بحوث الأمة المسلمة في دعاء إبراهيم وإسماعيل (ع)
الحلقة ح9 / الرسول (ص) – تحكيم الرسول(ص) والصد عنه(ص)
رابط يوتيوب: https://youtu.be/WswijcFQ7_A
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين وصلى الله
على سيدنا محمد وآله الطاهرين
التسجيل الأخير من
تسجيلات الرسول المبعوث في الأمة المسلمة من دعاء إبراهيم وإسماعيل(ع) ((رَبَّنَا
وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آَيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ
الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ)).
بعد أن جُلنا في
أمثلة قليلة جداً بالطبع من آيات الرسول(ص) في القرآن في صفاته، في علاقته
بالقرآن انفصالاً وامتزاجاً، وفي مكانته في خلق الله من خلال مكانته عند الله، من
خلال شهادته على الناس، من خلال مكانته في صراع الهدى والضلال، وفصّلتُ في أنواع
المرجعيات، المرجعية البشرية لكونه(ص) هو الأميّ يعني محمد البشر
الأميّ من أم القرى من مكة، وفي مرجعيته النبوية في خطاب الله ((يا أيها النبي))
ثم في مرجعيته الرسولية بحلقاتها أو مساحاتها الثلاث من الأضيق إلى الأوسع...
بقي عندنا أمر هو
عند المؤمنين من البديهيات أو هكذا يجب أن يكون، بل عند كل المسلمين هكذا يجب أن
يكون، وهو من البديهيات ولكن الواقع شيء آخر. الله تعالى يعلم بما يكون من الناس ولهذا
كان القرآن يحثّ حثّاً شديداً لترسيخ الأمر بطاعة الرسول(ص) والتحذير
الشديد من معصيته، من التولّي عن طاعته، من الصدّ عنه فيما يأتي منه، فهذه الجوانب
الثلاثة من مرجعيته ولاسيما المرجعية النبوية التي هي في الإدارة وفي التشريع
والمرجعية الرسولية التي هي الأوسع والتي تشمل الرسالة كلها، نتكلم في هذا التسجيل
الذي هو بعنوان "تحكيم الرسول(ص) + الصد عنه(ص)"،
يعني "وجوب التحكيم ووجوب عدم الصدّ عنه".
إخترت نصوصاً من
الآيات، أربعة نصوص نأتي عليها ونتكلم فيها باللغة وبعد ذلك علاقتها بالأمة
المسلمة.
الآية 143 من سورة
البقرة (وقد ذكرتها في تسجيل سابق في قضية تحويل القبلة بإطار ((وأطيعوا الرسول))
التي هي المساحة الأكبر في المرجعية الرسولية): ((وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ
أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ
عَلَيْكُمْ شَهِيدًا وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْهَا إِلا
لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ وَإِنْ
كَانَتْ لَكَبِيرَةً إِلا عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ وَمَا كَانَ اللَّهُ
لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ)).
الآية الثانية: ((كَيْفَ
يَهْدِي اللَّهُ قَوْمًا كَفَرُوا بَعْدَ إِيمَانِهِمْ وَشَهِدُوا أَنَّ
الرَّسُولَ حَقٌّ وَجَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ
الظَّالِمِينَ)) آل عمران:86.
وأما الآية التي
تذكر التحكيم بالذات وما يجب أن يُفعل، كيفية التعامل معه من المؤمنين: ((فَلا
وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا
يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)) النساء:65.
وآية مشابهة، الأحزاب:36، هذه الآية الرابعة
لما اخترت: ((وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ
إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ
أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالا مُبِينًا)).
1 / الآية الأولى
النظر في اللغة
مباشرة، ما نفهمه من اللغة.
سنعلم (في الفصول
القادمة) في فصول الأمة المسلمة قضية شهادة الأمة المسلمة على الناس بآيات، لأنها
هي الأمة الوسط ((وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ
أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ
عَلَيْكُمْ شَهِيدًا))، أن مقام الشهادة
للرسول(ص) سيكون لهم(ع) من بعده أيضاً، لأنه علّمهم الكتاب
والحكمة، فسيكون(ص) شاهداً عليهم على هذه الأمة المسلمة من ذرية إبراهيم
وإسماعيل(ع)، شاهداً كيف صنعت كيف قامت بواجباتها ووظيفتها وهذا
سيكون مشابهاً لهم ((لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيداً))، هم
يشهدون على الناس بعد أن قاموا بواجبهم مع الناس، بيّنوا طريق الهدى والضلال،
رسّخوا وأعلنوا ما جاءهم من الرسول(ص) فيكون لهم(ع) مقام
الشهداء الشاهدين على الناس يوم القيامة كيف صنعوا. فهذه الآية نفسها تصدح عالياً
بالمسلمين أن يراقبوا طاعتهم للعترة الطاهرة(ع) عندما تذكر موضع تحويل
القبلة، فتقول ((وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ
عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا وَمَا جَعَلْنَا
الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْهَا إِلا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ
مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ)).
ذكرنا في تسجيل
سابق أن القضية كانت شديدة عليهم في تحويل القبلة، اليهود كانوا يقولون أنتم
تتبعون ديننا، أو على الأقل إنكم إنما تتبعون الخط الذي نحن عليه، أنتم عيال
علينا، نحن المؤسسون لهذا الخط والدليل أنكم تصلّون إلى بيت المقدس، فكان شديداً
على المسلمين.. والرسول(ص) يتوقع أن المسلمين كانوا يتكلمون في هذا، هو
نفسه كان يشعر بهذا الضغط فكان يقلّب وجهه في السماء، وهذه الآية تثبت أنما الأمر
كان من أجل أن يُخرج اللهُ تعالى ما في دواخلهم، لأنه عندما يقول ((إلاّ لنعلم))
ليس لأن الله تعالى لم يكن يعلم ما فيهم وما سيكون من كل واحد منهم، يرضى بتحويل
القبلة؟ يسلّم؟ لا يقبل؟ يعترض؟ أو يرضى ولكنه يحزن لهذا.. درجات مختلفة، ردود فعل
مختلفة، فاللّه تعالى يعلم ذلك، ولكن ((إلاّ لنعلم)) إلا لنظهره معلوماً للنبي(ص)،
لكم، كما يفعل من أجل أن يظهره معلوماً يوم القيامة من أجل أن يحاسب على أساس ذلك،
لأنه لو حاسب إنساناً على أساس داخله سيقول: لا أنا لم أفعل، والله تعالى أعدل من
هذا. فكان يخرج ما في دواخلهم من حقيقة البخوع للأمر الإلهي باتباع الرسول(ص)
كائناً ما يكون الأمر حتى لو كان تحويل القبلة من مكة المعظمة التي يعظمونها من
قبل الإسلام إلى الاتجاه 180 درجة معاكس جغرافياً وبظاهرية تبع أهل الكتاب بيت
المقدس.
فكان يحذّر في هذه
الآية مَن يتّبع الرسول(ص)، لم يقل من لم يتبعه، بل ((فمن ينقلب على
عقبيه))، والتي نجدها في آية أخرى شهيرة عندما يذكر موت النبي(ص) أو
قتله، يقول ((أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ
وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي
اللَّهُ الشَّاكِرِينَ)) آل عمران:144، هذا الوصف نفسه الذي حصل يوم معركة أُحُد
في انقلاب الأعقاب، هو نفسه الوصف الذي حذّرهم منه بعد موته(ص) ما
أشارت إليه الزهراء(ع) في خطبتها لتصف ما فعلوه من ضرب أمر رسول الله(ص)
عرض الحائط.
وتفرّق هذه
الآية بردود الفعل، قلنا هناك درجات،
لكن القسمين الأساسيين في ردود الفعل كان أن البعض كانت كبيرة عليهم لم يكونوا
راضين، والبعض الآخر كانوا راضين وهم الذين وصفهم الله ((الذين هدى الله)) ((وَإِنْ
كَانَتْ لَكَبِيرَةً إِلا عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ))، أما هؤلاء كانت كبيرة
عليهم لم يتحملوها. هذه الآية الأولى.
2 / الآية الثانية ((كَيْفَ
يَهْدِي اللَّهُ قَوْمًا كَفَرُوا بَعْدَ إِيمَانِهِمْ وَشَهِدُوا أَنَّ
الرَّسُولَ حَقٌّ وَجَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ
الظَّالِمِينَ)) آل عمران:86...
تتحدث عن مسلمين
دخلوا في الإسلام شهدوا أن الرسول(ص) حق وأنه جاءهم بالبيّنات الواضحات
أيضاً، الواضحات على صدقه فيما يقول، في عقيدة التوحيد وفي الأمور الأخرى من غير
العقائد ومن غير الأحكام مما هو يأتي من عند الله. هؤلاء
بعد أن آمنوا إذا بهم ينقلبون كافرين، وبعد أن شهدوا أن الرسول(ص)
حق وأنه جاءهم بالبيّنات ماذا يعني هذا؟ يعني أن
هؤلاء إما لم يكونوا باطناً من المؤمنين حقاً فكانوا من المنافقين، وإما لا: هم
آمنوا ولكن كانوا ضعاف الإيمان فتلزلزلوا وتراجعوا فارتدوا، وهؤلاء يقعون في
المصيبة العظمى أن الله تعالى يكفّ عنهم فيضه في الهدى ((كَيْفَ يَهْدِي اللَّهُ
قَوْمًا كَفَرُوا بَعْدَ إِيمَانِهِمْ وَشَهِدُوا أَنَّ الرَّسُولَ حَقٌّ
وَجَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ))
الهداية يعني كيف يهديهم وهم على هذه الحال؟ مَن الذي يضمن أن إذا هداهم قسراً لا
يرجعون بعد ذلك إلى الارتداد؟ حصل هذا معهم.
الله لا يهدي القوم
الظالمين، هؤلاء ظلموا الحقيقة، ظلموا رسول الله وظلموا أنفسهم. هذه من الآيات
التي تشير إلينا أن الذي يؤمن برسول الله(ص)
لا يجوز له، لا مجال هناك لأن يكفر ولو بشيء مما جاء به الرسول(ص)،
لأنه من الممكن أنه عندما يقول الله لا يهدي القوم الظالمين، لم يقل الكافرين،
إذاً هؤلاء كفروا ببعض، هذا الذي نتلمّسه من هذه الآية، كفروا ببعض وبقوا على
إيمانهم ببعض، شهدوا أن الرسول(ص) حق وجاءهم بالبيّنات ثم كفروا
بعد إيمانهم، أنت عندما تأخذ البعض وتترك البعض هذا يعني أنك باقٍ في الجماعة
المسلمة، أنت تصلي أنت تفعل كذا ولكن أنت لا يعجبك شيئاً آخر، فهنا وصفهم بالظلم،
هذا لأنهم صدّوا عن رسول الله(ص) في بعض ما جاء به، وربما صدّوا في
الجميع مما في دواخلهم مما لا يعلمه إلا الله.
3/ الآية الثالثة، هذه الآية مفصلية ومهمة جداً، وربما لا يتم النظر
فيها بدقة بمقتضياتها، ما الذي تطلبه منّا؟ ((فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ
حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ
حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)) النساء:65.
((فلا وربك)) هذا
قسم، والقسم بربك "لا والله" يعني يريد أن يبيّن أيضاً هناك العلاقة
برسول الله(ص) وهنا الكلام معنا، العلاقة برسول الله ((رَبِّكَ)) الرب
هو المنعم هو الذي أفاض عليك من هذا الفضل وهذه المنزلة، ((فَلا وَرَبِّكَ))؛
ماذا؟
((لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى..)) شرط الإيمان يعني إذا قال أنا مؤمن، تقول له شرط الإيمان – لننظر حتى ماذا؟
الشرط الأول ((يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ)) عندما يوجد شجار، والشجار هو خلاف سواء كان خلاف على نزاع، على شيء
مادي، أو خلاف فكري أو خلاف ديني، أي خلاف يكون بين اثنين بين جماعتين، بين
عشيرتين، المهم أنه خلاف وسط المؤمنين، بين شخصين أو أكثر ((حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا
شَجَرَ بَيْنَهُمْ)) في حالة الاختلاف، أول شرط ماذا؟ نذهب نحكّم الرسول(ص)،
ما الذي يحكم به؟
الشرط الثاني ((ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا
قَضَيْتَ)) يقضي رسول الله(ص)، القضاء في
هذا الشجار، لا يجدوا في داخل أنفسهم مشكلة مع قضائه.
والشرط الثالث ((وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)) تسليماً مفعول مطلق يؤكد الفعل، يعني يؤكد تسليمهم في الخارج. يعني لو
قلنا أن اثنين على خلاف على دَين، أحدهم يقول أن الآخر استدان منه، والآخر ينكر
ذلك، يذهبان إلى الحاكم الشرعي، الأول يطلب حقه وجاء الآخر وأنكر، طبّق الحاكم القاعدة
القانونية: "البيّنة على من ادّعى واليمين على من أنكر"، قال للمدّعي هل
عندك بيّنة؟ ورقة أخذت عليه؟ لا؛ شهود؟ لا؛ تسجيل صوتي بها؟ لا؛ لا يوجد عنده
بيّنة. إلتفت إلى الثاني فقال له تحلف اليمين؟ قام حلف اليمين أنه لم يأخذ منه
دَيناً. ماذا يفعل القاضي؟ يرد الدعوى، يعني لا الأول جاء ببيّنة، ولا الثاني أحجم
عن حلف اليمين بالإنكار، أصرّ على الإنكار. هنا، هذان الإثنان، أو على الأقل
المدّعي، قام بالشرط الأول ((يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ)) والشرط
الثالث ((وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا))، أي عندما يخرجان من عند هذا الحاكم الشرعي،
طبعاً ذاك الثاني الذي أنكر، أنكر فردّت الدعوى، الأول المدّعي يجب أيضاً أن
يسلّم، يخرج ويسكت لا يعترض ويشتم ويقول هذا باطل ولا يجوز وكيف ذلك، إلخ.. ربما
يذهب إلى الآخر فيعظه وينصحه ويقول له كيف تفعل ذلك؟ إن كان هو بالفعل قد أعطاه
دَيناً أقرضه شيئاً، لكن كردّ فعل إلى هذا الحكم في الخارج في المجتمع، يسلّم
تسليماً، التسليم يؤكد التسليم.
الشرط الثاني هو المهم، من الممكن
والكثير من الناس يذهبون إلى القضاء ويسلمون تسليماً في الخارج ولكن الشرط الثاني في داخلهم ((لا يجدوا حرجاً))، لماذا؟
لأن ذلك القاضي حكم حسب التوجيهات الشرعية، حسب التعليمات في الشريعة، كيف يفعل،
ففعل كما أمره رسول الله(ص)...
هنا انشرها (مُدّ هذا الإطار) على باقي ما يأتي من رسول الله(ص).
نحن عندما نتشاجر في القضية المذهبية، نحن نقول أن أهل البيت(ع) موقعيتهم ليس فقط عندهم فضل،
عندهم موقعية قيادية في الأمة، هم الأئمة في الدين والأئمة في الحكم، والإمامة في
الحكم ليست لأجل الحكم وإنما لأجل أن تبسط يدهم في تنفيذ مقتضيات إمامة الدين،
فعندما نأتي ونتحاور ونختلف ويدب الشجار مع أخوتنا في الدين، نحتكم إلى رسول الله(ص)،
فنذهب إلى ما قاله الرسول(ص) من تفسير آيات القرآن النازلة في هذه
المواضيع وفي حديثه من خارج النص أي المرجعية الرسولية للقرآن من النص وخارج النص
ومن ما أوتي من إلهام ووحي وحكمة بخصوص أهل البيت(ع)، المتوقع أن
الإنسان الذي يقتنع حقاً بما نقول يجب ألا يجد حرجاً في نفسه، لأن الله تعالى مقدم
على كل شيء، هو عندما يطيع رسول الله(ص) إنما يطيع الله، ((مَنْ يُطِعِ
الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ)) النساء:80، والمؤمن عنده الله مقدم على كل
شيء، ((وَالَّذِينَ آَمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ)) البقرة:165. بعد كل هذا
الذي نقوم به من أجل الله تعالى هدفنا هو الله تعالى، فيجب أن لا يجد في نفسه حرجاً،
ثم في الخارج يسلّم تسليماً، يقول نعم هذا حق، ما تقولونه حق، أو يقول والله لم
أقتنع لأني أجد كذا وكذا.. ممكن، أما مع العناد واللجاجة واللف والدوران والكذب
والتدليس والافتراء؟ لا.. هذا لم يعمل بمقتضيات هذه الآية. فما هي النتيجة؟ ((فَلا
وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ))، لا يوجد تمييع في القضية، عندما يكون بين الهدى
والضلال، بين أن تكون أنت مطيعاً لله ورسوله(ص) أم لا، وإلاّ ما هو
الدين؟ إن لم نطع الله ورسوله(ص)؟
4 / الآية الرابعة
تؤكد الآية السابقة
وتصف من لا يعمل بها ((وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ
وَلا مُؤْمِنَةٍ)) أنظر إلى التحديد، يعني ((ما كان لمؤمن ولا مؤمنة))، مزيداً من
التأكيد أن هذا يشمل الجميع، لو قال ما كان لمؤمن، والله سيأتي أحد ويقول هذا لا
يشمل المؤمنات.. ((وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ
وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ
يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالا مُبِينًا)) لا يوجد مجال، إذا قضى الله ورسوله(ص) أمراً ليس عندك الخيار تقبل أو لا تقبل! يجب أن
تقبل، يجب أن تخضع، فأنت عندما تحكّم
الرسول(ص) فيما شجر ويقضي به، لا خيار أمامك إلا بالقول والتصديق والقبول والخضوع –
تعاند، ترفض، ناهيك عن الذين يستخدمون الطرق الدنيئة في ردود الفعل، هذا لا يجوز!
لأنك ماذا؟ هذا إذا كنت مؤمناً أو مؤمنة هذا المتوقع.
فإن لم تفعل ((وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالا
مُبِينًا)) وقع في خط الضلال، وقع في الضلال،
والضلال الواضح الذي لا يستطيع أن يقول والله القضية لم تكن واضحة، لا... هذه
واضحة، إن اقتنعت بأي شيء، كما نتحاور مثلاً مع ممن يسمّون أنفسهم القرآنيين، لا
نريد الحديث نقول الله تعالى يقول ((إِذَا قَضَى
اللَّهُ وَرَسُولُهُ)) يحكّمونك أنت، ((لِنَعْلَمَ
مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ)) ((مَنْ يُطِعِ
الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ)) ((أَطِيعُوا
اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ)) فلا مجال لكم أن تقولوا أن الرسول(ص) مات، انتهى، فقط نطيع نص القرآن، نقول لهم
لا.. الله لا يقبل هذا منكم ولو قلتم ما قلتم ولو أحدكم عبد الله ما شاء الله،
لأنه ليس بمزاجه ليس بما يخطط له هو، إنما الله تعالى هو الذي يحدد.
هذه الآيات وآيات الأمة المسلمة
إضافة إلى الذي ذكرته
في خصوص آية تحويل القبلة وكيف أنها مربوطة مع الآيات، نأتي إلى الآيات الأخرى هذه
الثلاثة، الثلاث آيات الأُخر، هي ما بين:
واحدة تحذّر من الكفر بعد الإيمان، وهذه نجدها أصدق ما تكون في البقاء على الإسلام ولكن مع رفض ما لا
يحبون، أنا مسلم، وهؤلاء نجد الكثير منهم يقول أنا
مسلم ولكن أرفض الحكم الشرعي الفلاني، أنا مسلم ولكنني لا أجد أن هذا الكلام
الشرعي في نفسي شيء منه، ماذا يعني في نفسك شيء منه؟ النفس أمّارة بالسوء، وإذا
عقلك، فعقلك محدود.. وأكثر من هذا، من البعض لم يقم حتى بدراسة بحث في الموضوع
لكنه انتهى.. مزاج ما في داخله، وهذه خطيرة.
وآية أخرى تدعونا إلى الاحتكام إلى الرسول(ص) أي إلى سنّته في القول، قال كذا، في الفعل فعل كذا، في التقرير ناس فعلوا
كذا أقرّهم عليه، قولٌ وفعلٌ وتقرير.. أن نحتكم إلى الرسول(ص) في كل
نزاع، على أي شيء، ومنه وفي مقدمته مشكلة الإمامة
التي لم تزل تفعل فعلها في الأمة وفي هذه الأيام على أشدّ ما يكون.. ماذا يحكم الرسول في هذا؟ يجب أن ننظر!
والثالثة أي الآية الرابعة التي ذكرناها في التسجيل
تقول لنا أنه في مقام البحث أو النزاع لا يوجد
هامش حرية في التعامل مع قضاء الله ورسوله(ص)، فمن ينازع فقط سقط في
الضلال المبين، كلها ومثيلاتها تصرخ بالمسلم معلنةً صادحةً صادعةً مدوّية أنه ما يجب عليه هنا مع الرسول(ص) يجب عليه مع
العترة الطاهرة(ع)، لماذا؟ لأن الرسول هو المبعوث في تلك العترة
الطاهرة لأنهم هؤلاء الصفوة الأطهار الأبرار، الرسول المبعوث فيهم والأمة المسلمة
في دعاء إبراهيم وإسماعيل(ع) هم الذين
وصلوا إلى المستوى الأعلى في الإسلام الذي يطلبه إبراهيم وإسماعيل(ع)
على عظمتهما على ما هما عليه ولاسيما إبراهيم ((رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ)) بعد كل هذا ((وَمِنْ
ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ))، ثم ((رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ
رَسُولا مِنْهُمْ))، هؤلاء على هذا المستوى من غير المعقول أن يكون رعيةً لغيرهم،
من غير المعقول أن يجلسوا تلاميذ عند غيرهم، هذا لا يحصل، هذا لا يكون.