بحوث الأمة المسلمة في دعاء إبراهيم وإسماعيل (ع)
الحلقة ح5 / الرسول (ص)) – المرجعية النبوية
رابط يوتيوب: https://youtu.be/sgTsFx1cvSw
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب
العالمين بارئ الخلائق أجمعين والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين سيدنا
ومولانا محمد وآله الطاهرين
هذا التسجيل رقم 7 من تسجيلات الرسول
المبعوث في الأمة المسلمة في دعاء إبراهيم وإسماعيل(ع)) ((رَبَّنَا
وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آَيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ
الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ)) الجزء(ج) وهو المرجعية النبوية.
قلنا أن هناك مرجعية محمدية بشرية بصفة
الأمين، وهناك مرجعية نبوية بصفة النبي، وهناك مرجعية رسولية بصفة الرسول ((الَّذِينَ
يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الامِّيَّ))...
وقلنا أن المرجعية المحمدية بصفته البشرية
ضيقة في نطاق التشريع ولكنها واسعة في نطاق الهَدي، إتباعه بطريقته ومنهاجه في
الحياة.
المرجعية النبوية هذه فيها أيضاً الجانب
التشريعي وفيها الجانب الإداري، إدارة المجتمع، فهي ذات نطاق أوسع من المرجعية
البشرية مرجعية الأميّ، وهي أضيق من المرجعية الرسولية المتعلقة بالرسالة كلها
التي لها امتداد الزمان والمكان والآفاق التي يتحرك فيها الدين.
نأخذ هنا نصاً واحداً لكل منهما الإدارة
والتشريع:
أما في الإدارة فنأخذ النص
التالي سورة الأحزاب الآية 6 ((النَّبِيُّ أَوْلَى
بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ وَأُولُو
الارْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ
وَالْمُهَاجِرِينَ إِلا أَنْ تَفْعَلُوا إِلَى أَوْلِيَائِكُمْ مَعْرُوفًا كَانَ
ذَلِكَ فِي الْكِتَابِ مَسْطُورًا)).
وأما في التشريع حركة
المرجعية النبوية في التشريع فالآية الأولى من سورة الطلاق ((يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ
لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ وَاتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ لا
تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلا يَخْرُجْنَ إِلا أَنْ يَأْتِينَ
بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ
فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ لا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ
أَمْرًا)).
المرجعية
النبوية في الإدارة
هنا نجد أن الصفة النبوية مقارنة بالصفة الرسولية،
الصفة النبوية تتعلق بالأمور الإدارية والإجرائية منه(ص) كرئيس للدولة
ومنظم لشؤون المجتمع الوليد، كما نجده في إصدار الأمر الإلهي في هذه الشؤون، من
خلال النبي(ص).
يعني من الخطاب في الآية الأولى ((النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ)) وفي الثانية ((يَا أَيُّهَا
النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ)) الله تعالى يتحدث معه، ومعنى هذا أن الحكم الشرعي الذي سينزل وهذه
التعليمات الإدارية ستتحرك من خلال مرجعيته النبوية. ونحن نعلم أن مقام النبوة مساحة
حركته أضيق من مقام الرسالة، لأن النبي يمكن أن يكون في قومه في عشيرته فقط، يعني إبراهيم(ص)
رسول، رسالته عالمية، آمن له لوط(ع) الذي هو نبي يتحرك في نطاق
ضيق، أضيق بكثير من نطاق حركة إبراهيم(ع). فإصدار الأمر الإلهي في هذه
الشؤون من خلال النبي سواءً بإعلام المسلمين عن مختصات النبوة ((النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ)) أو من خلال توجيه الخطاب إليه ((يا أيها النبي))، وهو موجود في القرآن
في العديد من الآيات، يعلمنا أنه يتحرك من هذه المرجعية.
فلو نظرنا إلى الآية الأولى ((النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ)) هذه مهمة جداً: الإنسان له ولاية على نفسه لا يتقدم عليه فيها أحد،
يعني لا يستطيع أحد أن يأتي ويقول لي أنت اذهب وارمِ بنفسك في النهر، أنت الآن
اذهب وافعل كذا وكذا.. أجبرك عليه، لا أحد يستطيع، ولكن النبي(ص) يستطيع،
لأن الله تعالى جعل له الولاية على المؤمنين أعلى من ولايتهم، متقدمة على ولايتهم
على أنفسهم، ولو قال "أنا أولى بكم من أنفسكم" لما قبلوا منه، لقالوا
هذا يتكلم هو من عنده، لكن نزلت آية ((النَّبِيُّ
أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ)) يتحدث عنه معهم ((النَّبِيُّ أَوْلَى
بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ)) – تصور
يصبح له ولاية عليك بهذا الشكل.
و ((أَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ))، هذه
الصفة لا توجد صفة لأحد من الناس، تصبح هي أماً للآخرين، لا يوجد هكذا شيء، لكن
هنا النبي(ص) أزواجه تصبح لهن مكانة الأم، لم يقل مكانة الخالة أو
العمة أو الأخت ولكن الأم، لأننا نعلم أن الأم هي الوحيدة التي يبقى لها الاحترام
ويبقى لها وجوب الرعاية مهما فعلت وصنعت، فأعطى هذه الصفة، هذا من جانب. لأن هذا
بيت النبي(ص) ولا يريد الله تعالى أن يُتوصل إلى رسوله(ص)
من خلال الأزواج، فمنع ذلك منعاً باتاً بأن أعطى لهن مرتبة الأم.
فموضع الشاهد ((النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ)) فأصبح بولايته عليهم له الحق أن يدير المجتمع بأي طريقة يراها مناسبة،
إلى الدرجة التي يستطيع أن يقول لك أنت الآن هذا تنّور مُسجّر ارمِ نفسك في التنور
لأن هذا فيه مصلحة الدين، أنت الآن إفعل كذا، تفعل كذا، يجب عليك، ((النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ)) لن تستطيع أن تقول أنك لا تستطيع أن تجبرني على شيء، أنا لا يعجبني
هذا، لا أظن ...
المرجعية النبوية في التشريع
وأما الثانية ((يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ..)) هنا يتحدث مع النبي(ص)، يُنزل إليه التعليمات الإدارية
كيف يدير هذه القضية، قضية موجودة في المجتمع وفي كل مجتمع ولن تنتهي قضية الطلاق.
فـ ((يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ)) ماذا تفعلون؟ ((فَطَلِّقُوهُنَّ
لِعِدَّتِهِنَّ..)) هذا جزء من التشريع؛ ((وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ)) كم؛ ((وَاتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ)) يرجعنا
إلى مقام التقوى لأن كثيراً من التجاوزات تحصل عند الطلاق، تحصل على النساء؛ ((لا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلا يَخْرُجْنَ إِلا أَنْ يَأْتِينَ
بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ)) كلها إجراءات
إدارية؛ ((وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ)) يا أيها النبي تلك حدود الله، قل للناس هذا ليس من عندي، وأن هذا من
عندي، أنا الذي أنزلت عليك التعليمات؛ ((وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ لا تَدْرِي
لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا)) التي قيل في تفسيرها أنها نزلت في القضية الأخرى قضية ماذا في الطلاق
والتسريح سراحاً جميلاً وكذا... هذا ليس هو الموضوع.
الموضوع هنا هو الشاهد في الآية وهو
المرجعية النبوية في إطار التشريع ((يَا أَيُّهَا
النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ
وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ))، ((لا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ))، هذا اعتبره بيتها، يعني هو بيت الزوجية، ولكنه اعتبره بيتها حتى تنتهي
العدة.
هذا الذي نجده في اللغة من هاتين الآتين،
الآية التي هي في التشريع وآية في الإدارة.
هذه الآيات وآيات الأمة المسلمة
فإذا أردنا أن نربط ذلك مع آيات الأمة المسلمة،
فسنجد أن آية الولاية ((النَّبِيُّ أَوْلَى
بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ))) من أوضح
ما يكون في العلاقة بالأمة المسلمة، فإنه(ص)) عندما أتمّ نصب علي(ع)
إماماً للناس – أقول "أتمّ" لأنّ نصب علي بدأ منذ الأيام الأولى للدعوة
منذ ((وأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الأقرَبِين)) فقال(ص): ((هذا أخي وولييّ
وخليفتي من بعدي))، لكن هذا استغرق 23 سنة، في آخرها في الثامن عشر من ذي الحجة
الحرام بعد أن عاد من حجة الوداع قبل وفاته بنحو شهرين ونصف، عندما أقامه إماماً
للناس لم يرفع يديه ويقول "عليّ هو وليكم، علي هو إمامكم"، لا.. قدّم(ص)
ذلك بماذا؟
وقف(ص) واستشهدهم على أصول
الدين، ((ألستُم تشهدون أن لا إله إلا الله وأني رسول الله؟)) قالوا: "نعم"؛
((ألستم تشهدون أن الجنة حق والنار حق وأن الله يبعث من في القبور؟)) قالوا:
"نعم" .... إلى أن قال(ص): ((ألستم تشهدون أني أولى بكم من أنفسكم؟))
هي هذه الآية؟ أولستم تشهدون بهذا؟ قالوا: "بلى". لماذا قالوا بلى؟ لأن
هذا الذي نزل عليهم في القرآن وبلّغه(ص) إليهم منذ سنوات قبل ذلك
والقضية أصبحت معلومة أن رسول الله(ص) أولى بهم من أنفسهم، يأمر فيُطاع.
شهدوا هنالك، فرفع(ص) بيد عليّ(ع)
وقال: ((اللهم من كنت مولاه فهذا عليٌّ مولاه)).
الآن امتدت هذه الولاية التي لي والتي هي
أعلى من ولايتكم لأنفسكم، ولاية كل منكم لأنفسكم امتدت الآن لعليّ، فصار عليٌّ
أولى بكل واحد منكم من نفسه.
فإذاً هذه الآية التي هي تقول ((النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ)) هي من أصرح ما
يكون في العلاقة بالأمة المسلمة ومن أتمّها. الله تعالى يعلم أن هذا الذي يريده ويعلم أن هذا الذي سيكون من نبيّه(ص)
لأنه هو الذي أمره به، لأن هذا الذي يجب أن يكون من هذه الأمة الذرية المسلمة التي
يدعو بها إبراهيم وإسماعيل(ع)، وأنها تُطلَق إلى الناس لتكون هي
القائدة لهم؛ كيف تكون كذلك وهي ليست لديها ولاية مقدمة على ولاية الناس لأنفسهم؟
فهذا من هذا.
وأما الآية الثانية آية الطلاق ومثيلاتها فإنها من التشريعات التي
ستتعامل معها الأمة المسلمة بالاتباع التام المطلق للرسول المبعوث فيها، يعني ليس كما تعاملت مع الآية الأولى، لكن تعاملت مع آية الطلاق، أصبحت
الآن تشريعات الطلاق من هذه الآية ومن آيات أخرى، تعاملت معها على أنها تشريع واجب
الاتباع لأن التشريع من الله تعالى واجب الاتباع.
مع تنبيه إلى أن في مذهب أهل البيت(ع)
المشرّع هو الله تعالى حصراً، حتى رسول الله(ص) لا يستطيع أن
يشرّع، هو يبيّن التشريع، يكشف التشريع؛ في المذاهب الأخرى لا، يمكن للرسول أن
يشرّع هو، بل حتى يمكن لغيره أن يشرّع. هذه نلفت إليها أن الشارع هو الله تعالى
حصراً لأنه هو الأعلم بمصلحة الناس من العباد.
وصلى الله على محمد وآله الطاهرين.