حديث صيام عاشوراء
من أشهر أكاذيب هذه الأمة
***
حديث من "الإسرائيليات" صار سنة شائعة
جداً!
مما يطلق عليه "إسرائيليات" جملة من
الأحاديث وردت في كتب الحديث ومنها ما يعد صحيحاً. إحدى هذه الروايات عن
"صيام النبي (ص) يوم عاشوراء تشبهاً باليهود".
الرواية في البخاري هكذا: صحيح البخاري ج4 كتاب
الصوم باب صيام يوم عاشوراء حديث 5 وحديث 6"
عن ابن عباس ـ رضى الله عنهما ـ قال: قدم النبي صلى
الله عليه وسلم المدينة فرأى اليهود تصوم يوم عاشوراء، فقال: ما
هذا؟ قالوا: هذا يوم صالح، هذا يوم نجى الله بني إسرائيل من عدوهم، فصامه موسى،
قال: فأنا أحق بموسى منكم، فصامه وأمر بصيامه".
"عن أبي موسى ـ رضى الله عنه ـ قال: كان
يوم عاشوراء تعده اليهود عيداً، قال النبي صلى الله عليه وسلم: فصوموه
أنتم".
***
هل النبي (ص) يتبع اليهود؟!
الحديث يتعلق بشعيرة عبادية هي الصيام، وهي
شعيرة لا يمكن للنبي(ص) أن يجعلها فرضاً أو سنّة اتباعاً للأمم
الأخرى. والعجيب هو أن الحجة في الأمربالصيام ليس لأن موسى(ع) أخبره
به في المعراج مثلاً وإنما لأن اليهود ادعوا أنه(ع) صامه بدعوى
أخرى أنه اليوم الذي نجاه الله وبني إسرائيل من العدو.
فهذا الحديث لا أشك مطلقاً في بطلانه، فإن رسول الله
(ص) لا يمكن أن يصوم تبعاً لموسى (ع)، فكيف يصوم تبعاً لليهود؟!
ليس فقط إن اليهود لم يقولوا أن موسى (ع) صامه، بل ما
يقوله لم يعدُ إخبارهم أنه يوم نجى الله فيه موسى (ع)، ونحن لا نعلم فيما إذا
كانوا صادقين أم كاذبين...
والنبي (ص) لم يقل لهم "صدقتم" مثلاً...
وحتى لو كانوا صادقين فإنه (ص) لا يصوم لأنهم
صاموه...
فكيف يتابعهم (ص) لمجرد قيامهم بهذا وبناء على زعمهم
أنه يوم نجاة موسى (ع)...
***
حقيقة الأمر
ولكن لما كان يوم عاشوراء يوم المجزرة الأموية
بحق آل محمد (ص) وفيه كان يوم فرح تلك الأسرة المعادية لله ورسوله (ص) فإن من جاء
من بعدهم أراد أن يطمس حقيقتها باختلاق هذه القصة - قصة صيام اليهود
وصيام النبي (ص) تبعاً لهم...
ولكن هذا إن هو إلا التنقيص برسول الله (ص) أيما
تنقيص إذ جعله تابعاً لليهود يفعل ما يفعلون حتى دون انتظار العلم من ربه...
فهذا من صدق دعواهم تفعيل آية ((قل ما أسألكم عليه
أجراً إلا المودة في القربى))...
ولكن إذا كان قضية القربى (أهل البيت (ع)) صعبة فيجب
أن تتقوا الله في نبيكم (ص) فلا تجعلونه تابعاً لليهود بهذا الشكل التلقائي
الساذج...
***
وحسابات عيد الفصح اليهودي تفضحهم!
إن "يوم نجى الله موسى (ع) من الغرق" كما
في نصوص هذه الأحاديث تعني عيد الفصح اليهودي، أو الخروج من مصر (Passover/Exodus)، وأن هذا يقع في أشهر ميلادية وهي نيسان ولا يصومون تبعاً للأشهر
القمرية.
الكلام صحيح فيما يخص ذلك، ولكن ربما يقول البعض أن
الأشهر الميلادية تدور مع القمرية فربما صادف يوم 10 محرم سنة 1 للهجرة يوم عيد
الخروج اليهودي في شهر نيسان. لذا، قمت باستخدام محول التاريخ الهجري-الميلادي (Hijri-Gregorian) وعند إدخال 1 محرم سنة 1 هجرية تكون نتيجة التحويل 25 تموز/يوليو
سنة 622 ميلادية، وهناك فارق يوم أكثر أو أقل في التحويل.
وعليه، فإنه في تلك السنة كان عيد الفصح اليهودي قد
مر قبل ثلاثة أشهر ونصف من 10 محرم، فلا يمكن أن يتصادفا!
(بقيت نقطة لا يعرفها الناس عن التقويم اليهودي:
التقويم اليهودي قمري مثل تقويم المسلمين، ولكن
احتفالاتهم لا تدور في السنة كل السنة، بل تتحرك خلال شهرين، وذلك لأن الفارق بين
السنة القمرية والشمسية، وهو 11 يوماً، يتم تعويضه بإضافة شهر كامل كل سنتين أو
ثلاث، لهذا يبقى عيد الخروج في شهر نيسان/أبريل (نيسان أيضاً في العبرية) وربما
تقدم أو تأخر أسابيع قليلة.)
فما رأي عُبّاد الأسانيد في هذه الحقيقة التي لا يمكن
النقاش فيها؟!
***
قليلاً من الغيرة
فإذا كان هؤلاء قليلي الغيرة على نبيهم (ص) فيجعلونه
تابعاً لليهود في بدء سنة صيام لله فعلى الأقل يكون عندهم غيرة على ما هو
بديهي...
***
***
فبركة أحاديث أخرى لدعم الكذب
لما انتبه البعض إلى استحالة اتباع النبي (ص) لليهود -
فيما يبدو - فإنهم فعلوا ما يفعلونه في مثل هذه الحالة، وهو اختراع أحاديث
تزعم صيام النبي (ص) يوم عاشوراء قبل ذلك، ثم تفننوا في الفبركات
فاخترعوا أحاديث تمزج الصيام مع الإفطار وصيام عاشوراء مع
فرض صيام رمضان وهكذا يضببون الرؤية.
إستطراداً، إن هذا ديدنهم في الكثير من الأمور التي
جرت فيها مخالفة واضحة لكتاب الله وسنة نبيه (ص) والعقل القطعي، فعمدوا إلى
الحقائق فقلبوها بأحاديث مخترعة يبررون فيها تلك المخالفات بتأصيلها.
فمثلاً ينهى أحد الخلفاء الأولين عن قضية حلال شرعاً
ويقول هو نفسه أنه هو الذي ينهى عنها ويحرمها، فيأتي الناس بعدها فيشكلون على فعله
فلا يملك أنصاره سوى القول أنه إنما نهى عنها إحياء لنهي النبي (ص) عنها! وهكذا.
أو يأتون إلى حديث صحيح فيخترعون حديثاً مشابهاً
يسقطه - مثلاً حديث الثقلين بنسخة ((كتاب الله وعترتي أهل بيتي)) وضعوا إزاءه حديث
"كتاب الله وسنة نبيه/سنتي" ولعل هذه النسخة من أشهر الأحاديث في العالم
الإسلامي اليوم بينما النسخة الأولى الصحيحة جرى التعتيم شبه الكامل عليها مع أنها
واردة في صحيح مسلم بأربع روايات، وفي غيره الكثير، ومع أن نسخة "وسنتي"
أول ما وردت في موطأ مالك ونص مالك نفسه هو "وصل إلى مالك أو أبلغ مالك أن
رسول الله قال كذا" فيا له من سند لحديث مرفوع صار الأشهر عند المسلمين وضرب
به الحديث الصحيح لغايات سياسية، ثم ترسخت.
***
الفرح أموي والفبركة عباسية!
إذا ثبت أن النبي (ص) من المستحيل أنه صامه عند دخوله
المدينة تبعاً لليهود، وتساقطت الروايات التي تقول بالصيام والإفطار،
ناهيك عن السند الذي إذا نظر فيه بدقة فسيعلم البطلان، عندها لا بد أن نبحث عن
السبب في "سن" هذا الصيام و "من الذي" قام بسنه من أجل
أن نتبين الحقيقة.
فإذا كانت مجزرة يوم عاشوراء سنة 61 للهجرة يوم
انتصار وفرح لبني أمية، وكان بنو أمية بيدهم الدولة والصولة والأموال التي تدفع
للكذابين ...
(لا ننسى أن الكذب على النبي (ص) بدأ في حياته
الشريفة حيث قام خطيباً يقول: ((لقد كثرت علي الكذابة)) فما بالك بعده) وأهم ما
دفع كان من أجل النزول بأهل البيت (ع) من عليائهم والصعود بمناوئيهم ومنافسيهم حتى
"تتساوى الرؤوس" (الأمر الذي نبه إليه علي (ع) عندما قال متأسفاً: ((كنت
كالنجم لا يطاول على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله، فلما توفي رسول الله غض
الدهر مني فقرن بي فلان وفلان، ثم بخمسة أمثلهم عثمان، فقلت: وا ذفراه! ثم لم يرض
الدهر مني بذلك حتى قرنني بابن هند وابن النابغة! لقد استنت الفصال على القرعى)))،
... فكان من ذلك فبركة أحاديث صيام عاشوراء
لتغطية فرح بني أمية لأن الفرح بمقتل الحسين (ع) لم يعد مقبولاً في زمان التدوين
في الدولة العباسية.