بحوث الأمة المسلمة في دعاء إبراهيم وإسماعيل (ع)
الحلقة ح12 / آية المودّة
رابط يوتيوب: https://youtu.be/NkNGgJKUqNU
بسم الله الرحمن الرحيم والحمد لله والصلاة
والسلام على سيدنا محمد وآله الأطهار.
هذا التسجيل لآية المودة من تسجيلات الأمة
الذرية المسلمة من ذرية إبراهيم وإسماعيل(ع) والآية الجزء الأكبر من
الآية 23 من سورة الشورى ((قُلْ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلا
الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى وَمَنْ يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَزِدْ لَهُ فِيهَا
حُسْنًا إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ شَكُورٌ)). هناك قبلها ((ذَلِكَ الَّذِي يُبَشِّرُ
اللَّهُ عِبَادَهُ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ)) والتي قبلها ((فِي
رَوْضَاتِ الْجَنَّاتِ)) بشرى لمن يفعّل آية المودة، لكن الكلام الآن في اختصار
الآية ((قُلْ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى)).
من اللغة
تبدأ باستعمال هذه الكلمة المهمة جداً في
القرآن وهي ((قُل))، كثرما استخدم القرآن كلمة ((قل))، أحياناً لكي ينبه إلى أن
القرآن هو ليس من عند رسول الله(ص)، لأنه الرسول سيأتي إليه ويقول إقرأ ((قل))، تأكيد
بين حين وآخر، ولو كان هو لما كان يقول قل لنفسي. ثانياً تأتي أحياناً لتأكيد
وتشديد وحث على القضية يعني ((قل إنما أعظكم بواحدة))، قل لهم. وأحياناً تأتي من
أجل تبرئة ساحة النبي(ص) أن يكون قوله لفائدة نفسه – ولا يتعجب أحد من
ذلك، فقد كان بعض المسلمين هكذا، كان البعض يقول أنه أوحى لنفسه أنه يجامل
قراباته، فلذلك تأتي ((قل)) لكي تبرأ ساحته من هذا، أن الله تعالى يقول له ((قل))،
أنه لولا الله تعالى لما طلب إليه هذا الطلب.
((قل لا أسألكم عليه أجراً))، ((عليه))
بإجماع المفسرين أنه "على تبليغ الرسالة" يعني هذا عليه الهاء هنا
الضمير الغائب لم يقل أحد أن عليه مثلاً أنه وزع عليهم طعاماً فيسأل عليه أجراً أو
قام بفعل، وإنما هي على أهم قضية وهي تبليغ الرسالة، أهم قضية أكبر نعمة يعدها
أي مسلم أنها هي نعمة الإسلام فبالتالي الذي جاءه بهذه النعمة من عند ربه هو لا
يطلب أجراً.
(عندنا آيات أخرى في التفاصيل أنه ((لا
أسألكم عليه أجراً إن أجري إلا على الله))، يعني لا أطلب منكم أجر، كل الأنبياء(ع)
يقولون ((إن أجري إلا على الله))، هنا يقول لا أسألكم عليه أجراً أنا، أجراً على
التبليغ أنه لن تدفعوا لي مالاً، ما هو الذي أطلبه منهم، ((لا أسألكم ... إلا))، "لا..
إلا" يعني فقط، فقط المودة في القربى، المودة من التودد والحب، مع اختلاف طبعاً
في الألفاظ أيهما أقوى، ولكن بالنحو العام المودة هي مشاعر الحب تجاه موضع المودة،
تجاه المودود.
والمودة في القربى هذه أيضاً مهمة لأن فيها
عدة اعتراضات.
فإذاً نفهم من اللغة أنه أنا لا أسألكم
شيئاً من الأجر على التبليغ، فقط هذه القضية، أن يكون الأجر هو يطلبه أن يكون
المودة في القربى.
هنا ((في القربى)) جاؤوا بتفسيرات بوجوه ستة،
ستة وجوه للمعنى سأذكرها بسرعة من أجل الجواب على الاعتراض.
التزكية إلى الأمة
فتزكية الرسول للذرية الأمة المسلمة من
البيان الرسولي هي ستكون من ضمن عموم الأفعال والأقوال النبوية في هذا الشأن،
إضافة إلى الأحاديث. فالمهم عندنا هو بلا اعتراض. في هذا الملخص نتكلم فقط عن هذه
الوجوه الستة ونناقشها، هذا إضافة إلى أن السيرة، سيرة المسلمين في الفهم السائد
وإلى اليوم أن الذين طُلب منهم الأجر في القربى هم أهل البيت في المصطلح في آية
التطهير، علي وفاطمة والحسن والحسين والأئمة من ولدهم.
هذه السيرة، (قبل أن أذكر البدائل)، هناك
اعتراض أو هناك محاولة للالتفاف حول المعنى بأن قالوا أن المودة في القربى قالوا لو أن القضية هي لقربى النبي لكان الكلام هو المودة
للقربى، يعني بأن توجهوا المودة لهم، وليس في القربى، وطبعاً هذا الاعترض
مردود لأن الكلام هو المودة في القربى أي أنه أحد أمرين: إما أن تقول أن "المودة في القربى يعني في موضوع القربى" وإما الثاني أي المودة في القربى أي "أن
المودة تجعلها فيهم يعني هم يكون موضعاً للمودة أي أن المودة ضعها في هؤلاء القربى"
لا أن يكون للقربى كأنما يعني وجدوا ما يستطيعون الهرب به من المعنى!
الوجوه الستة
على عجالة وكل واحدة نظهر كيف أنهم ردوها:
·
الوجه الأول هو تفسير إبن عباس أصلاً وليس من النبي(ص) قال أن النبي كان له قرابة في قريش في جميع بطون قريش فهو يقول لهم صِلوا ما
بيني وبين القرابة يعني هو خطاب لقريش قل لا أسألكم، من هؤلاء؟ هم قريش فقط،
أنه أنتم قرابتي لا تؤذوني! طبعاً هذا الكلام باطل
لأنهم لم يؤمنوا به، لأن الكلام إذا كان مع غير المؤمنين، مع الكافرين منهم، هم لم
يؤمنوا به أصلاً فكيف يطلب منهم أجراً على شيء هم ردوه، سيقولون له أي أجر
تطلبه منا أن نعطيك؟ أنت لم تعطنا شيء، نحن لم نأخذ منك شيء كي تطلب منا الأجر.
إذاً هذا الوجه باطل. وهذا وجه مهم عندهم، هذا
الوجه الذي يقولون به مع الوجه السادس الصحيح.
·
الوجه الثاني يقولون هو مشابه ولكن الخطاب للأنصار
يعني أيضاً أنتم المودة لي لأن قربتي منكم، وهذا باطل يعني على أساس القربى من
إحدى الجهات النسَبية وهذا باطل لأن الأنصار رضوان
الله عليهم معروف أنهم كانوا يحبون النبي(ص) حباً جمّاً فما معنى أن يطلب منهم؟
فكأنما هم يحبونه دون أن يكون هناك حاجة لطلب الله تعالى أو لطلبه بأمر الله تعالى.
هذا أيضاً باطل.
·
الوجه الثالث أن الخطاب لقريش ولكن المودة للنبي(ص) يعني قل لا أسألكم عليكم أجراً إلا المودة، يعني أنا ما أسألكم شيء لكن محبتي لكم هي التي تدفعني لأن أدعوكم وأهديكم.
وهذا ضعيف، واضح الضعف وهو باطل لأن النبي(ص)
لا يركز في دعوته إلى الهدى على أساس القرابة ((وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلا
كَافَّةً لِلنَّاسِ)) قريش وغيرها، يعني لا يقول لأنكم قرابتي فأنا أقوم بالواجب فهذا باطل.
·
الوجه الرابع أن المودة لقرابة المخاطبين يعني يقول لهم أنا لا أسألكم، أنتم إذا
أردتم أن تدفعوا لي أجراً على تبليغي فأنا أطلب منكم أن تقوموا بمودة قرباكم،
يعني علاقتكم بقرباكم تكون علاقة المحبة والمودة، هذا طبعاً باطل أيضاً، إذا كان هؤلاء القربى من الأرحام من المؤمنين فهذا يحث عليه بكل
الأحوال وحتى يمكن أن يكون من المؤمنين ولكن أنت لا يجب عليك ذلك أصلاً، وثانياً
أنه يمكن أن يكون من الكافرين والمنافقين، فكيف يقول لهم تدفعوا علي الأجر على
التبليغ بأن تودوا الكافرين والمنافقين؟ لمجرد أنهم قرباكم؟ ليس لها مزية يعني
صلة الرحم لها مزية كبيرة لكن بروابطها.
·
الوجه الخامس هو القربى لا تعني القربى من الرحم
وإنما يعني التقرب، وأن هذا الوجه أنا أطلب منكم المودة في القربى، في التقرب إلى
الله في العبادات، وهو باطل لأنه إذا كان هؤلاء المنافقين المشركين فيعرف أنهم لن
يتقربوا بالعبادات لأنهم أصلاً من غير المسلمين حتى يطلب منهم عبادات، وإذا كانوا
من المؤمنين فإن هذا أصلاً من صميم دعوته ومن صميم عملهم أنهم يتبعدون الله تعالى
من صميم علاقتهم بالله تعالى، هذا إضافة إلى أن
معنى التودد في العبادات والتقرب بالعبادات ليس صحيحاً.
·
بقي الوجه السادس وهو عليه إجماع
جميع علماء الشيعة وربما الأكثر من علماء أهل السنة وهو أن المودة هي قرابة أهل
النبي وهم عترته من أهل بيته عليهم السلام أي أني لا أسألكم أجراً على تبليغي
إياكم السلام إلا أن تودوا قرابتي. وهذا هو الصحيح الوحيد، إن شئت على طريق
الإثبات هناك طريقتان:
-الأولى تنفي البدائل ولا يبقى
إلا هذا
-والثانية هي إثبات
هذا بنفسه بغض النظر عن البدائل.
البدائل هي الوجوه الخمسة التي قلناها، كلها أبطلناها بكلمات بسيطة يعني
لا تحتاج إلى بحث طويل، (وإن شاء الله
بالتفاصيل تعرض بشكل أفضل)، فلا يبقى إلا هذا الوجه.
وإن شئت الإثبات بهذا الوجه نفسه فهو المنطقي فهو يطلب منهم أن لا تؤذوني
معرفةً منه بإخبار من الله تعالى بأن أهل بيته سيتعرضون للتنكيل وإلى الظلم،
زائداً سيتعرضون والأمة ستتعرض نتيجة لذلك إلى الإبعاد عن موقعيتهم، فهو يقول على
أقل شيء أنت يجب أن تحبهم، وعسى إن أحببتهم عند ذلك ستجد من الصعوبة أن تخالفهم،
من الصعوبة أن تتظاهر عليهم وتبعدهم، وهكذا هو شأن المؤمن الصادق.
فإذاً هذه الوجوه
الخمسة الأولى باطلة ويبقى الوجه هذا، والذين يطلب الله سبحانه وتعالى لهم يطلب
سبحانه وتعالى مودة الناس لهم، ويعتبرها هي الأجر والشكر رد الفعل المطلوب من
المسلم للنبي(ص) على جهده وجهاده ثلاثاً وعشرين سنة من التبليغ. هؤلاء لا بد وأن يكونوا ذوي مكانة خاصة مواصفات خاصة بحيث
لم يطلبها لغيرهم، وأنت إذا وجدت العذر وجدت فسحة أن لا تحب شخصاً أو جماعة لأن
فيهم شائبة ما، هؤلاء لا تجد معهم هذه الفسحة، إذاً ليس فيهم شائبة ونحن نتكلم في
الإطار الديني في إطار العلاقة بالله، إذاً
لا توجد فيهم شائبة من شرك بالله، فإن قلت إن هذا
الشخص نعم لكن فيه جهالة قلنا ان هؤلاء ليس فيهم جهالة لأنه علمهم الكتاب والحكمة
قبل أن يزكيهم إلى الناس.
إذاً هؤلاء هم الأمة
المسلمة من ذرية إبراهيم وإسماعيل(ع) هي الوحيدة التي تستحق أن تكون
علاقتنا بها علاقة المحبة التي لا مجال للحيادة عنها لأنها لا شائبة فيها، ووضعها
الله تعالى جعلها الله تعالى هي الأجر على جهد النبي وجهوده لأن النبي أجره على الله،
هذه لنا فائدتها لنا.
والحمد لله رب
العالمين.