الأثر المدمر لهذا
الإفراط – الحديث الشريف
من خلال تقسيم علي (ع)
للرواة عن النبي (ص)
***
روى الكليني أن سليم بن
قيس الهلالي سأل الإمام علي (ع) :
"إني سمعت سلمان
وأبا ذر والمقداد يتحدثون بأشياء من تفسير القرآن والاحاديث والروايات عن رسول
الله صلى الله عليه وآله ثم سمعت منك تصديق ذلك ورأيت في أيدي الناس أشياء كثيرة
من تفسير القرآن والاحاديث والروايات عن رسول الله صلى الله على وآله يخالفونها
فيكذب الناس متعمدين ويفسرون القرآن بآرائهم؟ فقال أمير المؤمنين عليه السلام:
‹‹قد سألت فافهم الجواب،
إن في أيدي الناس حقاً وباطلاً وصدقاً وكذباً وناسخاً ومنسوخاً وعاماً وخاصاً
ومحكماً ومتشابهاً وحفظاً ووهماً،
وقد كذب على رسول الله
صلى الله عليه وآله في حياته كذبا كثيرا حتى قام خطيبا فقال:
"أيها الناس قد كثر
علي الكذابة، فمن كذب علي متعمدا فليتبوء مقعده من النار" وكذلك كذب عليه
بعده››.
***
ثم أخذ الإمام يفصل الذين
جاءوا بالحديث عن النبي :
‹‹إنما أتاك بالحديث
أربعة ليس لهم خامس:
- رجل منافق يظهر الايمان
متصنع بالاسلام لا يتأثم ولا يتحرج أن يكذب على رسول الله صلى الله عليه وآله
متعمداً، ولو علم الناس أنه منافق كذاب لم يقبلوا منه ولم يصدقوه ولكنهم قالوا: قد
صحب رسول الله صلى الله عليه وآله ورآه وسمع منه، فأخذوا منه وهم لا يعرفون حاله؛
وقد أخبر الله عزوجل عن المنافقين بما أخبر ووصفهم بأحسن الهيئة فقال: ﴿إِذَا
رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ وَإِن يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ﴾ ثم
تفرقوا من بعده وبقوا واختلفوا وتقربوا إلى أئمة الضلالة والدعاة إلى النار بزور
والكذب فولوهم الاعمال والاحكام والقضاء وحملوهم على رقاب الناس وأكلوا بهم
الدنيا، قد علمت أن الناس مع الملوك أتباع الدنيا وهي غايتهم التي يطلبون إلا من
عصم الله فهذا أحد الأربعة.
- والثاني: رجل سمع [من]
رسول الله شيئاً ووهم فيه ولم يحفظه على وجهه ولم يتعمد كذباً، فهو في يده يعمل به
ويقول: أنا سمعته من رسول الله صلى الله عليه وآله، ولو علم الناس أنه وَهْم لم
يقبلوه ولو علم هو أنه وَهْم لرفضه ولم يعمل به فهذا الثاني.
- والثالث: رجل سمع من
رسول الله صلى الله عليه وآله أشياء أمرها بها ثم نهى عنها وهو لم يعلم النهي، أو
نهى عن شيء ثم أمر به ولم يعلم الامر، حفظ المنسوخ ولم يحفظ الناسخ، فلو علم الناس
أنه منسوخ لرفضه الناس ورفضه هو فهذا الرجل الثالث.
- والرابع: رجل لم يكذب
على الله وعلى رسوله، يبغض الكذب خوفاً من الله وتعظيماً لرسوله صلى الله عليه
وآله ولم يتوهم ولم ينس، بل حفظ ما سمع فجاء به على وجهه لم يزد فيه ولم ينقص حفظ
الناسخ وعمل به وعلم المنسوخ ورفضه.
فان أمر الرسول صلى الله
عليه وآله مثل القرآن ناسخ ومنسوخ ومحكم ومتشابه، يكون من رسول الله صلى الله عليه
وآله الامر له وجهان: كلام عام وكلام خاص مثل القرآن وقد قال الله عز وجل: ﴿مَا
آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا﴾ فكان يسمع قوله
من لم يعرفه ومن لم يعلم ما عنى الله به ورسوله صلى الله عليه وآله ويحفظ ولم
يفهم.
وليس كل أصحاب رسول الله
صلى الله عليه وآله كان يسأله عن الشيء ويستفهمه، كان منهم من يسأل ولا يستفهم حتى
لقد كانوا يحبون أن يجيئ الأعرابي أو الطارئ أو الذمي فيسأل حتى يسمعوا ويفهموا.
ولقد كنت أنا أدخل كل يوم
دخلة فيخليني معه أدور فيها معه حيثما دار، علم ذلك أصحابه أنه لم يصنع ذلك بأحد
غيري، ولربما أتاني في بيتي، وإذا دخلت عليه منازله أخلاني وأقام نساءه فلا يبقى
أحد عنده غيري، كنت إذا سألت أجابني وإذا سكت وفنيت مسائلي ابتدأني. وما نزلت عليه
آية في ليل ولا نهار ولا سماء ولا أرض ولا دنيا وآخرة ولا جنة ولا نار ولا سهل ولا
جبل ولا ضياء ولا ظلمة إلا أقرأنيها وأملاها علي فكتبتها بيدي وعلمني تأويلها
وتفسيرها وناسخها ومنسوخها ومحكمها ومتشابهها وخاصها وعامها وأين نزلت وفيم نزلت
إلى يوم القيامة››".
***
هذه الرواية:
أولاً/ تصنف رواة الحديث
بشكل معقول بلا إفراط أن كل صحابي عدل
ثانياً/ تفتح العيون على
الكم الهائل من الأحاديث الضعيفة و الموضوعة
ثالثاً/ تعلن الفارق في
المنزلة العلمية بين علي وغيره، والتي لم تكن لذكائه ولا لحرصه على العلم وحسب،
ولكن لحرص الرسول على تعليمه التنزيل الحكيم وبيانه بشكل كامل تهيئة لدوره الخطير
في الأمة – الإمامة الهادية القائدة.