من رحل في مثل
هذه الأيام؟
نصير الفقراء
وعدو المفسدين
مولانا أمير
المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام)
لقطة رقم 1
***
كيف يحاسب
الإمام أمير
المؤمنين (عليه السلام)
ولاته على
الأقاليم
***
وجّه مولانا
أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع) رسالة إلى الصحابي الكبير عثمان بن حنيف
الأنصاري (رض)، وكان عامله على البصرة، أي كان حاكم البصرة الأعلى.
في الرسالة،
يقوم بتأنيبه على قضية لا نجدها اليوم تشكل أية مخالفة للطريق السوي، وهو أن بعض
وجهاء أو أغنياء البصرة دعوه إلى وليمة فلبّاها!
فلو سأل سائل
متعجب: وماذا في هذا؟
أجيبه بالقول:
إنه علي (عليه السلام)، إمام الهدى، وكل ما يحيد شعرة عن الهدى يزعجه (ع)، فلا
يسكت عنه متعللاً بتبريرات الحكام والمرجعيات السياسية والدينية والاجتماعية، أمس
واليوم.
علماً أنه (ع)
لم يكن غافلاً عن الفارق بينه وبين غيره بحيث يطلب منهم ما يطلب من نفسه بالضبط،
بل كان ملتفتاً تماماً بما ستقرأ من قوله ((ألا وإنكم لا تقدرون على ذلك...))،
ولكن حقوق
الرعية كانت فوق كل اعتبار،
وإلا فما معنى
إمام الهدى في الحكم؟
***
روى السيد
الشريف الرضي (رحمه الله) في "نهج البلاغة" الرسالة رقم 45، ما يلي:
إلى عثمان بن حنيف الانصاري
وهو عامله على البصرة،
وقد بلغه أنه دعي إلى وليمة قوم من أهلها، فمضى إليهم؛
((أَمَّا بَعْدُ،
يَابْنَ حُنَيْف، فَقَدْ بَلَغَنِي أَنَّ رَجُلاً مِنْ فِتْيَةِ أَهْلِ
الْبَصْرَةِ دَعَاكَ إلى مَأْدُبَة، فَأَسْرَعْتَ إِلَيْهَا، تُسْتَطَابُ لَكَ الاَْلْوَانُ،
وَتُنْقَلُ إِلَيْكَ الْجِفَانُ، وَمَا ظَنَنْتُ أَنَّكَ تُجِيبُ إِلى طَعَامِ
قَوْم، عَائِلُهُمْ مَجْفُوٌّ، وَغَنِيُّهُمْ
مَدْعُوٌّ.
فَانْظُرْ إِلَى مَا
تَقْضَمُهُ مِنْ هذَ الْمَقْضَمِ،
فَمَا اشْتَبَهَ عَلَيْكَ عِلْمُهُ فَالْفِظْهُ، وَمَا أَيْقَنْتَ بِطِيبِ
وُجُوهِهِ فَنَلْ مِنْهُ.
***
أَلاَ وَإِنَّ لِكُلِّ
مَأمُوم إِمَاماً، يَقْتَدِي بِهِ، وَيَسْتَضِيءُ بِنُورِ عِلْمِهِ.
أَلاَ وَإِنَّ
إِمَامَكُمْ قَدِ اكْتَفَى مِنْ دُنْيَاهُ بِطِمْرَيْهِ، وَمِنْ طُعْمِهِ بِقُرْصَيْهِ .
أَلاَ وَإِنَّكُمْ لاَ
تَقْدِرُونَ عَلَى ذلِكَ، وَلكِنْ أَعِينُوني بِوَرَع وَاجْتِهَاد، وَعِفَّة
وَسَدَاد.
فَوَاللهِ مَا
كَنَزْتُ مِنْ دُنْيَاكُمْ تِبْراً، وَلاَ ادَّخَرْتُ مِنْ غَنَائِمِهَا وَفْراً،
وَلاَ أَعْدَدْتُ لِبَالِي ثَوْبِي طِمْراً.
***
بَلَى! كَانَتْ في
أَيْدِينَا فَدَكٌ مِنْ كلِّ مَا أَظَلَّتْهُ السَّماءُ، فَشَحَّتْ عَلَيْهَا
نُفُوسُ قَوْم، وَسَخَتْ عَنْهَا نُفُوسُ آخَرِينَ، وَنِعْمَ الْحَكَمُ اللهُ.
وَمَا أَصْنَعُ
بِفَدَك وَغَيْرِ فَدَك،
وَالنَّفْسُ مَظَانُّهَا فِي غَد جَدَثٌ،
تَنْقَطِعُ فِي ظُلْمَتِهِ آثَارُهَا، وَتَغِيبُ أَخْبَارُهَا، وَحُفْرَةٌ لَوْ
زِيدَ فِي فُسْحَتِهَا، وَأَوْسَعَتْ يَدَا حَافِرِهَا، لاََضْغَطَهَا الْحَجَرُ
وَالْمَدَرُ، وَسَدَّ فُرَجَهَا التُّرَابُالْمُتَرَاكِمُ،
وَإِنَّمَا هِيَ نَفْسِي أَرُوضُهَا بِالتَّقْوَى
لِتَأْتِيَ آمِنَةً يَوْمَ الْخَوْفِ الاَْكْبَرِ، وَتَثْبُتَ عَلَى جَوَانِبِ
الْمَزْلَقِ.
***
وَلَوْ شِئْتُ
لاَهْتَدَيْتُ الطَّرِيقَ، إِلَى مُصَفَّى هذَا الْعَسَلِ، وَلُبَابِ هذَا
الْقَمْحِ، وَنَسَائِجِ هذَا الْقَزِّ، وَلكِنْ هَيْهَاتَ أَنْ يَغْلِبَنِي
هَوَايَ، وَيَقُودَنِي جَشَعِي إِلَى تَخَيُّرِ
الاَْطْعِمَةِ ـ وَلَعَلَّ بِالْحِجَازِ أَوِ بِالْـيَمَامَةِ مَنْ لاَطَمَعَ لَهُ فِي الْقُرْصِ،
وَلاَ عَهْدَ لَهُ بِالشِّبَعِ ـ أَوْ أَبِيتَ مِبْطَاناً وَحَوْلِي بُطُونٌ
غَرْثَى وَأَكْبَادٌ حَرَّى، أَوْ أَكُونَ كَمَا قَالَ الْقَائِلُ:
وَحَسْبُكَ دَاءً أَنْ تَبِيتَ
بِبِطْنَة**وَحَوْلَكَ أَكْبَادٌ تَحِنُّ إِلَى الْقِدِّ
أَأَقْنَعُ مِنْ نَفْسِي بِأَنْ
يُقَالَ: أَمِيرُالْمُؤْمِنِينَ، وَلاَ أُشَارِكُهُمْ فِي مَكَارِهِ الدَّهْرِ،
أَوْ أَكُونَ أُسْوَةً لَهُمْ فِي جُشُوبَةِ الْعَيْشِ!
***
فَمَا خُلِقْتُ لِيَشْغَلَنِي
أَكْلُ الطَّيِّبَاتِ، كَالْبَهِيمَةِ الْمَرْبُوطَةِ
هَمُّهَا عَلَفُهَا، أَوِ الْمُرْسَلَةِ شُغُلُهَا تَقَمُّمُهَا، تَكْتَرِشُ مِنْ أَعْلاَفِهَا،
وَتَلْهُو عَمَّا يُرَادُ بِهَا، أَوْ أُتْرَكَ سُدىً، أَوْ أُهْمَلَ عَابِثاً،
أَوْ أَجُرَّ حَبْلَ الضَّلاَلَةِ، أَوْ أَعْتَسِفَ طَرِيقَ الْمَتَاهَةِ! وَكَأَنِّي
بِقَائِلِكُمْ يَقُولُ: إِذَا كَانَ هذَا قُوتُ ابْنِ أَبِي طَالِب، فَقَدْ قَعَدَ
بِهِ الضَّعْفُ عَنْ قِتَالِ الاَْقْرَانِ وَمُنَازَلَةِ الشُّجْعَانِ.
أَلاَ وَإِنَّ
الشَّجَرَةَ الْبَرِّيَّةَ أَصْلَبُ عُوداً،
وَالْرَّوَائِعَ الْخَضِرَةَ أَرَقُّ جُلُوداً،
وَالنَّابِتَاتِ العِذْيَةَ أَقْوَى وَقُوداً،
وَأَبْطَأُ خُمُوداً، وَأَنَا مِنْ رَسُولِ اللهِ(صلى الله عليه وآله)كَالصِّنْوِ
مِنَ الصِّنْوِ، وَالذِّرَاعِ مِنَ الْعَضُدِ .
وَاللهِ لَوْ
تَظَاهَرَتِ الْعَرَبُ عَلَى قِتَالِي لَمَا وَلَّيْتُ عَنْهَا، وَلَوْ أَمْكَنَتِ
الْفُرَصُ مِنْ رِقَابِهَا لَسَارَعْتُ إِلَيْهَا،سَأَجْهَدُ فِي أَنْ أُطَهِّرَ الاَْرضَ مِنْ هذَا
الشَّخْص الْمَعْكُوسِ، وَالْجِسْمِ الْمَرْكُوسِ، حَتَّى تَخْرُجَ الْمَدَرَةُ مِنْ بَيْنِ حَبِّ
الْحَصِيدِ .
***
إِلَيْكَ عَنِّي يَا دُنْيَا،
فَحَبْلُكِ عَلَى غَارِبِكِ، قَدِ انْسَلَلْتُ مِنْ مَخَالِبِكِ، وَأَفْلَتُّ مِنْ
حَبَائِلِكِ، وَاجْتَنَبْتُ الذَّهَابَ فِي مَدَاحِضِكِ .
أَيْنَ الْقُرُونُ
الَّذِينَ غَرَرْتِهِمْ بَمَدَاعِبِكَ؟! أَيْنَ الاُْمَمُ الَّذِينَ
فَتَنْتِهِمْبِزَخَارِفِكِ؟! هَاهُمْ رَهَائِنُ الْقُبُورِ، وَمَضَامِينُ
اللُّحُودِ .
وَاللهِ لَوْ كُنْتِ
شَخْصاً مَرْئِيّاً، وَقَالَباً حِسِّيّاً، لاََقَمْتُ عَلَيْكِ حُدُودَ اللهِ فِي
عِبَاد غَرَرْتِهِمْ بِالاَْمَانِي، وَأُمَم أَلْقَيْتِهِمْ فِي الْمَهَاوِي،
وَمُلُوك أَسْلَمْتِهِمْ إِلَى التَّلَفِ، وَأَوْرَدْتِهِمْ مَوَارِدَ الْبَلاَءِ،
إِذْ لاَ وِرْدَ وَلاَ صَدَرَ!
هَيْهَاتَ! مَنْ
وَطِىءَ دَحْضَكِ زَلِقَ، وَمَنْ رَكِبَ
لُجَجَكِ غَرِقَ، وَمَنِ ازْوَرَّ عَنْ حَبَائِلِكِ
وُفِّقَ، وَالسَّالِمُ مِنْكِ لاَيُبَالِي إِنْ ضَاقَ بِهِ مُنَاخُهُ، وَالدُّنْيَا
عِنْدَهُ كَيَوْم حَانَ انْسِلاَخُهُ .
اعْزُبِي عَنِّي! فَوَاللهِ لاَ
أَذِلُّ لَكِ فَتَسْتَذِلِّينِي، وَلاَ أَسْلَسُ لَكِ فَتَقُودِينِي.
***
وَايْمُ اللهِ ـ
يَمِيناً أسْتَثْنِي فِيهَا بِمَشِيئَةِ اللهِ عَزَّوَجَلّ ـ لاََرُوضَنَّ نَفْسِي
رِيَاضَةً تَهشُّ مَعَها إِلَى
الْقُرْصِ إِذَا قَدَرتْ عَلَيْهِ مَطْعُوماً، وَتَقْنَعُ بِالْمِلْحِ مَأْدُوماً؛
وَلاََدَعَنَّ مُقْلَتِي كَعَيْنِ مَاء، نَضَبَ مَعِينُهَا، مُسْتَفْرِغَةً
دُمُوعَهَا.
أَتَمْتَلِىءُ السَّائِمَةُ مِنْ رِعْيِهَا فَتَبْرُكَ؟
وَتَشْبَعُ الرَّبِيضَةُ مِنْ عُشْبِهَا
فَتَرْبِضَ؟ وَيَأْكُلُ عَلِيٌّ مِنْ زَادِهِ فَيَهْجَعَ؟ قَرَّتْ إِذاً عَيْنُهُ إِذَا اقْتَدَى بَعْدَ
السِّنِينَ الْمُتَطَاوِلَةِ بِالْبَهِيمَةِ الْهَامِلَةِ، وَالسَّائِمَةِ الْمَرْعِيَّةِ!
***
طُوبَى لِنَفْس
أَدَّتْ إِلَى رَبِّهَا فَرْضَهَا، وَعَرَكَتْ بِجَنْبِهَا بُؤْسَهَا، وَهَجَرَتْ
فِي اللَّيْلِ غُمْضَهَا، حَتَّى إِذَا غَلَبَ الْكَرَى عَلَيْهَا افْتَرَشَتْ أَرْضَهَا،
وَتَوَسَّدَتْ كَفَّهَا، فِي مَعْشَر أَسْهَرَ عُيُونَهُمْ خَوْفُ مَعَادِهِمْ،
تَجَافَتْ عَنْ
مَضَاجِعِهِمْ جُنُوبُهُمْ، وَهَمْهَمَتْ بِذِكْرِ رَبِّهِم شِفَاهُهُمْ، وَتَقَشَّعَتْ بِطُولِ اسْتِغْفَارِهِم ذُنُوبُهُمْ ((أُولئِكَ
حِزْبُ الله، أَلاَ إِنَّ حِزْبَ اللهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ))
فَاتَّقِ اللهَ يَابْنَ حُنَيْف،
وَلْتَكْفُفْ أَقْرَاصُكَ، لِيَكُونَ مِنْ النَّارِ خَلاَصُكَ)).
من رحل في مثل
هذه الأيام؟
نصير الفقراء
وعدو المفسدين
مولانا أمير
المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام)
لقطة رقم 2
***
رحل نصير الفقراء وأبو الأيتام وعدو المفسدين،
رحل مولانا، وولينا بعد الله ورسوله (صلى الله عليه وآله)،
علي بن أبي طالب (عليه السلام)...
***
ليسمعه الفاسدون في السلطة،
لا سيما ممن يدعون أنهم شيعته،
يقول:
((ما رأيتُ نعمةً مَوفُورةً إلاّ وإلى
جانِبِها حقٌّ مُضَيَّع)).
***
ليس كل "نعمة"،
كيف وأن الله تعالى يفيض بنعمه على عباده،
((أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ
لَكُم مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ
ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً)) لقمان:20...
ولكنها النعمة "الموفورة"،
أي التي "فيها زيادة" عن الحالة
الوسطى؛
هذه يقول عنها علي (عليها السلام) أنها قد
"سلبت حقّاً"،
فكان إلى جنب هذه "النعمة الموفورة"
لشخص،
"حق
مضيع" لشخص آخر.
***
ويقول علي (عليه السلام) أيضاً،
بما يشبهه:
((ما جاعَ فَقيرٌ إلاّ بِما مُتِّعَ بِهِ
غَنِيّ)).
لأن الله تعالى لا يمكن إلا وينزل الرزق بما
يكفي للبشر جميعاً،
فإذا "جاع بعضهم" فهذا يقطع أن
"بعضهم تمتع بما يزيد عن حاجته".
وطبعاً، كلما ازداد الفقراء فهي إشارة إلى شدة
التمتع من الأغنياء؛
وكلما اشتد الفقر فهو إشارة إلى إيغال
الأغنياء في تمتعهم على حساب الفقراء.
***
فأين هؤلاء الفاسدون الذين كانوا يجلسون إلى
منابر الحسين (عليه السلام) يستمعون إلى هذه الحكم والتعاليم العلوية؟
بل كانوا هم أنفسهم يعظون الناس بهذه
الإعلانات العلوية التي تفضح جذور المفارقات الاجتماعية بين الغنى والفقر؟
والله سيطول وقوفهم بين يدي الله تعالى،
وسيسألون سؤالاً حثيثاً عما جنته وتجنيه
أيديهم بحق هؤلاء المظلومين،
ثم لينظروا أين يؤمر بهم...
من رحل في مثل
هذه الأيام؟
نصير الفقراء
وعدو المفسدين
مولانا أمير
المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام)
لقطة رقم 3
***
·
كيف يتصرف مع الإرث الفاسد للحكم
بمجرد أن بويع بالخلافة، أعلن عن رد
جميع ما أقطعه الخليفة قبله عثمان بن عفان (حيث كانت قطائعه لأقاربه بالذات من أهم
ما أثار الناس عليه / والقطائع مشابهة للإقطاعيات التي أقطعتها الدولة العثمانية
لبعض العوائل والعشائر فصارت عندها أملاك شاسعة حصلت معها على الثروة والقدرة)...
قال (ع):
((وَاللهِ لَوْ وَجَدْتُهُ قَدْ تُزُوِّجَ بِهِ النِّسَاءُ،
وَمُلِكَ بِهِ الاِْمَاءُ، لَرَدَدْتُهُ، فَإِنَّ في العَدْلِ سَعَةً، وَمَنْ
ضَاقَ عَلَيْهِ العَدْلُ، فَالجَوْرُ عَلَيْهِ أَضيَقُ!))
أي:
جميع من أقطعه الخليفة قبلي دون وجه حق
فإني سأطالبه بردّه،
فإن كان قد أنفقه حتى في الزواج فإنه
عليه أن يرده.
ثم يوضح للجاهلين المتهالكين على
الدنيا:
العدل فيه سعة للجميع، ومن وجد العدل
ضيقاً عليه – أي لم يعجبه الحكم الشرعي ومنه هذا الحكم برد القطائع، فإنه سيجد
الظلم أضيق،
لأن الظلم – من بعده (ع) – سيقع لا
محالة إذا هم لم ينصروا طريقته في تعديل ما فسد من الحال...
وقد حصل، وصار الظلم أضيق وأضيق على
الجميع.
***
·
وكيف يتصرف مع التمييز بين كبار الرعية
وصغارها؟
بعد ما يقرب من 25 سنة على وفاة النبي
(ص) تغيرت الكثير من الأمور، ومنها التمييز في العطاء بين الصحابة، وبين الصحابة
وغيرهم، وبين العرب والعجم.
هذا الحال يؤدي إلى الاعتياد على
الامتيازات والثراء الفاحش الذي نتج عنها،
لهذا عندما جاء علي (ع) إلى الحكم
وأعلن أن الجميع سواسية، كان من المؤكد أن يعترض عليه هؤلاء...
فماذا كان موقفه (ع)؟
أوضح (ع) لهم ما كان ينبغي أن يعوه
بأنفسهم:
((أيّما رجلٍ من المهاجرين والأنصار من
أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يرى أنّ الفضلَ لَهُ على سواه لصُحبتهِ
فإنّ الفضلَ النيّر غداً عِندَ الله، وثوابُهُ وأجرُه على الله)).
أي: أن سابقتكم وجهادكم بين يدي النبي
(ص) مسجلة عند الله تعالى، والمفترض أنكم آمنتهم وجاهدتم ابتغاء مرضاة الله لا
غير،
وعليه، فإنكم إذا طلبتم تمييزاً لكم
على غيركم فإنما تطلبون أجراً من الدنيا،
وهذا يسيء إليكم في علاقتكم بالله
تعالى.
وبالتالي /
من يأتي ليقول أنه جاهد ضد الدكتاتورية
في العراق مثلاً، ويريد أجراً يميزه عن غيره من المواطنين المظلومين، فهو يقول أن
جهاده ذاك كان لمصالح شخصية وليس لله والوطن.
وهؤلاء الذين في السلطة
الذين يسوغون لأنفسهم سائر أنواع الفساد بناء على هذا فإنما هم لا يسيرون وفق
المنهج العلوي، وعليهم أن يقرأوا توضيح علي (ع) الآنف عسى ولعل...
من رحل في مثل
هذه الأيام؟
نصير الفقراء
وعدو المفسدين
مولانا أمير
المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام)
لقطة رقم 4
***
·
وكيف يتصرف مع الأقرباء
جاءه أخوه عقيل بن أبي طالب – وهو أكبر
منه سناً بكثير – يشكو الفقر والحاجة،
قال (ع): ((وَاللهِ لَقَدْ
رَأَيْتُ عَقِيلاً وَقَدْ أمْلَقَ حَتَّى اسْتماحَنِي مِنْ بُرِّكُم
صَاعاً))
طلب منه (ع) شيئاً من بيت المال.
وكانت شكوى صادقة بشهادة الإمام (ع)
الذي يقول:
((وَرَأَيْتُ صِبْيَانَهُ شُعْثَ الشُّعُورِ،
غُبْرَ الاَْلْوَانِ، مِنْ فَقْرِهِمْ، كَأَنَّمَا سُوِّدَتْ وُجُوهُهُمْ
بِالْعِظْلِمِ))...
ولكنه (ع) لم يجبه إلى طلبه، فعاود عقيل
أكثر من مرة:
((وَعَاوَدَنِي مُؤَكِّداً، وَكَرَّرَ
عَلَيَّ الْقَوْلَ مُرَدِّداً))...
فأنصت له الإمام (ع)، فكأن عقيلاً ظن
أنه سيعطيه شيئاً:
((فَأَصْغَيْتُ إِلَيْهِ سَمَعِي،
فَظَنَّ أَنِّي أَبِيعُهُ دِينِي، وَأَتَّبِعُ قِيَادَهُ، مُفَارِقاً طَرِيقِي))
ولكن ما يظنه عقيل أنه استجابة من
الإمام (ع) يعتبره الإمام (ع) بيعاً لدينه وانتهاجاً لغير طريقه المستقيم.
فماذا فعل معه (ع) كي يفهمه أنه لا
مجال للضغط على علي (ع)؟
((فَأَحْمَيْتُ لَهُ حَدِيدَةً، ثُمَّ
أَدْنَيْتُهَا مِنْ جِسْمِهِ لِيَعْتَبِرَ بِهَا، فَضَجَّ ضَجِيجَ ذِي
دَنَف مِنْ أَلَمِهَا، وَكَادَ أَنْ يَحْتَرِقَ مِنْ مِيسَمِهَا! فَقُلْتُ
لَهُ: ثَكِلَتْكَ الثَّوَاكِلُ، يَا عَقِيلُ! أَتَئِنُّ مِنْ حَدِيدَة أَحْمَاهَا
إِنْسَانُهَا لِلَعِبِهِ، وَتَجُرُّنِي إِلَى نَار سَجَرَهَا جَبَّارُهَا
لِغَضَبِهِ! أَتَئِنُّ مِنَ الاَذَى وَلاَ أَئِنُّ مِنْ لَظىً؟!))
الله أكبر!
يتصرف بطريقة عملية شديدة قاسية، مع
أخيه الأكبر، الفقير حقاً، الذي رأى الإمام (ع) عياله شعثاً غبراً...
***
ماذا أقول لأبي فلان وقد فتح بيت المال
العراقي لفلان المدلل؟
وأبو علان الذي فتح خزانة وزارته لعلان
وإخوته وأخواته وأمهم المدللة؟
وأبو نعلان وصخمان وسائر الفاسدين
الظالمين – ماذا أقول؟
تخشون – أيها الحمقى –
"أنين" المحروسين من "الأذى" البسيط ولا تخشون من
"لظى" يوم القيامة؟!
***
هؤلاء يصدق فيكم قول أحد الأصدقاء
الإخوة الكبار:
"يدعون أنهم على النهج العلوي وهم
يعيشون النهج الأموي بتفاصيله!"
ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي
العظيم.
وعظم الله أجوركم بمناسبة رحيل أبي
الفقراء والمساكين، علي (عليه السلام).