يا ابْنَةَ المُختار
غسان نعمان ماهر الكنعاني السامرائي
***
هذه
أبيات على نحو قصيدة "مهيار الديلمي" (وفيها يخاطب الزهراء (ع))، التي
مطلعها:
كَمْ
عَرَكْتُ الصَّبْرَ حَتّى ** جاءَ ما فَلَّ عِراكِي
أخاطب
بها بعض الذين خرجوا منها ولكن بعدوا عنها،
أبيات
تلامس الجانبين – جانب منزلة الزهراء (ع) وآل محمد (ص) وجانب جدار الآخرين الذي
ربما يصد الناس عن الزهراء وآل محمد (ص)،
أبيات
نطق بها قلبي قبل عقلي،
فلربما
انتفض القلب قبل العقل أحياناً،
وإن
للزهراء (عليها السلام) لمكاناً في قلوب المؤمنين...
غسان
نعمان ماهر السامرائي
(ملاحظة:
كل خط هو بيت كامل، صدر وعجز، ولكني لم أضع فواصل بين الصدور والأعجاز تسهيلاً
للقراءة؛ وكل مجموعة 4 أبيات، تتلوها هوامش إيضاحية لكل مجموعة.)
***
1
يا ابنةً المختارِ كَمْ تعلُو على الدنيا سَماكِ
منذُ أن "قالوا: بَلى" شادَ
لَكِ اللهُ عُلاكِ
ثُمَّ لمّا علّمَ الأسماءَ
ما كانَتْ عَداكِ
وأبيكِ وبَنِيكِ أكملَ
العَقْدَ حِماكِ
2
عَجبي كيفَ لفَرعينِ لَكُمْ قد جَهِلاكِ
كيفَ ساوَوا تِبْرَكِ الصافي بِتِبْنٍ مِنْ سِواكِ؟!
ها هُمُ الأجدادُ جِئنِي مِثلَهُمْ إنْ أهْمَلوكِ
هَلْ يُقاسُ الطُّهْرُ بالعاصِي وقد كانَ قَلاكِ؟
3
عتبي في ولدٍ والاهُما مَنْ كذّباكِ
أنزلا القرآنَ عمْداً يومَ أعْلَتْهُ يداكِ
وَرَّثَتْ رُسْلُ السَّما أجمعُها إلاّ أباكِ؟!
ما عدا مما بدا حتى يقولوا قد عَداكِ؟!
4
لا وحاشى سيِّدَ الرُّسْلِ فَما كانَ رآكِ
تجهلينَ الفَرْضَ من إرثِكِ، ظُلماً جَبَهاكِ
تجهلين الحقَّ في "فَدْكٍ" بما ضَمَّتْ يداكِ
ليتَ شعري أيَّ فِقْهٍ مارسا إذ غَصَباكِ؟
5
يا بَنِيها قولوا إنّا رهْنُ ما دَلَّتْ يَداكِ
نُمسِكُ القرآنَ والهادينَ لا نعدُو هُداكِ
ما الذي يمنعُنا مِنهُ ابتعاداً عنْ عُلاكِ
غيرُ ذاكَ الإرثِ مركوزاً بتأسيسِ عِداكِ
6
قد نَفَضْنا ما أقاموهُ بناءً ما رَعاكِ
لا ولا شادَهُ بالسّيفِ وبالفِكْرِ حِماكِ
قد سُبِقنا في هُداكُم مِنْ غريبٍ ما نساكِ
ونَعُودُ الآنَ للأصْلِ الذي يَتلُو أباكِ
***
هوامش إيضاحية لكل مجموعة:
(1)
إشارة إلى الآيتين المباركتين
الأعراف:172-173 ((وَإِذْ أَخَذَ
رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَىٰ
أَنفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا
بَلَىٰ ۛ شَهِدْنَا ۛ أَن تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ
هَٰذَا غَافِلِينَ . أَوْ تَقُولُوا إِنَّمَا أَشْرَكَ آبَاؤُنَا مِن قَبْلُ وَكُنَّا
ذُرِّيَّةً مِّن بَعْدِهِمْ أَفَتُهْلِكُنَا
بِمَا فَعَلَ الْمُبْطِلُونَ)) حيث أخذ الله العهد من
الناس قبل الخلق على وحدانيته تعالى، فكأنها كانت أول المواثيق على الخضوع لمن
يدلّون على الله ووحدانيته الحقّة، وهم محمد وآله محمد (ص).
ثم
إشارة إلى الآيات المباركات البقرة:31-33 ((وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى
الْمَلَائِكَةِ فَقَالَ أَنبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَٰؤُلَاءِ إِن كُنتُمْ
صَادِقِينَ . قَالُوا سُبْحَانَكَ لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ . قَالَ يَا آدَمُ أَنبِئْهُم بِأَسْمَائِهِمْ فَلَمَّا أَنبَأَهُم بِأَسْمَائِهِمْ قَالَ
أَلَمْ أَقُل لَّكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ
وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنتُمْ تَكْتُمُونَ)) التي تشير،
بوضوح، إلى عكس ما يعلمونه الناس من أن "الأسماء" التي علمها الله تعالى
لآدم (ع) كانت أسماء جمادات من شجر وحجر وغير ذلك، لأن الآية تستخدم العاقل
"عرضهم ، هؤلاء ، أنبأهم ، بأسمائهم"، ما يدل على أنهم من البشر،
والروايات تقول أنهم كانوا محمداً وعلياً وفاطمة والحسن والحسين (صلوات الله
عليهم).
(2)
إشارة إلى تطهير الزهراء
(ع) (وأئمة عترة النبي (ص)) في آيات وأحاديث أهمها قوله تعالى في آخر الآية
المباركة الأحزاب:33 ((إِنَّمَا يُرِيدُ
اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ
تَطْهِيرًا )). مع إشارة إلى أن
العاصي، بمعنى غير المطهر، ليس فقط كان من غير المطهرين، ولكنه تعامل بالترك
والإهمال العدائي للزهراء (ع)، فكيف يبرر لأحفاد الزهراء (ع) مساواتها، بفضائلها
الجمّة، بأولئك، على نقائصهم؟
(3)
قامت الزهراء (ع) بإعلاء
شأن القرآن عندما احتجّت على ميراثها من أبيها (ص) بالقرآن، ولكن الخليفة بدلاً من
الاحتكام إلى القرآن أجابها "بيني وبينك المسلمون"، ثم روى حديثاً زعم
أنه سمعه من أبيها (ص) بعدم توريث الأنبياء (ع) أبناءهم، فأنزل القرآن من مكانته
العليا، هو وصاحبه الذي كان الوحيد الذي أيده في زعمه ذلك الحديث. إحتجّت بوراثة
يحيى من زكريا (ع) وبوراثة سليمان من داوود (ع)، فما الذي حصل بحيث أن خاتم
الأنبياء وسيد المرسلين محمداً (ص) يستثنى من هذا؟!
(4)
حاشى النبي (ص) أن يترك
بضعته الزهراء (ع) تجهل أنها لا ترث، فلو كان ذلك صحيحاً – بغض النظر عن الحجة
القرآنية التي لا يمكن أن يعارضها (ص) – لكان بيّنه لها.
كما
أن الخليفة وصاحبه سحبا بساتين "فدك" منها (ع)، وقد كانت تحت يديها
تتصرف فيها تصرف المالك في ملكه، وذلك بعد أن وهبها النبي (ص) إياها، وبالتالي من
فقه أي مذهب مما يعرفه المسلمون تصرّفا بحيث سلباها مالكيتها التي كانت ظاهرة في
حياة أبيها (ص)؟
(5)
إشارة إلى تأكيد الزهراء
(ع)، في خطبتها في مسجد أبيها (ص)، إلى وجوب التمسك بالثقلين – أي ما تركه النبي
(ص) –: القرآن والعترة الهادية (ع)، فإنه ينبغي لمن ينتمي إلى الزهراء (ع) نسباً
أن يخضع لما أكدته (ع) من إعلان النبي (ص) – الذي أخرجه مسلم بن الحجاج النيسابوري
في صحيحه – أن "الضمانة من الضلال" لا تتم إلا بالتمسك بالثقلين: القرآن
+ العترة، فيعلن تمسكه بهما، حقاً وليس بكلمات أدبية وأشعار وادعاءات تفتقر إلى
التطبيق في أرض الواقع، عليه الإعلان – ولو إلى نفسه وحسب –، مع التطبيق، أنه يسير
حسبما تشير الزهراء (ع)؛ فإنه ما يصده عن الثقلين إلا ما رسخوه وركزوه عنده من خط
تعدى الزهراء (ع) وخط إمامة أهل البيت (ع).
(6)
نعلن أننا نفضنا عن أنفسنا
وفكرنا ذلك البناء الذي لم يرع للزهراء (ع) حقاً ومنزلةً وحرمة، ما هو بعيد عن
البناء الذي شاده علي (ع) بسيفه في الذود عن الإسلام ورسوله (ص) ثم في الفكر الذي
ملأ الدنيا، ونعود، بعد أن سبقنا الناس من غير ذريتها (ع)، إلى "الأصل"
الذي يتبع أباها النبي (ص) اتباعاً تاماً وهم الأئمة زوجها علي والأئمة من ولدهما
(ع).