قراءة في رسالة الإمام
الحسن (عليه السلام) إلى معاوية
1 من 3
***
بمناسبة وفاة جدنا ومولانا أبي محمد الحسن
المجتبى (ع) (التي تصادف يوم 7 صفر)، أورد نص رسالة بعثها (ع) إلى معاوية بن أبي
سفيان، يذكر فيها دور أهل البيت (ع) المركزي في الدين، وكيف تعاملوا مع الأحداث
السابقة بما يحفظ الأمة، ويصف حال ذلك الباغي، ويدعوه إلى ما يجمع الكلمة ويصلح
ذات البين ويحقن الدماء.
ولكن أنى الاستجابة ممن ((في قلوبهم مرض فزادهم الله
مرضاً بما كانوا يكذبون)).
***
رسالة الإمام الحسن (ع) إلى معاوية بن أبي سفيان
شرح نهج البلاغة، إبن أبي الحديد، ج 16، ص 34
***
الفقرة 1
((من الحسن بن علي أمير المؤمنين، إلى معاوية بن
أبي سفيان. سلام عليك، فإنّي أحمد الله الذي لا إله إلا هو. أمّا بعد، فإن الله جل
جلاله بعث محمداً رحمةً للعالمين، ومنّةً على المؤمنين، وكافة للناس أجمعين،
((لينذر من كان حيّاً ويحقّ القول على الكافرين))، فبلّغ رسالات الله، وقام بأمر
الله، حتى توفّاه الله غير مقصِّر ولا وانٍ. وبعد أن أظهر الله به الحقّ، ومحق به
الشرك، وخصّ به قريشاً خاصّة، فقال له: ((وإنّه لذكر لك ولقومك)))).
-
يسمي الحسن (ع) نفسه أمير المؤمنين، ولكن كتب التاريخ لا تعده منهم!
-
يسلم على الباغي سلام المسلمين رغم علمه بنفاقه، ولكنه (ع) يأخذ
بظاهره عند الناس حسبما يأمر به الشرع، وفي هذا تعليم للجميع أن يتقوا الله في
تكفير المؤمنين
-
كلنا نعلم أن النبي (ص) هو كما وصف سبطه المجتبى (ع)، ولكنه (ع) يقوم
بواجبه تجاه سيد المرسلين (ص) بالتأكيد على ماهيته عند الله إلى الناس + قيامه
بالواجب كاملاً
-
ثم يؤكد على نجاح الجهود المحمدية في إظهار الحق ومحق الشرك
-
ويلمح، بشكل غير مباشر، إلى منّة الله تعالى على قريش التي أعلى الله
ذكرها بإرسال خاتم المرسلين (ص) وبخاتمة الشرائع من قريش خاصة.
***
الفقرة 2
((فلما توفي، تنازعت سلطانه العرب، فقالت قريش:
نحن قبيلته وأسرته وأولياؤه، ولا يحل لكم أن تنازعونا سلطان محمد وحقّه، فرأت العرب
أنّ القول ما قالت قريش، وأنّ الحجّة لهم في ذلك على من نازعهم أمر محمد، فأنعمت
لهم، وسلّمت إليهم. ثم حاججنا نحن قريشاً بمثل ما حاججت به العرب، فلم تنصفنا قريش
إنصاف العرب لها؛ وأنّهم أخذوا هذا الأمر دون العرب بالإنصاف والاحتجاج، فلما صرنا
آل بيت محمد وأولياءه إلى محاجتّهم وطلب النصف منهم، باعدونا، واستولوا على
الخلافة بالاجتماع على ظلمنا ومراغمتنا والعنت منهم لنا. فالموعد الله، وهو الوليّ
النصير.))
-
يؤكد الإمام (ع) ما لم يزل البعض ينفيه كما ينفي الشمس عند الزوال،
وهو النزاع بين العرب على خلافة النبي (ص)
-
يقسم الناس إلى 3 أقسام: قريش ، العرب غيرها ، أهل البيت (ع)
-
كم دقيق كان الإمام (ع) عندما لم يقل مثلاً "طائفة من
المسلمين" و "طائفة أخرى"، ولا "المهاجرون" و
"الأنصار"، ولكن قال "قريش" و "العرب"، مما يلفتنا
إلى أنهم لم يكونوا ينطلقون من منطلق ديني إسلامي، ولكن من خلال العصبة العشائرية
-
هذه العصبة العشائرية تعطي الأفضلية لقريش قطعاً لأنهم الأقرب إلى
النبي (ص) من الأوس والخزرج وغيرهم
-
يؤكد الإمام (ع) على أن الخلافة من بعد الرسول (ص) تتضمن
"الحُكم/السلطان"، لأنه يقول أنهم (ع) "حاججوا" الآخرين،
وبالتالي فإنهم (ع) دخلوا النزاع؛ وبما أنهم (ع) أزهد الناس في الدنيا وسلطانها،
فإننا نعلم من هذا النص أنهم (ع) إنما أرادوا تبوأ مكانهم في السلطة من أجل القيام
بواجبهم في إمامة الدين والدنيا
-
قبلت العرب (الأنصار) بحجة قريش، ولكن الأخيرة كانت تتعامل في حجتها
باتجاه واحد! ما حاججوا به الأنصار أنهم أقرب إليه (ص) منهم رفضوه عندما حاججهم به
آل محمد (ص)!
-
هذا الرفض أدى إلى "إبعادهم (ع)" عن الأمر
-
وكله في إطار: الظلم + القسر (المراغمة) + الأخذ بالشدة والقسوة
(العنت)
-
يهددهم الإمام (ع) بالله تعالى يوم اللقاء يوم القيامة، وهو
"الولي النصير" لآل محمد (ص) بكل تأكيد، إذ لا يقف هؤلاء الصفوة موقف
الخصومة إلا وكان الله معهم.
(يتبع)
قراءة في رسالة الإمام
الحسن (عليه السلام) إلى معاوية
2 من 3
***
بمناسبة وفاة جدنا ومولانا أبي محمد الحسن
المجتبى (ع) (التي تصادف يوم 7 صفر)، أورد نص رسالة بعثها (ع) إلى معاوية بن أبي
سفيان، يذكر فيها دور أهل البيت (ع) المركزي في الدين، وكيف تعاملوا مع الأحداث
السابقة بما يحفظ الأمة، ويصف حال ذلك الباغي، ويدعوه إلى ما يجمع الكلمة ويصلح
ذات البين ويحقن الدماء.
ولكن أنى الاستجابة ممن ((في قلوبهم مرض فزادهم
الله مرضاً بما كانوا يكذبون)).
***
رسالة الإمام الحسن (ع) إلى معاوية بن أبي سفيان
شرح نهج البلاغة، إبن أبي الحديد، ج 16، ص 34
***
الفقرة 3
((ولقد كنّا تعجبنا لتوثّب المتوثّبين علينا في
حقّنا وسلطان نبيّنا، وإن كانوا ذوي فضيلة وسابقة في الإسلام، وأمسكنا عن منازعتهم
مخافة على الدّين أن يجد المنافقون والأحزاب في ذلك مغمزاً يثلمونه به، أو يكون
لهم بذلك سبب إلى ما أرادوا من إفساده.))
-
سلام الله على أبي محمد (ع) كيف يعبر بما يرسم صورة أمامك: "توثب
المتوثبين"، فكأنك تراهم يقفزون، بعد أن كانوا قد تهيأوا واستعدوا للقفزة
الكبيرة، بل الكبرى، فإنها عليهم (ع)، وفي أمرين: (1) ((حقّنا)) أي حق التصدّي
للمسؤولية الشرعية، لأن المتوثبين هكذا قالوا وهكذا فعلوا وبه تمكنوا، وهو التصدي
للمسؤولية الشرعية (2) ((سلطان نبينا))، آلية التنفيذ من خلال بسط اليد في السلطة.
-
والإمام (ع) يقول أنهم (ع) كانوا يتعجبون؛ ولكن النصوص متعددة أن
النبي (ص) حذر أهل بيته (ع)، لا سيما علياً (ع)، أن الأمة ((ستغدر بك بعدي)) كما
روى علي (ع) نفسه؛ بل أن القرآن حذر من هذا ((أفئن مات أو قتل انقلبتهم على
أعقابكم))، وكانت الآية بعد أُحُد وإشاعة قتله (ص) وعليه فلم يبق إلا الانقلاب بعد
موته (ص)؛ ولقد حذر (ص) من خيوط الفتن كما في حديث أبي مويهبة عندما اصطحبه النبي
(ص) معه لزيارة موتى البقيع – فكيف يقول الإمام (ع) أنهم كانوا يتعجبون؟ أظن أن
التعجب هو من إصرارهم على التوثب والاستيلاء على موقع المسؤولية على الرغم من
الإعلان تلو الإعلان – من القرآن ومن الرسول (ص) – على موقعيتهم (ع) وعلى التحذير
من مخالفتهم، فكأنه (ع): على الرغم من معرفتنا بما في نفوس البعض ولكنه ما كان
يخطر في بالنا أنهم يخالفون أمر الله ورسوله (ص).
-
مع هذا، لا يغفل الإمام (ع) ما لهؤلاء المتوثبين من "فضيلة"
+ "سابقة"، وهذا درس تعليمي لنا جميعاً أن لا نشطب على الشخص مهما كان
رأينا من مواقفه، وذلك عملاً بقوله تعالى ((ولا تبخسوا الناس أشياءهم)).
-
يعلن (ع) أن أهل البيت (ع) توقفوا عن المنازعة، بعد أن رفضوا – من
خلال علي (ع) – بيعة السقيفة، لأن هناك ما يتعلق بذات القضية: مسؤوليتهم الشرعية؛
فإنهم (ع)، إضافة إلى كونهم المبينين للشريعة، فإنهم "حرّاس الشريعة"،
فكان عليهم الاختيار بين المنازعة مهما كانت الخسائر والإمساك عن المنازعة من أجل
قطع الطريق على المنافقين ومن يسميهم (ع) بـ "الأحزاب" – سواء كانوا
عشائر أو أحزاب تشكلت داخل المدينة في العهد النبوي (كحزب مسلمة قريش، وحزب
الأنصار من الخزرج، وحزب الأنصار من الأوس، وحزب بني أمية وباقي مسلمة الفتح) – أن
ينتهزوا الفرصة لضرب الإسلام من الداخل.
***
الفقرة 4
((فاليوم فليتعجَّب المتعجِّب من توثّبك يا
معاوية على أمر لست من أهله، لا بفضل في الدين معروف، ولا أثر في الإسلام محمود،
وأنت ابن حزب من الأحزاب، وابن أعدى قريش لرسول الله (ص) ولكتابه؛ والله حسيبك،
فسترد غداً على الله فتعلم لمن عقبى الدار، وبالله لتلقينّ عن قليل ربّك، ثم
ليجزينّك بما قدمت يداك، وما الله بظلاّمٍ للعبيد.
-
أما معاوية، فلا يمكن قبول حتى ما قبله الإمام وأهل البيت (ع) من توثب
الآخرين، قبلوه على مضض وصفه علي (ع) ((وصبرت من كظم الغيظ على أمرّ من العلقم
وآلم للقلب من حَزِّ الشَّفار))، لأن معاوية ليس أهلاً له مطلقاً – فلا له فضيلة
في الدين، ولا له عمل جيد في الإسلام، بل على العكس...
-
...
فقد كان (بل بقي واستمر عليه) إبن أحد الأحزاب المحاربة للإسلام، وإبن رجل وعائلته
يصفهم الإمام (ع) أنهم الأشد عداوة من قريش للنبي (ص) والقرآن!
-
يحذره الإمام (ع) أن الحساب عند الله تعالى، لا غيره، وأنه قريباً
سيلقاه وعندها سيجد الفارق في النتيجة: الذين لهم عاقبة الدار من الجنة والرضوان،
والذين سيجزون ما اقترفت أيديهم المجرمة من ظلم في الدنيا.
(يتبع)
قراءة في رسالة الإمام
الحسن (عليه السلام) إلى معاوية
3 من 3
***
بمناسبة وفاة جدنا ومولانا الحسن المجتبى (ع) (التي تصادف يوم 7 صفر)،
أورد نص رسالة بعثها (ع) إلى معاوية، يذكر فيها دور أهل البيت (ع) في الدين، وكيف
تعاملوا مع الأحداث بما يحفظ الأمة، ويصف حال ذلك الباغي، ويدعوه إلى ما يجمع
الكلمة ويحقن الدماء.
***
رسالة الإمام الحسن (ع) إلى معاوية بن أبي سفيان
شرح نهج البلاغة، إبن أبي الحديد، ج 16، ص 34
***
الفقرة 5
((إنّ علياً لما مضى لسبيله ـ رحمة الله عليه يوم
قبض ويوم منّ الله عليه بالإسلام ويوم يبعث حيّاً، ولاّني المسلمون الأمر بعده.
فأسأل الله أن لا يؤتينا في هذه الدنيا الزائلة شيئاً ينقصنا به في الآخرة مما
عنده من كرامة.))
- أنظر إلى لسان التواضع من إمام الهدى،
في التعبير وفي عدم الغفلة لحظة عن أن الفضل كله من الله تعالى:
- يذكر أباه علي بن أبي طالب (ع)، الذي
كان معاوية وغيره قد سمعوا عظيم مدحه والثناء عليه في كتاب الله وكلام رسوله (ص)، بتعبير
التواضع لله، فقد مضى (ع) كما مضى وسيمضي غيره من البشر، وغيره من الحكام.
- فيترحم عليه، من جملة ما يترحم، يوم
أنعم الله عليه بنعمة الإسلام، كأي مسلم، مع أن علياً (ع) لم يسجد لصنم قط وكان
على الإسلام الحنيفي الإبراهيمي مدة عمره، وولد في بيت حنيفي، ثم انتقل إلى أشرف
بيت في الدنيا – بيت محمد (ص) وخديجة سيدة النساء (ع)؛ فيعلمنا أن لا نغفل أن
الفضل ((بيد الله يؤتيه من يشاء)).
- يقول (ع) ((ولاني المسلمون الأمر
بعده))، وفي هذه الجملة القصيرة أبحاث طويلة!
(1) ((ولاّني)) بايعني بالولاية على الشؤون العامة،
قالوا: نوليك إدارة شؤوننا – هذه هي الولاية والحكم، مسؤولية إدارة شؤون الذين
طلبوا من الحاكم ذلك، همٌّ ثقيل، وليست جائزة يتوثب عليها المتوثبون
(2) ((المسلمون)) إذاً الجمهور هو الذي يقوم بتولية
الحاكم لإدارة شؤونهم، وعليه فكما أن الإنسان يقوم بعمل وكالة لمن يريد ليقوم له
بشؤونه فإن الشعب يقوم بهذا لفرد واحد، نائب برلمان أو البلدية أو الرئيس، لإدارة
شؤونه وكالة وليس تسلطاً عليهم
(3) ((الأمر)) وهو مصطلح يأتي في القرآن بمعان،
أهمها "الحكم" ((أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم))، ولكنه
حكم شرعي متلبس بالموقعية الدينية، لأن ((أطيعوا الله)) طاعة في كل شيء ديني
ودنيوي، و ((أطيعوا الرسول)) طاعة في كل شيء ديني ودنيوي، فتكون ((وأولي الأمر
منكم)) مثلهما؛
ومن يجادل في هذا نسأل: أليست "أطيعوا
الله" في القرآن = طاعة القرآن كله؟ أليست "أطيعوا الرسول" في
القرآن = طاعة البيان الرسولي للقرآن، فكيف لا تكون "أطيعوا أولي الأمر"
= طاعة أولي الأمر في القرآن وبيانه أيضاً؟
فنسأل استطراداً: هل أن الحكام المتسلطين عبر
التاريخ ممن يؤخذ منهم القرآن وبيانه؟!
نعم، كان هناك منهم من عنده علم شرعي، كالخلفاء
الثلاثة الأوائل، ثم كان هناك من عنده علم شرعي كعمر بن عبد العزيز، وبعض الخلفاء
هنا وهناك، ولكن هل تجوز في حق حتى هؤلاء آية قرآنية تأمر بالطاعة مطلقاً دون
استثناءات؟
(4) ((بعده)) يشير (ع) بشكل غير مباشر إلى
الاستمرارية في الحكم الشرعي بعد أبيه (ع)، وهو ما يجعلنا نسأل:
لو لم تكن إمامة أهل البيت (ع) نصاً معروفاً
مقبولاً عند الناس، لماذا بايعت الحسن (ع) جميع المناطق التي كانت تحت سلطة علي (ع)
بعد أبيه (ع) دون اعتراض؟
لم يفرض عليهم أحد ذلك.
ولو لم تكن هذه الإمامة العظمى نصاً شرعياً،
لماذا لم نجد واحداً فقط من الخلق، وبضمنهم شيعة علي (ع)، أو أحد من الصحابة
الكبار، من يعترض ويقترح تولية الحسين (ع)؟
ولماذا خضع الحسين (ع) وسائر بني هاشم لولاية
الحسن (ع)؟
القضية لم تكن أن الولد الأكبر يرث الأب المتوفى،
فإن أهل البيت (ع) ليسوا من المتسلطين، والدنيا عندهم ((أهون من عفطة عنز))، فلا
بد إذاً أن تكون نصوصاً شرعية لا يملكون حتى هم (ع) التخفف منها، لأنها مسؤولية
وأمانة إلهية ألقيت على عاتقهم.
(نقطة على الهامش:
نسمع من الكثيرين إشكالاً على أن إمامة أهل البيت
(ع) تجعل الحكم في الإسلام وراثياً، وهذا مرفوض تماماً عند هؤلاء الديمقراطيين
جداً الدعاة إلى التبادل السلمي للسلطة جداً!
نقول لهؤلاء:
أولاً / لو كانت إمامتهم (ع) وراثية لاستمرت في
أولاد الحسن (ع) وليس الحسين (ع).
ثانياً / لماذا تقبلون الحكم الوراثي لآل سعود
وآل ثاني وآل شعيط ومعيط وتطيعونه طاعة تامة، وتقبلون وتدافعون عن طاعة بني أمية
وبني العباس وسائر الحكام، ولكن لا تقبلون بحكم آل محمد (ص) حتى على فرض فهمكم
الخطأ أنه وراثي؟!)
- الإمام (ع) يعيش الوعي التام، كإنسان
صار متقلداً للإمارة والسلطان، أن لا يسقط في الدنيا التي تنفتح بحبائلها على
الحكام، فيدعو الله أن يمنع عنه أي عطاء دنيوي نتيجته إنقاص العطاء الأخروي؛
الإمام (ع) لا يمانع في العطاء الدنيوي – فإنه مما لا بد منه – ولكن المهم أن لا
يكون على حساب الآخرة.
***
الفقرة 6
((وإنّ ما حملني على الكتابةِ إليك، الإعذار فيما
بيني وبين الله عز وجل في أمرك؛ ولك في ذلك إن فعلته الحظّ الجسيم والصلاح
للمسلمين. فدع التمادي في الباطل، وادخل في ما دخل فيه الناس من بيعتي، فإنّك تعلم
أنّي أحق بهذا الأمر منك عند الله، وعند كلِّ أوّاب حفيظ، ومن له قلب منيب. واتق
الله، ودع البغي، واحقن دماء المسلمين، فوالله ما لك من خير في أن تلقى الله من
دمائهم بأكثر مما أنت لاقيه به، وادخل في السِّلم والطاعة، ولا تنازع الأمر أهله
ومن هو أحق به منك، ليطفئ الله النائرة، ويجمع الكلمة، ويصلح ذات البين. وإن أنت
أبيت إلا التمادي في غيّك، سرت إليك بالمسلمين فحاكمتك، حتى يحكم الله وهو خير
الحاكمين".))
- يقوم الإمام (ع) بواجبه في تكليفه
الشرعي تجاه ذلك الباغي وينصحه أن ما سيدعوه إليه فيه النفع له وللمسلمين.
- يدعوه إلى ترك ذلك الاتجاه الباطل،
ومبايعته (ع)، وذلك لأنه (ع) أولى بالأمر... عند من؟
عند الله، لأنه هو الذي نصبه واحداً من أئمة
الهدى وأعلام التقى
عند كل إنسان يعود إلى تعالى بالتوبة، ويحفظ ما
عاهد الله عليه
- ينصحة بالتقوى وترك طريق البغي، فإنه
باطل حرام في أصله + يتسبب في إراقة الدماء
- هذا أصلاً، فكيف إذا كان كمعاوية الذي
ولغ في دماء المسلمين من أجل الملك
- مرة أخرى يدعوه إلى بيعته (ع)، مع وصف
ذلك أنه الدخول في "السلم" بدلاً من الحرب وإراقة الدماء
- بهذا تنطفئ نار الحرب + يتوحد الناس +
يبدأ إصلاح ما خرب
- إذا أصر على العناد، فإن الإمام (ع)
يهدده بالحرب حتى يحكم الله. مع ملاحظة:
مع ملاحظة قوله أنه يسير إليه ((بالمسلمين))، فإن
هذه إشارة إلى أن جماعة المسلمين إنما هي مع إمام الحق، ومن يقف عدواً محارباً له
ولهم يخرج من هذه الجماعة.
***
نتيجة اصطفاف الأمة مع الباغين الظالمين
لكن مما يؤسف له أن الأحداث جرت بما قوّت جانب
الباغي وحزبه، بعضها من فعله هو، بشرائه الذمم وغير ذلك من مكر، وبعضها بضعف الناس
حول الحسن (ع)، لا سيما وقد استلم الأمر بعد وفاة أبيه (ع) والناس قد تعبت من
الحرب، ولا ينتظر منهم أكثر بلحاظ أن الكثيرين، إن لم يكن الأكثرين، لم يكونوا
يؤمنون بالحسن (ع) ولا حتى بأبيه (ع) إمامين مفترضي الطاعة من عند الله، بعبارة
أخرى، لم يكونوا من الشيعة، كما لم يكونوا من صحابة النبي (ص) الذين عرفوا من هو
علي (ع) في سابقته وفضله وقربه من النبي (ص) ولا في مواقفه الفريدة ولا في
التصريحات القرآنية والنبوية في منزلته وموقعيته، فقد استشهد جميع من بقي من
البدريين (حوالي 80) وجميع من بقي من الرضوانيين إلا قليلاً جداً (حوالي 700)، مع
الكثير من التابعين الذين عرفوا من الصحابة ما عرفوا.
وهكذا جرت الأمور كما يعلم الجميع، وانتصرت إرادة
قريش التي عقدت العزم على منع أهل البيت (ع) من القيام بتكليفهم الشرعي من خلال
الخلافة مبسوطة اليد؛
فانتهى الحال كما اختصره بعضهم، وهو يخاطب من
يشعر بالحزن لآلام الدنيا ومصائبها – يقول له إن في تلك المظالم العظمى التي حصلت
لآل محمد (ص) ومعهم للإسلام والمسلمين مواضع للتعزّي والتصبّر:
تَعَزَّ فكمْ لكَ
من أُسوةٍ * تُسكِّنُ عنكَ غليلَ الحَزَنْ
بموتِ النبيِّ وخذلِ
الوصِيِّ * وذَبحِ الحسينِ وسَمِّ الحَسَنْ
وجَرِّ الوصيِّ وغَصبِ
التُّراثِ * وأخْذِ الحُقوقِ وكَشْفِ الإحَنْ
وهَدْمِ المَنارِ
وبيتِ الإلهِ * وحَرقِ الكتابِ وتَركِ السُّنَنْ
(إنتهى)