المبعث النبوي الشريف
27 من شهر رجب
***
أتقدم بأزكى التهاني بمناسبة المبعث النبوي الشريف، والذي يحتفل به أيضاً
بذكرى حادثة الإسراء والمعراج، حيث الرحلة التاريخية المعجزة لرسول الله (صلى الله
عليه وآله)،
ندعو الله أن تكون هذه المناسبة وسواها دافعاً للمسلمين إلى التعاون
والتعايش والاصطفاف ولملمة الأحوال وتضميد الجراح والصبر على المحن والانطلاق نحو
الإصلاح والتنوير والتقدم والنظر بمحبة وإنسانية إلى الآخرين كما كان رسول الله
(ص) في هديه وطريقته وصبره وجهده وجهاده وسائر شأنه.
***
بهذه المناسبة ينطلق سؤال يتعلق بموعد بدء البعثة النبوية...
السؤال هو:
إذا كان الله تعالى يقول ((إنا أنزلناه في ليلة القدر)) ونحن نعرف أن ليلة
القدر في شهر رمضان المبارك فكيف يكون بدء البعثة في 27 من شهر رجب؟
سؤال منطقي تماماً، سأترك الإجابة عليه من هذه اللقطات من تفسير سورة القدر
وتفسير سورة الدخان من "الميزان في تفسير القرآن" للسيد محمد حسين
الطباطبائي رحمه الله تعالى...
***
قوله تعالى: ((إنا أنزلناه في ليلة القدر)) ضمير ((أنزلناه))
للقرآن وظاهره جملة الكتاب العزيز لا بعض آياته ويؤيده التعبير بالانزال الظاهر في
اعتبار الدفعة دون التنزيل الظاهر في التدريج.
وفي معنى الآية قوله تعالى: ((والكتاب المبين إنا أنزلناه في
ليلة مباركة)) الدخان: 3 وظاهره الأقسام بجملة الكتاب المبين ثم الاخبار عن إنزال
ما أقسم به جملة.
فمدلول الآيات أن للقرآن نزولاً جملياً على النبي صلى الله عليه
وآله وسلم غير نزوله التدريجي الذي تم في مدة ثلاث وعشرين سنة كما يشير إليه قوله:
((وقرآنا فرقناه لتقرأه على الناس على مكث ونزلناه تنزيلا)) الإسراء: 106، وقوله: ((وقال
الذين كفروا لولا نزل عليه القرآن جملة واحدة كذلك لنثبت به فؤادك ورتلناه ترتيلا))
الفرقان: 32.
***
فلا يعبأ بما قيل: إن معنى قوله: ((أنزلناه)) ابتدأنا بإنزاله
والمراد إنزال بعض القرآن.
***
ولا يدفع ذلك قوله: ((وقرآنا فرقناه لتقرأه على الناس على مكث
ونزلناه تنزيلا)) الإسراء: 106، وقوله: ((وقال الذين كفروا لولا نزل عليه القرآن
جملة واحدة كذلك لنثبت به فؤادك ورتلناه ترتيلا)) الفرقان: 32، الظاهرَين في نزوله
تدريجا،
ويؤيد ذلك آيات اخر كقوله: ((فإذا أنزلت سورة محكمة)) سورة
محمد: 20، وقوله: ((وإذا ما أنزلت سورة
نظر بعضهم إلى بعض)) التوبة: 127 وغير ذلك ويؤيد ذلك أيضاً ما لا يحصى من الاخبار
المتضمنة لأسباب النزول.
وذلك أنه يمكن أن يحمل على نزول القرآن مرتين مرة مجموعاً وجملة
في ليلة واحدة من
ليالي شهر رمضان، ومرة تدريجاً ونجوماً في مدة ثلاث وعشرين سنة وهي مدة دعوته صلى
الله عليه وآله وسلم.
***
لكن الذي لا ينبغي الارتياب فيه أن هذا القرآن المؤلف من السور
والآيات بما فيه من السياقات المختلفة المنطبقة على موارد النزول المختلفة الشخصية
لا يقبل النزول دفعة فإن الآيات النازلة في وقائع شخصية وحوادث جزئية مرتبطة
بأزمنة وأمكنة وأشخاص وأحوال خاصة لا تصدق إلا مع تحقق مواردها المتفرقة زمانا
ومكانا وغير ذلك بحيث لو اجتمعت زماناً ومكاناً وغير ذلك انقلبت عن تلك الموارد
وصارت غيرها فلا يمكن احتمال نزول القرآن وهو على هيئته وحاله بعينها مرة جملة
ومرة نجوماً.
فلو قيل بنزوله مرتين كان من الواجب أن يفرق بين المرتين
بالاجمال والتفصيل فيكون نازلاً مرة إجمالاً ومرة تفصيلاً، ونعني بهذا الاجمال
والتفصيل ما يشير إليه قوله تعالى: ((كتاب أحكمت آياته ثم فصلت من لدن حكيم خبير))
هود: 1، وقوله: ((إنا جعلناه قرآنا
عربيا لعلكم تعقلون وإنه في أم الكتاب لدينا لعلي حكيم)) الزخرف: 4.
***
وقيل: المراد بنزول الكتاب في ليلة مباركة افتتاح نزوله
التدريجي في ليلة القدر من شهر رمضان فأول ما نزل من آيات القرآن - وهو سورة العلق
أو سورة الحمد - نزل في ليلة القدر.
وهذا القول مبني على استشعار منافاة نزول الكتاب كله في ليلة
ونزوله التدريجي الذي تدل عليه الآيات السابقة وقد عرفت أن لا منافاة بين الآيات.
***
وقيل: إنه نزل أولاً جملة على السماء الدنيا في ليلة القدر ثم
نزل من السماء الدنيا على الأرض تدريجاً في ثلاث وعشرين سنة مدة الدعوة النبوية.
وهذا القول مأخوذ من الأخبار الواردة في تفسير الآيات الظاهرة
في نزوله جملة.
***
والحمد لله رب العالمين وصلى الله على المبعوث رحمة للعالمين
نبينا محمد وآله الطاهرين.
البعثة
النبويّة
في كلمات عليّ عليه السّلام
***
حتّى بعثَ
الله محمّداً صلّى الله عليه وآله شهيداً وبشيراً ونذيراً، خيرَ البريّة طفلاً،
وأنجَبَها كهْلاً، أطهرَ المطهَّرين شيمةً، وأجودَ المستمطَرين دِيمةً.
***
بعَثَ اللهُ
سبحانه محمّداً رسولَ الله صلّى الله عليه وآله وسلّم؛ لإنجاز عِدَته، وإكمال
نبوّته، مأخوذاً على النبيّين ميثاقُه، مشهورةً سِماتُه، كريماً ميلادُه.
***
إنّ الله
سبحانه بعث محمّداً صلّى الله عليه وآله وسلّم نذيراً للعالَمين، ومهيمناً على
المرسَلين.
***
أشهدُ أنّ
محمّداً عبدُه ورسوله، أرسله بالدِّين المشهور، والعِلْم المأثور، والكتاب
المسطور، والنور الساطع، والضياء اللاّمع، والأمر الصادع؛ إزاحةً للشُّبُهات،
واحتجاجاً بالبيّنات، وتحذيراً بالآيات، وتخويفاً بالمَثُلات، والناس في فتنٍ
انجذب فيها حبلُ الدِّين.
***
ابتعثه
بالنورِ المضيء، والبرهانِ الجليّ، والمنهاج البادي، والكتاب الهادي.
***
أرسله بوجوب
الحُجَج، وظهور الفَلَج، وإيضاحِ المنهج، فبلّغ الرسالة صادعاً بها، وحمل على
المحجّة دالاًّ عليها.
***
أضاءت به
البلاد بعد الضلالة المُظلِمة، والجهالةِ الغالبة، والجَفوة الجافية؛ والناسُ
يستحلّون الحريم، ويستذلّون الحكيم.. يَحْيَونَ على فترة، ويموتون على كَفْرة.
***
أرسَلَه على
حين فترةٍ من الرُّسُل، وطولِ هَجْعة من الأُمم، واعتزامٍ من الفتن، وانتشارٍ من
الأمور، وتَلَظٍّ من الحروب، والدنيا كاسفةُ النور، ظاهرةُ الغُرور، على حينِ
اصفرارٍ من وَرَقِها، وإياسٍ من ثمرها، واغورارٍ من مائها. قد دَرَستْ منارُ
الهدى، وظهرتْ أعلامُ الورى، فهي متجِّهمةٌ لأهلها، عابسةٌ في وجه طالبها، ثمرُها
الفتنة، وطعامها الجيفة، وشعارُها الخوف، ودثارها السيف.
***
أرسله
وأعلامُ الهدى دارسة، ومناهج الدِّين طامسة، فصدَعَ بالحقّ، ونصَحَ للخَلْق.
***
إنّ الله
سبحانه بعث محمّداً صلّى الله عليه وآله وليس أحدٌ من العرب يقرأ كتاباً، ولا
يدّعي نبوّة، فساقَ الناسَ حتّى بوّأهم مَحلّتَهم، وبلّغَهم مَنجاتَهم، فاستقامت
قَناتُهم، واطمأنّت صَفاتُهم.
***
أرسَلَهُ
على حين فترةٍ من الرُّسُل، وتنازعٍ من الألسن، فقفّى به الرسل، وختم به الوحي.
***
بعَثَ اللهُ
سبحانه محمّداً رسولَ الله صلّى الله عليه وآله وسلّم... وأهل الأرض يومئذ مِلَل
متفرّقة، وأهواء منتشرة، وطرائق مُتشتّتة: بينَ مُشبِّهٍ لله بخَلقه، أو مُلحدٍ في
اسمه، أو مُشيرٍ إلى غيره، فهداهم به من الضلالة، وأنقذهم بمكانه من الجهالة.
***
صلى الله عليه وآله وسلم...