بحوث الأمة المسلمة في دعاء إبراهيم وإسماعيل (ع)
الحلقة ح16 / آيتا أولي الأمر
رابط يوتيوب: https://youtu.be/kQs8WTW7s4I
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمدلله والصلاة
والسلام على رسول الله وعلى آله الأطهار
من ضمن آيات الأمة المسلمة من ذرية إبراهيم
وإسماعيل(ع) الآيات القرآنية آيتا أولي الأمر:
الآية الأولى – ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ
آَمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الامْرِ مِنْكُمْ
فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ
كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الاخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ
تَأْوِيلا)) النساء:59، هذه آية عامة.
الآية الثانية كأنما يضع لها الأسباب – ((وَإِذَا
جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الامْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ
إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الامْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ
مِنْهُمْ وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لاتَّبَعْتُمُ
الشَّيْطَانَ إِلا قَلِيلا)) النساء:83.
الفهم من اللغة
لغة الآية الأولى الخطاب ((يا أيها الذين آمنوا))، جميع المسلمين، وهذا دائماً ننبه عليه
أن "الذين آمنوا" هو مصطلح قرآني يستخدمه للمسلمين، أي الذين أعلنوا
أنهم آمنوا بالدين ودخلوا به على اختلافهم، لذلك يفرق بينهم وبين المؤمنين في آيات
معينة، فيقول يا أيها الذين آمنوا، والمؤمنين..
الأمر بالطاعة لله وللرسول وأولي الأمر
منكم، واضحة، طاعة شرعية.
ثم يقول أنه في حال التنازع ((إن تنازعتم
في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر))، يعني إن لم
تفعلوا فأنتم لستم بمؤمنين حقاً، فإذاً الأمر بالطاعة لله والرسول وإلى أولي الأمر
وفي حال التنازع ردوا الأمر إلى الله وإلى الرسول(ص).
الآية الثانية ((إذا جاءهم أمر من الأمن أو الخوف)) بكل الأحوال ((ولو ردوه..)) المهم
هو هنا، هناك فرق:
هناك ((فردوه إلى الله والرسول))، هنا
يقول ((ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم)). هذه هي اللغة ونفهم منها أولاً
أن طاعة أولي الأمر طاعة دون شروط يعني لم يذكر شرط، ((أطيعوا الله وأطيعوا
الرسول وأولي الأمر منكم، فإن تنازعتم)) يعني لم يقل أولي الأمر منكم إن عدلوا،
أولي الأمر منكم إن لم تفعلوا كذا، والثانية أيضاً ((لو ردوه إلى الرسول وإلى
أولي الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه))، لم يقل إلى أولي الأمر في حالة كذا،
لم يقل، إذاً طاعة دون شروط.
ثانياً أولو الأمر هؤلاء يستطيعون استنباط
الحكم الشرعي، هم يتوفرون على العلم الشرعي الذي
يستطيعون الاستنباط منه ماذا يفعلون، وبدقة، وقال ((الذين يستنبطونه منهم))؛ لم
يقل الذي يعلمونه، الذين يعرفون كيف يتصرفون، استنباطه، فهذا النص وهذا الذي
يفهم من اللغة.
البيان الرسولي إلى الأمة
هؤلاء أولو الأمر؛ تزكية الرسول لهم، أولو
الأمر، نحن نذهب إلى هؤلاء (وتأتي الأجوبة على المعترضين)، نحن نذهب إلى هؤلاء هم
أئمة أهل البيت(ع) الأئمة الإثني عشر بدءاً من علي بن أبي طالب(ع)،
الرسول زكاهم ببيانه، تزكية لهم بصفاتهم الفريدة وموقعيتهم في الدين سواء في تفسير
الآيات (التطهير، المباهلة، المودة،..) التي ذكرناها أو غير تلك الآيات، (يعني
ذكرناها في حلقات منفصلة)، أو بمعزل عن ذلك في السيرة النبوية وفي السنة النبوية
بشكل عام التي لا تتعلق بشكل مباشر وواضح بآية معينة.
الاعتراضات
هذا الفهم يُعترض عليه وهو اعتراض في هذه
الحالة ليس اعتراضاً مباشراً على فهمنا، نحن أتباع أهل البيت(ع)، لأولي الأمر، لأن
هذه ليست من الآيات التي تجدها كثيراً في النزاع بين الفريقين، وذلك ربما تمر
بمفسر أو مفسرين يذكر وجوهاً متعددة ولا يذكر أصلاً الوجه الذي يقول أنهم أئمة أهل
البيت(ع)، ولكن عندما نطرح هذا، يأتي هناك نزاع، أو يكون هناك الاعتراض من ضمن
الاعتراض الطبيعي عند تفسير هذه الآية، بداخل نفس المدرسة الفقهية أو المذهبية،
وهذه المسألة طبيعية بل هي التي يجب أن تكون عند تدبر القرآن الكريم.
الاعتراض الأول يقول أنه في حال النزاع فإن تنازعتم في شيء فإن الرد إلى الله ورسوله،
لم يذكر أولي الأمر، فلو كانت طاعتهم
هكذا يقولون طاعة أولي الأمر كطاعة الله ورسوله يعني في وجوبها في وجوب الطاعة كان
قال فردوه إلى الله ورسوله وأولي الأمر، كان كرر أيضاً أولي الأمر. الجواب على هذا باختصار، أولاً إن أولي الأمر لم ينزل
عليهم الوحي، الوحي من الله إلى الرسول فهؤلاء أولو الأمر كائناً من كانوا بغض
النظر عن التشخيص ليس لهم أن يتكلموا في كلمة واحدة عن التشريع، هم ينقلون ولا
يشرعون، فالرد إلى الله ورسوله، ماذا يساوي؟ يساوي النص القرآني زائد البيان
الرسولي للنص. فهذا الحكم في ذلك يجري على أولي الأمر كما يجري على غيرهم من
سائر المسلمين. في الجواب أيضاً وما هو أهم من هذا
هو أن الطاعة التي أمرت الآية بها في الأصل ((أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي
الأمر منكم)) لم تضع لها شروطاً، طاعة غير مشروطة، هذا هو الأهم، يعني أنت تعترض
في حالة النزاع شيء لكن أنت في أصل الطاعة، هي طاعة غير مشروطة، ننظر أمامها
في حالة النزاع لماذا لم يكن الرد. فطالما أن
الطاعة غير مشروطة إذاً هي واجبة في الحالة الاعتيادية عندما لا يكون هناك نزاع
بغض النظر عن النزاع أين. في الحالة الاعتيادية هناك أمر بطاعة غير مشروطة
لأولي الأمر فهي إذاً واجبة، إذاً هم واجبو الطاعة كما تجب طاعة الله وطاعة
الرسول، ولو كان هناك شرط لهذه الطاعة لوضعها الله
تعالى، لقال، لذكر ذلك في الآية، هذه الطاعة
غير المشروطة لا يمكن إلا أن تعني أمراً واحداً أن أولي الأمر هؤلاء لا يأمرون
بمنكر ولا ينهون عن معروف وبعبارة أخرى هم يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر
ويؤمنون بالله، مما سنذكره في أن هذه الأمة (التي سنبحثها
في آية ((كنتم خير أمّة أُخرجت للناس))) ليس فقط أنهم الأمة المصداق لذلك، بل هو
هذا التشخيص، أن هذه الأمة التي أخرجت للناس التي فيها الخيرية التي على الإطلاق
تأمر بالمعروف، على الإطلاق تنهى عن المنكر، على الإطلاق تؤمن بالله، لا يوجد
شائبة في إيمانها، لا يمكن إلا أن تكون تلك الأمة المسلمة من ذرية إبراهيم وإسماعيل(ع)
التي وصلت إلى الدرجة الأعلى من الإسلام، فلا يمكن أن تأمر بمنكر ولا تنهى عن
معروف ولا أن تحيد ذرة واحدة عن الإيمان الخالص بالله.
أخيراً الاعتراض على ذلك نقول إذاً أن هؤلاء الصفوة هم الذين يستطيعون
استنباط الحكم الشرعي في حالة من الأمن والخوف لو ردوه لكذا، لأنه لو كان هناك
احتمال للخطأ أو الزلل في استنباطهم لكانوا سيخرجون من أمر الطاعة دون قيد أو شرط. هذا الاعتراض الأول على القضية أن الطاعة لم تُكرر في حالة النزاع.
الاعتراض الثاني البدائل المطروحة
كالمعتاد هناك بدائل، وجوه لتفسير الآية، وهذه البدائل ضعيفة إلا في حالة واحدة.
البدائل المطروحة ما هي؟
أن هناك خمسة أقوال، أن أولي الأمر هم
أمراء السرايا والغزوات، أو هم العلماء، أو هم الأمراء والولاة، أو هم أهل الرأي
من الصحابة، أو هم القوّام على الناس والآمرون بالمعروف والناهون عن المنكر. فماذا
نلاحظ في هذه البدائل؟
نلاحظ ما يلي / ملاحظتان عندنا فيها:
الملاحظة الأولى هؤلاء المذكورون أمراء السرايا والأمراء وأهل الرأي
من الصحابة، هؤلاء لا يمكن أن تكون طاعتهم غير مشروطة؛ لماذا؟ لأن المفسرين
الذين رووا هذه الوجوه قالوا أن الطاعة لهؤلاء تكون في المعروف فقط ويذكرون معها حديث
رسول الله(ص) ((لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق))، إذاً كيف نصنع إذا
أمروا بمعصية؟ هؤلاء يعني لو أمروا بمعصية ولم نطعهم عاقبونا على هذا؛ ماذا نصنع؟
إما أن نخضع وإما أن نثور عليهم. والعجيب هنا هو التناقض الصارخ في الحل، يعني هم
يقولون أن الطاعة في المعروف فقط، كلهم يأتوك يقولون "أطع الأمير وإن ضرب
ظهرك وأخذ مالك"، كلهم يريدون ذلك، يعني هناك شيء من الحرص والغيرة على موقعية
أولي الأمر من الولاة، وهو حرص في بعضه منطقي لأن القضية يجب أن تكون هناك طاعة،
قانون سياق في الأمر، سواء هناك غزوات هناك أمير لهذه السرية أو رئيس لدائرة
حكومية أو لشركة أو غيرها، لا بد أن يكون هذا، لكن الكلام هو في الشرط. طيب لو قالوا نعم أنت تطيع الأمير ولو ضرب ظهرك وأخذ مالك
"ما لم يصدر منه الكفر البواح"، طيب إذا صدر من الكفر البواح ماذا نصنع؟
نفس السؤال، أنخضع له أم نقوم بالثورة عليه؟ إذا خضعنا نكون قد خضعنا بالمعصية
وأطعناهم في المعصية، وإذا ثرنا عليه نفس المفسرين من هذه المدرسة يقولون أن
الثورة على أولي الأمر لا تجوز أبداً، حتى في بعضهم هذا المنحرف الكبير ابن
تيمية وتلميذه ابن القيم يقول أصلاً حتى الدعاء على الحاكم الظالم لا يجوز بل ندعو
لهم، يعني الدعاء بينك وبين الله لا يجوز! فتأمل. إذاً تخضع له، فإن أمر بالمعصية
وأنت أعنته على ذلك بطاعتك له، هذه هي الملاحظة الأولى على الاعتراض-البدائل.
الملاحظة الثانية هي أنك إذا نظرت إلى البدائل لا تجد أحداً على العهد
النبوي عندما نزلت الآية، لا تجد أحداً تنطبق عليه غير علي بن أبي طالب سلام الله
عليه:
-فهو كان من أمراء السرايا والغزوات بل هو
الأمير عليهم حتى كان عندما يرسل رسول الله(ص) كتيبتين أو سريتين يقول عندما
تجتمعون ((فعليّ على الناس)
-وهو أيضاً من العلماء بل هو أكبر
العلماء، هذا هو باب مدينة العلم، هذا كله بتزكية الرسول(ص) لا نتكلم من عندنا
-وهو من الأمراء والولاة كما كان بعد ذلك،
كان هو الخليفة
-وهو من أهل الرأي من الصحابة، بل هو
أعلاهم حتى في زمان الخلفاء قبله لاسيما في زمان عمر بن الخطاب الخليفة الثاني كان
هو رأيه يقدمه في حالة الاختلاف عن رأي الآخرين
-وهو من القُوّام على الناس والآمرون
بالمعروف والناهون عن المنكر حقاً لأنه أول الأمة المسلمة في دعاء إبراهيم وإسماعيل(ع)
من ذريتهما.
إذاً هذه البدائل كلها ممكنة في حالة شخص واحد، فتكون قد اتفقت مع ما
نذهب إليه من الأمة المسلمة من ذرية إبراهيم وإسماعيل(ع)، أولو الأمر في تلك الأمة
الذرية المسلمة المصطفاة، إجمع معها الآية
التي تم البحث فيها دائماً في الطائفتين وهي آية ولاية الأمر، آية الولاية التي
بحثناها في تسجيل منفصل ((إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ
آَمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ
رَاكِعُونَ)) والتي جاءت التفاسير، إن لم يكن كل التفاسير فمعظم التفاسير، قالت أن
الذين آمنوا في الآية ليس جميع الذين آمنوا لأنه لا يمكن أن يكون ذلك أن تكون
الولاية من الجميع على الجميع، وإنما هي في شأن علي بن أبي طالب عندما تصدّق
بالخاتم وهو يصلي وفي حالة الركوع.
فإذاً، هذه الآيات، آيتا أولي الأمر تنطبق
على هؤلاء.
هناك قضية مهمة جداً أنه نحن نعترض على هذه البدائل، العلماء والأمراء، لاسيما في حالة الأمراء والولاة، وأمراء السرايا
والغزوات وصولاً إلى التطبيق العملي في عملنا أن
ولاة الأمر هم الحكام، ملك، رئيس جمهورية، أمير، رئيس وزراء.. سمّ ما شئت،
وصولاً إلى ... يعني وصلت مهازلنا إلى أن شاباً لا
يكاد يفقه شيئاً من الدين حقاً، يصلي في زاويته يجتمع حوله البعض ممن لا يفهمون
شيئاً أكثر منه، فيبهرون به وشيئاً فشيئاً صار أمير جماعة، وإذا به يقتنع بفكر من
الأفكار فيصبح أمير جماعة يأمرهم فيأتمرون وينهاهم فينتهون وصولاً إلى أمرهم بقتل
الأبرياء، فيقتلون الأبرياء الذين لا يعرفونهم، هذه نتيجة التفسير المنحرف، أن
ولاية الأمر تكون للحاكم، تكون للأمير، تكون لأمراء السرايا والغزوات، الأمراء
والولاة، صاروا يقولون لا، نحن نبايع هذا أميرنا
وليس رئيس الجمهورية الذي هو صدر من الكفر البواح، حتى عندما يقولون هذا صدر
من الكفر البواح ونحن لا نقبل به ولا نطيعه ونهرب منه نهاجر مناطق سيطرته فماذا
الذي يصنعون؟ يسقطون مع آخر ربما أفضل منه علماً
في العلم الشرعي ولكنه على مسيرة انحراف قد تكون هي الأسوأ، وهذا الذي حصل.
إذاً هؤلاء ولاة الأمر هنا لا يمكن أن يكون الجميع ولاة الدين هم ليس فقط لا
يستنبطون الحكم الشرعي بل هم لا يعرفون شيئاً عن الشريعة. تصور أنت رؤساء
الجمهورية فلان وفلان أو الملك فلان الفلاني تصور أن هؤلاء يستنبطون الحكم الشرعي،
تصور أن هؤلاء يستنبطون الحكم الشرعي، أي مهزلة هذه؟!
أخيراً هناك آية، يعني أيضاً قضية أولي الأمر، مسألة الأمر نعم هي الحكم وتضم إلى ولاية الأمر والحكومة، لكن من هم
هؤلاء؟
لو ذهبت إلى الآية 67 من سورة الحج يقول
تعالى:
((لِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنْسَكًا هُمْ نَاسِكُوهُ فَلا يُنَازِعُنَّكَ
فِي الامْرِ وَادْعُ إِلَى رَبِّكَ إِنَّكَ لَعَلَى هُدًى مُسْتَقِيمٍ)) آية عظيمة هي من القلب في دعاء إبراهيم وإسماعيل(ع) بالذرية المصطفاة،
الذرية المسلمة وفي الرسول الذي يُبعث فيهم. وحتى في تلك الآية، أنظر إلى أن القرآن
كيف يربط الأمور لكي لا يكون لأحد حجة مهما فعلوا – في الواقع استطاعوا أن ينجحوا
في التحريف، هنا لا يستطيعون مع كتاب الله أبداً.
إبراهيم وإسماعيل(ع) يقولان: ((رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا
مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ وَأَرِنَا
مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ))، وهذه
الآية تقول ((لِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنْسَكًا هُمْ نَاسِكُوهُ فَلا يُنَازِعُنَّكَ فِي الامْرِ...)) أنت يا رسول الله، أنت يا محمد لا
ينازعنك في الأمر أي لا يجوز لهم، هنا فلا ينازعنك، هذه الناهية لهم، أي لا
تنازعونه فلا ينازعونه، النون هنا هي نون التوكيد الثقيلة، يعني لا تنازعوه فلا
ينازعنه في الأمر، ((وَادْعُ إِلَى
رَبِّكَ إِنَّكَ لَعَلَى هُدًى مُسْتَقِيمٍ)) لأنه لا يمكن أن تكون هنا الأمر هي النبوة
والرسالة، لا يستطيع أحد أن يقول لا، أنت يا محمد
قف على جانب، أنا الذي أدعو إلى الله، تدعو بماذا؟ لا وحي ولا علم ولا فهم ولا
حكمة ولا أي شيء، فإذاً النزاع في الموقعية على
أرض الواقع التي تمكن من الدعوة إلى ربك فلا ينازعنك في الأمر وادع إلى ربك..
وقد وجدنا أنه(ص) لم يستطع أن يدعو كما يشاء ولو بـ 1% وهو في مكة إلى
أن ذهب إلى المدينة وتمكن وصار هو ولي الأمر، صار ولي الأمر الحاكم وهو ولي الأمر
المعصوم، ولي الأمر الذي يأتيه الحكم الشرعي بُسطت يده استطاع أن يدعو إلى ربه ما
يحب.
آيتا أولي الأمر وآيات الأمة المسلمة
فهذه الآية ((لا ينازعنك في الأمر وادع
إلى ربك)) كلها مربوطة بالأمة المسلمة وهذه الآيات أولي الأمر.
وهذا أيضاً يذكرني برواية عن الصحابي عبادة بن الصامت (رضوان الله عليه) وهو الصحابي
الأنصاري العقبي من كبار الذين بايعوا رسول الله(ص) في العقبة. أكثر الروايات
الشهيرة يقول الذين بايعوا رسول الله(ص) "أن نمنعه مما نمنع منه نساءنا
وأطفالنا"، إلا أن عبادة بن الصامت لأنه لا يريد أن يخفي شيئاً والحمد لله أن
الرواة عنه لم يخفوا هذه الجزئية، أيضاً قال:
"بايعنا رسول الله على أن نمنعه .... وعلى أن لا ننازع الأمر أهله"
– مهم جداً.
رسول الله(ص) في أشد الحاجة
إلى النصرة ويأتيه الأنصار يفتح الله تعالى عليه هذا الطريق إلى يثرب تكون هي
القاعدة له، على الأقل يستطيع أن لا يذكر هذه المسألة، هل يعقل أن أناساً يأتون
إليك يفتحون مدينتهم مع ذلك يقول تبايعوني أن الأمر يعني الحكم هنا، أن الأمر هذا
بعيد عنكم ليس لكم، لأن هناك احتمالاً قوياً أن يقولوا له لماذا نحن نفتح لك
مدينتنا وتأتي ونجعلك أنت المتحكم فينا والمهيمن على مجتمعنا وماذا تأمر نحن
نأتمر، تنهى نحن ننتهي، ثم حتى لا يكون لنا نصيب في الأمر؟ عبادة بن الصامت يقول:
"بايعناه على أن لا ننازع في الأمر أهله".
فهذا يدل بشكل قاطع أن أمر الحكم بعد
النبي (ص) ليس حسبما يشتهي الناس، ولكنه أمر من الله تعالى.
والحمد لله رب العالمين وصلى الله على
محمد وآله الأطهار.