رسالة الإمام الحسن (ع) إلى معاوية بن أبي سفيان
بمناسبة وفاة جدنا ومولانا أبي محمد الحسن
المجتبى (ع)، أورد نص رسالة بعثها (ع) إلى معاوية بن أبي سفيان، يذكر فيها دور أهل
البيت (ع) المركزي في الدين، وكيف تعاملوا مع الأحداث السابقة بما يحفظ الأمة،
ويصف حال ذلك الباغي، ويدعوه إلى ما يجمع الكلمة ويصلح ذات البين ويحقن الدماء...
ولكن أنى الاستجابة ممن ((في قلوبهم مرض فزادهم الله مرضاً بما كانوا يكذبون))...
رسالة الإمام الحسن (ع) إلى معاوية بن أبي سفيان
شرح نهج البلاغة، إبن أبي الحديد، ج 16، ص 34
((من الحسن بن علي أمير المؤمنين، إلى معاوية بن
أبي سفيان. سلام عليك، فإنّي أحمد الله الذي لا إله إلا هو. أمّا بعد، فإن الله جل
جلاله بعث محمداً رحمةً للعالمين، ومنّةً على المؤمنين، وكافة للناس أجمعين،
((لينذر من كان حيّاً ويحقّ القول على الكافرين))، فبلّغ رسالات الله، وقام بأمر
الله، حتى توفّاه الله غير مقصِّر ولا وانٍ. وبعد أن أظهر الله به الحقّ، ومحق به
الشرك، وخصّ به قريشاً خاصّة، فقال له: ((وإنّه لذكر لك ولقومك)).
فلما توفي، تنازعت سلطانه العرب، فقالت قريش: نحن
قبيلته وأسرته وأولياؤه، ولا يحل لكم أن تنازعونا سلطان محمد وحقّه، فرأت العرب
أنّ القول ما قالت قريش، وأنّ الحجّة لهم في ذلك على من نازعهم أمر محمد، فأنعمت
لهم، وسلّمت إليهم. ثم حاججنا نحن قريشاً بمثل ما حاججت به العرب، فلم تنصفنا قريش
إنصاف العرب لها؛ وأنّهم أخذوا هذا الأمر دون العرب بالإنصاف والاحتجاج، فلما صرنا
آل بيت محمد وأولياءه إلى محاجتّهم وطلب النصف منهم، باعدونا، واستولوا على
الخلافة بالاجتماع على ظلمنا ومراغمتنا والعنت منهم لنا. فالموعد الله، وهو الوليّ
النصير.
ولقد كنّا تعجبنا لتوثّب المتوثّبين علينا في
حقّنا وسلطان نبيّنا، وإن كانوا ذوي فضيلة وسابقة في الإسلام، وأمسكنا عن منازعتهم
مخافة على الدّين أن يجد المنافقون والأحزاب في ذلك مغمزاً يثلمونه به، أو يكون
لهم بذلك سبب إلى ما أرادوا من إفساده.
فاليوم فليتعجَّب المتعجِّب من توثّبك يا معاوية
على أمر لست من أهله، لا بفضل في الدين معروف، ولا أثر في الإسلام محمود، وأنت ابن
حزب من الأحزاب، وابن أعدى قريش لرسول الله (ص) ولكتابه؛ والله حسيبك، فسترد غداً
على الله فتعلم لمن عقبى الدار، وبالله لتلقينّ عن قليل ربّك، ثم ليجزينّك بما
قدمت يداك، وما الله بظلاّمٍ للعبيد.
إنّ علياً لما مضى لسبيله ـ رحمهً الله عليه يوم
قبض ويوم منّ الله عليه بالإسلام ويوم يبعث حيّاً، ولاّني المسلمون الأمر بعده.
فأسأل الله أن لا يؤتينا في هذه الدنيا الزائلة شيئاً ينقصنا به في الآخرة مما
عنده من كرامة.
وإنّ ما حملني على الكتابةِ إليك، الاعذار فيما
بيني وبين الله عز وجل في أمرك؛ ولك في ذلك إن فعلته الحظّ الجسيم والصلاح
للمسلمين. فدع التمادي في الباطل، وادخل في ما دخل فيه الناس من بيعتي، فإنّك تعلم
أنّي أحق بهذا الأمر منك عند الله، وعند كلِّ أوّاب حفيظ، ومن له قلب منيب. واتق
الله، ودع البغي، واحقن دماء المسلمين، فوالله ما لك من خير في أن تلقى الله من
دمائهم بأكثر مما أنت لاقيه به، وادخل في السِّلم والطاعة، ولا تنازع الأمر أهله
ومن هو أحق به منك، ليطفئ الله النائرة، ويجمع الكلمة، ويصلح ذات البين. وإن أنت
أبيت إلا التمادي في غيّك، سرت إليك بالمسلمين فحاكمتك، حتى يحكم الله وهو خير
الحاكمين".
ملاحظة: الصورة للضريح
المذهب لأئمة أهل البيت الأربعة (ع) قبل الهدم في 8 شوال 1344هـ/1926م، والثانية
للقبور بعد الهدم... ورحم الله الشاعر:
أسفوا على أن لا يكونوا
شاركوا ** في قتله فتتبعوه رميما