بحوث الأمة المسلمة في دعاء إبراهيم وإسماعيل (ع)
الحلقة ح1-3 / آيتا الشهادة على الناس
رابط يوتيوب: https://youtu.be/aUrOk7u5w2A
مفهوم "الشهادة على الناس" في اجتباء الأمة المسلمة
بسم الله الرحمن الرحيم والحمد لله والصلاة
والسلام على سيدنا محمد وآله الهداة..
يتبقى من الفصل الأول من بحوث الأمة المسلمة
في تحديد مصطلح الأمة المسلمة يتبقى قضية وهي:
قضية الشهادة على الناس حيث
وجدنا هذه في آية سورة الحج. أقرأها ثم أقرأ الآية الثانية أيضاً في سورة البقرة
لنلقي ضوءاً لنواصل بعد أن تحدثنا عن الأمة المسلمة وموقعيتها.
ففي سورة الحج الآية 78 أعوذ بالله من الشيطان الرجيم بسم الله الرحمن
الرحيم:
((هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ
عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إبراهيم هُوَ سَمَّاكُمُ
الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ وَفِي هَذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيدًا عَلَيْكُمْ
وَتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ)).
هذه الآية التي قرأناها /
- ((هو اجتباكم)) إصطفاكم منذ دعوة إبراهيم
لأنه يربطها ((وما جعل عليكم من حرج)) بالتفاصيل يبدو ذلك ((ملّة أبيكم إبراهيم)) من
ذريته، إذاً يتحدث عن تلك الأمة.
- ((هو سمّاكم المسلمين من قبل))، عندما قال
((رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ
ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ)) ((هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ)) أي إسلام؟ هذا النوع من
الإسلام الذي هو في الدرجة الأعلى من الإسلام لله تعالى والتسليم والخضوع لله
تعالى.
((هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ
قَبْلُ وفي هذا)) يعني في القرآن. الآن الكلام معهم بعد أن أُنزل القرآن، وسمّاهم
عندما كان يرفع القواعد من البيت العتيق مع إسماعيل(ع) قبل نزول
الإسلام كذا ألف من السنين.. الآن نزل القرآن، في القرآن أيضاً هذا إسمكم..
((هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ
عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إبراهيم هُوَ سَمَّاكُمُ
الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ وَفِي هَذَا...))
- ثم ماذا يقول ((لِيَكُونَ الرَّسُولُ
شَهِيدًا عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ))
هذه اللام في "ليكون" اللام ممكن
أن تكون لام الأمر أو لام الناصبة لام التعليل.. لو كانت هنا أمر للرسول أن يكون
شهيداً عليهم لكانت هذه اللام تجزم "يكون" لصارت بدل ليكون الرسول ليكن
الرسول، تحذف الواو، لكن هذه اللام ما حذفت ولكن نصبت "ليكون" إذاً هي
لام التعليل أي ماذا؟ من أجل، يعني علّة اجتبائكم وما جعل عليكم في الدين من
حرج هو من أجل أن يكون الرسول شهيداً عليكم وتكونوا شهداء على الناس، أي
تكونوا هذه معطوفة عليها، وإلا لو كانت هذه تكونون من ضمن العلة لقال تكونون لكن
بما أنه نصبها هنا ((أي تحذف النون من تكونون لأنه من الأفعال الخمسة)) إذاً هي
معطوفة على المنصوب بلام التعليل..
إذاً الاجتباء والتهيئة بأن لم يجعل
عليهم في الدين من حرج من أجل أن يكون الرسول شهيداً عليكم ومن أجل أن يكونوا
شهداء على الناس.
في سورة البقرة 143 هناك آية:
((وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى
النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا)).
=هنا أيضاً تذكر مفردة أمة وشهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيداً مثل تلك.. فإذا كانت
الشهداء على الناس تلك الأمة المسلمة من ذرية إبراهيم وإسماعيل (ع) إذاً هذه أيضاً.
الفهم السائد أن الأمة الإسلامية وجعلناكم
أمة وسطاً فيقولون هذه الوسطية يتحدثون عن مفردة الوسطية وأن الأمة الإسلامية أمة
وسطية تأتي من هنا وهذا فهم خطأ.. لأن هذه بالضبط هي تلك. لماذا؟
ربما يأتي شخص ويقول لماذا؟ يمكن تكون تلك
تخص الأمة المسلمة من الذرية ذرية إبراهيم وإسماعيل (ع) وهنا تخص الأمة الإسلامية؟
نقول له: لا.. لا يمكن ذلك، لأن الأمة
الإسلامية فيها ما هو يختلف من أصناف البشر حتى من ضمن الدين من الناس الذين هم
قمم في الإيمان والعطاء والتقوى والتضحية والنبل والعمل إلى ما هم أسوأ في هذا؛ هناك
الفاجر والفاسق والظالم والخائن وما شئت، فكيف يكون هؤلاء شهداء على الناس.
الشهادة على الناس يعني يأتون يشهدون أن هؤلاء الناس قاموا بواجباتهم ويأتي الرسول
فيشهد على هؤلاء الشهداء أنهم هم قاموا بواجبهم في الشهادة على الناس.. طيب هل
يمكن أن هؤلاء الفجرة الظلمة الفسقة يكونون من ضمن المسلمين ويكونون شهداء على
الناس؟ ليس معقولاً. هذه الأمة التي تضم خليطاً من هؤلاء هل يمكن أن تكون شاهدة
على الناس؟ لا يمكن. لاسيما عندما تكون في مراحل من الأوضاع المزرية كالتي نعيشها
الآن. إذاً هذه لا يمكن هذه مثل تلك.
هؤلاء الشهداء على الناس هم جماعة خالصون مخلصون من الشك والدرن، هم
المسلمين كما قلنا في دعوة إبراهيم وإسماعيل في أعلى الدرجات من الإسلام.
=وشهادتهم على الناس، ما هي شهادتهم على
الناس؟ يشهدون ماذا؟
الشاهد المطلع على ما حصل فسيأتي ويقول أنا
أشهد بأن هؤلاء الناس قاموا بكذا أو لم يقوموا بكذا، نجحوا في واجباتهم أو فشلوا،
درجة نجاحهم كانت 50، 70 أو 90%؛ إذاً هو قائم عليهم هو وليّ لهم. هو المعلم لهم
هو القائد لهم.
=الذي ذكرناه في كلمة يزكّيهم التي جعلها
الله تعالى في المرحلة الثالثة في الآية 129 من سورة البقرة في دعوة إبراهيم وإسماعيل
(ع) ((يَتْلُو عَلَيْهِمْ آَيَاتِكَ
وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ)) يزكيهم إلى الناس،
فهؤلاء بعد أن كانوا من البدء بهذه الدرجة من الإسلام، ثم تم إعدادهم من الرسول
المبعوث فيهم بتعليم الكتاب والحكمة، ثم تزكيتهم إلى الناس، إن هؤلاء الخالصين
المخلصين من الشرك ومن الجهل، يقومون بدورهم في هداية الناس.
كيف يتفاعل الناس معهم؟ هنا في يوم
القيامة يشهدون تفاعلاً معنا كذا وكذا وكذا بالسلب والإيجاب.
= ((كذلك جعلناكم أمة وسطاً))، الوسط هنا إذاً
الذين يتوسطون التطرف يميناً وشمالاً، فهي الأمة الوسط ليست الوسط بالمعنى اليوم
الذي تستخدم أحياناً حتى إهمال الأسس الدينية، ولكن الوسط تعني على الصراط
المستقيم ((وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا
فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ))،
هذا هو الوسط، هذه هي الوسطية.
+ ولعل من الشيء الجميل في هذه الآية في
سورة البقرة الآية 143 مما في الشرح:
((وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى
النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ
الَّتِي كُنْتَ عَلَيْهَا إِلا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ
يَنْقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ وَإِنْ كَانَتْ لَكَبِيرَةً إِلا عَلَى الَّذِينَ
هَدَى اللَّهُ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ إِنَّ اللَّهَ
بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ)).
قضية القبلة قضية مهمة يقول ((وَمَا
جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْهَا إِلا لِنَعْلَمَ)) وما.. إلا .. يعني فقط، يعني قضية الهدف تغيير القبلة من بيت
المقدس إلى مكة عدة أشهر وقيل حتى أكثر من سنة، هذه كانت فقط لاختبار المسلمين مَن
منهم يتبع الرسول (ص) يصلي حيث أمر الرسول (ص) ومَن منهم ينقلب على عقبيه. فقد كان
اليهود صاروا يعيّرونهم أنكم أنتم تتبعونه، ولذلك كان يضيق حتى رسول الله يقول ((قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ
قِبْلَةً تَرْضَاهَا)) لأنه يقول لهم نحن لا نتبعكم، أنتم تتبعوننا، أنتم دين جاء
بعدنا وها أنتم تصلون إلى المكان المقدس عندنا، هنا يتبين من يتبع الرسول (ص)،
الرسول (ص) قال نصلي إلى بيت المقدس، نصلي
في بيت المقدس ((وَإِنْ كَانَتْ لَكَبِيرَةً إِلا عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ))
الذين هم ضعاف في صفة الهدى يتزلزلون. يقولون هذا الرسول يبعث الشك، ومن هنا يأتي
الانقلاب على الأعقاب.
فالجمال في ربط قضية القبلة مع الأمة
الوسط الشهداء على الناس أنهم يشهدون على الناس جميعاً مسلمين وغير مسلمين، وأنها
أمة وسط على الصراط المستقيم الذي يتبع الرسول (ص) يسير وفق ذلك ويتبع هؤلاء لا
يخالف، هنا يتبين من ينقلب على عقبيه، ((وإن كانت لكبيرة إلا الذين هدى الله))،
ونأتي بالتفصيل فيما بعد.
إذاً هذه
هي الشهادة، الشهادة على الناس مرتبطة بالموقعية ومرتبطة بالمواصفات، لا يمكن
أن يكون شهيداً على الناس إن لم يكن على المستوى الأعلى في الإيمان والمستوى
الأعلى في العلم. أنت عندما يأتون يطلبون شاهداً في المحكمة لا يأتون بشخص يُطعن
في صدقه في قضية محددة شخص مثلاً استدان من شخص، فما بالك بقضية الدين؟ إذاً يجب
أن يكونوا محاطين بلطف الله تعالى ورحمته، لا يمكن إلا أن يكونوا من تلك الدرجة
العليا والإسلام التي دعا إبراهيم وإسماعيل(ع)، خصوصاً إبراهيم (ع) بعد
كل مسيرته يدعو أن يجعله الله تعالى بهذا المستوى من
الإسلام.
والحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد
وآله الأطهار.