهم من قبل الرسول(ص) لم تكن طاعتهم ملزمة.
في هذا اليوم أنزل الله الضمانة اللازمة لحماية الشريعة المقدسة الخاتمة بأن جعل لها أمناء وحرّاساً وخزّاناً يحوطونها بالرعاية ويلزمون الناس بما فيها من أحكام وشرائع، بعدما سيختار خاتم رسله(ص) الذي بلغها، بعد أسابيع قلائل، إلى جواره. (أنظر مقالة «الغدير في القرآن»).
لذا، فإن لم تحتفل الأمة بعيد الفطر أو عيد الأضحى، أو قل لم تستشعر فيهما طعم العيد، وهو لعمري حالنا اليوم وغير اليوم، لن يحل ضرر على الشريعة المقدسة. وإذا قام المسلمون بالاحتفالات بعيدي الفطر والأضحى، وذهب الكثير منهم إلى فرض الجمعات، لن يكون هذا كفيلاً بحفظ الشريعة المقدسة من التلاعب والتحريف، لأن المسلمين كانوا يذهبون جميعهم إلى الجمعات في القرون الأولى رغم أن تلك القرون هي التي أسست التحريف وكتمان الحق واضطهاد أهله.
وحده يوم الغدير الذي جعل الله لهذه الأمة، بل للبشر جميعاً، ما يضمن لهم الأمن من الضلال لأنه في ذلك اليوم أمر الناس ببيعة الحكام الشرعيين، ليس لسنة أو سنتين، ولا جيل ولا جيلين، بل لعدة قرون، فصار عند الناس الثقلان: كتاب الله وعترة نبيه(ص)، اللذان لا ضمانة لعدم ضلال الأمة بغير التمسك بهما كما جاء في الحديث المتواتر عن النبي(ص).
عليه، كان عيد الغدير أعظم أعياد الأمة، وأفضل الأعياد وأشرفها وأفضلها.
ولذا، ينبغي على المسلمين الذين بايعوا أمير المؤمنين وأولاده المعصومين(ع) أن يحتفلوا بهذا اليوم السعيد ويبثوا فضله وأهميته، بل ضرورته القصوى، بين المسلمين الذي يجهلون فضله، بل يجهلون وجوده، وذلك عملاً بوصية الرسول أن يبلغ الحاضر الغائب والوالد الولد إلى يوم القيامة.
إن الاحتفال بهذا اليوم ليس كالاحتفال بغيره، فإنه يعني:
1- البخوع لأوامر الله ورسوله(ص).
2- الالتزام بما يعنيه هذا اليوم رغم القرون المتطاولة من الاضطهاد والعناد والتكذيب، وهو لعمري ما يزيد في أجورنا.
3- إحياء أمرهم(ع) وبثّ فضلهم وحقّهم ومنزلتهم، وهو ما فيه خير الأمة الإسلامية جمعاء.
اللهم ونحن، في هذا اليوم، نقول لرسولك صلى الله عليه وآله وسلم ما أمرنا به في ذلك اليوم:
إّنا سامعون مطيعون راضون منقادون لما بلّغتَ عن ربّنا وربك في أمرِ عليّ صلوات الله عليه وأمر وُلده من صُلبه من الأئمة، نبايعك على ذلك بقلوبنا وأنفسنا وألسنتنا وأيدينا، على ذلك نحيا ونموت ونُبعث، ولا نُغيّر ولا نُبدّلُ ولا نشكُّ ولا نرتابُ ولا نرجعُ من عهدٍ ولا ننقضُ الميثاق، ونطيعُ الله ونطيعكَ وعلياً أمير المؤمنين ووُلده الذين ذكرتَهم من ذرّيتك من صلبه بعد الحسن والحسين.
v إستفادة لاحقة: إستفدت من محاضرة للمرحوم الشيخ أحمد الوائلي أنه إذا كان إنزال مائدة طعام من السماء يجعلها عيداً كما قال المسيح(ع) عندما دعى الله تعالى أن ينزلها عليهم، فكيف لا يسوغ اعتبار تعيين خليفة النبي(ص) الذي سيضمن – هو(ع) وأولاده الطاهرون(ع) – الأمن من الضلال بعد أن قرنهم النبي(ص) بالكتاب العزيز، كيف لا يسوغ اعتبار ذلك اليوم عيداً؟ كيف لا يكون الأمن من الضلال أبد الدهر للأمة القائدة بالرسالة الخاتمة والكتاب المبين عيداً عندما يمكن أن تكون مائدة الطعام عيداً؟
[1] لمن يحب التبين من ذلك مراجعة فصل "الغدير" من كتابي "العودة إلى الأصل" الجزء الأول الفصل الثامن.