لعل موقف الشيعة النقدي من صحابة النبي(ص) هو من أعظم ما يؤخذ عليهم من قبل المسلمين السنة، الذين يعتبرون جميع الصحابة فوق مستوى النقد والشبهات، وأن من ينتقدهم إنما يتجاوز حدود الله، وأنه بعمله هذا يهدم الإسلام لأن الصحابة هم الذين نقلوا إلينا الكتاب العزيز والسنّة المطهرة. يستتبع هذا أن يصبح الشيعة، ليس فقط فرقة منحرفة ضالة بنظر غيرهم، بل مجموعة معادية للإسلام أصلاً وتريد أن تهدمه، ومن هنا كان لا بد من اختراع أصول للشيعة معادية للإسلام، فكان اختراع أسطورة عبد الله بن سبأ اليهودي الذي أسلم وبشّر بالمبادئ الشيعية، كذلك أسطورة فارسية أصل التشيع المقترنة بأن الفرس أعداء الإسلام وبالتالي أسسوا التشيع لهدم الإسلام تحت غطاء موالاة أهل البيت. وقد شرحنا الأسطورتين وفنّدناهما في أول حلقتين من هذه الزاوية.
في حلقة هذا العدد، وفي حلقات قادمة، سنعطي موجزاً لنظرة الإخوة أهل التسنن لصحابة الرسول(ص)، ونظرة الشيعة لهم، ونذكر أمثلة من مواقف الصحابة من بعضهم البعض، نقداً وشتماً وقتالاً وقتلاً.
الصحبة والصحابة في نظر أهل السنة:
يؤمن أهل التسنن من المسلمين بأن كل من ثبت لدينا أنه رأى النبي(ص) ولو لحظة في عمره صارت له صحبة وعدّ صحابياً، حتى وإن لم يسمع كلامه(ص). وبصيرورته صحابياً فإنه يصبح في منزلة مقدسة عند إخواننا السنة بحيث لا يجوز نقده أو الوقوف من مواقفه الخطأ موقفاً سلبياً لأنه إنما كان مجتهداً إن أصاب فله أجران وإن أخطأ فله أجر واحد. وبما أن القرآن الكريم قد مدح الصحابة في مواضع كثيرة فإنهم مرضي عنهم بأجمعهم، لذا فإنه عند ذكر أي صحابي يُترضى عنه بكلمة (رضي الله عنه). هذا عن كل صحابي، أما الذين نقل لنا التاريخ عنهم ومنهم مواقف جهادية كالتبرع بالأموال أو الاشتراك في المعارك أو الهجرة إلى الحبشة أو المدينة أو نقل عنه الحديث الكثير عن النبي(ص) فإنه في منزلة خاصة، ويصطلح عليه عادة (الصحابي الجليل)، وإن كانت هذه الصفة قد انسحبت مؤخراً على جميع الصحابة فلا تكاد تسمع باسم صحابي إلا ومعه كلمة الصحابي الجليل.
هذا يعني ما يلي:
1- أن الصحابة بمنزلة سامية عن باقي المسلمين، جاءت من صحبتهم للرسول(ص) فحسب حيث مدحهم الله تعالى في كتابه، أما من كانت له مواقف جهادية فإنه يسمى صحابياً جليلاً.
2- أن الصحابة هم الناقلون للكتاب العزيز، نصاً وتفسيراً، وللسنة المطهرة، أحاديث وأفعالاً وتقريرات، وبدونهم كانت الأمة ستضل عن دينها.
3- أن الصحابة الذين اتخذوا مواقف خطأ بحق المسلمين، حتى وإن تضمنت هذه المواقف التعدي على حدود الله بسفك الدماء وسلب الأموال وتجاهل أوامر الله ورسوله(ص)، إنما زادوا في أجورهم لأنهم مجتهدون مأجورون أخطأوا فلهم أجر واحد. لذا لا يجوز مطلقاً نقدهم أو الوقوف موقفاً سلبياً من أي منهم، ومن فعل ذلك فهو من المنافقين.
سنناقش هذه العقائد بإيجاز لنرى مدى صحتها في المقياس الإسلامي، وسنعرض من خلال مناقشتنا لعقيدة الشيعة في الصحابة.
الصحبة والصحابة في نظر شيعة أهل البيت(ع):
يقف شيعة آل محمد(ص) من صحابته(ص) موقفاً يختلف عن موقف إخوانهم أهل التسنن، حيث لا يضعون جميع من صارت له صحبة، ولو برؤية النبي(ص) أو سماع كلمة أو حديث واحد منه، بمنزلة واحدة، وذلك للأسباب التالية:
أولاً: أن مدة الصحبة لها أثر على مقدار التأثر سواء لطول المصاحبة أو لكثرة سماع حديثه سواء مباشرة أو عن طريق الصحابة الآخرين.
ثانياً: أن الصحابة كانوا على درجات مختلفة من الإيمان، وبالتالي فإن قبولهم لأوامر الله ونواهيه، في حياة النبي(ص) وبعدها، يختلف من واحد لآخر.
ثالثاً: أن الصحابة كانوا على درجات مختلفة من القابليات الذهنية، وبالتالي فإن درجة فهمهم وهضمهم وحفظهم لما سمعوه من الرسول(ص) أو رأوه من فعله(ص) تختلف من واحد لآخر.
رابعاً: أنه كان في الصحابة منافقون لم يدخل الإيمان في قلوبهم، يظهرون الإيمان ويبطنون الكفر، كما صرح بذلك القرآن العظيم في آيات مختلفة منها: سورة براءة 61-68، 73-87، 93-101، 107-110، 124-127: سورة المنافقين، وغيرها؛ كما كان منهم مؤمنون ولكن في قلوبهم مرض بنص القرآن الكريم.
خامساً: أن الصحابة اختلفت مواقفهم بين يدي النبي(ص) اختلافاً شديداً، إذ نجد أن منهم من كان يسمع ويطيع دون مناقشة بخوعاً لأمر الله بطاعة رسوله(ص): ﴿من يطع الرسول فقد أطاع الله﴾ (النساء:80)، ﴿أطيعوا الله وأطيعوا الرسول﴾ (النساء:59)، ومنهم من كان يجادله(ص) ويثير التساؤلات على أوامره ولا يطيع إلا بعد أن يغضب الرسول(ص). كذلك فإن منهم من كان يضرب بالسيف دون النبي(ص) ويغوص في المشركين (كما وُصِف حمزة بن عبد المطلب(رض) وعلي بن أبي طالب(ع) في معركة أحد)، وعندما تشيع الشائعة أن النبي(ص) قد قتل يزداد بعضهم اندفاعاً للموت على ما مات عليه النبي(ص) (كما نقل عن سعد بن الربيع(رض) وأنس بن النضر(رض) في معركة أحد)، وعندما يصبح الرسول(ص) في مرمى سهام الكافرين ونبالهم يضع بعضهم نفسه درعاً للمصطفى(ص) غير مبال بالنبال والسهام وهي تتساقط على صدره (كما فعلت أم عمارة نسيبة بنت كعب الأنصارية(رض) يوم أحد)، في حين أن البعض كان إما يتخذ من عريش الرسول(ص) موقعاً دائماً له قعوداً عن الجهاد، أو كان في إيمانه ضعفاً بحيث يلقي سلاحه مجرد أن يسمع بشائعة موت النبي(ص) ويجلس بعيداً على صخرة ينتظر عبد الله بن أبيّ بن سلول شيخ المنافقين ليأخذ له أماناً من قائد جيش المشركين أبي سفيان. هذا ناهيك عمّن هربوا من ساحة المعركة ليعودوا بعد ثلاث ليال قائلين أنهم ذهبوا إلى عريضة فيعلّق الرسول(ص) على قولهم بقوله: ‹‹لقد ذهبتم بها عريضة›› يعني هروبهم وفضيحتهم.
سادساً: أنه صدرت من بعضهم مواقف في حياة النبي(ص) لا يجوز صدورها ممن تمكّنت التقوى من قلبه، كما في قتل المسلمين بثأر الجاهلية (مثلما فعل خالد بن الوليد مع بني جذيمة حيث قتلهم ثأراً لقتلهم عمه الفاكه بن المغيرة المخزومي قبل الإسلام)، وكما في الاعتراض على أوامر الرسول(ص) وعدم تنفيذها (مثلما فعلوا في غزوة الحديبية إذ اعترضوا على شروط الصلح وعلى التقصير لأداء العمرة، ومثلما فعلوا عندما أمرهم الرسول(ص) بالتمتع بالعمرة إلى الحج حيث كانوا يرون ذلك فاحشة عظيمة). أما نزول معظم الرماة الخمسين الذين وضعهم على الجبل يوم أحد بعد هزيمة قريش والذي كشف ظهر المسلمين لخالد بن الوليد وجنده فهجموا على المسلمين وقلبوا هزيمتهم نصراً، فمعلوم، وهنا لا يمكن أن نساوي بين الصحابة الذين عصوا الرسول(ص) فنزلوا وبين قائدهم عبد الله بن جبير(رض) والثمانية الذين ثبتوا معه وقاتلوا حتى استشهدوا في سبيل الله.
حدث كل هذا مع أنهم سمعوا قول الله في كتابه يصف أوامر نبيه ونواهيه(ص): ﴿وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى . إِنْ هُوَ إِلا وَحْيٌ يُوحَى﴾ (النجم:3-4)، وسمعوا قوله(ص) لعبد الله بن عمرو: ‹‹أكتب – أي الحديث – فوالذي نفسي بيده ما خرج منه – مشيراً إلى لسانه الشريف - إلا حق››.
سابعاً: نقل لنا التاريخ مواقف الصحابة بعد وفاة النبي(ص)، فكانت مواقف متضاربة ما بين طاعة الله ورسوله(ص) وعصيانهما، وفيما بين ذلك مواقف متخاذلة وصفها الإمام علي(ع) إذ وصف أهلها بقوله: ‹‹لم ينصروا الحق ولم يخذلوا الباطل››. مع أنهم سمعوا قوله تعالى ﴿أَفَإِن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَن يَنقَلِبْ عَلَىَ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضُرَّ اللهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللهُ الشَّاكِرِينَ﴾ (آل عمران:144)، وسمعوا رسوله(ص) يحذرهم من وقوع الفتن التي ستعقب وفاته.
بل نقل لنا التاريخ أحاديث موضوعة مكذوبة عن رسول الله(ص) تحمّل إثم وضعها صحابة معروفون، وذلك وصولاً إلى رضا هذا الحاكم أو ذاك، أو بغضاً لصحابة آخرين، مع أنه(ص) حذر من ذلك بقوله: ‹‹من كذب عليّ متعمداً فليتبوأ مقعده من النار››، وحذّرنا من ذلك بقوله: ‹‹لقد كثرت عليّ الكذابة›› وذلك في حياته، كي نتنبّه ولا نأخذ كل حديث من أي صحابي على علاّته. وإلا فمن الذين سيكذبون ويختلقون أحاديث لم يقلها(ص)؟
ثامناً: لقد أعطانا الرسول(ص) مقياساً نقيس عليه الصحابة بعده وذلك بقوله لهم: ‹‹إن أحبكم إليّ من يلقاني على مثل الحال التي فارقني عليها››؛ والسؤال هنا: هل بقي الصحابة كلهم على الحال التي فارقوه(ص) عليها؟
الجواب نجده فيما يعرف بأحاديث الحوض، التي منها ما يلي: ‹‹إني فرطكم على الحوض، من مر عليّ شرب ومن شرب لم يظمأ أبداً؛ ليردن عليّ أقوام أعرفهم ويعرفونني، ثم يحال بيني وبينهم فأقول: أصحابي، فيقال: إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك، فأقول: سحقاً سحقاً لمن غيّر بعدي››. ومنها قوله(ص): ‹‹بينما أنا قائم فإذا زمرة، حتى إذا عرفتهم خرج رجل من بيني وبينهم، فقال: هلمّ، فقلت: إلى أين؟ فقال: إلى النار والله، قلت: ما شأنهم؟ قال: إنهم ارتدّوا بعدك على أدبارهم القهقرى، فلا أرى يخلص منهم إلا مثل همل النعم››.
والحديثان في صحيح البخاري وصحيح مسلم، وهمل النعم أي أقلية النعم، والحديث الأول يصرح بأنهم الصحابة بقوله (أصحابي). وتأكيداً لهذا القول فقد أورد البخاري ما يلي: (عن العلاء بن المسيب عن أبيه قال: لقيت البراء بن عازب رضي الله عنهما فقلت: طوبى لك صحبت النبي(ص) وبايعته تحت الشجرة، فقال: يا ابن أخي إنك لا تدري ما أحدثنا بعده).
الصحابة العدول:
أما الصحابة الذين لم يبدلوا ولم يغيروا وثبتوا على عهدهم مع النبي(ص) ولم ينقلبوا على الأعقاب بعد وفاته، فهم الصحابة العدول الذين يحبهم المسلمون الشيعة ويحترمونهم ويترضون عليهم ويضعونهم في منزلة لا يعلو عليها سوى النبي(ص) والأئمة(ع). لذا، ترى الشيعة يسمّون أولادهم بأسمائهم لحبهم لهم. ومن هؤلاء عمار بن ياسر وسلمان الفارسي وأبو ذر الغفاري والمقداد بن عمرو وحذيفة بن اليمان ومصعب بن عمير وحبيب بن مظاهر وسهل بن حنيف وخالد بن سعيد بن العاص وعبد الله بن مسعود وكثير منهم.
المساواة بين الجميع ظلم:
يعتبر إخواننا أهل السنة أن محبتهم واحترامهم وموالاتهم جميع الصحابة دليل على صحة موقفهم وأفضليته على موقف الشيعة الذي يفرّق بين الصحابة فيحبون ويحترمون ويوالون البعض منهم ويتوقفون في شأن بعض ويتبرأون من آخرين. تسمع دائماً وتقرأ دائماً القول بأننا نحب جميع الصحابة وكذا نحب أهل البيت، أما الشيعة فليسوا كذلك.
والواقع هو أن المساواة بين الظالم والمظلوم، بين الغاصب والمغصوب، بين المعتدي والمعتدى عليه، بين الثابت على عهده مع نبيه(ص) وذلك الذي انقلب على الأعقاب، بل بين القاتل والمقتول، ظلم وأي ظلم. إن هذه المساواة تلغي أحكام القرآن وتحل محلها الأهواء فحسب.
لنأخذ مثلاً: لا يختلف اثنان على أن الصحابي معاوية بن أبي سفيان قد قتل الصحابي حجر بن عدي ظلماً، لأنه عرض عليه أن يتبرأ من دين علي بن أبي طالب(ع). فلما أجاب حجر بأنه على دين علي(ع)، لأنه دين محمد(ص)، قتل هو ورهط من أصحابه.
رأي الصحابة الآخرين: اتهم الإمام الحسين(ع) وعائشة وغيرهما معاوية بأنه قتل حجر بن عدي ظلماً، بل إن عائشة قالت: "ويل له – أي معاوية – من حجر وأصحاب حجر".
رأي العلماء في ذلك: متفقون على أن حجر قُتل ظلماً.
رأي معاوية نفسه: سمع وهو يغرغر في لحظات موته: "يومي منك يا حِجر يوم طويل"، أي أن حساب الله معي بشأنك سيكون عسيراً طويلاً.
حكم القرآن: لا شك أن معاوية قتل حجراً وأصحابه متعمداً وليس خطأ، لذا فإن الآية 93 من سورة النساء تنطبق على معاوية بن أبي سفيان، الصحابي: ﴿وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا فَجَزَآؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا﴾(النساء:93).
فإذا ما مسحنا على هذه الآية الكريمة، أي نكون مثل الذين يؤمنون ببعض الكتاب ويكفرون ببعض، ثم مسحنا على حكم الصحابة المعاصرين، وعلماء المسلمين، نكون في الواقع قد أخذنا جانب الظالم القاتل على الرغم من كل شيء هنا، هل يدل هذا الموقف على محبة الصحابي حجر بن عدي واحترامه والغيرة على دمه المسفوك ظلماً؟ وأين هو احترام ومحبة جميع الصحابة إذاً؟!
صحبة الرسول(ص) مسؤولية كبيرة:
إن النظرة الصحيحة للصحبة هي أن من حصل عليها فإنما أنعم الله عليه نعمة كبرى إذ خلقه في عهد خير خلقه وسيد رسله وحبيبه المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم. فهي عهد يجب مراعاتها، ومنّة إلهية يجب شكرانها آناء الليل وأطراف النهار. وما رعايتها وشكرانها إلا بحفظ الرسول(ص) فيما أمر أن يحفظ فيه.
أول ذلك مراقبة أوامره ونواهيه بصورة دقيقة لقوله تعالى: ﴿وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِه﴾ (الأنعام:153)، وقوله: ﴿وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالًا مُّبِينًا﴾ (الأحزاب:36) وإلا كيف سيكون جيل الصحابة جيل تطبيق الإسلام كما نزل وبالتالي كيف سيكون القدوة لما يأتي بعده من أجيال؟
بعد ذلك نسيان النفس بترك الشهوات، وأولها التطلع للسيطرة على الحكم والسلطة لأن ذلك بيد الله يؤتيه من يشاء لا بيد الناس لقوله تعالى: ﴿وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاء وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ﴾ (القصص:68)، وكنز الذهب والفضة، والتطاول على مبدأ المساواة الإسلامي بالتوزيع غير العادل على أساس القرابات والمحسوبيات، وهذا بدري وهذا عقبي وهذا بعد الفتح وهذا قبله، وهذا عربي وهذا أعجمي، وغير ذلك.
ثم، حفظ الرسول(ص) في أهل بيته(ع) لأنه قال: ‹‹أذكركم الله في أهل بيتي›› يكررها مرات، ولأنه أمر بالتمسك بهم كما في حديث الثقلين المشهور: ‹‹تركت فيكم ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا: كتاب الله وعترتي أهل بيتي››. كذلك، لأن القرآن أمر بمودة أهل البيت(ع) بقوله تعالى: ﴿قُل لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى وَمَن يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَّزِدْ لَهُ فِيهَا حُسْنًا إِنَّ اللهَ غَفُورٌ شَكُورٌ﴾ (الشورى:23).
وأخيراً، وليس آخراً، الدماء المسلمة فلا تسفك والنفوس المحترمة فلا تزهق إلا بالحق. أما القتل وسفك الدماء بسبب الثأر الجاهلي، أو الرغبة بامرأة، أو للوصول إلى السلطة، فعاقبته النار لا يستثنى من ذلك صحابي أو غيره لأنه تعالى عمم القول: ﴿وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا فَجَزَآؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا﴾ (النساء:93).
ثم إن الحجة على الصحابي آكد من غيره، لأنه سمع الرسول(ص) ورآه في حركاته وسكناته وهديه وخلقه، فكيف له أن يخالفه، وما عذره في ذلك؟ ومثلما يمكن أن يقال بأن الصحابة آمنوا بالرسول(ص) عندما كان الإسلام جديداً وكانوا في جاهلية وبذا فهم خير من غيرهم الذين ولدوا في الإسلام فآمنوا به دون مشقة، فإن الأجيال التي تلت جيل الصحابة تستطيع أن تقول – وهي محقة – أنها اتبعت الرسول(ص) وآمنت به دون رؤيته، ودون رؤية المعجزات التي رآها الصحابة خلال صحبتهم له(ص)، وبعد أن بَعُد العهد وقست القلوب وتعاظمت قوى الشر والكفر. أي أن لكل فضلاً، وعلى كل مسؤولية، وكما أنه يوجد في هذا الزمان وفي كل زمان مسلمون يحفظون رسول الله(ص) في الكتاب الذي جاء به وفي سنّته وفي أهل بيته، وأن هناك من يقصر في ذلك بل من يهمل ذلك كلياً، فإن الصحابة كانوا كذلك، فمنهم من عاش ومات على العهد في حياة النبي(ص) وبعد وفاته، ومنهم من قصّر في ذلك.