بحوث الأمة المسلمة في دعاء إبراهيم وإسماعيل (ع)
الحلقة ح15 / آية المنذر والهادي
رابط يوتيوب: https://youtu.be/2ukufajjwBM
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله
الهداة
من بحوث الأمة المسلمة من دعاء إبراهيم وإسماعيل(ع) في القرآن بحوث الأمة
المسلمة في القرآن، الآية من أبرز الآيات المتعلقة بكامل البعثة النبوية في هدفها
الأساس وهو الهداية إلى الله تعالى وهي آية المنذر والهادي.
يقول تبارك وتعالى في سورة الرعد:7 ((إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ))..
المعنى من اللغة
اللغة تقول، الجزء الأول من الآية ((وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آَيَةٌ مِنْ
رَبِّهِ))، طبعاً هنا الآيات التي يريدونها غير آيات القرآن التي هو يتلوها عليهم،
يريدون آية بمعنى المعجزة، المعجزة التي تخضعهم. رسول الله(ص) جاء
بالكثير الكثير من المعجزات في حياته الشريفة ولكن هؤلاء كما قصّ القرآن يريدون:
أن تنزل علينا كتاباً نقرأه، والملائكة تنزل معك وذهب وفضة من هذه الأمور.
الله تعالى يقول لهم أنه بغض النظر عن أن
تنزل أم لا ((لَوْلا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آَيَةٌ مِنْ رَبِّهِ إِنَّمَا أَنْتَ
مُنْذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَاد)) يطيح بكلامهم، أن القضية ليست هكذا، القضية ليست
أني بالإعجاز أخضعك، الذي في قلبه مرض لو جئته بخمسين معجزة يبقى في قلبه مرض! ألم
نجد ممن عاصروا رسول الله(ص)، سواء من قريش الذين بقوا على كفرهم أو الذين آمنوا
ودخلوا الإسلام، وجدنا منهم من كان ضعيف الإيمان بقي من كان متردداً في الدخول،
دخل وبقي على نفاقه، بل حتى القرآن قال ذلك، بعضهم خاطبهم: ((أَكَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ)) وقال إن هذا ممكن، ((الَّذِينَ
آَمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ آَمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ ازْدَادُوا كُفْرًا..)).
إذاً المسألة ليست معاجز، بل يقول لهم القضية هي قضية نذارة وهداية.
الآية، هذا الشطر المهم ((إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَاد)) يجعل من مهمة النبي(ص)
مهمة النذارة فقط، لأنه يقول ((إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِر)). ((إنّما))
كما قلنا في حلقات أخرى أن القرآن يستخدمها أحياناً للاستثناء للحصر الحقيقي دون
مبالغة ((أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ)) هذا ليس مبالغة، هذا حقيقة، ويستخدمها
أحياناً للمبالغة من أجل إلفات النظر إلى أن ما يريد أن يقوله بعدها من الأهمية
الفائقة بحيث أنه لا يريد غيرها ((إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ
الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْت))، ((إِنَّمَا أَعِظُكُمْ بِوَاحِدَةٍ))، ومثيلاتها، إن
تراجع في القرآن تجدها مبثوثة بشكل كبير. الكثير منها فيه مبالغة وهذه الآية منها ((إِنَّمَا
أَنْتَ مُنْذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَاد)) – كيف هو فقط منذر؟ رسول الله(ص)
هو الهادي أيضاً، القرآن نفسه يقول ((وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ
مُسْتَقِيم)) إنك تهدي إذاً أنت هاد؛ وفي آيات يقول له ((إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ
شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرا)) إذاً هناك البشارة وليس فقط النذارة، كيف يقول
له إنما أنت منذر؟ فهنا إشكال، إشكال وتناقض ظاهران في القرآن، أنه في آيات
يقول له أنك تهدي وهنا يقول له أنت فقط منذر، فكيف نصنع؟ نذهب إلى الذي أُنزلت
عليه الآية والذي أُنيط به التوضيح في البيان.
القرآن يقول لنا ((وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ
الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ)) هذه قضية، هذه طريقة،
هذه أداة لا يمكن التنازل عنها كما يحصل مع من يسمون أنفسهم القرآنيين أو ما شاؤوا
من تسميات، القرآن يقول أنزلنا لتبيّن، ولذلك في بعضها يقول ((وَمَا عَلَى
الرَّسُولِ إِلا الْبَلاغ)) في نص، وبعدها يقول ((وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلا
الْبَلاغُ الْمُبِينُ)) هذا بيان، يقرأ النص ثم يبيّن ما هو، وهذا في الآيات
الواضحة أو شبه الواضحة أو على الأقل التي ليس فيها تناقض.
التزكية إلى الأمة
هناك تناقض بين هذه الآية وبين الآيات التي
لا تحصر مهمته(ص) بالنذارة فقط. إذاً
نذهب إليه فماذا قال؟ هنا نأتي إلى تزكية الرسول(ص) للأمة المسلمة،
دعاء إبراهيم وإسماعيل(ع) ((رَبَّنَا
وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ))
والآية بعدها ((رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ
آَيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ)) بعد أن يهيئهم يزكيهم إلى الناس، يطلقهم إلى الناس، هنا إحدى أقوال رسول الله في التزكية في تزكيتهم
إلى الناس، ويجب أن يخضع لها كل مسلم لأن هذا بيان رسولي، الآية فيها من
المتشابهات ليست واضحة، رويت الروايات، كل واحدة منها تكفي.
عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: "لما
نزلت ((إنما أنت منذر ولكل قوم هاد))، قال ابن عباس وضع رسول الله(ص)
يده على صدره وقال: ((أنا المنذر، ولكل قوم هاد)) وأومأ بيده إلى منكب علي فقال: ((أنت الهادي يا علي، بك يهتدي المهتدون من بعدي)).
هذه كلمة ((من بعدي)) حلّت الإشكال، يقول له أنا في حياتي أنا أيضاً الهادي، أنا
المنذر وأنا الهادي، ولكن لكل قوم هاد، أنت الهادي من بعدي، وهذا يعني ماذا؟ يعني أن الله سبحانه وتعالى يريد أن ينبهنا إلى عظم
وخطر منزلة علي(ع) أنه هو علم الهدى بحيث يأتي بآية تستثني وظيفة الهدى من النبي(ص)
حتى ننظر ونقول ونتساءل كيف؟ كيف يكون منذراً فقط؟ فنسأله فيجيبنا يقول نعم،
أنا في حياتي أنا المنذر وأنا الهادي وأنا كل شيء، من بعدي بمن يهتدي به القوم؟
علي ((يهتدي بك المهتدون بعدي))، فهذا يحلّ الإشكال
بين هذه الآية والآيات الأخرى التي تحصر وظيفة النبي(ص) بالنذارة فقط
لاسيما وأنها تقول له أنك تهدي إلى صراط مستقيم، هادياً ترفع هذا الإشكال فتحل لنا
هذه القضية.
ثانياً يكمل الحل بأنه لا يبقي هذه الروايات
وهذا الكلام من رسول الله(ص) لا يبقي الحل يحتاج إلى توضيح أكثر وهو التشخيص، لا،
أكمل الحل بالتشخيص أن علياً(ع) هو الهادي من بعده.
إعتراض الذين في قلوبهم مرض
آية مثل هذه يرى المفسرون كلهم أن فيها ما
يستدعي النظر، وطبعاً بما أنه توجد هذه الرواية في علي(ع) فعلى ديدنهم الذي مشوا
عليه عبر العصور وإلى اليوم، عندما أحد منهم يفسر في التفسيرات يضيق صدره ولا
يتحمل هذه الخصوصية الكبري لعلي(ع) أنه هو الهادي بعد رسول الله(ص) فيأتون بوجوه
أخرى.
دعونا نقرأ هذه الوجوه الأخرى لننظر هل هي مما تُقبل أو لا تُقبل.
نأخذ من تفسير ابن كثير الدمشقي، (هذا ابن
كثير هو تلميذ ابن تيمية، تلميذ مباشر ولذلك فإن الوهابية نشروه، تجد تفسير ابن
كثير في كل مكان ولعله تجده في بيوت حتى شيعة أهل البيت تجد لديهم تفسير ابن كثير
ولا يوجد تفسير آخر، فانتشر).. فنأخذ هذا ماذا يقول لأن ما قاله ابن كثير هو جامع للافتراضات وجامع للكلام الصحيح وجامع أيضاً لغير
الصحيح، نشير إلى هذه الحالة التي لا يمكن تسميتها إلا بالمشكلة النفسية مع
الحق.
(الوجه 1) قالوا أن المعنى لكل قوم هاد، أن لكل قوم داعٍ أي داعية، طبعاً هذا باطل لأن الداعية ليس بالضرورة يكون هادياً،
تمام؟ من الممكن أن الإنسان يدعوك إلى الحق ولكنه لا يستطيع أن يهديك، لكن ممكن
أنه أشار إليه، لكن لم استثناء رسول الله(ص)؟ أليس هو الداعي؟ أكبر
داعي إلى الله هو رسول الله(ص) فكيف يستثنيه؟
(الوجه 2) قالوا أنه يقول الله تعالى أنه
أنت يا محمد منذر وأنا هادي كل قوم، يعني الله
هادي كل قوم. هنا طبعاً استثناء أيضاً يبقى
مبهماً، لماذا يستثني رسول الله؟ يقول له إنما أنت منذر وهادي وأنا الهادي
للناس جميعاً. طبعا مفروغ منه، الله الهادي
قبل رسول الله وأثناء حياة رسول الله وبعد رسول الله، الله هو الهادي دائماً، لكن كيف يوصل الهدى؟ أوصله عن طريق البشر، لم
يجعله فطرياً، جعل هناك فطرة متصلة بالله تعالى لكن التذكير كان عن طريق النبوات،
فإذاً بقيت المشكلة كما هي. هذا الوجه باطل.
(الوجه 3) ولكل قوم هاد، أي نبي، قالوا كل قوم له نبي، هذا أيضاً باطل، أولاً استثنى النبي محمد(ص) إذا كان لكل قوم نبي
لماذا تقول له أنت فقط منذر؟ وثانياً طيب بعد
النبوة وانتهت النبوة ماذا نفعل؟ يعني توقفت الهداية؟ أم أن الهداية تكون
بالرسالة الخاتمة لآخر نبي؟ وعندها نسأل من سيكون الهادي أو الهدى من بعده؟
(الوجه 4) قالوا الهادي هو القائد، والقائد هو الإمام، طيب إلى هنا ممكن، لكن ماذا يقول؟
والإمام هو العمل، طيب القائد هو الإمام إذاً ليس بالضرورة يكون هادياً، كم من قادة هم ليسوا هادين
بل ربما يأخذونك إلى جهنم؟ وكم إمام هو من الذين يأخذونك إلى النار؟ صح أم لا؟
هناك أئمة النار كما ورد في القرآن. وأما العمل
فكيف يكون العمل هو الهادي؟ العمل إذا كان صالحاً نعم يبدأ يدخل في إطار
التوفيق للهداية ربما للعمل الصالح ربما للهداية فيما بعد، لكن العمل هدف الهداية
هي أنك تتوجه إلى العمل الصالح وليس العكس، فهذا قول باطل.
(الوجه 5) هو أن الهادي هو محمد(ص)، طبعاً هذا
باطل لأن الآية هي التي تستثنيه، نحن الإشكال عندما في استثنائه من وظيفة
الهداية.
(الوجه 6) وأنتم تلاحظون التكفل في هذه
الأقوال، القول السادس أن الهادي هو من يدعوهم إلى
الله عز وجل، يدعوهم إلى الله، طبعاً هذا
القول أيضاً باطل لأن من يدعو إلى الله ليس بالضرورة يستطيع أن يهديهم الهدى
المطلوب، الهدى الذي من القوة بحيث أن الهداة غيرك، هناك هادي غيرك، إذاً يجب
أن يكون هدى على مستوى الهدى الذي يقوم به رسول الله وليس أقل. وهذا الوجه باطل.
(الوجه 7) وهذه كلها مما أوردها ابن كثير
الدمشقي في تفسيره، القول السابع هي الآية المذكورة، ذكر ذلك وذكر الرواية التي ذكرناها في البيان الرسولي أولاً أنه قول رسول
الله(ص) ((أنت الهادي يا علي بك يهتدي المهتدون من بعدي))، ماذا علّق ابن كثير عليها؟ قال: "وهذا الحديث
فيه نكارة شديدة"، لماذا فيه نكارة
شديدة؟! تلك الوجوه أوضحنا بطلانها بأقل نظر، بأقل نظر أوضحنا بطلانها، وهذا الوجه
يأتيك شخص محدد ويحدد رسول الله(ص) أن بك يهتدي المهتدون بعدي فيرفع التناقض
الذي بين الآية والآيات الأخرى من القرآن الكريم، ويحدد، ولا يدع دقيقة واحدة من
غير علم هدى، يهتدي بك المهتدون بعدي، مباشرة بعد موتي تبدأ وظيفتك، ويشخصه من هو
والذي شخصه عليه الإجماع على أنه في القمة حتى الذين جعلوه رابعاً فهو في القمة ورووه
أنفسهم أنه للنبي بمنزلة هارون من موسى، وأنه من العترة التي من تمسك بها والقرآن
الكريم فيأمن من الضلال، فكيف الحديث فيه نكارة شديدة؟! لماذا يعني أين
النكارة؟ هل في فعل النبي أنه قال أنا الهادي؟ أنا المنذر؟ ثم على منكب علي يقول ((أنت
الهادي بك يهتدي المهتدون بعدي))؟ يعني لو النبي لم يكن يهتدى بعدي لكان فيه نكارة
يكون الإشكال باقي، التناقض باقي، لكنه أوضح لنا.. لماذا فيها نكارة شديدة؟ طبعاً
أنت إذا سألت الآن الأتباع فسيأخذونك في متاهات الإسناد في سند فلان قال عن فلان
ثم سند ضعيف ويرجع يقول له فلان يقول عن فلان أنه ثقة نعم لكن فلان قال أن فيه
شيء، ويأخذونك في هذه المتاهات من أجل أن يجدوا حلاً لهذه المعضلة، والمعضلة ليست
في هذه ولكن في الصدور ((وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا
أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا)) لكن لماذا جحدوا بها؟ ظلماً وعلوّاً، هذا الاستكبار
هذا الكبر، مَن علي بن أبي طالب حتى نطيعه؟ واليوم مَن أنتم حتى نطيعكم، أنتم من
تكونون؟ أنت كذا وكذا إلى آخر السلسلة، فهذا
الحديث ليس فيها نكارة شديدة لكن النكارة الشديدة في قلب ذلك الناصبي تلميذ ذلك
الناصبي الأكبر.
(الوجه 8) ثم أورد رواية وجه ثامن هو نفسه
ابن كثير يقول أنها رواية عن علي(ع)، ولكل قوم هاد، قال، أي علي: "الهادي رجل من بني هاشم" قال الجنيد
الذي هو الراوي، هو علي الراوي وأحد المعلقين من المفسرين هو علي بن أبي طالب رضي
الله عنه، هذه الرواية طبعاً صحيحة أنها تشخص علياً، لكن تقول أن علياً(ع) لم يشأ أن يذكر اسمه فقال رجل من بني هاشم، ما
يعني أنه يريد أن يتواضع وطبعاً هذا غريب، هذا الذي فيه غرابة لأن القضية ليست
قضية مدائحيات إنما أنت منذر ولكل قوم هاد، هذه وظيفة، واجب ثقيل جداً، الله
أعلم بالمعاناة التي عاناها أمير المؤمنين صلوات الله عليه منذ أن أُلقيت عليه
وحتى أن استشهد. هذه ليست تشريفات هذا واجب عظيم، مهمة ومسؤولية ضخمة جداً،
فالمقام مقام بيان، مقام توضيح أنني أنا الهادي، أنا الهادي تعالوا إليّ، فما معنى
أن يقول رجل من بني هاشم؟ ليست مدائحيات.
الآية وآيات الأمة المسلمة
وبالتالي فإننا نجد أن هذه الآية من أعظم الآيات، من أعظم آيات كتاب الله العزيز في الإعلان
الواضح من خلال النص زائد البيان الرسولي للنص بموقعية
هذه الأمة المسلمة وهنا سيدها سيد العترة الطاهرة علي بن أبي طالب(ع) والذي
طبعاً نعلم مَن هم باقي الأمة المسلمة، من غير الاثباتات الأخرى، يكفي أننا نعلم
مَن يهدي بعد رسول الله(ص) علي بن أبي طالب(ع)، نذهب إليه وهو الذي يهدينا ماذا
نفعل من بعده.
فصلى الله على محمد وآله الطاهرين..