فاطمة (ع) الشاهدة/الشهيدة
1 من 3
***
في منشور في ذكرى وفاة الزهراء (ع) على رواية وفاتها بعد
75 يوماً من وفاة أبيها (ص) كتب إلي أحد الإخوة الأعزاء يطلب مني تغيير كلمة
"وفاة" بكلمة "شهادة" على أساس أنها (ع) قد "قتلت"
عند الهجوم على دارها بُعيد وفاة أبيها (ص). وقد أوضحت إلى الأخ الموقف من هذا
المبني على أمور أدرجها بسرعة، ثم أعرّج على موقعية الزهراء (ع) الشاهدة على
الناس، بعد توطئة ذلك بحقيقة عصمتها (ع)، في حلقات ثلاث.
***
إختياري لعنوان "وفاة" الزهراء (ع) وليس "شهادة"
أسبابه ما يلي:
1- درج الشيعة
عبر القرون وإلى ما قبل 20 عاماً على وصف رحيل الزهراء (ع) بعنوان
"وفاة" وليس "شهادة"، فأين المشكلة في استخدام نفس المصطلح؟
2- حسب رأيي،
ورأيي آخرين، هناك فهم آخر لقول مولانا أبي إبراهيم الكاظم (ع): ((فاطمة صدّيقة
شهيدة))، غير ما فهموا منه أن "شهيدة" تعني "مقتولة"، في حين
أن التدبر في الكلمة يعطي معنى آخر محتملاً بقوة، وعلى النحو التالي:
(أ)
كلمة "شهيدة" كما في القرآن =
"شاهدة"، فكافة الاستخدامات القرآنية للكلمات من جذر "ش هـ د"
هي عن "الشهادة" – ((الله على كل شيء شهيد)) ((وشاهد ومشهود))
((فاستشهدوا شهيدين من رجالكم)) ((معها سائق وشهيد))، فهذا هو الأصل في الكلمة
(ب)
جمع الكاظم (ع) لمنزلتي "صدّيقة" و
"شهيدة" يعني إعطاء الزهراء (ع) سائر المنازل كلها عدا النبوة التي في
الآية الكريمة ((ومن يطع الله
والرسول فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء
والصالحين وحسن أولئك رفيقاً)) النساء:69؛ وبما أن "الصالحين" مفروغ
منه كصفة للزهراء (ع)، وبما أنها ليست من "النبيين"، فبقيت
"الصديقين والشهداء" فأعلمنا الكاظم (ع) أنهما للزهراء (ع)، وبالتالي
حصلت (ع) على سائر النعم الكبرى في الاصطفاء الإلهي
(ت)
مصطلح
"شهيد" بمعنى "قتل في سبيل الله" عرفناه من النبي (ص) عندما
أطلقه على الذين يقتلون في المعارك في سبيل الله تعالى، فكأن واحدهم أعطى أعز ما
عنده فأثبت صدق موقفه وكان على العهد مع الله تعالى وبالتالي فإن الله سيعطيه
منزلة "الشهادة على الناس" ليرى هل فعلوا ما عليهم كما فعل هو ما عليه.
وهذه الأخيرة هي التي تفتح الباب أمام قبول أن يكون المعنى من قول الكاظم (ع) أن
الزهراء (ع) قتلت، وبالتالي فإنها تكون الشهيدة بالمعنيين معاً.
3- وهذا هو الأهم:
إن الإصرار من الكثيرين على استخدام مصطلح
"شهادة الزهراء (ع)" بدلاً من "وفاة الزهراء (ع)" بحيث صاروا
يتصورون، وربما يعتقدون جزماً، أن العنوان الثاني يحط من قدر الزهراء (ع)، هؤلاء إنما
ينزلون من قدرها في الواقع!
كيف؟
لأنك إذا وجدت أن الزهراء (ع) لا تنال عندك أعظم
منزلة ممكنة لسيدة النساء (ع) عند الله والناس إلا بالموت قتلاً فأنت تعتقد أن
الزهراء (ع) كانت أقل منزلة طيلة حياتها إلى أن قتلت! هذا نظير من يأتي مثلاً
ليقول أنه لا يعتقد بكامل منازل علي أو الحسن أو الحسين (ع) إلا في آخر لحظات
حياتهم التي قتلوا فيها.
بعبارة أخرى:
وصف رحيلها (ع) بكلمة "وفاة" يعني الإيمان
بمنزلتها العظمى عند الله دون الحاجة إلى موتها قتلاً (بغض النظر عن التحقيق في
كيفية موتها وهل كان قتلاً أم لا، فمن اعتدى عليها بشيء كائناً من كان فسيقف موقف
الخزي والندامة يوم يقوم الناس لرب العالمين).
(يتبع)
فاطمة (ع) الشاهدة/الشهيدة
2 من 3
***
عصمة فاطمة الزهراء (ع)
الإيمان بعصمة الزهراء (ع) من العقائد الشيعية التي لا خلاف عليها مطلقاً،
وذلك بناء على أدلة سأشير إليها ثم أذكر الحكمة الإلهية – كما يقول علماء الشيعة –
من عصمتها (ع) بالرغم من أنها ليست إماماً.
***
إستدل المرجع السيد محمد حسين فضل اللّه رحمه الله تعالى علي عصمة الزهراء
(ع) بثلاثة أمور:
(الأول) أنها من المشمولين بآية التطهير ((إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل
البيت ويطهركم تطهيراً)) الأحزاب:33 والتي كاد أن يجمع المسلمون على نزولها
بالخصوص في علي وفاطمة والحسنين (ع) بعد أن أعلن النبي (ص) ذلك بأساليب مختلفة،
منها أنه (ص) جللهم بكساء خيبري مع نفسه الشريفة وتلى الآية الكريمة وقال: ((اللهم
إن هؤلاء أهلي))؛ ومنها أنه (ص) ظل عدة أشهر يأتي إلى باب فاطمة وعلي (ع) كل يوم
وقت صلاة الفجر ويقول: ((الصلاة يا أهل البيت)) ثم يتلو الآية الكريمة.
(الثاني) أن
فاطمة (ع) هي سيدة نساء العالمين كما جاء في الأحاديث الصحيحة المجمع عليها بين المسلمين،
من ذلك قوله (ص): ((أما ترضين أن تكون سيدة نساء أهل
الجنة أو نساء المؤمنين؟))، وقوله (ص): ((إن هذا ملك لم ينزل الأرض قط قبل هذه
الليلة، إستأذن ربه أن يسلّم عليّ ويبشّرني بأن فاطمة سيدة نساء أهل الجنة وأن
الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة))، هذا، غير الصيغ الأخرى للحديث الشهير أن
سيدات النساء أربع: فاطمة (ع) وأمها خديجة (ع) وامرأة فرعون آسية (ع) ومريم بنت
عمران (ع)؛ وإنه – كما يقول السيد فضل الله – لا يمكن التصور أن تكون سيدة نساء
العالمين غير معصومة لأنها النموذج للنساء جميعاً.
(الثالث) سيرتها (ع) تدل على عصمتها، فإنه لم يرد كلمة واحدة تشير إلى ارتكابها ذنباً واحداً أو خطئاً
واحداً، أي أن عصمتها (ع) مثبتة عملياً بالواقع الذي كانت عليه (ع).
***
هذا، وإن في أحاديث النبي (ص) الأخرى ما يدل على عصمة الزهراء (ع) بشكل
واضح أو فيه قرينة على عصمتها (ع)، ومن ذلك:
- سد الأبواب المشرعة على المسجد إلا باب فاطمة(ع)، قال النبي(ص): ((ألا لا يحل هذا المسجد لجنب ولا لحائض
إلا لرسول الله وعلي وفاطمة والحسن والحسين، ألا قد بيّنت لكم الأسماء أن لا
تضلوا))، فكأن الجنابة من هؤلاء النفر الكريم لا تسيء إلى قدسية المسجد كما تسيء
إليه الجنابة من غيرهم، وهذا يشير إلى خصوصية فيهم لا أجدها إلا العصمة من الذنوب.
- قول النبي(ص): فاطمة بضعة مني
يؤذيني ما آذاها وما أشبه، المروي بصيغ مختلفة، كقوله (ص): ((فاطمة بضعة مني
فمن أغضبها أغضبني))، وقوله (ص): ((فاطمة بضعة مني يريبني ما أرابها ويؤذيني ما
آذاها))، وقوله (ص): ((إنما فاطمة بضعة مني يؤذيني ما آذاها))، وقوله (ص): ((إنما
فاطمة بضعة مني يؤذيني ما آذاها وينصبني ما أنصبها))، وقوله (ص): ((فاطمة بضعة مني
يقبضني ما يقبضها ويبسطني ما يبسطها))، وقوله (ص): ((إنما فاطمة بضعة مني يسرّني
ما يسرّها))، فكأنه (ص) يقول أن فاطمة (ع) جزء لا يتجزأ منه (ص) وبالتالي فلا
يعتري هذا الجزء غضب أو شعور بالأذى أو النصب أو الانقباض أو الانبساط إلا وشعر
الأصل، أي هو (ص)، بكل ذلك، ولما كان النبي (ص) لا يغضب إلا للحق فإن فاطمة (ع) لا
تغضب إلا للحق ومن لا يغضب إلا للحق لا يمكن إلا وأن يكون معصوماً.
-
بل أن اللّه تعالى يغضب لغضب فاطمة (ع)، كما أخبرنا النبي(ص): ((إن الله يغضب لغضبك ويرضى
لرضاك))، وقوله (ص): ((إن الرب ليغضب لغضبك ويرضى لرضاك))، وهذا دليل صريح في
عصمتها (ع).
***
وقد ذكرت في
الجزء الأول (العودة إلى الأصل الفصل 7، الرابط http://www.return2origins.com/books/Return%20to%20Origins%20Expanded%20Part%201.pdf) أحاديث أخرى في فاطمة (ع) فلتراجع.
كما ذكرت قول السيد شرف الدين رحمه الله (النص والاجتهاد):
"إن من أمعن في هذه الأحاديث فتدبرها ممن يقدر رسول الله(ص) حق
قدره رآها ترمي إلى عصمتها لدلالتها بالالتزام على امتناع وقوع كل من أذيتها
وريبتها وسخطها ورضاها وانقباضها وانبساطها في غير محله كما هو الشأن في النبي(ص)،
وهذا هو كنه العصمة وحقيقتها".
وكان قد قال في مورد آخر بأن المسلمين كافة علموا أن الله اختارها من نساء
الأمة واختار ولديها من الأبناء واختار بعلها من الأنفس يوم خرج النبي(ص)
للمباهلة بهم بأمر الله تعالى: ﴿فَمَنْ حاجَّكَ فِيهِ – أي في عيسى – مِنْ بَعدِ
ما َجاءَكَ مِنَ العِلْمِ فَقُلْ تَعالُوا نَدعُو أبناءَنا وأبناءَكُم ونِساءَنا
ونِساءَكُم وأنفُسَنا وأنفُسَكُم ثُمَّ نَبتَهِلْ فَنَجعَلْ لَعنَةَ اللهِ على
الكاذِبِين﴾ (آل عمران:61)... وأجمع المسلمون كافة على أن الزهراء(ع)
من الذين نزلت فيهم آية التطهير وآية المودة وأنها من الذين تعبّد الله الناس
بالصلاة عليهم كما تعبّدهم بالشهادتين في كل فريضة، وأن الزهراء من الأبرار الذين
نزلت فيهم سورة "هل أتى"...
***
أقول: فلو لم تكن الزهراء (ع) معصومة لكان من الصعب تفسير إدخالها في زمرة
آية التطهير، ولكان من الصعب جعلها من الذين أمر المسلمون بالصلاة عليهم في صلاتهم
الفريضة التي هي عمود الدين، ومن الصعب أن تدخل في زمرة الذين طلب النبي (ص)
مودتهم أجراً على تبليغ القرآن والدين، ومن الصعب تفسير جميع هذه المنازل التي لها
والتي تترتب على هذه الآيات الكريمة والأحاديث الشريفة، بل التي تترتب على آية
واحدة من هذه وحديث واحد من هذه فكيف بهذه الآيات والأحاديث مجتمعة، اللهم إلا أن
نعود إلى نفس المنهج من التصديق بالفضائل وكأنها مدائح ومجاملات ألهية للنبي (ص)
أو فخر للنبي (ص) بأهله على الأمة، وكلها لا مجال لقبولها.
(يتبع)
فاطمة (ع) الشاهدة/الشهيدة
3 من 3
***
فما فائدة
عصمة الزهراء (ع)؟
لعل سائلاً
يسأل عن الثمرة من عصمة فاطمة الزهراء (ع) لأنها ليست من الأئمة (ع)، وعلى أساس أن
الله تعالى لا يمكن أن يفعل شيئاً دون حكمة؟
وهذا صحيح،
لا بد أن تكون هناك حكمة من وراء عصمة الزهراء (ع) لأن البعض لا يرى سبباً موجباً
لذلك، ويرى في حجج الشيعة على عصمة الزهراء (ع) "بفن الكلام أشبه" كما
قال عبد الحميد ابن أبي الحديد شارح نهج البلاغة (وكلامه هذا أبلغ دليل على عدم
كونه من الشيعة كما يحاول أن يقول البعض). أقول:
أولاً – الله
تعالى ((لا يُسأَلُ عَمّا يَفعَلُ وَهُم يُسأَلُون)) الأنبياء:23، وعليه فله
سبحانه أن يمن بالعصمة على من يشاء من خلقه.
ثانياً –
الزهراء (ع) ولدت للنبي المعصوم سيد البشر وخاتم الرسل (ص) وأمها خديجة (ع) سيدة
نساء العالمين، وهذا الاتحاد ربما لا يخرج إلا معصومة (فإن كان كذلك ففيه دلالة
على أن رقية وأم كلثوم وزينب (رض) لسن بنات النبي (ص) وإنما ربيباته، فهن بنات
خديجة (ع) من زواج لها قبل النبي (ص)، وهو ما ترده بعض البحوث التي تثبت أن أولئك
البنات (رض) لسن بنات خديجة (ع) بل بنات أختها، بل بنات زوج أختها من زواج له قبل
أختها)؛ فهذا الاتحاد بين محمد بن عبد الله (ص) وخديجة بنت خويلد (ع) شاءه المولى
عز وجل لنبيه وصفيه (ص) من أجل إخراج وعاء الإمامة وهي فاطمة (ع)، وهو وعاء معصوم؛
إلا أن هذا لا يرد على السؤال: إن كان ذلك كذلك، فماذا عن علي (ع) الذي لم يولد
لمعصومَين، أو الأئمة التسعة من نسل الحسين (ع) الذين ولدوا لآباء معصومين ولكن
ليس لنساء معصومات.
ثالثاً – مقام الشهادة على الناس...
ولأورده مستقلاً بعد الفاصلة...
***
((إن فاطمة صدّيقة شهيدة))
بما أن الزهراء (ع) ستكون من الشهود على الأمة، فإن عصمتها لازمة لها على
الرأي القائل بلزوم عصمة الشهود، وهو قول بعض مفسري الشيعة لقوله تعالى ((وكذلك
جعلناكم أمة وسطاً لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيداً))
البقرة:143 أي أن الضمير "كم" في ((جعلناكم)) يعود إلى الأئمة الإثني
عشر (ع)، فتكون هي شاهدة، وهو ما ورد عن الإمام الكاظم (ع): ((إن فاطمة صدّيقة
شهيدة)) (الكافي ج1 ص458) أي شاهدة.
وإذا كان بعض علماء أهل السنة يقولون بأن الصحابة "خلقهم الله
عدولاً" لأنهم الشهداء على الناس في هذه الآية كما في قول ابن حجر ("ومنها
قوله تعالى ﴿وكذلك جعلناكم
أمة وسطاً لتكونوا شهداء على الناس﴾ البقرة:143،
والصحابة في هذه الآية والتي قبلها هم المشافهون بهذا الخطاب على لسان رسول الله
حقيقة، فانظر إلى كونه تعالى خلقهم عدولاً وخياراً ليكونوا شهداء على بقية
الأمم يوم القيامة"! فهم مخلوقون عدولاً، والعدالة هي العصمة أو قريبة منها) فلا ضير في أن تكون الزهراء (ع) قد خلقت
معصومة إذا كانت من الشهود على الناس.
وأما على تفسير كلمة "شهيدة" في الحديث الشريف أنها شهيدة مقتولة
نتيجة الاعتداء على دارها وعليها شخصياً مما رواه المؤرخون، من قبيل كسر ضلعها
وضرب يدها وإسقاط جنين في بطنها كان النبي (ص) سماه محسناً، فإنها تكون قد جمعت
بين المقامين: الشهادة بمعنى الاستشهاد في سبيل الله والشهادة بمعنى الشهادة على
الناس.
إن مقام
الشهادة على الناس الذي للزهراء (ع) هو – حسب فهمي – أهم أهداف عصمتها، لأن الحق
تعالى علم أن عبده ووليه علي بن أبي طالب (ع) سيتعرض إلى المجانبة والمناوءة
والعداوة في اصطفاف قرشي لدفعه عن مقام الإمامة والولاية على الناس، وعلم أن هذا
سيبدأ في حياة الزهراء (ع)، وطالما أنها (ع) بنت النبي المصطفى (ص) وبضعته التي
بين جنبيه وأنها سيدة النساء وأنها وأنها مما أظهره الله تعالى في آيات كتابه
العزيز ومن خلال نبيه الأعظم (ص) فإن موقعها في الأمة سيكون من العلو بحيث تكون
كلمتها لا راد لها، وأن موقفها لا مجال للالتفاف عليه، وأن قولها الفصل وموقفها
الحسم، بشكل يختلف كثيراً عن زوجها أمير المؤمنين (ع) الذي ما كانت له تلك المكانة
في الناس كالتي للزهراء (ع) (وهو دليل فشل في الفهم لأن الزهراء (ع) مهما بلغت فهي
ليست أفضل من علي (ع)، بل هو إمامها الذي يجب عليها اتباعه عملاً بإعلان النبي (ص)
((من كنت مولاه فعلي مولاه)) الشامل لفاطمة (ع) فما دونها)؛ الأمر الذي أشار إليه
السيد محمد حسين فضل الله عندما ألفت إلى أن الناس قالوا لعمر يوم جاء وأصحابه
بالحطب إلى باب الزهراء (ع) يتوعد من فيه بالخروج لبيعة أبي بكر أو "لأحرقن
الدار بمن فيها" فإنهم لم يقولوا له أن فيها علياً (ع) وإنما قالوا: "إن
فيها فاطمة" وهو دليل على أن منزلة فاطمة (ع) في الناس، أو قل حرمتها، أعظم
من تلك التي لعلي (ع).
وقد حصل هذا
بالفعل يوم وقفت بعد ذلك تحاجج الخليفة أبا بكر، فيما يبدو أنه بشأن ميراثها من
أبيها (ص)، بل بشأن ملكيتها في بساتين فدك التي كانت لها أيام حياة أبيها (ص)
فنزعها الخليفة منها (راجع الجزء الأول "العودة إلى الأصل" فصل 7،
الرابط: http://www.return2origins.com/books/Return%20to%20Origins%20Expanded%20Part%201.pdf)، فقد أقامت الحجة عليه وعلى
الناس جميعاً بشأن موقع علي (ع) وأهل البيت (ع) الذي وصفته بقولها: ((... وطاعتَنا
نظاماً للملَّة، وإمامتَنا أماناً من الفُرقة...)) فصدعت (ع) بوجوب طاعة أهل البيت
(ع) كما صدعت بإمامتهم (ع)، منبهة إلى أن نتيجة الطاعة هي إقامة النظام في أمة
الإسلام وأن نتيجة الإمامة هي العصمة من التفرّق، وقد حصل اللانظام وحصل التفرق
نتيجة عصيان أهل البيت (ع) ورفض إمامتهم (ع) من قبيل جمهور الأمة.
ولعل من مقام شهادتها
(ع) أنها حاولت تنبيه الأمة – كآخر محاولة – عندما حذرتهم من مغبة ما صنعوا،
فقالت: ((أما لعمري لقد لقحت فنظرةٌ ريثما
تُنتج، ثم احتلبوا ملء القعب دماً عبيطاً وذعافاً مبيداً، هنالك يخسر المبطلون،
ويعرف التالون غِبَّ ما أسس الأولون؛ ثم طيبوا عن دنياكم أنفساً، واطمئنوا للفتنة
جأشاً، وأبشروا بسيف صارم وسطوة معتد غاشم، وبهرج شامل، واستبداد من الظالمين، يدع
فيئكم زهيداً وجمعكم حصيداً، فيا حسرة لكم! وأنى بكم وقد عميت عليكم، أنلزمكموها
وأنتم لها كارهون؟!))
تقول (ع) أن الفتنة
تلقحت، فانتظروا ريثما تنتج ثمرتها، وما أسوأ الانتاج من الدماء التي ستسيل عبر
القرون، إلى أن يدرك الخلف من الأمة، الذين يتلون ذلك السلف الذي لقح الفتنة، مغبة
ما أسسه السلف؛ تخبرهم بما سيجري، وكأنها (ع) تنظر من خلال الزمان، بالفتن
المتتالية وبالسيف الذي يقطع الرؤوس وطغيان المعتدين والهرج والاستبداد بالفيء
وتفرقة الجمع، بل سحقه تماماً. ثم تتحدث بلسان الشاهدة الشهيدة: ((فيا حسرة
عليكم... أنلزمكموها وأنتم لها كارهون؟)) هل نجبركم على إمامتنا وطاعتنا إذا كنتم
كارهين لها؟
راجع تمام كلامها (ع) في
الملحق وانظر هل هناك شك في أن ذلك الكلام صدر من إنسان معصوم يتكلم بلهجة عالية
يوجه الناس وينبههم من غفلتهم، دون أدنى تردد في موقفه أو في الأصل الذي بنى عليه.
نسأل الله تعالى أن
يجعلنا ممن علم ذلك وأدركه واستعاذ بالله من نتائجه ودعا الله تعالى للتوفيق في
العمل على الإصلاح.
(إنتهى)