يهودي مجهول، يظهر فجأة، ليخدع الصحابة، ويخترع التشيع، ويختفي فجأة!
فيما عدا شبهة الأصل الفارسي للتشيّع فإن أعداء التشيع لفّقوا تهمة أخرى لصد المسلمين غير الشيعة عن مجرد التفكير بالتعرف على التشيع وأهل البيت(ع)، ألا وهي شبهة الأصل اليهودي للتشيع. فقد لفّق أعداء الإسلام فرية أن شخصاً اسمه «عبد الله بن سبأ» أسس مفاهيم جديدة خصوصاً «الوصية لعلي بن أبي طالب» وأن علياً هو الذي يجب أن يكون خليفة بعد النبي(ص) مباشرة وأن الخلفاء الثلاثة الذين سبقوه إنما نازعوه الخلافة وتقمصوها ظلماً، وبذا فقد كان ابن سبأ أصل التشيع.
هذا، بعد أن كان ابن سبأ هذا هو المثير للفتنة ضد عثمان بن عفان والمحرض عليه، ومن ثم كان هو الذي منع وقوع الصلح بين علي(ع) من جهة وطلحة والزبير وعائشة من جهة أخرى، مما أدى إلى وقوع معركة الجمل وسقوط عشرات الألوف من المسلمين صرعى الفتنة، كما زعموا.
وللرد على هذه الفرية لن أعتمد على مناقشة العلاّمة السيد مرتضى العسكري أو غيره من الشيعة، وإنما سأسوق آراء الدكتور عبد العزيز صالح الهلابي الأستاذ المشارك بقسم التاريخ بجامعة الملك سعود بالرياض- المملكة العربية السعودية، والتي نشرت في الرسالة 45 الحولية الثامنة من حوليات كلية الآداب - جامعة الكويت الموسومة «عبد الله بن سبأ»، لأن ليس لدى هذا الأستاذ مصلحة عقائدية في ما وصل إليه من آراء.
الفرية:
يقول الأستاذ سعيد الأفغاني في كتاب «عائشة والسياسة»: «عبد الله بن سبأ يهودي من صنعاء أمه سوداء... تظاهر بالإسلام على عهد عثمان، ثم اندفع متنقلاً في البلدان الإسلامية... باذراً للضلالات والفساد في هذا المجتمع السليم، والنفاذ إلى نفسية الجماهير، أقطع أنه أحد أبطال جمعية سرية غايتها تقويض الدولة الإسلامية والقضاء على الإسلام، وأكاد أزعم أن هذه الجمعية تعمل لحساب دولة الروم...».
وقال: «فقد أراد نسف العقيدة الإسلامية من أساسها حين اختلق للمسلمين عقيدتين زائفتين: الرجعة والوصية».
وقال: «وهكذا صار ابن السوداء - وهو الإسم الآخر لابن سبأ - لما له من استخبارات يتسقط الناقمين واحداً واحداً ممن نالهم عقوبة أو تأديب من عامل خليفة، أو ممن له الطموح إلى منفعة لم يصل إليها.. فجعلهم حزبه وبطانته وألّف بينهم حتى صار له في كل بلد جماعة منظمة هي كالفروع لحزب خطر هدام».
وهكذا فالأستاذ الأفغاني قد جعل من ابن سبأ «سوبرمان ويعتقد أن ما قام به هو مؤامرة دولية» على حد تعبير الهلابي!
أما عبد الله العودة فيخلص في نتيجة بحث الدكتوراه في عبد الله بن سبأ إلى ما يلي: «فإنني أخلص من هذا البحث مؤكداً النتائج التالية: أن عبد الله بن سبأ هو أصل التشيع.. ولا يستطيع الشيعة البراءة من ابن سبأ والسبأية».
وهذه فيما يبدو هي غاية رسالة الدكتوراه وتمويلها.
رد الفرية:
سأسوق آراء الدكتور الهلابي بشكل نقاط أرجو أن تعطي صورة مختصرة للفرية وواضعها الأول وهو «سيف بن عمر» ورد وتزييف الدكتور الهلابي لها:
-
المصدر الوحيد للفرية هو «سيف بن عمر التميمي» المتوفى سنة 180هـ والذي أخذ رواياته بشأن الفتنة (الثورة على عثمان) وما جرى بعدها المؤرخان «الطبري» و«ابن عساكر»، ثم أخذ من الطبري من جاء بعده مثل «ابن الأثير» و«ابن كثير» و«ابن خلدون» وغيرهم، أما الرواة والإخباريون الذين سبقوا سيفاً هذا فلم يذكروا عبد الله بن سبأ مطلقاً.
-
رأي أصحاب الجرح والتعديل في سيف تتراوح بين اتهامهم له بالضعف، واتهامه بوضع الأحاديث، واتهامه بالزندقة. أي أن سيفاً ضعيف ووضّاع وزنديق.
-
يروي سيف عن عطية عن يزيد الفقعسي. أما عطية فيتمتع بسمعة طيبة عند أصحاب الحديث إلا أنه روى أساطير وإسرائيليات عن دانيال وابنه بالسوس. وأما يزيد الفقعسي فنكرة لا يعرف اللهم إلا خمس روايات في تاريخ الطبري عن سيف.
وهذا هو السبب الذي دفع عبد الله العودة (الذي خلص في بحث الدكتوراه إلى أن ابن سبأ هو أصل التشيع كما ذكرنا) إلى حذف إسم يزيد الفقعسي من أسانيد سيف في قصة ابن سبأ!
قال الهلابي عن «العودة» هذا: «أي منهج هذا؟ فتارة تكون رواية سيف – يزيد الفقعسي مشكوكاً في صحتها يخفي سندها ويسميها «نص الطبري»، وعندما تكون روايات سيف - يزيد الفقعسي تتمشى مع وجهة نظره تصبح «الروايات الصحيحة».
وهذا هو منهج أعداء الشيعة.
-
يقول نايف معروف: «يكاد يتفق المؤرخون ورواة الأخبار على الدور الخطير الذي قام به ابن سبأ وأتباعه في نشأة الفرق الإسلامية». وردّ عليه الدكتور الهلابي: «لم يورد قصة ابن سبأ أحد من رواة الأخبار والمؤرخين غير سيف بن عمر، وأن كل من ذكره من المؤرخين المتأخرين كان معتمداً على رواية سيف.. فلا أعرف كيف يجيز الدكتور معروف لنفسه أن يقول: «يكاد يتفق المؤرخون ورواة الأخبار.. وعلى الرغم من هذا الإجماع»!
-
بعد ذكر الدكتور الهلابي لقصص سيف وكيف أنه دفع أبا ذر الصحابي المعروف إلى اتخاذ المواقف ضد معاوية وإملاء أفكاره عليه، قال:«وأبو ذر الصحابي الجليل ليس عند سيف إلا إمّعة يغرر به يهودي حاقد على الإسلام، ويملي عليه أفكاره».
وقال: «الذي أعتقده أن الهدف من اختلاق القصة هو الطعن على أبي ذر بسبب نقده الشديد للخليفة عثمان ولمعاوية عاملة على الشام ولقريش عامة بسبب إثرائهم في عهدي عمر وعثمان، والقصة تجعل نقد أبي ذر لا يستند إلى تعاليم دينية ولكن إلى أفكار يهودي حاقد على الإسلام».
وتعجب الدكتور الهلابي: «إذا كان أبو ذر استاء عندما أبدى كعب الأحبار رأيه في مجلس الخليفة عثمان في أمر من أمور الدين، وشتمه قائلاً: وما يدريك يا ابن اليهودية؟ فكيف يعقل أن يملي عليه عبد الله بن سبأ أفكاره في أمور الدين والدنيا؟»
-
فيما يخص عمار بن ياسر فإن سيف بن عمر وضعه موضع أبي ذر، وفي هذا يقول الهلابي: «أن سيفاً يهدف إلى أن يجعل معارضة عمار لعثمان ونقده له بسبب تأثره بأفكار ابن سبأ اليهودي وبتحريض منه، مثله مثل أبي ذر».
-
قال الهلابي: «فسيف أراد طعن الشيعة في الصميم وذلك بنسبة مذهب التشيع إلى يهودي حاقد على الإسلام يريد تقويضه من الداخل، وإن أفكار الشيعة المعتدلين منهم والغلاة ليست سوى أفكار هذا اليهودي».
-
يقول الهلابي عن المؤامرة المزعومة التي نسبها سيف إلى السبأيين وكيف حالوا دون وقوع الصلح بين علي(ع) والآخرين يوم الجمل: «ولو كان الصلح والإصلاح بين الجانبين بالسهولة التي رواها سيف لكان بإمكانهما التوصل إليه في المدينة أو في مكة بدون اللجوء إلى شق الأمة إلى جيشين متحاربين».
-
يقول الهلابي عن اختفاء ابن سبأ من روايات سيف بن عمر التاريخية بعد الجمل: «فهل من المعقول أن يكون لابن سبأ ذلك الدور الخطير الذي بدأ بالتحريض على خليفة المسلمين ثم قتله في المدينة، ثم في انقسام المسلمين إلى معسكرين متحاربين في البصرة وقتل منهم في ميدان القتال ما يزيد على عشرين ألف قتيل، ثم يختفي هو وأعوانه بتلك الصورة فلا يرد لهم ذكر لا في الكوفة ولا في معركة صفّين بعد ذلك؟».
-
سفّه الدكتور الهلابي أسطورة أخذ البعض بتعاليم ابن سبأ وكيف أنه ألّه علياً(ع) وغيرها بقوله: «لا نعرف أحداً من العرب عبد إنساناً واعتقد أنه هو الخالق الرازق لا في الجاهلية ولا في الإسلام».
وتساءل عن موقف السبأية الرافض لدعوة علي(ع) إياهم بالتوبة: «كيف يعتقدون أن علياً إلههم وخالقهم ورازقهم وفي نفس الوقت لا يطيعون له أمراً، بل يصرّون على عصيانه حتى اضطر إلى إحراقهم؟»
«وإذا كان ابن سبأ نفسه قد ادّعى التوبة ونجا من الإحراق فلماذا لم يدّع أصحابه التوبة مثله، فهو إمامهم وقدوتهم؟»
«لماذا يعاقبهم علي بالإحراق في النار وهي عقوبة غير مألوفة لا في عهد الرسول(ص) ولا في عهد الخلفاء الراشدين قبله؟»
-
يلخص الدكتور الهلابي موقف سيف في رواياته عن أحداث الفتنة ومعركة الجمل بما يلي: (أ) الدفاع عن الخليفة عثمان وأم المؤمنين عائشة وطلحة والزبير وولاة عثمان وتبرير مواقفهم حتى لو بلغ به الأمر إلى اختلاق الروايات أو تحريفها (ب) إخلاء الطرفين طلحة والزبير من جانب وعلي من جانب من مسؤولية الصدام المسلح في البصرة إلا أنه بطريق غير مباشر ينال من الخليفة علي (ج) تجريح كل من انتقد الخليفة عثمان (د) التصدي للروايات الشيعية التي تنال من عثمان وعائشة وطلحة والزبير بروايات مناقضة أو مضادة.
-
خلص الدكتور الهلابي إلى القول: «والذي نخلص إليه في بحثنا هذا أن ابن سبأ شخصية وهمية لم يكن لها وجود. فإن وجد شخص بهذا الإسم فمن المؤكد أنه لم يقم بالدور الذي أسنده إليه سيف وأصحاب كتب الفرق، لا من الناحية السياسية ولا من ناحية العقيدة».