وصايا
الإمام العسكري (ع) إلى شيعته
ذكرى
وفاة الحسن العسكري (ع)
8
ربيع الأول 260هـ
***
سأمر
إن شاء الله على المهمات الثقال التي أنيطت بإمامنا الحادي عشر، الحسن بن علي
العسكري (عليهما السلام)، ونجاحه الكبير في أدائها، عند ذكرى ولادته المباركة في
الشهر القادم.
في
هذا المنشور أحب التعليق على وصاياه المهمة جداً، بل المفصلية، الواردة في إحدى
الروايات الصحيحة عنه (ع).
ينبغي
لشيعة آل محمد (ص) الالتفات إليها + التخلق بها واتباعها؛
كما
ينبغي لغير الشيعة من المسلمين الالتفات إلى وصايا أئمة أهل البيت (ع) من أجل:
(1)
الانفتاح عليهم فإن في ذلك خير الدنيا والأخرى
(2)
عدم تحميلهم (ع) ما ربما يحصل من ممارسات عند بعض شيعتهم (ع) (بل وربما تذكير
الشيعة بما أوصاهم به أئمتهم (ع)، فهذا حق المسلم على أخيه).
(فإن
قال قائل: هل يعقل أن هناك من يحمّل أئمة أهل البيت (ع) بعض الممارسات الخطأ من
بعض الشيعة؟
أجيب:
نعم، لأن النواصب اليوم كشروا عن أنيابهم وأسفروا عن حقيقتهم، وقد دخلوا مرحلة كسر
العظم، فلم يعد يهمهم استخدام سائر الوسائل القذرة، فلن يتورعوا عن اتهام الأئمة
(ع)، الأمر الذي تجرأ عليه بعضهم في السابق ولكن بشكل محدود؛ والكثير من المسلمين
من أهل السنة لا يعرفون لا حقيقة الشيعة ولا حقيقة النواصب.)
***
إن
هذه الوصايا من أهم ما ينبغي، بل يجب العمل به في ظل الظروف العصيبة والأحداث
الخطيرة التي تمر بها الأمة الإسلامية، بل العالم أجمع، والتي من الواضح أن لشيعة
العسكري (ع) دوراً مفصلياً فيها.
***
ما
يلي يستحق بحثاً طويلاً متكاملاً، أورده كنص مع تعليقات سريعة بعده:
روي
أن الإمام العسكري (عليه السلام) قال:
((
أُوصيكم بتقوى الله، والورع في دينكم وصدق الحديث وأداء الأمانة من برٍّ أو فاجر
وحسن الجوار فبهذا جاء محمدٌ (صلى الله عليه وآله).
صِـلوا/صلّوا
في عشائرهم وعودوا مرضاهم، واشهدوا جنائزهم، وأدّوا للناس حقوقهم، فإن الرجل منكم
إذا ورع في دينه وصدق في حديثهِ وحَسُنَ خُلقه وأدّى الأمانة للناس، وقيل هذا شيعي
يسرُّني ذلك.
إتقوا
الله وكونوا لنا زيناً ولا تكونوا لنا شيناً.
جُرّوا
إلينا كلّ مودةٍ ، وادفعوا عنّا كلَّ قبيحٍ، فما قيل فينا من خيرٍ فنحن أهله وما
قيل فينا من سوءٍ فنحنُ منه براء.
لنا
حقٌّ في كتاب الله وقرابة مِن رسوله الله وتطهير من الله لا يدعيه أحد غيرنا إلا
كذاب.
أكثروا
ذكر الله وذكر الموت وتلاوة القرآن والصلاة على النبي (صلى الله عليه وآله) فإن
الصلاة على رسول الله عشر حسنات.
إحفظوا
ما وصيتكم به، وأستودعكم الله، وأقرأ عليكم السلام )).
***
التعليقات
أولاً / الدين والمعاملة
1-
الوصية أولاً بتقوى الله، فهذه اللازمة مع كل شيء، دون إطار التقوى لا يمكن
أن يصح المسار، ولهذا نجد التراشق بالألفاظ والتلاعن والحقد وسائر التعامل السيء،
إضافة إلى الكذب والافتراء، وبعضه من علماء يوصون الناس بتقوى الله (!)، سببه غياب
التقوى.
2-
التورّع في مراقبة الأوامر الدينية – العمل بالواجب والانتهاء عن المحرمات،
على أقل تقدير.
3-
صدق الحديث، فإن المرء لا يحتاج إلى الكذب إلا لينال دنيا زائلة، بينما
يخسر العلاقة مع الله تعالى.
4-
أداء الأمانات من أعظم الواجبات المتلبسة بالأخلاق، بغض النظر عن الوضع
الديني أو الخلقي لصاحب الأمانة.
5-
حسن الجوار اشتهر في الأحاديث الشريفة بما لا مزيد عليه؛ ولعل في توضيح
الأئمة (ع) أن حسن الجوار ليس أن لا تؤذي جارك فهذا مفروغ منه، بل أن تحسن إليه
وتبره وتسدي إليه المعروف.
6-
بالتأكيد هذا ما جاء به النبي (ص)، فإنه (ص) اشتهر عنه الأمانة حتى بقيت
الكافرون في مكة يودعون عنده الأمانات، كما اشتهر عنه الوصية الشديدة بالجار.
***
ثانياً / العلاقة
بغير الشيعة
7-
التفاعل الإيجابي دون عقد أو تقوقع، الصلاة في مناطق الآخرين (أي مساجدهم
طبعاً)، والتواصل الاجتماعي، عيادة المرضى وتشييع الموتى، وأداء الحقوق، والصدق؛
8-
نتيجته أن الناس ستمتدح هذا "الشيعي"، وهذا يسر الإمام (ع).
هذه الفقرة من أهم ما نحتاج إلى وضعه نصب أعيننا، لأن نتائجه ممتازة للمرء
على الصعيد الاجتماعي المعاش، كما على صعيد العلاقة بالإمام (ع).
***
ثالثاً / الإعلام
الصحيح للأئمة (ع)
9-
ينصح، بل يأمر (ع)، أن نكون ((زيناً)) لهم (ع)، ما يعني ما قاله أعلاه +
سائر ما ينتج عنه الصورة الحسنة لأتباعهم (ع).
10-
وينهى (ع) أن نكون ((شيناً)) لهم (ع)، أي عدم إنتاج صورة سيئة لمن يرتبط
بهم (ع) في دينه، لأنه كما سيمتدح الناس هذا الشيعي الذي يتعامل معهم المعاملة
الحسنة ما يسر الإمام (ع) ويزيد في رصيده عند الناس (ولو ضمنياً) فإن العكس ينتج
عنه السمعة السيئة وربما المس بالإمام (ع).
ولا ننسى أن هاتين الوصيتين ابتدأتا بالتوجيه بتقوى الله، لأن هذا يجعل
الشيعي يقوم بالواجب.
11-
تأكيد أعلاه بالأمر أن "نجرّ إليهم" ماذا؟ "كل مودّة"،
أي حب من الناس، وهذا يأتي ضمنياً من الصورة الحسنة لأتباعهم (ع)، والتي تأتي من
التخلق بالأخلاق السامية، في جانبيها العام والتعامل مع الآخر.
12-
والتأكيد أيضاً على الوجه الآخر، وهو أن "ندفع عنهم" ماذا؟
"كل قبيح"، فإنهم (ع) أبعد الخلق عن القبيح، بل هو ممتنع عنهم، فهم (ع)
الطاهرون المطهرون.
13-
وجر المودة ودفع القبيح يأتيان بطريقتين:
(الأولى)
من التخلق بالأخلاق الحسنة والبعد عن السيئة (كما في أعلاه) ما سيحتسب للأئمة (ع)
ضمنياً
(الثانية) نشر حقيقتهم ودورهم المركزي في الإسلام والحياة، وفضح الافتراءات
التي استهدفت حصار ذلك الدور وتلك الحقيقة.
14-
ثم يؤكد الإمام (ع) ما نحن مؤمنون به: أن كل خير يقال فيهم فهو يناسبهم
(ع)، وكل سوء لا يمكن أن يكون منهم (ع).
***
رابعاً / من هم (ع)؟
15-
يعلن الإمام (ع) أنهم (ع):
= حقهم منصوص عليه في القرآن
= قرابتهم من الرسول
(ص) ثابتة
= المطهرون بتطهير الله تعالى (آية التطهير في سورة
الأحزاب) + أن هذا التطهير لم يحصل لغيرهم، فمن يدعيه فهو كذاب
(نقطة على الهامش: كما نلفت نظر بعض الإخوة الذي يريدون "إجبار"
الله تعالى على تطهير أمهات المؤمنين السيدات زوجات النبي (ص) على اعتبار أن جزء
"التطهير" يأتي في سياق الكلام عنهن، نلفت نظرهم أنه لو كان ذلك كذلك
لادّعت النساء، أو بعضهن على الأقل، أنها المطهرة بتلك الآية، وهو ما لم يحصل
والحمد لله رب العالمين.)
16-
هذه الأمور الثلاثة لا يقوله الإمام (ع) من باب الفخر، ولكنه إعلان وتوجيه
وتذكير بدورهم المركزي في الدين، لأن نصوص القرآن في ولايتهم (ع) + نص القرآن
بطهارتهم، أي عصمتهم (ع)، مع إطار القرابة بالرسول (ص) الذي نتج عنه العناية
الخاصة الفائقة بتربيتهم وتنشئتهم مذ كان علي (ع) بعمر 3 سنوات وانتقل إلى بيت
النبي (ص) وخديجة (ع) واستمرار ذلك كله لكل إمام منهم (ع) في بيت جده وأبيه (ع).
***
خامساً / وصايا عبادية بالإكثار من...
17-
ذكر الله تعالى، فهذا هو أهم كل شيء، فإنه تعالى هو صاحب تلك المنطقة
الداخلية في الإنسان التي تربطه به شاء أم أبى، فهو مفطور عليها؛ فعندما يكثر من
ذكر الله إنما يعيد نفسه كل حين إلى فطرتها ومصدر وجودها
18-
ذكر الموت، فهذا يطيح فوراً بالدنيا ومشاكلها ومشاغلها، تصغر تماماً، لأن
المرء يتذكر المحطة القريبة حقاً والتي ستنقله من دار الفناء إلى دار البقاء.
19-
تلاوة القرآن، وهذه قضية لعامة الناس كائناً ما كانت ظروفهم، فإن التدبر
والنظر والتوسم وغير ذلك لا يكون متاحاً إلا للبعض، على شدة الحث عليه في القرآن،
لهذا فإن الإمام (ع) يوصي بأقل القليل من العلاقة بكتاب الله، وهي التلاوة، والتي
فيها فوائد جمة كما نعرف؛ الثقل الأصغر (ع) يوصي بالثقل الأكبر.
20-
الصلاة على النبي (صلى الله عليه وآله)، وهي الصلاة الكاملة طبعاً وليست
الصلاة البتراء؛ أي يوجه إلى ما أقلّه هو: اللهم صلّ على محمد وآل محمد.
***
سادساً / حفظ الوصايا
21-
أخيراً، يؤكد الإمام (ع) على "حفظ" هذه الوصايا؛ والحفظ = العمل
بها، وليس مجرد المعرفة الذهنية، فإن مجرد معرفتها لا قيمة لها دون العمل بها.
***
أسأل الله لي وللجميع التوفيق للعمل بهذه الوصايا المهمة جداً جداً جداً
إلى قطع النفس!
فهي تجمع الأخلاق الخاصة والعامة والمجتمع بفئاته المختلفة والعلاقة بالله
تعالى وكتابه ونبيه (ص) وأهل بيته (ع).
فالسلام على إمامنا أبي محمد الحسن العسكري (ع) يوم ولد ويوم توفي ويوم
يبعث حياً شاهداً علينا.
والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وآله الطاهرين.