بحوث الأمة المسلمة في دعاء إبراهيم وإسماعيل (ع)
الحلقة ح7 / الرسول (ص) –
المرجعية الرسولية-2 (النص بياناً من خارج النص القرآني)
رابط يوتيوب: https://youtu.be/LSx1hPHweuU
بسم الله الرحمن الرحيم وصلى
الله على سيدنا محمد وآله الهداة
تسجيل رقم 9 من تسجيلات الرسول المبعوث في
الأمة المسلمة في دعاء إبراهيم وإسماعيل وهما يبنيان البيت العتيق، يرفعان القواعد
من البيت ((رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آَيَاتِكَ
وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ))، فالرسول المبعوث فيهم
قلنا أن هناك ثلاثة جوانب من المرجعيات المتعلقة بالنبي(ص) التي نتعبد
بها إلى الله تعالى، المرجعية المحمدية بصفته البشرية، والمرجعية النبوية
والمرجعية الرسولية ((الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ
الرَّسُولَ النَّبِيَّ الامِّيَّ)) الصفات الثلاث.
وفي هذا التسجيل هو التسجيل الثاني من
المرجعية الرسولية، التسجيل السابق كان عن الدائرة الأضيق من المرجعية الرسولية،
وهي دائرة تبليغ النص القرآني، ومن الممكن أن معه شيئاً من البيان البسيط
والتي قلنا أنه تحت إطار الآيات التي تقول ((أطيعوا الله ورسوله)) بإلحاق
كلمة الرسول صفة الرسول منزلة الرسول بالله تعالى، فكأنها ملحقة لأنها مرتبطة بشكل
مباشر بالنص يعني أطيعوا الله في نص القرآن، ورسوله ملحقة مباشرة.
الجانب الثاني هو البيان للنص
القرآني البيان من خارج النص، وهو في قوله ((أطيعوا الله والرسول)). قلنا أنه أعطاه مساحة
من الحرية عن النص المجرد، بدل ((أطيعوا الله ورسوله)) هنا ألحقه بالله تعالى، قال
((أطيعوا الله والرسول))، بكلمة رسول منفصلة.
نستفيد منها أنه ربما هذا:
أطيعوا الله في النص القرآني، والرسول بما يبينه لكم من النص بما لا
تجدونه في النص مباشرة بما لا تستطيعون أن تستخرجوه من النص مباشرة.
أمثلة من نصوص الآيات للنوع الثاني من الطاعة
إخترت ثلاث آيات:
آل عمران:32 ((قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ
وَالرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ))
النور:56 ((وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآَتُوا الزَّكَاةَ
وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ))
النحل:82 ((فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلاغُ الْمُبِينُ))
كما تجدون، هذه ثلاث آيات كل واحدة فيها
تميز عن الأخرى، يعني /
الأولى ((أطيعوا الله والرسول)) تجدونها
في آيات أخرى؛ الثانية ((وأطيعوا الرسول)) كلمة
الرسول بدون الله ولكنها من نفس المجموعة؛ الثالثة
التي لا تأتي بذكر الرسول ولكن تأتي بذكر ما نذهب إليه من أن هذه الطاعة الدائرة
الثانية المستوى المتوسط بين دائرة تبليغ النص وبين الدائرة الأكبر التي
سنتحدث عنها في التسجيل التالي من تسجيلات الرسول.
1 / آل عمران:32 ((قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ
وَالرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ))
هذه الدائرة منها أيضاً البلاغ، فاللغة لو نتأمل في آية آل عمران ((قل
أطيعوا الله والرسول)) جاء بكلمة ((قل))، هذه الكلمة مهمة جداً، هذا فعل الأمر في
القرآن كثرما يأتي لينبّه بين فترة وأخرى، بين مجموعة من الآيات وأخرى بشكل عام
وأيضاً لينبّه لتلك الآية أو الآيات بالذات بأن هذا الكلام ليس من عنده(ص) بل
هو من عند الله تعالى فيجب أن تطيعوه. لأن البعض من ذلك ربما يتضايقون منه أو ربما
تثير شبهة أنه يتكلم لمصلحته، مع الأسف كان هناك من يثير هذه الشبهات عليه، فلذلك
تأتي مثلاً: ((قُلْ لِأَزْوَاجِكَ))، ((قُلْ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا))، ((قُلْ مَا سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ)).. هنا كلمة ((قل)) إنما الله تعالى يأمره أن يقول ما بعدها. فـ ((قل
أطيعوا الله والرسول)): قل لهم أطيعوا الله والرسول، أطيعوا الله: النص القرآني،
والرسول: إذاً هو ما سيبينه لكم من النص.
((فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ لا
يُحِبُّ الْكَافِرِينَ))، هنا الكلام مع المسلمين، هو لا يقول أطيعوا الله والرسول
للكافرين المشركين الذين لم يدخلوا الإسلام بعد، إن هؤلاء لا يقول لهم أطيعوا الله
والرسول، يقول لهم آمنوا بالله وآمنوا بالرسول، بعد أن يؤمنوا يطيعوا ما يتنزل في
القرآن من العقائد والأحكام. إذاً ((قل أطيعوا الله والرسول)) هي للمسلمين. ((فإن تولّوا))، من تولى ولّى أي أدار ظهره، تعبير
مجازي أنه رفض أن يطيع الله والرسول أو رفض أن يطيع الرسول(ص) فقط،
لأنه هنا، الله والرسول(ص) لا تستطيع أن تفرق بينهما، فنجد من الكثيرين
لاسيما في زماننا الآن ربما تعلّم شيئاً صار يقول القرآن يكفي، القرآن مبيّن،
القرآن كذا، لا نحتاج ولا نحتاج، إلى أن يصل الحديث إلى لا نحتاج إلى الرسول! ((فَإِنْ
تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ)) فقد صرت كافراً لأنك صرت
كافراً بوجوب الطاعة، أصبحت تكفر، لا تؤمن بوجوب الطاعة للرسول(ص) فيما
يبينه من القرآن. وعليه هذا المستوى من المرجعية
الرسولية ليس مما يمكن التهاون معه كما يظن البعض، بل أنت تقف أمامه ما بين
الإيمان والكفر.
2 / النور:56 ((وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآَتُوا الزَّكَاةَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ
لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ))
هنا ((أقيموا الصلاة وآتوا الزكاة)) أمر
عام بما نزل من القرآن كثيراً من ذلك وبما تفاصيله من الرسول مجمل. ولكن عندما يقول
((وأطيعوا الرسول)) هنا لا تقل لي أنك تقيم
الصلاة وتؤتي الزكاة ولكن تتعامل مع ما يأتيك من الرسول(ص) تعامل
المختار الذي يأخذ ما يعجبه ويترك ما لا يعجبه. وهنا لم يقل فإن تولّوا فإن
الله لا يحب الكافرين، يقول لهم ((لَعَلَّكُمْ
تُرْحَمُونَ))، طاعة رسول الله(ص) هذه رحمة لكم ((وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ))، فأنتم أيها المسلمون أولى بهذا، لاسيما ليس فقط ادّعيتم الإيمان ولكن
إن أقمتم الصلاة وآتيتم الزكاة منها طاعة الرسول(ص) لعلكم ترحمون، كيف
يكون أرسلناه رحمة للعالمين وأنت تريد الرحمة في الوقت الذي لا تطيعه؟ إذاً هنا
طاعة الرسول(ص)، هناك في الآية السابقة جانب التفريق بين الكفر
والإيمان، وهنا فيها جانب الرحمة لمن يطيع.
3 / النحل:82 ((فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلاغُ الْمُبِينُ))
هذه مهمة، أولاً تعطي جانباً مثل ((فَإِنْ
تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ))، لم يقل فإن تولوا اقتلهم،
لا.. لا إكراه في الدين.. فإن تولّوا أيضاً هذه تؤكد أكثر، فإن تولّوا فإنما، فقط، حصراً، عليك البلاغ المبين، تقوم بواجبك.
هنا لم يذكر اسم الرسول(ص)، ولكن البلاغ المبين كاشفة أنها هذه الدائرة الوسطية
التي هي الرسول الذي هو المبيّن للنص القرآني، يبيّنه، يفسر النص – هنا الفارق
عن ((إنما عليك البلاغ)) في آيات أخرى التي تعني النص القرآني فقط، هنا البلاغ المبين الواضح الذي يبيّن، الذي يأتي
بالبيان، هذا البيان بيان رسولي للآيات، هذا من ضمن واجبه، وظيفته(ص)
يبلّغ النص ويبيّنه لأنه لو بلّغ النص فقط ولم يبيّنه عندها كل إنسان يتكلم بما
يشتهي، وقد حصل هذا ولا زال يحصل مع الأسف، مع بيانه مع تفسيره لازال يحصل،
فكيف لو قرأ النص، حفظتموه، أدار وجهه وذهب إلى شأنه، كل إنسان يتكلم بما يريد! ودونك
آيات القرآن تكاد لا توجد آية متفق عليها لأن هناك آفاقاً مختلفة جوانب مختلفة.
البيان الرسولي للنص هذا هو البلاغ المبين.
وهنا أيضاً ((فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلاغُ الْمُبِينُ)) هذه وظيفتك، ما نفعل معهم هذه قضية أخرى، هذه مختصات الله سبحانه
وتعالى.
هذه الآيات وآيات الأمة المسلمة
الآن ما هو الربط مع آيات الأمة المسلمة؟
البلاغ الرسولي المبين للنص يحتّم الطاعة للرسول(ص) بما بيّنه من النص
وإلا ما فائدة البيان إذاً؟ وهو قد أبرأ(ص) ذمته بالبلاغ المبين، أدّى
ما عليه من الواجب فمن تولّى صدّ عن ذلك لم يطع فإنما يضرّ نفسه.
هنا هذه الآيات ومثيلاتها تتحرك مع الأمة المسلمة سواء بسواء، وذلك من
خلال موقعيتهم التي أعلنها الرسول المبعوث فيهم، ((وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولا مِنْهُمْ))، فبعد أن يطبقها(ص)
أن يطبّق هذه المقتضيات، النصوص في بيانه مما يستدعي البيان وإدارة تطبيق هذه
الأحكام، بعد أن يطبقها هو سيكون واجبهم(ع) واجب الأمة المسلمة من ذرية
إبراهيم وإسماعيل(ع) تطبيقها تماماً؛ بعد أن ماذا؟ بعد أن يزكيهم إلى
الناس. فقد علّمهم(ص) الكتاب والحكمة، كل هذا يعلمهم النص والبيان للنص
والآفاق المختلفة والأسرار وما هو موجود في هذا النص المعجز فعلّمهم(ع)
ثم زكّاهم(ع) إلى الناس – هؤلاء عندهم هذا، فكما أنه يجب عليكم ((قل
أطيعوا الله والرسول)) سنجد في آية ((أولي الأمر)) ((فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ
اللَّهَ لا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ))، أو الطاعة تأتيكم بالرحمة فإن لم تفعلوا
تُرفع عنكم الرحمة، كل هذه التي في الرسول المبعوث فيهم(ص) هي في الأمة
المسلمة(ع) لأن القضية المهمة جداً في دعاء إبراهيم وإسماعيل(ع)
أن الدعوة هي أن يبعث أمة مسلمة من ذريتهما يبعثها لهداية الخلق، فالأمة المسلمة
التي ستستمر قروناً هي لهداية الخلق، لكن من أجل أن يكونوا مهيئين لذلك فإن هناك
شخصاً من هذه الأمة المسلمة هو الذي يهيئهم وهو رسول الله(ص) يتلقى
الوحي ويعلمهم ذلك الوحي، يعلمهم أسراره ويعلمهم تفسيره، يعلمهم تأوليه ثم ينطلق
بهم إلى الناس يزكّيهم إليهم.
والحمد لله رب العالمين.