عندما تصبح الصلاة على الآل شتيمة للصحابة!
1 من 4
1-شهادة الشريف "عداب محمود الحمش"
2-معنى الصلاة على محمد وآل محمد، والفرق بينها و "الصلاة على
غيرهم"
3- معنى اعتبار البعض "الصلاة على الآل دون الصحب" بمثابة
"شتائم على الصحابة"
4-
"الصلاة على الآل" في تشهد الصلاة الفريضة – المعنى والدلالة
***
في هذه المنشورات أشير إلى ما يفهمه البعض ضمناً من كلام الآخر
المخالف، فيؤسس عليه تهماً، مع مفارقة كبيرة في هذه القضية بالذات، وهي أن
المُتَّهِم هو نفسه يقوم بالفعل في أهم العبادات، وعدة مرات في اليوم!
فلا هو يعي مدلولات فعله اليومي، ولا هو يدقق في فعل الآخر الذي
يهاجمه، ولا هو في محاولته إصلاح "خطأ" الآخر (حسبما يعتقد) يقوم بعمل
صحيح...
هذا الموضوع هو:
"الصلاة على آل محمد" إضافة لها بعد "الصلاة على
محمد" ولكن "دون الصحب".
سأذكر:
1-شهادة الشريف "عداب محمود الحمش"
2-معنى
الصلاة على محمد وآل محمد، والفرق بينها و "الصلاة على غيرهم"
3- معنى اعتبار البعض "الصلاة على الآل دون الصحب" بمثابة
"شتائم على الصحابة"
4-
"الصلاة على الآل" في تشهد الصلاة الفريضة – المعنى والدلالة
***
1-شهادة الشريف "عداب محمود الحمش"
** تعريف:
الشريف "عداب الحمش" هو أحد علماء الحديث السوريين، شهادته
هذه تتصل بأيام إقامته في العراق في التسعينيات واتصاله بالمسؤولين ومن ضمنهم
كبيرهم، كما اتصاله بالعديد من العلماء الذين تتعلق شهادته بموقفهم، الحادثة التي
هي من ضمن عدة حوادث حصلت معه (ومن ضمنها ما يتصل برسالة الدكتوراه التي أعدها
وناقشها في جامعة بغداد) أثبتت له عمق الجنبة الطائفية عند بعضهم (ومنهم من
وجدناهم كيف انزلقوا في الطائفية بعد 2003، ومنهم آخرون بقيت طائفيتهم قيد
الكتمان، وإن كنا لا نغفل عن قوله تعالى ((أم حسب الذين في قلوبهم مرض ألن يخرج
الله أضغانهم)))
من
ضمن منشور طويل بعنوان "شهادة التسامع باطلة في الإسلام؟!" (22/1/2017
الرابط لمن يريد قراءة المنشور كله https://www.facebook.com/permalink.php?story_fbid=1217458675017278&id=100002594721582)
والتي
شكى فيها السيد الشريف الحمش من الافتراءات عليه من قبل أطراف مختلفة، ذكر ما يلي:
" رفع بعض طلابي عريضة لرئيس القسم
الدكتور عبدالحكيم السعدي يتهمونني بأنني أشتم الصحابة رضي الله عنهم؟
وحين راجعني؛ ذُهلت للأمر،
وقلت: هل كتبوا ماذا قلت؟ قال: لم
يكتبوا، لكن في خطابهم لي أنك تشتم الصحابة أكثر من عشرين مرة في المحاضرة الواحدة!
فقلت له: استدع لي ثلاثةً من هؤلاء،
فاستدعى خمسة!
ولما حضروا سألتهم: أنتم سمعتموني
أطعن في الصحابة وأشتمهم؟
فانبرى أحدهم وهو يلبس عمامةً، وقال:
والله يا دكتور نحن لا نستفيد من احد من الأساتذة كما نستفيد منك، لكنك تطعننا في
قلوبنا وأنت تشتم أصحاب رسول الله، وذرفت عيناه بالدموع!
فالتفتّ إلى زميله الآخر وقلت له: أنت
كذلك تتهمني؟ قال: نعم! قلت: ماذا سمعتني بالحرف أقول؟
قال: تقول: صلى الله عليه وآله وسلم،
فقلت لزملائه الآخرين: يعني أنا ما
شتمت أبا بكر، أو عمر أو عثمان، أو حتى معاوية؟!
قالوا: لا. لا لآ!
فقلت لهم: لعنة
الله على شركم، انصرفوا!
فلما انصرفوا؛ قلت للدكتور عبدالحكيم السعدي:
ألهذا التفكير السخيف دعوتني متّهما؟
قال: يا شيخ
عداب، نحن في العراق لنا وضع خاص يجب أن تراعيه.
قولك هذا: (صلى الله عليه وآله وسلم)
عندنا في العراق طعن في الصحابة..عند صغيرنا وكبيرنا وعالمنا وجاهلنا وذكرنا
وأنثانا.
يا أخي ماذا
يضيرك أن تقول: (وآله وصحبه؟)
قلت: والله يا
دكتور حكيم..لم يخطر في ذهني، ولا خططت له مسبقاً، إنما هذا ما تربينا عليه
ولا أذكر في
حياتي حتى عندما كنت في السعودية، أني قلت مرة: (صلى الله عليه وسلم)،
على أنني في
مقدمة كلّ محاضرة أقول: الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد
وعلى آله الطاهرين، وصحابته الأكرمين، وفي ختام المحاضرة أقول: في هذا القدر
كفاية..وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيراً.
قال: هم قالوا ذلك، لكن هذا لا يكفي،
يجب أن تقرن الصحب في كل موضع تصلي فيه على رسول الله، فشهادة العراقيين أنني صرت
في العراق شيعياً كاذبة تافهة حقيرة."
(يتبع)
عندما تصبح الصلاة على الآل شتيمة للصحابة!
2 من 4
معنى الصلاة على محمد وآل محمد، والفرق بينها و "الصلاة على
غيرهم"
***
1 مفردة "الصلاة" بين اللغة
والشرع
في اللغة / الصلاة = الدعاء
لهذا تجد المصطلح باللغة الانجليزية
مثلاً "I
pray to God for you"
يعني "أدعو الله من أجلك".
أما في الاصطلاح الإسلامي، فقد صار
يعني "العبادة المعروفة بأركانها السبعة وتفاصيل كل ركن فيها".
*
2 معنى الصلاة على محمد وآل محمد
فما معنى قولنا "اللهم صلّ على محمدٍ
وآلِ محمد" إذاً؟
بالتأكيد لا يمكن أن يكون بمعنى عبادة
النبي (ص) وآله الأطهار (ع)،
لأننا عندما نعبد الله تعالى من خلال
عبادة الصلاة فإنه = نصلي لله
وليس "نصلي على الله".
فما هي إذاً؟
إنها فعل قولي نتعبد به الله تعالى
لأننا نطيع أمره، وذلك من خلال:
أولاً / الآية المباركة:
((إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ ۚ يَا
أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً)) الأحزاب:56
وما معنى ((اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ))،
هو بكل تأكيد ليس فعل عبادة،
ولكنه "الثناء/المدح وإنزال الرحمات الإلهية على" النبي (ص)
+ "دعاء الملائكة لـ" ـلنبي (ص).
فقال لنا: مثلما أنا أصلي عليه، وملائكتي يصلون عليه، قوموا أنتم
بالصلاة عليه.
وبالتالي فإن صلاتنا عليه (ص) تتخذ نفس الأبعاد:
الثناء والتعظيم والدعاء له بالرحمة وعلو المرتبة.
ثانياً / الآية المباركة:
((وَأَنزَلْنَا
إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ
يَتَفَكَّرُونَ)) النحل:44،
فذهبنا إليه (ص) نسأله عن آية الأحزاب: كيف نصلي عليه؟
ثالثاً / الحديث "المبيّن" لآية الأحزاب:
حسب رواية صحيح البخاري أنهم سألوه "فكيف نصلي عليك؟"
قال (ص): ((فقولوا اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على آل
إبراهيم إنك حميد مجيد))
*
3 معنى الصلاة على غيرهم
ولكن البعض يتسرع – لضيقه بالصلاة على
آل محمد (ص) فيما يبدو (كما فعل أحد الدعاة المشهورين المصريين يوماً وهو في جلسة
تلفزيونية مع بعض شيعة مصر الكبار) – فيقول:
ولكن الله قال ((هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلَائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُم
مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ ۚ وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا)) الأحزاب:43
فجاء بأولها فقط ((هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلَائِكَتُهُ))،
والمؤسف أن الإخوة الشيعة لم يردوا
عليه بالطلب أن يتم الآية كي يعلم الفارق الكبير جداً...
*
4 الفارق من المقارنة بين 2 و 3 أعلاه
من 2 أعلاه يتبين أن "سبب"
أو "الداعي وراء" "الصلاة على آل محمد" هو:
الثناء والتعظيم والدعاء بالرحمة
وإعلاء الشأن...
وكفى...
في حين أن 3 أعلاه تعني
"سبب" أو "الداعي وراء" "الصلاة على غيرهم" هو:
إخراجهم من الظلمات إلى النور.
آية الأحزاب لم تقل أن الله وملائكته يصلون
على النبي (ص) لإخراجه من الظلمات إلى النور، إذ متى كان (ص) في الظلمات كي يخرج
إلى النور، وهو الذي اصطفاه الله تعالى منذ ما قبل الخلق وأخذ العهد والميثاق على
جميع إخوانه الأنبياء والمرسلين (ص) للإيمان به وبيعته ونصرته؛
والنبي (ص) بين أن "الصلاة
عليه" = "الصلاة عليه وعلى آله"،
ولم يضف إليها شيئاً آخر بخصوص آله
(ع)،
وبالتالي فإن الآل (ع) ليست الصلاة
عليهم من أجل إخراجهم من الظلمات إلى النور؛
وكيف يخرجون من ظلمات لم يكونوا فيها
مطلقاً.
فإنه حتى على رأي غير الشيعة، الكل
مجمع على أن علياً (ع) لم يسجد لصنم قط، وأنه تربّى في بيت سيد الخلق محمد (ص)
وسيدة النساء خديجة (ع)؛
وبالتأكيد من بعده: فاطمة وأولادها
الأئمة (ع) أمر معروف بداهةً.
وعليه، فآية الأحزاب:43، أو روايات من
قبيل قول النبي (ص) ((اللهم صلّ على آل أبي أوفى)) (إن صحت)،
في مقام إخراجهم من الظلمات إلى النور،
الأمر المختلف تماماً عن آية الأحزاب
56 وبيانها الرسولي "اللهم صل على محمد وآل محمد".
(يتبع)
عندما تصبح الصلاة على الآل شتيمة للصحابة!
3 من 4
معنى اعتبار البعض "الصلاة على الآل دون الصحب" بمثابة
"شتائم على الصحابة"
***
بعد أن علمنا الأصل القرآني للصلاة
على آل محمد (ص) من خلال البيان الرسولي للأصل القرآني...
وبعد أن علمنا – بما صار من البديهيات–
أن الصلاة على الآل (ع) جزء مفروض من تشهد الصلاة اليومية بحيث يصلي، من يقيم
الصلاة، على الآل (ع) 9 مرات على الأقل كل 24 ساعة من حياته،
ولا يجوز له إضافة ما يعجبه من الصلاة
على الصحابة أو أزواج النبي (ص)...
لماذا يا ترى يتضايق البعض، وهم
يتدينون بدين الإسلام، ومنهم من يقيم الصلاة اليومية، ومنهم أساتذة كبار وطلاب
أيضاً في العلوم الشرعية (كما هو حال من اعترض على الشريف عداب الحمش في بغداد –
الحلقة 1)، من "حصر" الإضافة على الآل (ع) وليس "إشراك" صحابة
النبي (ص) في الصلاة على محمد (ص)؟
*
للإجابة على السؤال، لا بد من الانتباه إلى نقطة في غاية الأهمية:
يجب علينا "عدم السقوط في العاطفة" + "عدم السقوط في
التعميم الظالم للآخرين"
دون هذا ننتقل من البحث العلمي الهادئ الذي يحاول تلمس جذور هذه
المشاكل إلى معارك لا تنتهي إلا إلى زيادة الاحتقان والبغضاء والاستقطابات
السلبية.
*
لهذا، نقسم هؤلاء المعترضين على "حصر الصلاة على الآل (ع)"
إلى 3 أقسام:
القسم الأول / النواصب، وهم الذين يبغضون آل محمد (ص)
القسم الثاني / مبغضو الشيعة من غير النواصب
القسم الثالث / باقي أهل السنة من غير القسمين الأولين
*
أما "القسم الأول / النواصب"، فهؤلاء هم الأسهل في التناول:
ناس "يبغضون" جماعة من الخلق – وهم الآل (ع) -، هل نتوقع
منهم غير الضيق من كل فضيلة لهم؟
فكيف إذا كانت هذه الفضيلة بهذه الدرجة من التميز، بل التفرد عن سائر
الناس؟
الحمد لله النواصب يريحونك في البحث والنقاش – أقولها صدقاً وليس
استهزاء، فهم واضحون لا يلفون ويدورون.
*
وأما "القسم الثاني / مبغضو الشيعة من غير النواصب"، فهؤلاء
هم الأصعب من الجميع:
هؤلاء يجمعون أمرين
(1) "محبة آل محمد (ص)"
(2) "بغض شيعة آل محمد (ص)"
تجد في هذا الموقف تناقضاً؟
هم لا يجدون هذا.
كيف؟
لأنهم يقولون أن "شيعة آل محمد (ص)" ليسوا إلا مدعين
كذابين، فهو "يدعون محبة آل محمد (ص)"؛
وبالتالي،
فإذا قال الشيعي لهم: أنتم تدعون محبة الآل (ع) ولستم صادقين لأنكم في
نفس الوقت تحبون أعداءهم وبضمنهم من حاربهم في حروب معروفة مشهورة؟
قالوا له: وأنتم تدعون محبة الآل (ع) ولكنكم تبغضون صحابة النبي (ص)
الذين نقلوا إلينا الدين.
هنا إذاً لا بد من تحديد الموقف عن طريق "إضافة الصحابة في
الصلاة على محمد وآل محمد (ص)"،
فهذا الذي يفعلونه.
إنهم بهذا الفعل يقولون:
نحن نحب الأقسام الثلاثة (1) النبي (ص) (2) الآل (ع) (3) الصحابة
وبما أن الشيعي لا يصلي على القسم 3 – الصحابة،
فإن عدم الصلاة عليهم = إلقاء "شبهة" على الشخص أنه من
الشيعة، وهي كارثة بالنسبة إليه، لهذا يقوم بالصلاة على الصحابة...
أي، كما أن الشيعي يصلي على الآل (ع)، ويكثر منها، من أجل إعلان
موقعية الآل (ع) في عقيدته، حتى صارت هذه الصلاة من أوضح معالم الطائفة الشيعية،
فإن غير الشيعي، المبغض للشيعة من غير النواصب، يقوم بإضافة الصحابة
من أجل إعلان موقعية الصحابة في عقيدته فيهم.
*
بقي القسم الثالث / باقي أهل السنة من غير القسمين الأولين:
هؤلاء، حالهم حال غالبية الناس، يقلدون العلماء ومن يتوسمون فيهم
الصدق والعلم، فيقومون بما يقومون به من عبادات ومعاملات حسبما هو مقرر في المذاهب
التي يتبعونها.
فإن وقع بعضهم في البغض والعداء والتشنج فإنما سببه الأساس هم الذين
انتهجوا "التجهيل" كإطار عمل في الأمة، من خلال "أسلحة الكتمان
والتعتيم والتحوير والبتر والتزوير والتدليس والاختراع والافتراء"،
فصاروا ينظرون إلى المسلم الذي يلهج بالصلاة على آل محمد (ص) عندما
يصلي على النبي (ص) وكأنه يقترف منكراً من القول، وبالتالي ما العمل للنهي عن
المنكر؟
يعلمهم العلماء أنه "إضافة الصحابة" إلى الصلاة، من أجل منع
الميزان الذي أسسوه منذ القرن الأول من الميلان إلى كفة الآل (ع).
وهذا ما أجده شخصياً عند الحديث مع آخرين، سواء وجهاً لوجه أو على
قنوات التواصل الاجتماعي –
بعض الأحيان أعلق تعليقاً صغيراً وفي ضمنه ذكر النبي (ص) فأقول أو
أكتب "صلى الله عليه وآله"،
فيسارع الآخر إلى كتابة رد، يتكلف أحياناً أي شيء من أجل أن يأتي بذكر
النبي (ص) ليكتب بعدها "صلى الله عليه وآله وصحبه" وأحياناً يردفها
بكلمة "أجمعين"، ولا يدري المسكين أنه بهذا يدعو لبعض كبار مجرمي
تاريخنا الدامي، لأنهم علموه أن المنافقين والذين في قلوبهم مرض والذين في قلوبهم
زيغ والذين كفروا بعد الإيمان (وكلهم من أقسام الصحابة الذين نص عليهم القرآن)
ليسوا من الصحابة، في نفس الوقت يعلمونه تعريف "الصحابي" = "كل من
رأى النبي (ص) وسمع حديثه"!
فإذا كان هؤلاء المنافقون الخ كلهم رأوا النبي (ص) وسمعوا حديثه، كما
هو بديهي، فهم صحابة، فكيف تدعون الله أن ينزل عليهم رحماته يا إخوة الإسلام؟!
*
على أنها قضية تبقى وستبقى تلاحق المسلم الذي يقيم الصلاة اليومية،
الأمر الذي نتناوله في الحلقة 4 الأخيرة إن شاء الله.
(يتبع)
عندما تصبح الصلاة على الآل شتيمة للصحابة!
4 من 4
"الصلاة على الآل" في تشهد الصلاة الفريضة – المعنى
والدلالة
***
تساءلت في الحلقة الماضية:
"لماذا يا ترى يتضايق البعض، وهم
يتدينون بدين الإسلام، ومنهم من يقيم الصلاة اليومية، ومنهم أساتذة كبار وطلاب
أيضاً في العلوم الشرعية (كما هو حال من اعترض على الشريف عداب الحمش في بغداد –
الحلقة 1)، من "حصر" الإضافة على الآل (ع) وليس "إشراك" صحابة
النبي (ص) في الصلاة على محمد (ص)؟"
إن النظر في "دلالة الصلاة على
آل محمد" في تشهد الصلاة الفريضة يلقي الضوء على كلمة "إشراك" في
التساؤل أعلاه...
*
+ معنى الصلاة على آل محمد (ص) في
التشهد
عرفنا معنى هذه الصلاة من خلال معنى الصلاة
على النبي (ص) في القرآن؛
ولكن "معنى" هذه الصلاة في
التشهد يعني أننا نستهدف الدعاء بالرحمة والتعظيم لهذا النفر الكريم في الصلاة
اليومية نفسها (إضافة إلى الصلوات الأخرى، الفروض والنوافل)،
هذا يعني أننا لا نكتفي بالدعاء لمحمد
(ص) وآله (ع) خارج عبادة الصلاة، بل في داخلها؛
ما يعني أننا لا نغفل عن هذا الدعاء
لهم (ع) في أقرب ما نكون إلى الله تعالى.
وهذا ليس من بنات أفكارنا، بل هو من
تعليم النبي (ص)، الذي هو من تعليم الله تعالى نفسه؛
إذاً، الله هو الذي جعلنا ندعو لهم
(ع) في الأوقات المحددة التي وضعها ((إِنَّ
الصَّلاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ
كِتَابًا مَوْقُوتًا)) النساء:103.
فيا له من تعظيم، ويا لها من رحمات
تتنزل على الآل (ع) كل لحظة من الوجود، فإنه ما من لحظة تمر إلا وفيها مسلمون
كثيرون يصلون عليهم (ع) أثناء تشهد الصلاة.
*
++ دلالة "إدراج" الصلاة
على الآل (ع) في الصلاة
لو تأملنا قليلاً في أركان الصلاة لوجدناها كلها تتمحور حول قضية
واحدة:
التوحيد.
صحيح أن كل عباداتنا متأطرة بإطار التوحيد، فالصيام لله، والحج لله،
ودفع الزكاة جزء من خطة الله في المجتمع، وهكذا،
ولكن "الصلاة" تختلف، وذلك:
1- أنها فريضة يومية
2-
العبادات الأخرى يمكن أن لا تقوم بها حسب الأحوال، وحدها الصلاة التي لا يمكن
التوقف عنها مهما كانت الظروف
3-
الإنسان يمكنه، بل ينبغي له، أن ينقطع عن الدنيا أثناء الصلاة، لأن الغفلة تطيح
ببعضها – ((لك من صلاتك ما عقلت))، بينما أنت تقوم بمختلف الأمور أثناء العبادات
الأخرى.
"الصلاة" هي باتجاه الواحد الأحد.
++ أركان الصلاة والتوحيد:
تكبيرة الإحرام / تعلن أنه ما من شيء إلا والله أكبر منه، فأنت تترك
الآلهة المزيفة
القيام / تقف بين يدي الله، فتعلن أنك تترك كل شيء وتتجه باتجاهه
القراءة / تقرأ من كتابه العزيز وليس من أي شيء من إنشاء البشر، فتسقط
الآلهة المزيفة التي تريد إجبار الناس على ما تنشئه بديلاً عن قوله تعالى
الركوع / تخضع له بالمسكنة، ثم تعلن علمك أنه ارتفع بعظمته
"سبحان ربي العظيم وبحمده"، فهو أعظم من كل عظيم يشركه الناس معه
السجود / تتخذ الشكل كامل الخضوع، تضع ناصيتك التي ربما ترفعها كبراً
وأنت تنظر إلى البشر، تضعها على الأرض نفسها، على ترابها، ثم تعلن علمك أنه ارتفع
بعلو مقامه "سبحان ربي الأعلى وبحمده"، فمقامه في نفسك أعلى من الأغيار
كلهم
التشهد / إعلان "التوحيد" بشكل واضح لا لبس فيه، فتقول
"أشهد أن الله إله إله الله وحده لا شريك له"؛ ثم تتبعها بالشهادة
الثانية "وأشهد أن محمداً عبده ورسوله" لتعلن أنك حتى في طريقك إليه لا
تتخذ سوى الطريق الذي أمرك به وهو طريق المصطفى (ص)، دون الغفلة عن "عبوديته
(ص)"، ليبقى الحق وحده لا شريك له، وتبقى في بحر التوحيد الخالص؛
ثم تأتي لتدعوه وحده بالرحمة والثناء والتعظيم للنبي محمد (ص)
"اللهم صل على محمد"،
ولكن لا تقصر عليه (ص)، بل تأتي بآله الأطهار (ع) معه "وعلى آل
محمد"؛
ثم تخرج من الصلاة، ليس كيفما اتفق، ولكن بإعلان "السلم" مع
الخلق الذين ستلتفت إليهم حال الخروج من الصلاة، لأن توحيدك الله تعالى يعني سموك
فوق صغائر الدنيا ومشاكلها.
+++ فما معنى "إدراج الآل (ع)" في التوحيد الخالص؟
هذا يدلك على أن محمداً (ص) وآله (ع) هم الأدلاء على التوحيد الخالص،
هم السفراء بين الله وخلقه، وإلا لا يمكن إدخالهم في الصلاة التي كل ركن فيها يعلن
التوحيد الخالص لله.
والآن:
لا يشك مسلم في أن النبي (ص) هو المصدَّق في سائر أقواله وأفعاله
وتقريراته، لأنه المعصوم في كل هذا، فلا يمكن أن يقع في الشرك مطلقاً؛
فهل يعقل أن الذين يدرجون معه في الصلاة، أي الآل (ع)، أُدرجوا كقضية
تشريفية أو مجاملات للنبي (ص) كما يظن الذين يصلون عليهم دون أن يعرفوا لهم دوراً؟
هل أن الله عنده مجاملات؟!
وهب أنه تعالى أراد أن يسر نبيه (ص)، فهل يفعل هذا في الصلاة الفريضة
التي تتمحور حول التوحيد؟
++++ وعندها هل يجوز "إشراك" الصحب في الصلاة؟
هذه المفردة "إشراك" تعمدت استخدامها في حلقة 3 من أجل الإشارة
إلى أن إضافة الصحابة إنما ينطلق من "الشرك بالله"، لأنه إنشاء بشر دون
تفويض من الله ولا رسوله (ص).
وليس هذا بسبب موقف عدائي من الصحابة، فإننا نفرق بين الأبرار الكرام
من الصحابة وغيرهم ممن لم يفوا بالعهد، الصحابة الذين صدقوا ما عاهدوا الله عليه
نحبهم ونحترمهم ونتقرب إلى الله بحبهم، فهم بمنزلة السمع والبصر،
ولكن لا يسعنا إضافة شيء من عندنا.
+++++ فهل يجوز إضافتهم في الصلاة الدعاء وليس تشهد الصلاة الفريضة؟
الجواب: نعم، وبكل تأكيد،
فإنه دعاء بالرحمة لهم، يستحقونه بما آمنوا وصدقوا وجاهدوا وثبتوا على
العهد،
ولكن لا بد من تحديده بما لا يلقي الشبهة بالصلاة على من لا يستحق.
مثلاً نقول:
اللهم صل على محمد وآله الطاهرين وصحبه الشاكرين،
ملتفتين إلى قوله ((أَفَئِن
مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلَىٰ أَعْقَابِكُمْ ۚ وَمَن يَنقَلِبْ عَلَىٰ
عَقِبَيْهِ فَلَن يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا ۗ وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ)) آل عمران:144،
من لم ينقلب
على عقبيه فهو من الشاكرين.
أو نقول:
اللهم صل على محمد وآله الطاهرين وصحبه المنتجبين،
ندعو لمن
انتجبه الله ليكون من الصادقين الثابتين غير المبدلين...
دون هذا، إذا
استخدمنا لفظة "أجمعين" فإننا نكون قد دعونا لـ:
المنافقين +
الذين في قلوبهم مرض + الذين في قلوبهم زيغ + الذين كفروا بعد الإيمان + الذين
يتربصون بالمؤمنين الدوائر + المنقلبين على الأعقاب بعد وفاة النبي (ص).
*
القضية ليست
عركة، أصلّي على "الآل" فترد علي بالصلاة على "الصحب"،
القضية إنشاء
إلهي وتعليم نبوي ودلالات إيمانية توحيدية،
فاسقط فيما
تسقط فيه ولكن إياك والشرك...
وامرؤٌ وما
اختار.
(إنتهى)