القرآن والصحابة:
لا شك في أن القرآن الكريم مدح صحابة النبي(ص) مدحاً عظيماً في آيات كثيرة، وذكر جهادهم، مهاجرين وأنصاراً، في المراحل العديدة التي عاشتها البعثة النبوية الشريفة. ولكن كما أن هناك آيات في كتاب الله مدح فيها الصحابة، فإن هناك آيات أخرى ذمّوا فيها إلا قليلاً منهم. من ذلك ما يلي:
﴿إنَّ الَّذِينَ يُنَادُونَكَ مِن وَرَاء الْحُجُرَاتِ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ﴾ (الحجرات:4).
﴿وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ مَّا وَعَدَنَا اللهُ وَرَسُولُهُ إِلا غُرُورًا﴾ (الأحزاب:12) فالذين في قلوبهم مرض غير المنافقين، وإنما هم ضعفاء الإيمان. وهذه الآية تخص يوم الأحزاب (الخندق).
﴿وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنكُمْ شَيْئًا وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُم مُّدْبِرِينَ﴾ (براءة:25) وهي هزيمة المسلمين جميعاً يوم حنين في حرب ثقيف وهوازن، إلا أمير المؤمنين(ع) وعمه العباس(رض)، بعد أن قال قائلهم عجباً: «لن نغلب اليوم من قلة» ناسياً أن الناصر هو الله تعالى، هذه الهزيمة التي جعلت النبي(ص) يصيح من على ظهر بغلته وهو يضرب الكافرين بسيفه: ‹‹أنا النبي لا كذب، أنا ابن عبد المطلب›› وكأنه يريد أن يذكرهم بأساس الإسلام وهي رسالته.
﴿وَمِمَّنْ حَوْلَكُم مِّنَ الأَعْرَابِ مُنَافِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُواْ عَلَى النِّفَاقِ لاَ تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ سَنُعَذِّبُهُم مَّرَّتَيْنِ ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلَى عَذَابٍ عَظِيمٍ﴾ (براءة:101). والمنافقون في هذه الآية وفي غيرها من الصحابة قطعاً، لأنهم من سكنة المدينة على عهد الرسول(ص) ممن رأى الرسول وسمع كلامه، وهم بذلك صحابة حسب التعريف الوارد أعلاه للصحبة والصحابة. كما أنهم ليسوا عبد الله بن أبي سلول وبضعة أنفار آخرين كما يحلو للبعض أن يقول، وإلا ما أنزل الله الآيات الكثيرة في ذمهم وفضح خططهم حتى أنزل فيهم سورة بإسمهم هي سورة المنافقين، بل إن سورة براءة سميّت الفاضحة لفضحها أحوال بعض الصحابة.
بل نستطيع القول أنه حتى في آيات المدح فإن هناك تفريقاً بين بعض الصحابة والبعض الآخر. من ذلك ما يلي:
﴿إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللهَ يَدُ اللهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ فَمَن نَّكَثَ فَإِنَّمَا يَنكُثُ عَلَى نَفْسِهِ وَمَنْ أَوْفَى بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ اللهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا﴾ (الفتح:10)، وهي تحدد شروط نيل الأجر العظيم بالوفاء بالعهد وعدم نكثه، بعد أن تجعلهم قسمين: الناكث والموفي.
﴿ مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاء عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاء بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِّنَ اللهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِم مِّنْ أَثَرِ السُّجُودِ... وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا﴾ (الفتح:29) وهي صريحة في أن الوعد الإلهي بالجنة والرضوان يخص الذين آمنوا وعملوا الصالحات منهم، وليس جميعهم.
السرّ وراء المبالغة في تنزيه الصحابة:
هناك نقطة مهمة تؤكد حقيقة أن المبالغة في تنزيه الصحابة ومنع نقدهم وتفسيق بل تكفير من ينقدهم ويتبرأ من بعضهم لم يأت من رغبة حقيقية في تنزيههم ومن مشاعر قلبية حقيقية بحبهم واحترامهم، وإنما جاء بسبب السياسة. ذلك أن ما حدث من تطورات سياسية بعد وفاة النبي(ص) أدّى إلى اعتلاء قريش السلطة وإمساكها بزمام الأمور بالرغم من معارضة أهل البيت(ع) وزعيمهم علي بن أبي طالب(ع) وبالرغم من معارضة معظم الأنصار وزعيمهم سعد بن عبادة الخزرجي. وبما أن زعامة قريش لا يمكن أن تنهض وتستقر إلا بإعلاء شأن زعمائها وطمس شأن أعدائها، كان لزاماً اختراع أحاديث نبوية لم يتفوه بها النبي(ص) وتفسيرات قرآنية غير صحيحة لدعم موقف قريش وزعمائها، ومن جانب آخر منع الحديث بأحاديث فضائل أعدائها وهم أهل البيت(ع) وعموم بني هاشم والأنصار.
وهناك دليلان على ذلك:
الأول: قريش والأنصار:
أكبر دليل على هذا هو أن الخلافة بعد أن أخذت من أهل البيت(ع) يوم مبايعة أبي بكر في السقيفة لم ترجع إليهم إلا رغماً عن قريش بعد مقتل الخليفة الثالث عثمان بن عفان. وإلا فإن أبا بكر عيّن بعده عمر بن الخطاب، وعمر عيّن ستة الشورى وكلهم من قريش ليس فيهم أنصاري واحد وكأن الأنصار لا فضل لهم ولا سابقة جهاد ولم يفتحوا مدينتهم للمسلمين وعادوا في ذلك أهليهم من كفار الأوس والخزرج، وأيضاً حلفاءهم اليهود.
حتى العشرة الذين قالوا أن النبي(ص) بشّرهم بالجنة ليس فيهم أنصاري واحد، على الرغم من أن النبي(ص) قال: ‹‹لو سلك الناس شعباً وسلك الأنصار شعباً لسلكت شعب الأنصار›› ثم أردف: ‹‹اللهم ارحم الأنصار وأبناء الأنصار وأبناء أبناء الأنصار››. وعندما خشي الأنصار أن لا يرجع معهم إلى المدينة بعد فتح مكة عام 8هـ قال لهم: ‹‹المحيا محياكم والممات مماتكم››. أفلا يوجد أنصاري واحد يبشّره النبي(ص) بالجنة، وهو في معرض تبشيره بالجنة لبعض المهاجرين وفي عقر ديار الأنصار، يا أولي الألباب؟!
بل إن المدح الذي ناله الأنصار من الله تعالى مدح عظيم لم ينل مثله غيرهم: ﴿وَالَّذِينَ تَبَوَّأُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِن قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِّمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾ (الحشر:9). ولكن عامة المسلمين اليوم لا يحفظون اسم عشرة من الأنصار، ولكن يعرفون جيداً أسماء أعداء رسول الله(ص) كأبي سفيان وولده معاوية وابن عمه مروان بن الحكم وأضرابهم من زعماء قريش.
من هذا تعرف أن هذه المبالغة في تنزيه الصحابة لم تأت ابتداء من محبة حقيقية أو رجاء التقرب إلى الله، وإلا لشملت الأنصار الذين فتحوا بيوتهم لرسول الله(ص) وأصحابه المهاجرين، وآثروهم على أنفسهم، في الوقت الذي كانت قريش تعذبهم ليل نهار، بل وصلت الحال إلى طرد بني هاشم قاطبة، وهم سادة قريش، وحصرهم في شعب مكة، وفي الوقت الذي لم تقبل الإسلام مدينة أخرى كالطائف التي أرسل زعماؤها صبيانها خلف النبي(ص) إذ جاء يدعوهم إلى الهدى، ليرموه بالحجارة حتى أدموه، بأبي هو وأمي.
ولا نملك هنا إلا أن نردد مقالة النبي(ص): ‹‹اللهم ارحم الأنصار وأبناء الأنصار وأبناء أبناء الأنصار›› الذين ثبتوا على العهد وحفظوا رسول الله(ص) في دينه وأهل بيته(ع).
الثاني: أعداء عثمان وأعداء علي(ع):
إستثنى السلف من تقديس الصحابة أولئك الصحابة الذين عادوا عثمان بن عفان وحاصروه في بيته وأعانوا على قتله، فقد تبرأوا منهم وأيّدوا طلب معاويةبن أبي سفيان أن يسلمهم علي(ع) إليه بعد ما بويع علي(ع) بعد مقتل عثمان. ومنهم من صرّح بتأييده معاوية ومنهم من لمّح إلى ذلك بأن جعل رفض علي(ع) تسليم أحد ممن اتهموا بقتل عثمان إلى معاوية نقطة في صالح معاوية تعطيه بعض الحق أو كله لنصب العداء لعلي(ع).
هذا في حين أن من عادوا علياً(ع) وقاتلوه في العراق بعدما نكثوا بيعته بشهر واحد أو أقل لم ينالوا من السلف إلا كل احترام وتقدير وتقديس، وجعلوا من ضمن العشرة الذين رووا أن النبي(ص) بشّرهم بالجنة، مع أنهم رووا أن النبي(ص) قال لأحدهم: ‹‹لتقاتلن علياً وأنت له ظالم››. بل إنهم لم يستثنوا ممن أجلب على عثمان وهيج الناس ضده إلا أشدهم عداوة له وهم طلحة بن عبيد الله والزبير بن العوام وعائشة بنت أبي بكر، وما ذلك إلا لأن هؤلاء الثلاثة خرجوا بعد أسابيع من مقتل عثمان على طاعة الإمام علي(ع) المبايع في المدينة من قبل المهاجرين والأنصار والتابعين وبعد أن كان أول من بايعه هو طلحة وتلاه الزبير. فكأن السلف يريدون أن يقولوا لنا بأن هذين الصحابيين غسلوا ذنب عدائهم لعثمان وحصره بل وإدخال الناس عن طريق دورهم (وهو طلحة إذ أدخل الناس في داره ليجوزوا إلى دار عثمان) ليتسوّروا دار عثمان ويقتلوه، كأنهم غسلوا ذلك بخروجهم على علي(ع) وحربهم إياه، وإثارتهم نار أول حرب بين المسلمين في التاريخ، والتي قتل فيها ما أقله عشرة آلاف من المسلمين!
ولا تسل عما فعله معاوية بن أبي سفيان وأعوانه من الصحابة أمثال عمرو بن العاص والمغيرة بن شعبة وأبي هريرة من شقّ لصف المسلمين وحرب إمامهم المبايع، ووضع أحاديث لم يتفوّه بها رسول الله(ص) لدعم مواقفهم العارية من الحق والصدق. ثم لم يكتفوا بذلك، بل أمروا ولاتهم وخطباءهم أن يسبّوا علياً وولديه سيديّ شباب أهل الجنة. مع ذلك فإن السلف منعوا منعاً باتاً تناول معاوية وأصحابه بسوء، بل إن أحدهم، وهو ابن حجر الهيتمي، ألّف كتاباً سمّاه: «تطهير الجنان واللسان من الخطور والتفوّه بثلب سيدنا معاوية بن أبي سفيان»! أي أنه حرّم حتى الخاطرة في العقل بذكر واحدة من مصائب سيده معاوية وما أسسه من انحراف في الأمة الإسلامية!
الكتاب والسنة بطريق الأئمة لا الصحابة:
أما عن تحريم نقد الصحابة كونهم هم الناقلين للكتاب والسنة وأنه بدونهم فإن الأمة كانت ستضل دينها، ولذلك فإن من ينقدهم ويتبرأ من بعضهم إنما يريد أن يهدم الدين، فليس إلا تحريماً حرّمه من يشاء على نفسه، ولم يحرمه الله تعالى، لأنه ليس مذنباً لا على النقل ولا على العقل.
أما العقل فلقد بيّنا أن الصحابة رجال كغيرهم فيهم عظيم الإيمان وفيهم مخدوشه وفيهم ضعيفه وفيهم من لا يوجد في قلبه ذرة من الإيمان وهو المنافق. كما قلنا بأن الصحبة تشرف صاحبها ولكنها مسؤولية كبيرة يجب القيام بها، وأنه من جاوز حدود الله من الصحابة فإن الصحبة لن تشفع له وأنه سيتعرض لحساب الله، إن شاء عذب وإن شاء غفر، حاله حال بقية الناس إذ ليس بين الله وبين أحد قرابة. وقول رسول الله(ص) معروف مشهور: ‹‹لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها››.
وأما النقل فإن الرسول(ص) لم يأمرنا باتباع الصحابة كما ورد في بضعة أحاديث موضوعة نحو «أصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم» فصار لنا جائزاً الاقتداء بمروان بن الحكم ومعاوية بن أبي سفيان وأشباههما، كما أنه لم يقل مطلقاً أن أصحابي هم نقلة الكتاب والسنة وهم الطريق إلى علومي وحكمتي. كما أنه(ص) لم يتركنا في حيرة من أمرنا، بل أوضح لنا مراراً بأن الطريق لكتاب الله وسنة رسول الله(ص) هم الأئمة الإثنا عشر بدءاً من علي بن أبي طالب وانتهاء بالمهدي بن الحسن عليهم السلام أجمعين، وكما أوضحناه وأقمنا الدليل عليه في حلقات سابقة.
هذا وأن نصب الأئمة(ع) مرجعاً للأمة بعده(ص) إنما بدأ منذ أول الدعوة يوم أمر الله نبيه(ص) بأن ينذر عشيرته الأقربين فدعاهم لوليمة، ثم سألهم بعدها: ‹‹أيكم يؤازرني على هذا الأمر فيكون وصيي وخليفتي من بعدي›› فلم يجبه إلا علي(ع) فقال(ص) لهم مشيراً إلى علي(ع): ‹‹إن هذا أخي ووصيي ووارثي وخليفتي من بعدي، فاسمعوا له وأطيعوا››. واستمر التنبيه على مقام علي وأولاده(ع) طيلة الدعوة الإسلامية، بحيث نقل لنا المحدثون والمؤرخون ما لا يمكن الإحاطة به من مدح لهؤلاء الأئمة(ع) والتنبيه على خطير منزلتهم وعظيم شأنهم ووجوب موالاتهم ومحبتهم واتباعهم. وختم النبي(ص) الأمر بأن نصّب علياً إماماً للناس وهو لما يزل حياً وذلك في يوم 18 ذي الحجة بعد عودته من حجة الوداع وقبل وفاته، بأبي هو وأمي، بأقل من ثلاثة أشهر، فيما يعرف ببيعة الغدير (نسبة إلى غدير خم الموقع الذي توقف فيه النبي(ص) وخطب بالناس)، حيث قرن بين علي وأولاده والقرآن العظيم بقوله: ‹‹تركت فيكم ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا أبداً، كتاب الله حبل ممدود ما بين السماء والأرض، وعترتي أهل بيتي››.
هذا فيما عدا ما بين ذلك من أوامر ذكرنا بعضها في حلقات سابقة من قبيل قوله: ‹‹أنا مدينة العلم وعلي بابها، فمن أراد المدينة والحكمة فليأتها من بابها›› ولم يقل الصحابة كلهم. ومن قبيل قوله: ‹‹مثل أهل بيتي فيكم كسفينة نوح من ركبها نجا ومن تخلف عنها هوى››، وقوله: ‹‹علي مع القرآن والقرآن مع علي››، وقوله: ‹‹في كل خلف من أمتي عدول من أهل بيتي، ينفون عن هذا الدين تحريف الضالين وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين، ألا وإن أئمتكم وفدكم إلى الله فانظروا من توفدون››، وقوله: ‹‹من سرّه أن يحيا حياتي ويموت مماتي ويدخل جنة عدن التي غرس ربي قضبانها بيده، فليوال علياً من بعدي، وليوال وليّه، وليقتد بأهل بيتي من بعدي، فإنهم عترتي، خلقوا من طينتي، ورزقوا فهمي وعلمي، فويل للمكذبين بفضلهم من أمتي، القاطعين فيهم صلتي، لا أنالهم الله شفاعتي››.
لذا، فإننا لا نحتاج إلى الصحابة للوصول إلى القرآن والسنة، بل نحتاج إلى الأئمة(ع)، وقد برهن الشيعة على ذلك بأن تمسكوا بالأئمة(ع) ولم يحيدوا عنهم قيد شعرة، وها هو فقه الشيعة وعلومهم وأصولهم وفروعهم، كلها تسبق ما عند غيرهم، بل تعلوها بشكل واضح جعل المنصفين من غيرهم يعترفون بهذه الحقيقة. هذا في حين أن غيرهم، كونهم ذهبوا يميناً وشمالاً، وتحيّروا في أمرهم، تجد أن ما عندهم يحوي المتناقضات، بل كثيراً مما لا يصح ولا يمكن أن يكون قد صدر من الله ورسوله(ص)، مخالفاً للكتاب والسنة ومحيراً للأمة.
ولأن الله يعلم غيب السماوات والأرض، فإنه نصّب الأئمة قواماً على دينه ولم ينصب الصحابة. وبالفعل، فإن الأئمة(ع) قاموا بما استطاعوا من نشر علوم القرآن والسنة على الرغم من المحاصرة والمضايقة والاضطهاد الذي وصل إلى درجة القتل والسجن وإزهاق الأنفس وهي لما تزل في ريعان شبابها (توفي الإمام الجواد وعمره 25 عاماً والإمام العسكري وعمره 28 عاماً)، وأوصلوا شيعتهم إلى ما لا يستطيع المنصف إلا وأن يعجب بما عندهم أيما إعجاب.
هذا في حين تقاتل الصحابة على الدنيا، ومنعوا كتابة الحديث النبوي، هم ومن تبعهم، ولمائة سنة إلى أن أمر عمر بن عبد العزيز بكتابته بعد أن كاد أن يندرس. بل كان بعضهم يضرب بدرّته من يحدّث زعماً منه أن هذا يشغل الناس عن كتاب الله، وكأنه لا يدري أن كتاب الله لا يختلط مع غيره لأن الله تعهد بحفظه، ولأنه أعلى من غيره كثيراً كما هو معلوم. ولم يجمع الصحابة القرآن إلا بعد أن كاد أن يهلك الحفاظ، ثم أحرقوا جميع النسخ التي حوت تفاسير الآيات وأسباب نزولها وتقسيماتها. وكان بعضهم يعاقب من يسأل عن تفسير الآيات متهماً السائل بالتكلف.
فهؤلاء ينشرون حديث النبي(ص) وهؤلاء يمنعون كتابته والتحدث به، وهؤلاء يحافظون على القرآن كما فسره من أُنزل عليه(ص) وهؤلاء يحرقون جميع النسخ التي فيها التفسير، ويمنعون من السؤال عن تفسيره.
وبعد ذلك، وبعدما تبين أن الطريق إلى الكتاب والسنة هم الأئمة(ع) وليس الصحابة، كيف يقال بعد ذلك بأن من ينقد الصحابة ويتبرأ من بعضهم إنما يريد هدم الكتاب والسنة؟