بحوث الأمة المسلمة في دعاء إبراهيم وإسماعيل (ع)
الذرية
الأمة المسلمة – آية
الحسد ((أم يحسدون الناس))
من ضمن القسم الثاني، الآيات غير المشهورة من آيات الأمة
المسلمة من ذرية إبراهيم وإسماعيل(ع)، آية الحسد.
نص الآية المباركة
((أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَىٰ مَا آتَاهُمُ اللهُ مِن فَضْلِهِ
فَقَدْ آتَيْنَا آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُم
مُّلْكًا عَظِيمًا))
النساء:54.
تفكيك المجاهيل في الآية المباركة
الآية لا تصرح بإسم الحاسدين ولا المحسودين ولا موضوع
الحسد. ((يَحْسُدُونَ النَّاسَ)) هذه
الواو واو الجماعة، الفاعل الحاسد والناس المحسودين، ((عَلَىٰ مَا آتَاهُمُ))، إلى ((أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ)) لا تذكر.
ثم يأتي سبب الحسد – ((عَلَىٰ مَا آتَاهُمُ اللهُ مِن
فَضْلِهِ))، ولكن لا يصرح إلى هنا بالفضل الذي آتاهم الله.
فالمجاهيل ثلاثة من هم الحاسدون، من هم المحسودون، وما
هو سبب الحسد أو الفضل الذي حسد
المحسودون عليه.
الاستفهام: ((أَمْ يَحْسُدُونَ))، هذا استفهام استنكاري، أي هو يستنكر عليهم الحسد؛
لماذا؟ لأنه يأتي بالجواب عليه مباشرة ((أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَىٰ مَا آتَاهُمُ
اللهُ مِن فَضْلِهِ؟ فَقَدْ آتَيْنَا آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ
وَآتَيْنَاهُم مُّلْكًا عَظِيمًا)). أي لماذا تحسدون هؤلاء على ما آتاهم الله؟ مثل ما
آتينا آل إبراهيم، آتيناهم.. مثل ما آتينا آل إبراهيم الكتاب والحكمة والملك
العظيم، آتينا هؤلاء الذين تحسدونهم.
هنا التفسير الذي يناسب والذي نفهمه مباشرة عندما يقول
مثل ما آتينا آل إبراهيم فلماذا تحسدونهم؟ لا بد
أن يكون هؤلاء المحسودون هم المقابل لآل إبراهيم(ع) في أمة محمد صلى الله عليه
وآله، وإلا تسقط الحجة. فعندما أقول لك "لماذا أنت فعلت هذا بعد أن
اعترضت عليه مني؟" فإنها حجة منطقية، إذ لا يجوز لك، فلا ينتظر منك، أن تعترض
عليّ بشيء ثم تقوم به؛ في حين لو قلت لك "ما كان يجب أن تقوم بهذا الفعل وقد
اعترضت عليّ عندما فعلت فعلاً آخر" ستقول لي: لا هذا شيء وهذا شيء – وهو
اعتراض صحيح.
فإذاً المناسب أن من يقابل آل إبراهيم(ع)
في الإسلام هم آل محمد(ص)، وذلك:
أولاً عدم مناسبة التفسيرات البديلة (سآتي بها بعد قليل).
والثاني يناسبه لأن آل محمد(ص) هم أيضاً من آل إبراهيم(ع)، فهم
مشمولون بقوله تعالى ((إن الله اصطفى آدم ونوحاً وآل إبراهيم وآل عمران على
العالمين)) آل عمران:33، وآل الرجل نزولاً، فلا يوجد استثناء إلا بدليل، كما لا
يوجد تخصيص في كل موضع إلا بما نعلمه من الناطق بهذا القرآن المبين وهو رسول الله(ص)،
((ذريةً بعضها من بعض)) آل عمران:34.
الثالث لا يمكن أن يكون جميع
آل إبراهيم(ع) هم المقصودون، أي الجميع من آل إسحق(ع) و آل إسماعيل(ع)، في
الخطين الإسحقي والإسماعيلي - لماذا؟
(1) آية الحسد هذه في المدينة، فإذا كان الحاسدون هم
اليهود كما قيل، فإن اليهود لا يحسدون آل إسحق(ع)، إذا كان هؤلاء المحسودون هم آل
إسحق(ع) فاليهود لا يحسدونهم.
(2) إذا كانوا من غير اليهود، من المسلمين، فما شأنهم
بآل إسحق(ع)؟
إذاً لا تنطبق هذه إلا على آل إبراهيم(ع)،
ومن نسل إسماعيل(ع)، فالآل هم هذه الذرية المسلمة بدعوة إبراهيم وإسماعيل(ع) من
ذريتهما. إذاً ليس فقط من آل إبراهيم(ع)، بل يجب أن يكونوا من آل إسماعيل(ع) أيضاً
لأنهما (عليهما السلام) دعوا الدعاء المشترك أثناء بناء البيت الحرام... وإسماعيل(ع)
موضعه في البيت وآل محمد(ص) موضعهم في البيت في الحجاز، فهي تحيط بهم لا بغيرهم
مطلقاً.
الرابع أنه إذا قيل أن المحسودين هم المسلمون جميعاً مثلاً،
قلنا في أول الأمر أن الذرية المسلمة الأمة المسلمة في دعاء إبراهيم وإسماعيل(ع) لا يمكن أن تكون جميع المسلمين لأنه ببساطة ليس
جميع المسلمين هم من ذرية إبراهيم وإسماعيل(ع).
الخامس أما سبب الحسد، وهو
المجهول الثالث في أول الآية ((يَحْسُدُونَ النَّاسَ))، فهو يتجلى في النظر إلى ما آتاه الله إلى آل إبراهيم(ع)
في الآية "قد آتينا آل إبراهيم (1) الكتاب + (2) الحكمة + (3) الملك العظيم".
وهذا أيضاً ليس جميع المسلمين أوتوا الحكمة
والملك العظيم.
لقطة قرآنية معجزة
والآية، عندما جمعت الكتاب والحكمة ثم فرقت الملك العظيم
بقول "آتينا": ((فَقَدْ آتَيْنَا آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُم
مُّلْكًا عَظِيمًا))، فلأن القرآن دقته معجزة، دقته تأخذ بالألباب – لماذا
فرّق؟
لأن هذه قضية واقعية – فالكتاب
والحكمة من تعليم الله تعالى ((ومن ذريتنا أمة مسلمة... آتنا مناسكنا... ربنا
وابعث فيهم رسولاً منهم يتلو عليهم آياتك ويعلمهم الكتاب والحكمة ويزكيهم))، رسول
تبعثه من عندك يتولى تعليمهم الكتاب والحكمة. هذا الكتاب والحكمة بدرجته، تعليم
الكتاب والحكمة بدرجته، هناك الدرجة الأقل التي علمها للأميين من الحجاز، من مكة
أم القرى، علمها للمسلمين جميعاً.
و ((من يؤت الحكمة فقد أوتي خيراً كثيراً))، هذا
المستوى من العلم والحكمة هذا يأتي بتعليم، وإذا
حصل التعليم لا يحتاج إلى موافقة أحد من الناس أو إلى دعمه. أما الملك العظيم فيختلف،
فهذا بسط اليد بالواقع، الإدارة، إدارة الحكم، وهذه يستطيع الناس أن يمنعوك منها
حتى ولو أنت كنت الجهة الشرعية، وقد حصل. أي أنك لا تحتاج إلى موافقة من الناس
لتثبيت شرعيتك ولكن تحتاج إلى إعلامهم
الموافقة كي تجري عليهم الأحكام من أجل أن لا يقولوا أنت تسلطت علينا؛ وهذا ما كان
رسول الله(ص) يفعله عندما كان يطلب منهم البيعة، يأخذ البيعة.
وقد حصل أن الأمة قد أدارت ظهرها لآل محمد(ص)
لهذه الذرية من ذرية إبراهيم وإسماعيل(ع)، فلم
تستطع أن تسلبها العلم والحكمة لأنه مستحيل، ولكنها سلبتها الحكم.
تزكية الرسول (ص) لهم (ع)
تزكية الرسول لهم ((وَيُزَكِّيهِم))، وكما قلنا مراراً،
أنه كان من أول البعثة إلى آخرها، والتفاصيل كثيرة:
منذ اليوم الأول ((وأنذر عشيرتك الأقربين)) الشعراء:214، وقال لعلي: ((هذا أخي ووصّي وخليفتي فاسمعوا له وأطيعوا))، واستمراراً إلى يوم الغدير في 18 ذي الحجة سنة 10هـ - مدة 23 سنة كان
فيها رسول الله(ص) يزكيهم، وفي هذا الروايات كثيرة.
كما جاء في روايات عن أهل البيت(ع) الذين هم
ينطقون عن الرسول(ص)، لأن شرعية كلام أهل البيت(ع) جاءت من التأسيس في التنصيص
القرآني في أول الأمر، وفي تنصيص الرسول(ص). فعندما يقول الإمام الصادق(ع)
((نحنُ المحسودون)) لا نسأله أنت ممن سمعت، نعلم أنه لا يسمع إلا من الباقر(ع)،
والباقر يسمع من زين العابدين(ع)، وزين العابدين(ع) يسمع من الحسين(ع) أو من عمه
الحسن(ع) وهما يسمعان من علي(ع) أو مباشرة من رسول الله(ص)، فهم(ع) ينطقون عن رسول
الله(ص) وبالتالي هذه تزكية.
وعليه، فإن رسول الله(ص) هو الذي يخبرنا عن طريق الأئمة
(ع) أن "هؤلاء هم المحسودون"، أي أن هذه الآية تخصهم، أي هذه مرة ثانية
يقول هؤلاء هم المقابلون لآل إبراهيم(ع).
إعتراضات باطلة
الاعتراض الأول، من خلال إعطاء وجه تفسيري آخر، يقول البعض أن المحسودين هم النبي(ص) حصراً وهذا باطل
بكل وضوح، لأنه لو كان ((أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ))، لو كان الناس هو رسول الله(ص) هو فقط لكان ينبغي أن
يقول "وآتينا إبراهيم العلم والحكمة" ولا يقول ((آتَيْنَا آلَ إِبْرَاهِيمَ))، فمن
يقابل محمد(ص) هو إبراهيم(ع) ومن يقابل آل محمد(ص) آل إبراهيم(ع)، لا
يمكن أن يكون المحسود هو النبي(ص) ثم يستنكر لأنه آتى آل إبراهيم(ع)،
سيقولون له "لا نحسدك، فقد آتى آل إبراهيم ولم يؤتك، وليس الكلام عن آل
إبراهيم نحن نتكلم عنك قد أوتيت فضلاً عظيماً". ثم ما الذي يمنع القرآن،
لماذا يتحاشى عن قول ذلك، كأن يقول "أم يحسدون النبي على ما آتاه الله من
فضله"؟ لماذا يتحاشى القرآن عن ذلك؟ في القرآن إسم النبي(ص) في كل المواقع
وفي كل المواقف، فما المشكلة في ذلك – كان سيفصح عنه بكل تأكيد.
الوجه الآخر، قال البعض أن المحسودين
هم المسلمون عموماً، وهذا طبعاً باطل. إذ، كما قلنا، ليس جميع المسلمين هم من أوتي العلم
والحكمة، ولو كان ذلك لكان قال "لقد آتينا أتباع إبراهيم(ع)" لو كان
المحسودون هم المسلمين، لكانت الحجة تكون الاستنكار، آتينا أتباع إبراهيم(ع)، وهو غير
صحيح بكل تأكيد، فليس جميع المسلمين قد أوتوا
العلم والحكمة، ولا الملك العظيم، وبالتالي فهذا الاعتراض باطل..
مثل هذه الوجوه التي تتكلف تفسيرات
واضحة البطلان تدلك – ببساطة – أنها ما أريد بها إلا الجد والاجتهاد في كتمان موقعية
أهل البيت سلام الله عليهم.
الآية وآيات الأمة المسلمة
ربط آية الحسد بالأمة المسلمة من أوضح ما يكون، وذلك بما
نوّهت إليه أنهم هم (ع) الذين علّموا الكتاب والحكمة من رسول الله (ص)، أوتوا ذلك
من دعوة إبراهيم وإسماعيل(ع)، ثم الربط الجميل بينهم وبين آل إبراهيم(ع) في هذه
الآية.