بحوث الأمة المسلمة في دعاء إبراهيم وإسماعيل (ع)
الحلقة ح2-تم2 / الرسول (ص) – التدقيق في التعبير القرآني
رابط يوتيوب: https://youtu.be/G04WcqBzix4
بسم الله الرحمن الحمد لله رب العالمين وصلى الله على سيدنا محمد وآله
الطاهرين
هذا التسجيل هو التسجيل الثاني من تسجيلات
الرسول(ص) المبعوث في الأمة المسلمة وهو جزء منها. قبل أن نتناول
تفاصيل الرسول في الأقسام التي فيما يأتي من التسجيلات، هذا القسم يلفت إلى وجوب
التفريق الدقيق في الخطاب القرآني.
طبعاً هذا لا تخلو منه صفحة وربما لا يخلو
منه سطر من سطور القرآن العزيز، ولكن هنا نأخذ مثالين.
المثال الأول
سورة الأحزاب 28-32 ((يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ
الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا
جَمِيلا (28) وَإِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الاخِرَةَ
فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنْكُنَّ أَجْرًا عَظِيمًا (29) يَا
نِسَاءَ النَّبِيِّ مَنْ يَأْتِ مِنْكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ يُضَاعَفْ
لَهَا الْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا (30) وَمَنْ
يَقْنُتْ مِنْكُنَّ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ وَتَعْمَلْ صَالِحًا نُؤْتِهَا أَجْرَهَا
مَرَّتَيْنِ وَأَعْتَدْنَا لَهَا رِزْقًا كَرِيمًا (31) يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ
لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلا تَخْضَعْنَ
بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلا مَعْرُوفًا
(32))).
لو نظرنا في هذه الآية مما تعطيه اللغة بشكل
مباشر:
أولاً / الخطاب ((يا أيها النبي))، الخطاب
إلى النبي، ((قل لأزواجك))، الله تعالى لا يخاطب نساء النبي مباشرة، "يا أيها
النبي أنت قل لهم إن كنتن تردن الحياة الدنيا... وإن كنتن تردن الله.. وكذا"
ثم يأتي في الآية 30 ((يا نساء النبي من يأت منكن))، يتحول الخطاب من التوجه إليهن
من خلال النبي يقول له أنت قل لهن، إلى خطاب مباشر لهن، ((ومن يقنت منكن))، ((يا
نساء النبي لستن كأحد من النساء)).
إذاً هذه الطلبات بعضها أمره أن تكون من
خلاله، وبعضها الله وجّهها مباشرة. فنفهم من هذا أن هناك فارق ما بين هذا وهذا،
هناك فارق ما بين ((إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا))
و ((وَإِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ)) يختلف عن ((يَا نِسَاءَ
النَّبِيِّ مَنْ يَأْتِ مِنْكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ يُضَاعَفْ لَهَا
الْعَذَابُ)) و ((وَمَنْ يَقْنُتْ مِنْكُنَّ)) و ((لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ
إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ
مَرَضٌ)).
فإذاً الآيتان 28 و 29، النبي بعقد الزواج
مع كل واحدة منهن هو الذي يبقي أو يسرّح، لكن التخيير كان على أساس ما أمره ربه،
ان كنتن تردن الحياة الدنيا وزينتها لا مانع نعطيكم منها والطلاق، أما إن كنتن
تردن الله ورسوله ولم يقل تردن الله وترددني، حوّلهن إلى الربط أن هذا شغف العيش
الذي تشكين منه هو ضريبة بسيطة جداً للارتباط برسول الله(ص) ثم الدار
الآخرة فإن الله أعدّ للمحسنات منكن أجراً عظيماً؛ "للمحسنات" ولم يقل
أعدّ "لكنّ كلكن"، للمحسنات منكن، فيجب التدقيق في جميع هذه المفردات،
هذا واحد.
قارن بينها وبين ((يا نساء النبي من يأت
منكن بفاحشة))، كأنما الله تعالى يريد أن يرفع أي إشتباه من الناس أن هذا الحكم هو
من رسول الله (ص)، يقول لهن من يأت منكن بفاحشة ((نضاعف لها العذاب))، هذا الحكم
مني أنا وليس منه. ولا تنسوا أنه في ذلك الوقت، القرآن في الصدور، يعني قليل الذي
كان يكتب، علي(ع) كان يكتب القرآن عند رسول الله (ص)، لكن عند الناس
لا، فيشتبه الأمر؛ ليس هناك قرآن مكتوب ليرجعوا إليه فيقول له لا، هذا الحكم الشرعي
الذي هو يضاعف العذاب أو يضاعف الثواب هذا لي، الله تعالى هو الذي يفعل ذلك، ((وَمَنْ
يَقْنُتْ مِنْكُنَّ))..
هناك "من يأتِ بفاحشة"، هنا لم
يقل لهن بعدها من يطع، ((مَنْ يَقْنُتْ))، خضوع كامل بالطاعة لله ورسوله (ص)، فمن
يقنت ((وَتَعْمَلْ صَالِحًا)) بعد ذلك ((نؤتها أجرها مرتين))، ستنال أعظم من ذلك.
((يا نساء النبي))، بقي الخطاب مع النساء
مباشرة، ولكن لم يقل يا نساء الرسول، يا نساء النبي، لأنه هنا الخطاب سيكون ليس
متعلقاً بالرسالة ولكنه متعلق بمقام النبوة في الناس، بمقامه كالحاكم الأعلى
والإداري الأول للمجتمع، يدخل عليه الناس، يستأذنون، يأتون، فـ((يَا نِسَاءَ
النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ))، أيضاً
هنا وضع معياراً – هناك من النساء غيركن أفضل ولكن ان اتقيتن أنتن حالة خاصة، ((فَلا
تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلا
مَعْرُوفًا)) هذا ليس متعلقاً بالرسالة.
فانظر إلى هذه الآيات واحدة بعد أخرى:
الاختلاف في الطرح، بعدها الاختلاف في
الخطاب، مما يرجح الاختلاف بين النبوة والرسالة، الاختلاف في المعايير الموجودة
للثواب أو العقاب، الدقة في هذا الأجر العظيم المضاعف لمن وكيف يكون. طبعاً لا
يجوز أن نأتي ونقرأ ونقول أنه خيرّهن وهن اخترن وكفى، لا.. هناك تفصيل دقيق جداً
بحيث أنك بعد أن تختاري الله ورسوله (ص)، ماذا ستفعلين – "يقنت لله ورسوله
وتعمل صالحاً". وهكذا..
المثال الثاني
مثال ثان في هذا القسم، هو آية 44 من سورة
النحل، وآية 174 من سورة النساء.
تقول الآية 44 من سورة النحل ((بِالْبَيِّنَاتِ
وَالزُّبُرِ وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ
إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ)).
أنزل إليك الذكر، لتبين للناس ما نُزّل،
إذاً هناك "أنزل" وهناك "نُزّل" – لماذا أنزل إليك ولماذا
نُزّل إليهم؟
لأن القرآن لم ينزل إلى رسول الله (ص) وحده
ولم ينزل إلينا وحدنا، أنزل إلى الناس كافة، لكن لماذا جاءت ((نُزّل إليكم)) في
حين معه (ص) ((أنزلنا إليك))، لماذا لم يقل نزّلنا إليك في هذه الآية أو قال
أنزلنا إليك ونزلنا إليكم؟ وما أنزل إليهم، ولعلهم يتفكرون.
قالوا أن الفارق هو أن الإنزال يشير إلى أن
فيه شيء من السهولة، نُزّل فيه تشديد، يعني فعل، فعّل أقوى منها وأشد، تفعّل أيضاً
شديدة. فنُزّل فيها شدة لماذا؟ لأن ((نُزّل إليهم))
أولاً هم جاءهم الكتاب على 23 سنة مع ما جرى من أحداث ومع صراعات ومع رفع ناس وكشف
أناس آخرين، حروبهم معاركهم حالة الضعف التي كانت ثم حالة الانتصارات التي حصلت
فكانت كلها في المعاناة، لكن ((وأنزلنا إليك
الذكر لتبين للناس)) هذا يتكلم عن الحالة العامة أن هذا حقيقة أُنزل إليك لتبيّن،
ستبيّنه من خلال أحداث مع صعوباتها فيها تشديد، أما نحن لا ما أنزلناه إليك هذا
كله، هناك نتكلم عن الفكرة، هنا نتكلم عما حصل على أرض الواقع، فعبّر عنه بالتشديد.
ولكن يأتيك شخص فيقول أنظر إلى الآية في
سورة النساء 174:
((يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمْ بُرْهَانٌ مِنْ رَبِّكُمْ
وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُورًا مُبِينًا))
طيب إذا قلنا أن هذا للناس لماذا لم يقل "ونزّلنا" عليكم نوراً
مبيناً؟
الجواب، لأن
هنا أيضاً يتكلم عن القضية لم يتكلم عن تفاصيلها في الواقع، ((جاءكم برهان)) و
((أنزلنا إليكم نوراً مبيناً))، هذا أُنزل وتفاصيله ستكون بالتنزيل، نزّل، أما
الإنزال هذا سيكون أنزلنا إليكم، هذا الفارق بين الاثنين لأنه فارق في ما يتعلق
به، هل هو ما سيكون في الواقع، أم هو لا.. يتكلم عن القضية بشكلها العام أن هذا
القرآن أنزلناه إليه ليبين لكم.
أخيراً الربط
مع آيات الأمة المسلمة:
كما قلت في كل واحدة من هذه سننظر مع آيات
الأمة المسلمة، نأخذ هذه الآية آية النحل –
((وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ
لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ))
هذه تقول للناس وتبين للناس وأولهم
المسلمون، يعني هم أول الناس الذين سيتلقون قول القرآن بعد أن قالوا أشهد أن لا
إله الإ الله وأشهد أن محمداً رسول الله، تقول لهم أن خطوتكم الأولى لتتعلموا هذا
القرآن الذي نُزّل إليكم ومن أجل أن تتفكّروا في خلق السموات والأرض، في الله
الواحد الأحد، في أوضاعكم كيف ترتبونها، الخطوة
الأولى هي أن تأخذوا العلم بيان هذا القرآن الذي نُزّل إليكم من الذي أُنزل إليه،
لأنه هو الذي يبيّن لكم، ((وأنزلنا إليك الذكر لتبيّن))، هذه اللام للتعليل،
يعني أنزلناه إليك من أجل أن تبيّن أنت لهم، لم ننزله على كل واحد منهم، تكون
انتهت القضية مع الفطرة ينزل القرآن إلى كل الناس – لا، الله تعالى علم أن هذا لا
يمكن، لكن أنزل سيكون من خلال رجل بشر منهم يعرفهم
ويعرفونه، يعاني معهم، يتحرك بينهم، هذا سيكون أبلغ وهو الذي سيبيّن إليه.
وهذا يعني أنه عندما يأتيكم فيقول أن هذه المجموعة من الناس التي
أنا قرأت عليها القرآن كما قرأته عليكم، وعلّمتها الكتاب والحكمة، أنا الآن
أزكّيها لكم لكي تنطلق لتكون هي أعلام الهداية لكم، ولا يحق لأحد من الناس بعد هذا
البيان منه أن يقول لا، أنا لا أقبل هذا، أنا أتخذ لنفسي طريق هدى آخر، نقول له لا،
الله تعالى يقول ((وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ)) فتبين للناس آيات الأمة المسلمة، تبين للناس ما
يجب عليهم وأولهم المسلمون تجاه هذه الأمة المسلمة تجاه الطاعة، والامتناع عن
العصيان.
من هذه الآية المباركة من سورة النحل، آية
44، التي هي من أهم الآيات الإطارية في القرآن ترسم الإطار من الذي يبيّن؟ من
المسؤول عن ذلك؟ وبالتالي من الذي يجب عليه الطاعة؟
والحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد
وآله الطاهرين.