حديث الطائفة المنصورة
1 من 2
روى الحديث العديد من المحدثين بألفاظ متقاربة،
منهم البخاري في صحيحه ج4 ص252 بلفظ ((لايزال ناس
من أمتي ظاهرين حتى يأتيهم أمر الله وهم ظاهرون))،
ومنهم مسلم النيسابوري في صحيحه ج3 ص1523 بلفظ
((لاتزال طائفة من أمتي...حتى يأتي أمر بالله وهم ظاهرون))،
والإمام أحمد بن حنبل في المسند ج2 ص321 بلفظ
((عصابة على الحق ولا يضرهم خلاف من خالفهم حتى يأتيهم أمر الله))،
وابن حِبّان في مسنده ج8 ص294 بلفظ ((لايزال على
هذا الأمر عصابة على الحق، لايضرهم خلاف من خالفهم)).
ملاحظة مهمة ///
وحديث الطائفة المنصورة هذا هو الذي تم تحريفه
لفظاً أو معنى لجعل الطائفة المنصورة أهل الشام أو أهل بيت المقدس، الأمر الذي
نسمعه الآن بكثرة لأن الفرقة الوهابية تسعى لجعل الشام منطلقاً لضرب أتباع أهل
البيت(ع).
ففي مسند أحمد ج4 ص97 و ص101 رواية عن معاوية بن
أبي سفيان (وأنعم به من ثقة!) قال: "سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول:
((من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين، ولن تزال من هذه الأمة أمة قائمة على أمر
الله لايضرهم من خالفهم حتى يأتي أمر الله وهم ظاهرون على الناس))"، وفي
رواية أخرى أن رجلاً اسمه مالك السكسكي قام وقال: "يا أمير المؤمنين سمعت
معاذ بن جبل يقول: وهم أهل الشام"، فقال معاوية ورفع صوته: "هذا مالك
يزعم أنه سمع معاذاً يقول وهم أهل الشام" (يعني كما نقول في بغداد مستخدمين
لعبة كرة الطائرة: واحد يرفَع والآخر يكبس!)
إلا أن في بعضها – كما في مسند أحمد أعلاه – يتحفظ
معاوية عن الإطلاق (طبعاً لشدّة تقواه!) فيقول: "وإني لأرجو أن تكونوا هم يا
أهل الشام!"
وهذه الروايات رواها البخاري
ومسلم والدارقطني وغيرهم.
أحياناً جاء التحريف بزيادة تفسيرية، ثم اعتمدت
بجعلها من حديث النبي(ص). ففي مسند الإمام أحمد ج4 ص429 وغيره رواية مشابهة تنتهي
بقول قتادة "لا أعلم أولئك إلا أهل الشام"!
بعدها صارت تروى في بعض
المصادر (كحلية الأولياء ج9 ص307) أن النبي (ص) هو الذي قال أنهم أهل الشام.
وتتم الحلقة بأحاديث اليهود
الذين أسلموا وصاروا يدخلون ما سمي بالإسرائيليات في تفسير القرآن وفي الحديث
الشريف، لأنهم يفضلون فلسطين على الحجاز كما هو معروف. وإلا كيف يكون ملك النبي(ص)
بالشام على قول كعب الأحبار الذي زعم أنهم يجدون النبي(ص) مكتوباً "محمد رسول
الله ... ومولده بمكة، ومهاجره بطيبة، وملكه بالشام" (سنن الدارمي ج1 ص4) مع
أنه (ص) حكم على ملك الشام أنه ملك عضوض في الحديث الشهير الذي يؤمن به جميع
المسلمين؟
***
فمن هي "الطائفة المنصورة"؟
أولاً /// هذا الحديث هو من
الأحاديث الذي تدعيه كلُّ طائفة لنفسها، فأهل السنة يقولون أنهم هم، والوهابية
كذلك، والشيعة الإمامية كذلك، وهكذا. وهذا أمر منطقي لأنه إن لم تعتقد طائفة أنها
هي الطائفة المحقة لخرجت مما فيه والتحقت بالطائفة التي تعتقد أنها المقصودة
بالحديث.
ثانياً /// وصف "طائفة":
أما "أهل السنة"
فإنه من غير الممكن القول أن الحديث يعنيهم، لأنه من غير المعقول أن يصف الحديث
جمهور المسلمين الذين ربما يزيد على ثلاثة أرباعهم أنه "طائفة"، لأن
الأكثرية لا يضرها، عادة، من خالفها، وهو ما يقوله أهل السنة دائماً – أنهم على
الحق لأنهم الأكثرية.
وأما "الوهابية" فلا شك في أنهم قلة
قليلة، ربما هم الأقل من بين طوائف المسلمين، وإن كانوا اليوم قد زادوا على غيرهم
كالإباضية المتواجدين حصراً في عُمان وبعض أنحاء الجزائر،
ولكن الذي يجعل الحديث ممتنع التطبيق عليهم هو
أنهم "لم يكونوا موجودين منذ زمان النبي (ص) والحديث يقول ‹‹لا تزال طائفة من
أمتي ...››" ما يوحي بوجود هذه الطائفة منذ زمانه (ص) وإلا لقال "ستكون
هناك طائفة" أو "ستأتي طائفة" أو شبهه.
بل أن هناك ما يشير إلى أن النبي (ص) أدان
الوهابية قبل ولادتها كما في وصفه لذي الخويصرة التميمي: ‹‹إن له أصحاباً يحقر
أحدكم صلاته مع صلاتهم وصيامه مع صيامهم يقرأون القرآن لا يجاوز تراقيهم يمرقون من
الدين كما يمرق السهم من الرميّة››، وغيره من أحاديث في صفاتهم بحيث طبقها العديد
من علماء أهل السنة على الوهابيين عندما بدأت فتنتهم أيام الدولة السعودية الأولى
بوجود داعيتها محمد بن عبد الوهاب.
وأما "الشيعة" فهم،
خلافاً للفريقين أعلاه أهل السنة والوهابية، يجمعون بين الخصلتين:
(1)
كونهم أقلية وبالتالي يصح تسميتهم
"طائفة"
(2)
كونهم موجودين منذ عهد النبي(ص) وذلك بإخبار
النبي(ص) بوجود جماعة هم "علي وشيعته" عندما فسر للناس قوله تعالى في
سورة البينة: ﴿إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات أولئك هم خير البرية﴾، ولما كان
علي(ع) موجوداً في زمن النبي(ص) فإن شيعته بدءوا بالظهور منذ ذلك العهد كما نص على
ذلك بعض علماء أهل السنة، وأيضاً بوجود صحابة مشخّصين كانوا معروفين بتشيعهم
لعلي(ع) منهم أبو ذر والمقداد وعمار وحذيفة وبريدة الأسلمي وأبو أيوب وخالد بن
سعيد بن العاص وسهل بن حنيف وابن عباس والكثير غيرهم.
إذاً، "الشيعة طائفة" لأنهم ليسوا
السواد الأعظم من المسلمين + هم موجودون منذ عهد النبي(ص).
(يتبع / لا يضرهم من خالفهم + أحاديث الـ 12 + لا
تكفير لأحد)
حديث الطائفة المنصورة
2 من 2
ثالثاً /// لا يضرهم من خالفهم:
الأمر الثاني المهم في هذا
الحديث هو قوله(ص): ‹‹لا يضرهم من خذلهم أو خالفهم››،
فإن ما نشهده اليوم من تسليم الكثير من أهل السنة
– نتيجة جهل العامة منهم من جانب وإغداق بعض الأموال على بعض العلماء منهم من جانب
آخر – القياد للوهابيين يخرج الحديث من أي انطباق ممكن على الوهابيين كونهم أقلية
وذلك لأنهم صاروا غير مخذولين من الأكثرية السنية التي لا تعلم حقيقتهم. فبعد أن
حكم علماء السنة بالضلال على الوهابيين الأوائل منذ زمن الشيخ محمد بن عبد الوهاب،
بل أستاذه ابن تيمية قبله بقرون، صار اليوم لا يقول بذلك إلا القليل جداً منهم،
وبالتالي لم يعد الوهابيون طائفة خذلها الآخرون بل صاروا يتحكمون بغالبية المسلمين.
في حين أن "هذا القسم من
الحديث منطبق خير انطباق على الشيعة الإمامية" الذين:
1- بدأ خذلان
الخاذلين لهم بخذلان أئمتهم(ع) بدءاً بعلي(ع) واستمر عبر القرون،
2- ولكنهم "لم يضرهم ذلك في الخارج لأنهم
حافظوا على تماسكهم وتماسك عقيدتهم الإسلامية رغم قسوة المحن المتتابعة، وكذلك لن
يضرهم بإذن اللّه بقبول اللّه تعالى لهم بعد أن تمسكوا بما أمر به اللّه ورسوله(ص)
ولم يحيدوا عنه، القرآن والعترة الهادية، فلم يؤثر في عقائدهم خذلان الخاذلين ولا
خلاف المخالفين رغم تأثير ذلك فيهم بإزهاق النفوس وسلب الحقوق والمحاصرة والتكذيب
والتهم الشنيعة في كل حين.
رابعاً /// التوافق اللفظي مع أحاديث الـ 12 خليفة/قيّماً:
تبقى نقطة في غاية الأهمية،
وهي التوافق اللفظي بين حديث الطائفة المنصورة وبعض صيغ حديث الإثني عشر إماماً.
فقد روى الطبراني في "المعجم الكبير" ج2
ص213 عن جابر بن سمرة عن النبي(ص) قال: ((يكون لهذه الأمة اثنا عشر قيِّماً
لايضرهم من خذلهم))، وفي ج2 ص265 ((لايضرهم عداوة من عاداهم)).
فهل تجد توافقاً أشد من هذا في وصف أئمة إثني عشر
لا ينطبق عددهم إلا على أئمة أهل البيت(ع) وصف أتباع هؤلاء الائمة، وهم الشيعة، في
كونهم أقلية وفي كونهم مخذولين من الناس، منصورين بالحق الذي معهم. والحمد لله رب
العالمين.
***
حديث "الطائفة" ليس تكفيرياً ولا يحكم
بالنار على الآخرين.
تجدر ملاحظة أخيرة بخصوص حديث "الطائفة
المنصورة"، وهي أن الحديث لا يحكم بسوء المصير لمن ليس من ضمن الطائفة
المنصورة كما يريد أن يفهم البعض ممن يطبق الحديث على نفسه وجماعته، وإنما يحكم
بأن هذه الطائفة هي الطائفة المحقة التي لا يضرها المخالفون.
فهو يختلف عن حديث الـ 73 فرقة الذي يرمي الجميع
في جهنم إلا فرقة واحدة، والذي اختلفوا في معناه ما بين الفرق في الأصول أم الفروع
أم جميعها، وهل الفرقة الناجية فرقة الدعوة أم الاستجابة إلى آخره من كلامهم الذي
لا يريد تكفير الغير في الظاهر مع الاعتقاد به في الداخل!
وعليه ينبغي للمسلمين من جميع الطوائف أن لا
ينزعوا إلى التكفير لأن الأمر ليس هكذا، لا سيما وأن أغلبية المسلمين لا يعرفون
غير ما تعلموه ولا يمتلكون الأدوات الذهنية أو العملية للتحقيق والنظر والتحليل.
فليكن المسلمون راغبين في خلاص الأمة بدلاً
من خسرانها وشقائها في الآخرة، إذ أنني لا أستطيع فهم لماذا هذا الإصرار من قبل
كثيرين على رمي الناس بالجملة في جهنم؟! ما هذه الشحة في النفوس وتقليص رحمة الله
تعالى وكأنهم يملكونها –
كما قال القرآن ((قل لو أنتم تملكون خزائن
رحمة ربي إذاً لأمسكتم خشية الإنفاق، وكان الإنسان قتوراً))!
نسأل الله التوفيق للهداية إلى التمسك
بالكتاب المبين وعترة سيد المرسلين (ص) لجميع الخلق، وندعوه تعالى إلى أن ينجي
الناس جميعاً برحمته التي وسعت كل شيء.
(إنتهى)