عظم الخالق في أنفسهم فصغر ما دونه في أعينهم
1 من 8
***
قال تعالى
في كتابه العزيز:
((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيكُمُ
الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ)) البقرة:183؛
وهذا يشير إلى أن الغاية من الصيام هي تحقيق
"التقوى" في "الذين آمنوا".
وتعبير "الذين آمنوا" ليس بالضرورة "المؤمنين" بمعنى تحقق
صدق الإيمان في قلوبهم،
ولكنه – في أغلب الآيات – التعبير القرآني على
"الجماعة المسلمة" التي أعلنت دخولها الدين الجديد (لا سيما والتعبير
بالفعل الماضي "آمنوا")،
وهؤلاء فيهم أنواع المسلمين، وحتى المؤمنون فيهم
تتفاوت درجاتهم الإيمانية، بل تتفاوت أحوال كل شخص منهم حيث أن الإيمان يزيد وينقص
ويأتي ويذهب حسبما ينص عليه القرآن.
مثلاً يقول تعالى:
((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللهِ
وَرَسُولِهِ وَالكِتَابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلَىٰ رَسُولِهِ وَالكِتَابِ الَّذِي أَنزَلَ مِن قَبل، وَمَن يَكفُرْ بِاللهِ
وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَاليَوْمِ الآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً
بَعِيدًا)) النساء:136،
فهم قد "آمنوا"
بالله ورسوله (صلى الله عليه وآله) عندما أعلنوا الدخول في الإسلام، ولكن لا
يزالون بحاجة إلى التسامي في الدين الجديد وتفعيله في حياتهم حتى يصدق عليهم وصف
"المؤمنين".
وعليه:
فإن الصيام = آلية لجميع المسلمين باتجاه التقوى،
حيث أننا نجد القرآن الكريم يحث في طياته على "التقوى"
بأشكال مختلفة،
مثلاً، يقول تعالى:
((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّـقُوا اللهَ وَلتَنظُرْ نَفسٌ
مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّـقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعمَلُونَ . وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللهَ فَأَنسَاهُمْ
أَنفُسَهُمْ أُولئِكَ هُمُ الفَاسِقُونَ))
الحشر:18-19،
فإن صفة "الذين
آمنوا" تحتاج إلى "اتقوا الله" كي تمنع من السقوط في "نسوا
الله"، ولا شك في أن "نسيان الله" تعالى يناقض صدق الإيمان.
بل ويصل إلى القول:
((فَاتَّـقُوا اللهَ مَا
استَطَعتُمْ وَاسْمَعُوا وَأَطِيعُوا وَأَنفِقُوا خَيْرًا لأَنفُسِكُمْ، وَمَن
يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأولَئِكَ هُمُ المُفلِحُونَ)) التغابن:16،
أي أن "التقوى"
هي الأهم، وعليك الاستزادة منها مهما كانت ظروفك وقابلياتك،
فلا تقل أنا أضعف من هذا
أو أن ظروفي لا تساعد على هذا، لأن الله يعلم ذلك كله،
المهم هو مسيرتك الصادقة
في التصاعد في حالة التقوى،
ومهما نجحت في الوصول إليه
فهو حسن جميل.
***
فكم هي مهمة هذه
"التقوى".
لهذا، فلا عجب أن المولى
عز وجل قد جعل لها شهراً كاملاً في السنة، بآلية الصيام، من أجل تحقيقها في
النفوس،
((كُتِبَ عَلَيكُمُ الصِّيَامُ ... لَعَلَّكُمْ
تَتَّقُونَ)).
***
في بداية شهر رمضان المبارك، شهر الصيام الذي يستهدف
تحقيق التقوى، سأورد غداً إن شاء الله خطبة للإمام علي (عليه السلام) يصف فيها
"المتقين"،
ثم في عدة أيام بعدها نحاول الاستفادة من بعض كلماتها
في واقع حياتنا،
والتي يمكن جعلها كلها ضمن العنوان الأكبر لقوله
(عليه السلام) في تلك الخطبة:
((عَظُمَ الخَالِقُ فِي أنفُسِهِمْ فَصَغُرَ مَا
دُونَهُ فِي أَعيُنِهِمْ)).