التشيع والتسنن بين العروبة والفارسية
ما فتئ أعداء الشيعة يخرجون الفتاوى وينشرون الكتب والمقالات التي يملأونها بمفترياتهم ضد شيعة آل محمد(ص)، ويملأون الأجواء بدخان الأحقاد كي يحاصروا التشيع بمنع أنواره من أن تصل إلى المسلمين الآخرين. ولقد عانى الشيعة من لظى نيران الحقد الطائفي، ووجد منهم من لا يمتلك المعرفة والإطلاع الواسعين على العقائد والفقه والتاريخ نفسه عاجزاً عن الرد على هذه الافتراءات، وتوضيح ما التبس من الشبهات، لذا وجدنا لزاماً علينا أن نبدأ بطرح هذه الشبهات وردودها الموجزة لفضح الأعداء المأجورين والمنحرفين من جهة ولتوضيح الأمور للإخوة أهل السنة للتعرف على الإسلام الأصيل كما نزل على خاتم النبيين(ع).
أصل التشيع:
إن التشيع بنيان شامخ مؤسس على التفسير الصحيح للقرآن والحديث الشريف، والذي لم يكن قد انقطع بناؤه يوم وفاة الرسول الأعظم(ص) بل استمر لمدة طويلة بعده على يد الأئمة(ع) الذين كانوا يخرجون علوم جدهم رسول الله(ص) حسب مقتضيات الحاجة وتغيرات الزمان كما قد رتب ذلك الله تعالى وأمر نبيه(ص) به. ولما عجز أعداء الشيعة والتشيع، على مر العصور، أن ينالوا من هذا البنيان الشامخ الذي هو ﴿شجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها﴾، لجأوا يائسين إلى اتهام التشيع نفسه بأنه بدعة لا تمتّ إلى الإسلام بصلة، لأنه قد أسسه الفرس كما يزعمون تارة، وعبد الله بن سبأ اليهودي المستتر بالإسلام تارة أخرى. ولما كانت تهمة فارسية التشيع أكثر انتشاراً، وخصوصاً في أوساط العامة من الناس، والتي ساعد على انتشارها تشيّع إيران منذ خمسة قرون، وسيطرة علماء الدين الشيعة على الحكم فيها اليوم، ارتأينا مناقشة هذه الشبهة أولاً.
أما عن أصل التشيع فقد كان رسول الله صلى الله عليه وآله، قد وضع لبناته الأولى كما قد وصلنا من أحاديث صحيحة عنه(ص)، ففي الدر المنثور للسيوطي قال في تفسير الآيتين 6 و7 من سورة البيّنة: عن جابر بن عبدالله قال: كنا عند النبي(ص) فأقبل علي فقال النبي(ص): ‹‹والذي نفسي بيده أن هذا وشيعته لهم الفائزون يوم القيامة›› فنزل قوله تعالى: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُوْلَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ ﴾ وأخرج مثل ذلك غيره من المفسرين والمحدثين. ولذلك يعتقد الرازي بأن أول إسم لمذهب ظهر في الإسلام هو الشيعة وكان قد لقّب به أربعة من الصحابة أبو ذر وعمار والمقداد وسلمان. بل إن منهم من يعود بظهور الشيعة من الصحابة إلى يوم أنذر النبي(ص) بأمر الله تعالى عشيرته الأقربين في مكة.
وحتى عند الذين لا يعتقدون بأن النبي(ص) هو أول من تفوّه بهذه الكلمة فإنهم يقولون بأن التشيع يبدأ في القرن الأول على خلاف بينهم. فمنهم، مثل ابن خلدون واليعقوبي وأحمد أمين وحسن إبراهيم وكلهم مؤرخون، من يقول أنه بدأ بعد وفاة النبي(ص) حيث لم يرض بعض الصحابة بمبايعة أبي بكر لأنهم كانوا يرون أن علياً هو الخليفة بعده(ص). ومنهم من يقول أن التشيع بدأ بعد معركة صفين ومنهم من يقول أنه بعد معركة كربلاء حيث استشهد الإمام الحسين(ع) مطلع عام 61 للهجرة.
إيران بين التسنن والتشيع:
وحتى في إيران فقد بدأ التشيع فيها في مدينة قُم على يد آل الأشعري، العرب اليمانيين الذين كانوا مقيمين في الكوفة ثم غادروها عام 73 هجرية إلى قم فأقاموا فيها وأسسوها. ويمكن أن يكون التشيع قد بدأ في إيران قبل ذلك عندما هجّر زياد ابن أبيه خمسين ألف شيعي عراقي إلى خراسان فلا بد أن هؤلاء أثّروا على قسم من أهلها، وتكاثروا فيها فتشيّع قسم منها.
ولم تتشيّع إيران إلا قبل خمسمائة سنة فقط أيام الشاه الصفوي. أما قبل ذلك فكانت مذاهب أهل السنة هي الغالبة في معظم أقاليمها ما عدا قم ونصف الأهواز وأهل ملتان.
وقد حاول المرجفون أن يخدعوا المسلمين بأن التشيع أصله فارسي، أولاً بسبب تشيع إيران وثانياً لتشابه تمسك الشيعة بإمامة الأئمة من نسل علي وفاطمة بنت رسول الله(ص) والنظام الملكي في إيران قبل الإسلام. أما الأول فقد أوضحنا بطلانه، وأما الثاني فنقول بأن التقاء فكرتين في أمر لا يدل على أن أصل إحداهما هو الأخرى وإلا فما من فكرتين إلا وتلتقيان في نقطة أو نقاط. وعلى هذا يمكن أن نقول بأن نصب الحاكم على أساس الشورى أصله روماني لأن أنتخاب القيصر في روما كان بالانتخاب كما هو معلوم، وهذا واضح البطلان.
كما قالوا بأن الشيعة وضعت الأئمة في نسل الحسين لأن ابنه علي بن الحسين السجاد(ع) هو ابن شهربانو بنت كسرى التي كانت من سبايا الفتح الإسلامي لفارس. وهذا مدفوع بأحاديث النبي(ص) التي تؤكد أن الحسين(ع) هو (أبو أئمة تسعة) أو (سادة تسعة). وكذلك فإن المحققين من المؤرخين يعتقدون بأن شهربانو ليست أم السجاد(ع) وإنما أمه ليلى الثقفية، وهو ما ربما يبدو صحيحاً بلحاظ الفترة الزمنية الطويلة الفاصلة بين مجيء شهربانو في السبي عام 14هـ وولادة السجاد(ع) عام 38هـ.
كما أن باب التهم لو سمحنا له أن ينفتح لما استطعنا أن نسدّه، لأنه إن كان في الشيعة مطاعن فإن في غيرهم مطاعن. فهل تقول الشيعة بأن تساهل أحد أئمة الفقه السنّة في شرب المسكر (والذي كان لحفظ كرامة بعض الصحابة الذين شربوا الخمر بل والذين باعوا الخمر مثل سمرة بن جندب) يعود إلى أصله الأعجمي لأنه يريد أن يخرب الإسلام بتساهله في إحدى أهم المحرمات بل أم الخبائث؟ كما يمكن أن يقال بأن التسنن أصله فارسي لأن أختي شهربانو بنت كسرى تزوجهما عبد الله بن عمر بن الخطاب وعبد الرحمن بن أبي بكر!
التشيع والعروبة:
العروبة، وكما يقول الشيخ أحمد الوائلي في «هوية التشيع» هي: «المزيج المتكون من الفكر والمشاعر واللغة والتربة». فما مقدار انتماء التشيع أساساً إلى هذا المعنى؟
-
مهد التشيع الأول هو الجزيرة العربية لأن شيعة علي الأوائل هم من الصحابة العرب فيما عدا ما يمكن عددهم على أصابع اليد كسلمان الفارسي وأبي رافع القبطي والذين هم عرب بحكم نشأتهم وإقامتهم في الحجاز.
-
لما كان الشيعة الأوائل حجازيين كانت لغتهم هي العربية كما لا يخفى. وإن الباحثين يضعون الشيعة في قسم المتشددين باعتبار اللغة العربية لغة العبادة ولغة العقود ولا يتساهلون في ذلك أبداً ولا يقوم عندهم مقام اللغة العربية أية لغة أخرى. والسبب في ذلك أنهم يعتبرون اللغة العربية تستبطن مشاعر وخواص أصيلة في مضمون الرسالة ولهذا نزل القرآن بها. لذلك نرى أن فقهاء الشيعة يذهبون إلى عدم جواز القراءة في الصلاة والأذان وافتتاح الصلاة بغير العربية على عكس غيرهم حيث يذهب أبو حنيفة إلى جواز ذلك مطلقاً والشافعية والمالكية إلى جواز الأذان في بعض الحالات وتكبيرة الإحرام بلغة أعجمية. أما العقود كالزواج فلا يجوز الشيعة إيقاعه بغير العربية في حين يجوّز الحنابلة والمالكية والشافعية ذلك حتى مع القدرة على اللغة العربية. فهل لو أسس المذهب الجعفري شخص فارسي أكان أصرّ على هذا الالتزام باللغة العربية يا أولي الألباب؟
-
عروبة الخليفة حيث يصر الشيعة مع بعض المسلمين الآخرين إلى أن الأئمة من قريش كما أمر رسول الله(ص) في حين ذهب بعض المسلمين إلى فتح الباب لكل الناس. ومن هؤلاء الخوارج وأبو حنيفة وأتباعه مما جعل العثمانيين يأخذون بمذهب أبي حنيفة لأنه الوحيد الذي يصحح خلافتهم فانتشر لأجل ذلك مذهبه في المسلمين أكثر من غيره.
-
التاريخ والمصالح المشتركة. ولقد كان تاريخ الشيعة لا علاقة له بالفرس ولمدة عشرة قرون أي وحتى تشيع إيران. وطبيعي أن التاريخ الذي يضم الوقائع والحروب والمواقع المقدسة يخلق في النفوس مشاعر كبيرة لا تنفك عن الاعتقاد. فوقائع الشيعة المهمة كلها في الحجاز والعراق بدءاً بما وقع أثناء حياة الرسول(ص) مثل:
كل وقائع ومناسبات الإسلام الأولى مثل مكان ولادة النبي(ص) وبعثته ومهاجرته ووقائعه بالمشركين وغير ذلك وبيعة الغدير حيث نادى النبي(ص) بالإمام علي بالولاية على جميع المسلمين في منطقة تسمى غدير خمّ بين مكة والمدينة الطيبة. وحروب أمير المؤمنين علي ابن أبي طالب في العراق، وموقع استشهاده في مسجد الكوفة، وواقعة الطف التي استشهد فيها الإمام الحسين بن علي في كربلاء بالعراق، ومعارك الشيعة مع الأمويين والعباسيين وجلّها، إن لم تكن كلها، في العراق والحجاز.
كذلك مراقد أئمة أهل البيت وتقع أربعة منها في مقبرة البقيع في المدينة المنورة وستة في العراق وواحد فقط في مشهد بإيران حيث دفن الإمام علي بن موسى الرضا. واللطيف هنا، وهو ما يؤكد قولنا، أن زوار الإمام الرضا في مشهد يقولون في مراسم زيارتهم ودعائهم عندما يسلّمون على الإمام بقولهم: «السلام عليك يا غريب الغرباء» كونه مدفون في أرض غريبة لأنها ليست أرض الحجاز أو العراق العربية!
وبعد، موقع وفاة المسلمة الأولى خديجة الكبرى زوج النبي(ص) في مكة وابنتها الصدّيقة الكبرى فاطمة بنت محمد(ص) في المدينة المنورة. ومواقع أخرى مثل قبر إبراهيم بن النبي(ص) وأولاد الأئمة وأعمام النبي(ص) وغيرها من القبور. وقبر زينب بنت علي(ع) في دمشق ومرقد رأس الحسين(ع) في القاهرة.
من هم رجالات الشيعة:
ولو أننا لا نقيم وزناً للعنصر لأن ﴿أكرمكم عند الله أتقاكم﴾ ولأنه ‹‹ليست العربية بأحدكم من أب ولا أم، وإنما هي اللسان فمن تكلم العربية فهو عربي›› كما قال رسول الله(ص) إلا أننا نحب أن نبيّن كيف أن رجالات الشيعة الذين أسسوا معالم الدين كلهم من العرب.
بالإضافة إلى الأئمة الذين يعتبرهم الشيعة خلفاء الرسول(ص) وأمناء على الإسلام، وهم بالطبع عترة وأولاد النبي العربي(ص)، فإن تابعي هؤلاء وتابعي التابعين هم من العرب. ومن هؤلاء الصحابة الأوائل كعمّار المملوء إيماناً وسلمان الفارسي الذي جعله الرسول(ص) أحد أفراد أهل البيت فلحق بالعرب وحذيفة صاحب سرّ رسول الله(ص) وأبو ذر أصدق من نطق والمقداد بن عمرو الكندي وخزيمة بن ثابت ذو الشهادتين وخبّاب بن الإرت وأبو سعيد الخدري وأبو الهيثم بن التيّهان وقيس بن سعد بن عبادة الأنصاري وجابر بن عبد الله وهاشم المرقال فاتح جلولاء ومحمد بن أبي بكر والبراء بن عازب وأبيّ بن كعب وعبادة بن الصامت وعبد الله بن مسعود وأبو الأسود الدؤلي وخالد بن سعيد بن العاص خامس من أسلم وسمّاك بن خرشة أبو دجانة وأبو رافع مولى رسول الله(ص) وأبو قتادة الأنصاري وزيد بن أرقم الأنصاري وعلباء بن الهيثم وأبوه الهيثم من قواد الحملة في قتال الفرس في ذي قار وأويس القرني الأنصاري وحبيب بن مظاهر الأسدي أحد شهداء كربلاء ويزيد بن نويرة بن الحارث الأنصاري المشهود له بالجنة وعقبة بن عمر بن ثعلبة الأنصاري والكثير الكثير غيرهم من أوسيّ وخزرجي وتميمي وليثي ونهدي وهمداني ومخزومي وقرشي وطائي وغير ذلك من قبائل العرب المعروفة ممن شهد بدراً وأحداً ومشاهد النبي(ص) وهاجر إلى المدينة والحبشة وأوذي في الله تعالى حتى قبض راضياً مرضياً.
وبعد هؤلاء يأتي العلماء الذين حملوا لنا علوم الإسلام عن النبي(ص) والأئمة وهم من العرب مثل: ابان بن تغلب الكندي وزرارة بن أعين وآل عطية وبني دراج والشيخ المفيد والشريف المرتضى والعلامة الحلّي جمال الدين بن المطهّر وآل طاووس ومحمد بن إدريس المجلي ونجم الدين الهذلي المعروف بالمحقق، ومحمد بن مكي المعروف بالشهيد الأول وزين الدين العاملي الشهيد الثاني وغيرهم الكثير ممن حملوا العلوم وكلهم عرب. أما أصحاب كتب الحديث الشيعية فهم محمد بن يعقوب الكليني ومحمد بن بابويه القمي ومحمد بن الحسن الطوسي وهم عرب.
من هم رجالات السنّة:
ونؤكد مرة أخرى بأن العنصر ليس له أي وزن بل الميزان التقوى، ونقول بأن المتتبع سيجد واضحاً من علماء السنة الأوائل كانوا معظمهم أعاجم وفرساً بالدرجة الأولى إذ أن الفرس أول من دخل الإسلام كما كانوا أصحاب حضارة ولم يكونوا ليرضوا أن يتراجعوا إلى الخلف ولا أن يكون حظهم كحظ غيرهم من الأمم التي فتحها العرب المسلمون ممن لم تكن أمماً متطورة حضارياً مثلهم، فاعتنقوا الإسلام وبرزوا فيه وخدموه وكان منهم معظم علماء السنة. ومن هؤلاء:
خمسة من أصل ستة من أصحاب الصحاح وهم البخاري والترمذي وابن ماجة والنسائي وأبو داود في حين أن مسلم بن الحجاج هو العربي الوحيد.
ورواة الأخبار ومعظم الفقهاء والمفسرين هم فرس مثل مجاهد وعكرمة وعطاء وسعيد بن جبير وأبي حنيفة. والأولان من رجال البخاري الذين يؤخذ بكل مروياتهم. كذلك الليث بن سعد وهو فارسي من أصفهان أسس المدرسة المعروفة في مصر، وربيعة الرأي وطاووس بن كيسان والبيهقي ومكحول ومحمد بن سيرين والحسن البصري وعبد الحكيم القندهاري شارح البخاري وعبدالرحمن الأيجي صاحب المواقف وعبدالرحمن الجامي صاحب فصوص الحكم وعبدالرحمن الكرماني صاحب شرح التجريد وشيخي زاده صاحب مجمع الأنهار وسهل السجستاني صاحب إعراب القرآن وأبو حاتم الرازي وأبو إسحاق الشيرازي صاحب التشبيه وعبد الله بن ذكوان وأحمد الأصبهاني ويعقوب النيسابوري صاحب المسند المخرج عن صحيح مسلم وأبو نعيم صاحب حلية الأولياء وابن خلكان صاحب الوفيات والثعلبي صاحب التفسير وكثير جداً غير هؤلاء ممن خدموا الإسلام الخدمات الجليلة المحمودة. بل إن محمد بن عبد الوهاب مؤسس مذهب الوهابية قد تربى ونشأ ودرس على يد الفرس في همدان وأصفهان وقم.
فهل ترد الشيعة على المتهم وتقول أن أساس مذاهب غيرها فارسية. ولكن نقول: ﴿وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ﴾.
ولكن، هل يحقد الإيرانيون على العرب، ولماذا؟
ولكن لنرى إن كانت التهمة الأصلية صحيحة، أي تهمة الإيرانيين بأنهم أسسوا التشيع حقداً على العرب والإسلام. فنسأل الأسئلة التالية:
الأول: لماذا يحقد الإيرانيون على العرب في حين لا يحقد غيرهم من الأعاجم والذين فتحت بلادهم بعد إيران، وبالتالي فإن أسفهم على ذلك أقرب عهداً من أسف الإيرانيين المزعوم؟
الثاني: إذا كان الفرس حاقدين على العرب بقضّهم وقضيضهم، وكانوا لا زالوا يكيدون للعروبة والإسلام بالدس فيه ما ليس منه، لم يا ترى لا ينسحب ذلك على السّنّة منهم، فيكون علماء الفرس السنة من الحاقدين على العرب وسادتهم وخصوصاً النبي(ص) صاحب الرسالة التي بسبب رسالته دمّرت إمبراطوريتهم، ومن ثم يسعون لتخريب الدين بإدخال البدع فيه؟ وهل إذا كان ذلك كذلك يبقى شيء من مذاهب أهل السنة التي كان أعلامها من فقهاء ومحدثين ومؤرخين جلّهم من الفرس كما قلنا؟
إذاً، هذا الأمر سيكون أكثر مناسباً لهؤلاء العلماء السنة الذين هم أقرب عهداً بتخريب إمبراطوريتهم من العلماء الشيعة الإيرانيين الذين ما كانوا إلا قبل 500 سنة كما أسلفنا. فأبو حنيفة مثلاً ولد عام 80 للهجرة، أما صحيح البخاري الذي يعتبره السنة أصحّ الكتب بعد القرآن، فقد تم تأليفه في منتصف القرن الثالث الهجري. وأما رواته من التابعين الفرس كعكرمة ومجاهد فكانوا أقرب عهداً بزوال دولتهم.
الثالث: هل أن حقد الإيرانيين المدّعى على العرب هو الذي دفعهم إلى التزام الأئمة العرب من آل محمد(ص) وأن حبّ غيرهم المزعوم للعرب هو الذي دفعهم إلى اتباع الأعاجم من الفقهاء والمحدثين؟
لقد كانت مصر العربية شيعية أيام الفاطميين (وكانت ولا تزال من تلك الأراضي الطيبة التي عجنت تربتها بحب أهل بيت النبي(ص) منذ أيام علي ابن أبي طالب القائل يوم ولّى محمد بن أبي بكر عليها: ‹‹إعلم أني ولّيتك أعظم أجنادي في نفسي أهل مصر››)، ثم تركت مصر مذهب أهل البيت أيام الأيوبيين – وصلاح الدين الأيوبي أعجمي – بالقسر والجبر. فهل نقول بأن مصر فرعونية لأنها عدلت من مذهب أئمة أهل البيت العرب إلى مذهب الأعاجم، ولهذا فإن مصر تمقت العرب لأنهم دحروا فرعونيتهم أو قبطيتهم – لا أدري – وأجبروهم على اقتناع الإسلام؟ فهل يقول عاقل بذلك؟
الرابع: وأكثر من ذلك، ذهب الشيعة الإيرانيون مع غيرهم من الشيعة إلى عصمة النبي(ص) وآله أئمة العرب عصمة مطلقة لم يقل بها أحد من السنة عرباً أو غيرهم؛ ولم يقولوا بعصمة أحد من ملوكهم السابقين أو علمائهم أو مصلحيهم. فلماذا يا ترى إن كانوا يحقدون على العرب؟
الخامس: إن التزام الإيرانيين الأئمة العرب(ع) يعني:
-
إتباعهم لفقه أهل البيت أي المذهب الجعفري المؤسس من قبل أئمة وعرب وعلماء فقه وحديث وتاريخ عرب.
-
إلتزامهم بالتفاصيل الدقيقة لهذا المذهب الذي يلتزم بالعروبة بشكل يفوق كل المذاهب الأخرى كما في ضرورة الأذان وافتتاح الصلاة والتفوه بالعقود كالزواج باللغة العربية حتى مع عدم القدرة عليها، وهو ما ليس ملزماً في معظم المذاهب الإسلامية الأخرى.
فكيف رضي الإيرانيون بذلك؟!
شهادة علماء الإسلام السنّة ومفكريهم في عقيدة الشيعة:
ولنختم برأي علماء المسلمين من إخواننا أهل السنة، من أصحاب العلم والفضيلة البعيدين عن النعرات الطائفية، الذين يقدمون الوحدة الإسلامية على الخلافات الجزئية.
يعرف علماء الإسلام أن المسلم هو من شهد أن لا إله إلا الله كما علّمنا المصطفى(ص) بقوله: ‹‹من شهد أن لا إله إلا الله واستقبل قبلتنا وصلّى صلاتنا وأكل ذبيحتنا فذلك المسلم له ما للمسلم وعليه ما على المسلم›› وأحاديث أخرى تعطي التعريف ذاته. لهذا لم يعتبر علماء أهل السنة ومفكروهم عقيدة الشيعة إلا كونها إحدى فروع الإسلام التي تبرئ ذمة المسلم إذا عمل بها. أدناه عينة من أقوال هؤلاء لكي تقارن بينها وبين أقوال دعاة الفرقة والطائفية:
-
«فإذا المسلمون قسمان كبيران شيعة وسنة ومع أن الفريقين يؤمنان بالله وحده وبرسالة محمد صلى الله عليه وسلم ولا يزيد أحدهما على الآخر في استجماع عناصر الاعتقاد التي يصلح بها الدين وتلتمس النجاة» الشيخ الغزالي في ص142 من كتاب «كيف نفهم الإسلام»وهو نص يؤكد أن الشيعي دينه صالح وأنه ناج يوم القيامة.
-
«إن مذهب الجعفرية المعروف بمذهب الشيعة الإمامية الإثني عشرية مذهب يجوز التعبد به شرعاً كسائر مذاهب أهل السنة» الشيخ محمود شلتوت شيخ الأزهر الأسبق في فتواه المشهورة.
-
«ومن الحق أن السنة والشيعة هما مذهبان من مذاهب الإسلام يستمدان من كتاب الله وسنة رسوله» صابر طعيمة في ص 208 من كتاب «تحديات أمام العروبة والإسلام».
-
«وكذلك حين تجاوزت مصر المذاهب الأربعة كلها إلى الأخذ بما رأته أوفق لروح العصر وأنفع لاستقرار الأسرة من مذهب الإمام الصادق إجازة الوصية لوارث» و«كذلك أخذت من المذهب الجعفري أحكام الطلاق المعلق والمقترن بعدد وأنه لا يقع إلا طلقة واحدة» مصطفى الرافعي في ص32 من كتاب «إسلامنا».