بل
فتوحات إسلامية صحيحة وافق عليها عليّ عليه السلام
1 من
3
من ضمن الاتجاه الذي يدعو إلى القيام بنظرة جديدة
تجديدية للأحكام الفقهية الإسلامية وللممارسات التي تحصل بناء عليها، ومنها
ممارسات حصلت في الماضي البعيد – وهو اتجاه دخل فيه من يسير ضمن مخطط معاد، مع
المخلصين صادقي النية في إنقاذ الأمة من واقعها المزري –، ويشتد ويقوى هذه الأيام
نتيجة الممارسات المروعة لهؤلاء الهمج من أتباع الوهابية المتخلفة، تبرز قضية
"الفتوحات الإسلامية" كواحدة من القضايا التي تتضمن الأمرين:
(الأول) التأصيل الشرعي لها – هل كانت مقبولة شرعاً
أم مخالفة للشرع؟
(الثاني) الممارسات التي جرت فيها ومدى موافقتها
ومخالفتها للشرع الإسلامي.
وفي نقاشات ضم مجموعة إيميلية، طرح هذا الموضوع تحت
عنوان "دين همجستان" من قبل الأستاذ المستشار أحمد عبده ماهر، مصر، الذي
يسعى بجد واستمرار على الضغط على الأزهر الشريف من أجل النظر في تطوير مناهجه
وتنقيححها مما يراه المستشار مخالفاً للشريعة الإسلامية في آيات القرآن بالذات
(وهو ما نراه قد بدأ في مصر)، وتطور إلى عنوان "فتوحات إسلامية أم فتوحات
شيطانية"، شاركت فيها كما يلي...
(أولاً) تعليق على مشاركة الأخ الدكتور محمد سلامة
أبو المكارم من مصر، إلتقطت منه جملة مهمة حول النقد حسب أدوات العصر، وبينت لماذا
أني أعتقد بأن الفتوحات الإسلامية كانت شرعية.
قلت:
أحسنت أخي محمد بالقول: "فمن حقنا أن نلوم الصحابة,
ولكن بأدوات هذا العصر, وليس من حقنا لومهم بأدوات عصرهم هم"
فهذه مشكلة في كل مكان: النقد، بل سلخ جلد الأولين،
دون ملاحظة الفارق الكبير بين ظروف وقيم زمانهم.
الإمام علي سلام الله عليه يقول: ((لا تخلّقوا
أولادكم بأخلاقكم، فإنّهم خلقوا لِزَمانِ غير زمانك)) أو قريب منه حسب
الروايات.
فإذا كان "زمان الأب" المباشر يختلف عن
"زمان الإبن" فكيف بالقرون المتطاولة؟
نعم حصلت تجاوزات كبيرة في الفتح، ولكني - وكما
ذكرتها سابقاً فما أحسب - معتقد (من خلال سائر الأدلة القرآنية والحديثية
والتاريخية) أن أقوال الإمام علي (عليه السلام) وأفعاله صحيحة 100%، وبالتالي فإن
وقوفه إلى جنب الخليفة عمر في الفتح، بنصائحه التي أخذ الأخير بها:
- أن لا يذهب بنفسه لقتال الفرس لأنهم سيجمعون قوتهم
ضده لقتله فينفرط الجيش
- أن لا يجمع جيشاً إضافياً من اليمن والحجاز وغيرهما
لأن هذا سيضعف الجبهة الداخلية ويفرغها
- أن يرسل إليهم "رجلاً جَرِباً/مجرباً"
يتعاون مع القائد عمار بن ياسر لإنقاذ الموقف الخطير (بعد أن جاء البريد برسالة
عمار يخبر الخليفة أن الفرس جمعوا 150 ألفاً وقد عزموا ليس فقط على استرداد ما
خسروه ولكن على الزحف بعدها على المدينة وإسقاط الدولة الإسلامية الوليدة)، وفعلاً
أرسل أحد أصحاب علي (عليه السلام) وهو النعمان بن مقرن المزني (الذي روي فيه ثناء
عظيم من النبي (صلى الله عليه وآله))
إذاً، لو كان الفتح في ذاته غير صحيح فإنه من
المستحيل على علي (عليه السلام) أن يوافق عليه فكيف بالاشتراك في التخطيط وإرسال
أحد أصحابه؟
أخيراً،
إنه لمن المؤسف أن المسلمين يصيبهم صغار فيهاجمون
الفتوحات التي نشرت الدين (على ما فيها من تجاوزات وبغض النظر عن الفشل في الجانب
الآخر وهو التربية الروحية والفكرية للمسلمين في ذلك الزمان)؛ لكم الحق في النقد
وإدانة أي تصرفات غير شرعية ولا إنسانية، ولكن:
(1) بما أشار إليه الأخ محمد سلامة - بأدوات مناسبة
للعصر
(2) دون ضرب مبدأ القضية وهو نشر الدين.
غسان السامرائي
(يتبع)
بل فتوحات إسلامية صحيحة وافق عليها عليّ عليه السلام
2 من 3
(ثانياً) تعليق على استطراد المستشار أحمد عبده ماهر
الآتي:
قال:
استطرادا لأمر الفتوحات المسماة زورا بأنها إسلامية
فليسمح لي الإخوة أن أسألهم سؤالا عن أفعال الصحابة إبان هذه الفتوحات البغيضة
هل من حق من يعمل لأجل نشر دين الإسلام أن يدخل الدور
والقصور ويستلب الناس أمتعتهم ويجمعها بكل فخر قائلا عنها [كنوز كسرى وقيصر]
وما هي الشريعة التي تبيح لمقاتل دخول الدور والقصور ونهب محتوياتها
إنه لابد علينا أن نفرق بين الغنائم والأسلاب
فالغنيمة هي ما كانت بميدان القتال [هذا إن كان للقتال سبب شرعي] يعني درع العدو
وسلاحة وفرسه أو دبابته.
أما الأسلاب فهي المسروقات التي يتم جمعها من المدنيين.........وأنا لم أسمع عن
جبار من الجبابرة في عصر يواكب عصر الرسالة قام بدخول بيوت الأعداءوسرق الأواني
والأمتعة المنزلية وما بها من ذهب إلا بالفتوحات التي تمت باسم الإسلام بينما
الإسلام منها بريء.
نعم كانت هناك عبر التاريخ الهمجي للبشرية عصابات تقوم بهذا العمل....لكنها المرة
الأولى أن تتم هذه الأعمال الإحرامية باسم دين سماوي.
هذا فضلا عن استحلال فروج النساء وسبيهن للوطء أو البيع ... وخطف الأولاد الصغار
وبيعهم وقتل الرجال.
فهل بعد وفاة رسول الله كانت أخلاق الصحابة لم تتأثر بالقرءان وكانوا يحتاجون
الكثير ليتخلصوا من وحشية الجاهلية؟.
أحمد عبده ماهر / محامي بالنقض ومحكم دولي وكاتب
إسلامي
قمت بالتعليق على الكلام كالآتي:
مرة أخرى أستاذنا أحمد عبده ماهر
تتناول قضية الفتوحات الإسلامية بمزيج من النقد المحق
والنقد الظالم، أو قل بذات المزيج من خلط الأصل مع التطبيق.
فقد أوضحت سابقاً أن أصل الفتح صحيح لأنه يزيل
العوائق أمام "تعريف" الناس بالدين الجديد الخاتم الذي هو في إطار
((رحمة للعالمين)) وفي إطار ((ليقوم الناس بالقسط)) وفي إطار ((لأتمم مكارم
الأخلاق))...
كما عرضت موقفي بالتأييد لهذا الأصل، ليس فقط بناء
على هذا الفهم أعلاه، ولكن أيضاً بناء على موافقة الإمام علي (عليه السلام) الذي
أعده غير قابل للخطأ، وبالتالي فإن وقوفه إلى جانب الخليفة الثاني عمر بن الخطاب
في الفتح وحل الإشكالات، وإعطاء الموافقة لشيعته القريبين من الصحابة - كعمار
وسلمان وحذيفة وعبادة بن الصامت وخالد بن سعيد بن العاص وأبي أيوب الأنصاري وغيرهم
- بالمشاركة في الفتوحات كقادة ميدانيين يقع عليهم أمر تحقيق الانتصارات العسكرية،
هذا يعطي صك الموافقة على الفتوحات.
أما التصرفات في تلك الفتوحات، فقد كانت حبلى
بالمتنوع، منه ما كان غير متوافق مع الإنسانية ولا الأحكام الشرعية الإسلامية
المحددة.
فما أسباب هذا؟
أسباب عديدة أجملها بالتعداد فقط:
1- "غالبية" الجند لم يكونوا من الصحابة من
المهاجرين والأنصار الذين يعرفون النبي (ص) عن قرب، بل كانوا من العشائر والقبائل
التي أسلمت بعد الفتح؛ فماذا تتوقع من هؤلاء المعتادين على السلب والنهب والمعيشة
الجافة وهم يدخلون في مدن الحضارات التي ترفل بالنعومة والألوان والرياش؟
2- حتى الصحابة من المهاجرين والأنصار، فإنهم كانوا
على أقسام - فلا يهمني ولا أصدق لأني لا ألغي عقلي ولا فهمي لآيات القرآن الواضحة
وأحاديث الحوض النبوية القاطعة، ما يؤمن به معظم المسلمين من أن الصحابة كانوا
وكأنهم من جنس الملائكة -، من هذه الأقسام منافقون، في قلوبهم مرض، في قلوبهم زيغ،
يترددون، آمنوا ثم كفروا، وأي قسم "غير مؤمن" نص عليه القرآن بشكل واضح،
فماذا تتوقع من هؤلاء في الحرب؟
3- عدم وجود القيادة الحقة المنصوبة من الله ورسوله
(ص) على رأس القيادة، وهي الإمام علي بن أبي طالب (ع) والذي لو سألت الناس كلهم
لأجمعوا أنه من المستحيل أن يوافق على أية ممارسات غير إنسانية في الفتح.
4- كتابة التاريخ الذي لا نستطيع أن نقطع بما سطره عن
هذه الممارسات، فربما كان هناك من المبالغة الشيء الكثير.
5- بغض النظر عن الأسباب الأربعة المتقدمة، الإنسان
يبقى هو الإنسان، عندما يقف في المواقف الصعبة والخطيرة فإنه عرضة للتزلزل، فينتج
عنه أفعال بعضها مرفوض، بل بعضها لا يصدق، وهذا عام في البشر وفي كل مكان وزمان،
ومن ضمنه زماننا الذي يقوم "أدعياء الحضارة الإنسانية القائدة" بارتكاب
الجرائم بالجملة وعند المحاسبة فإن الفاعلين إما من "المجانين" أو من
"المتعرضين للضغط النفسي في المعركة"!
ولو أحببتم الإسهاب في هذا فلا مانع.
تحياتي
غسان
(يتبع)
بل فتوحات إسلامية صحيحة وافق عليها عليّ عليه السلام
3 من 3
(ثالثاً) تعليق على تعليقات الأستاذ أحمد عبده ماهر التالية:
كتب الأستاذ أحمد ماهر:
الأخ غسان
نحن لا نؤمن بمعصومية الإمام علي ونحن لا نشخصن الدين
ونجعله حكرا لبعض الأئمة
فالدين عندنا لله وهو من الله وهو سبحانه الذي ييسر
لنا الهداية فيه وليست الأئمة الإثنى عشر ولا الإمام علي بن أبي طالب ولا أحد من
أهل البيت عليهم السلام جميعا.
وإن كان لنا أن نتكلم عن الهداية فالهداية من الله
وبالقرءان [إن هذا القرءان يهدي للتي هي أقوم]...ولا شك بأن الصحابة جميعا خالفوا
هدي القرءان حين قاموا ببدعة الفتوحات الإسلامية
فالقرءان لم ينزل كي يضع معصوما [مع التحفظ] خططا تخالف آياته.
والوحي السماوي عالج أمر نشر الإسلام وحصره في الحكمة
والموعظة الحسنة وعدم إجبار الناس على الإيمان تحت وطأة السلاح.
أما مقولاتك بان الجيوش الإسلامية كانت تحوي أعرابا وهمج فذلك لا يعفي القادة من
الحساب فكلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته.
أحمد عبده ماهر / محامي بالنقض ومحكم دولي وكاتب
إسلامي
قمت بالتعليق على كلامه بالآتي:
أستاذنا
ذكرت عصمة علي (عليه السلام) كجزء من
توضيح المبنى الذي على أساسه أنطلق في الموقف من الفتوحات، إضافة إلى حمل الدين
إلى العالم كمبدأ أساسي.
أما ما تعده "شخصنة للدين"
كوني أؤمن بأئمة محددين فهو فهم خطأ، يشابه فهم الكثير من الناس أننا إنما نتبع
أهل البيت (عليهم السلام) لأنهم قربى النبي (صلى الله عليه وآله) - فلا هذا ولا
ذاك.
القضية ترتبط بخطة الله تعالى الواضحة
في القرآن من "اصطفاء" بشر معينين، لأنه يعلم من خلق فيعلم أن ترك حبلها
على غاربها يخلق الفوضى ولا يحقق الهدف من إرسال الرسالات. هذا الأمر يصعب على
البعض، فرفضوا اتباع النبي محمد (صلى الله عليه وآله) وقتها، والآن - وفي مجموعة
المودة ذاتها - يتابعهم البعض على الرفض، والنتيجة أنواع الآراء المضحكة
والمتناقضة والمتهافتة.
فإن كان اتباع الإمام علي (عليه
السلام) شخصنة فإن اتباع النبي (صلى الله عليه وآله) شخصنة...
على أية حال، القرآن لا يبقي مجالاً
بعد أن يأمر بطاعة: الله + الرسول + أولي الأمر...
("أولي
الأمر" هؤلاء الذين قبل مدة ليست طويلة تساءلت الأخت هالة كمال، بشيء من
الاستنكار، إن كنتُ أعتبر أئمة أهل البيت (عليهم السلام) هم "أولي الأمر
واجبي الطاعة قرآنياً"، فأجبتها بالإيجاب، وسألتها عمن تعتقد هي أنهم
"أولي الأمر"، لأن المسألة مسألة طاعة واجبة في أمر قرآني واضح...
ولكن - حاله حال أسئلة أخرى سبقت - لم
يأت أي جواب...)*
أخيراً، بخصوص المسؤولية على القائد في
الفتح والمعارك، فجنابك عسكري وتعرف أنه من المستحيل أن يمنع الضابط من هم تحت
أمرته من ارتكاب المخالفات وحتى الجرائم، ولهذا هناك محاكم عسكرية. ولو كان كل
قائد يحاسب على كل صغيرة وكبيرة لا يمكن عقلاً وواقعياً السيطرة عليها لكان النبي
(صلى الله عليه وآله) هو المسؤول عن جريمة قتل خالد بن الوليد بضعة أفراد انتقاماً
لقتل عمه في الجاهلية بعد أن أمن النبي (صلى الله عليه وآله) أهل مكة جميعاً**..
تحياتي
غسان
(* الأخت هالة كمال، من مصر، من القرآنيين الذين لا يكادون
يؤمنون بأي حديث للنبي (صلى الله عليه وآله) وقد أبقيت على هذه الفقرة في الرسالة
لأنها مما ورد وسيرد في المنشورات مما أكتب ومن التعليقات عليها ممن يقفون موقفاً
مشابهاً؛ قضية تحديد "أولي الأمر" مشكلة بعد الأمر بالطاعة!
** توضيح: الصحيح هو أن خالد بن الوليد قتل يوم الفتح أكثر من
20 من قريش و 4 من هذيل مع أن النبي (صلى الله عليه وآله) لم يأمر بهذا؛
وأن قتله ثأراً لمقتل عمه في الجاهلية كان في شوال بعد الفتح
مباشرة، فقد أرسله النبي (صلى الله عليه وآله) إلى بني جذيمة يدعوهم إلى الإسلام،
لا ليقاتلهم، ولكنه استغل الفرصة فقتل منهم الكثيرين بعد أن خدعهم بأن يلقوا
أسلحتهم لأن الناس دخلوا في الدين، فلما وضعوا أسلحتهم أمر بتكتيفهم ثم أمر
بقتلهم! فلما وصل الخبر إلى النبي (صلى الله عليه وآله) راعه ذلك فرفع يديه إلى
السماء وقال ((اللهم إني أبرأ إليك مما صنع خالد بن الوليد)) يكررها مرتين. ثم
أرسل الإمام علي (عليه السلام) إليهم لدفع الدية في كل القتلى والأضرار المادية،
فبقيت معه بقية فدفعها لهم ((احتياطاً لرسول الله صلى الله عليه وآله)) كما قال.
ولا يخفى ما في أفعال خالد بن الوليد من مخالفات صريحة، فلا هو
ولي الدم في العم المقتول في الجاهلية، وأن الإسلام يجبّ ما قبله، وأنه خالف أوامر
النبي (صلى الله عليه وآله) لأنه أرسله داعياً إلى الله لا قاتلاً منتقماً.)