بحوث الأمة المسلمة في دعاء إبراهيم وإسماعيل (ع)
الحلقة ح1-1 / دعاء إبراهيم وإسماعيل (ع)
رابط يوتيوب: https://youtu.be/F-fJjdCvK7I
الدعاء ، معنى "مسلمة" في الدعاء
بسم الله الرحمن الرحيم
هذا التسجيل الأول من أربعة تسجيلات تمثل الحلقة التي ننطلق منها إلى آيات
الأمة المسلمة. نتناول آيات الأمة المسلمة في هذه التسجيلات لنصل إلى فهم معنى
الأمة المسلمة.
ففي هذا التسجيل الأول دعوة إبراهيم وإسماعيل(ع) التي فيها
الأمة المسلمة موضع البحث.
نقرأ الآيات ومنها نتكلم في المعنى:
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم بسم الله الرحمن الرحيم
((وَإِذْ يَرْفَعُ إبراهيم الْقَوَاعِدَ
مِنَ الْبَيْتِ وَإسماعيل رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ
الْعَلِيمُ (127) رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا
أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنْتَ
التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (128) رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولا مِنْهُمْ
يَتْلُو عَلَيْهِمْ آَيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ
وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (129) وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ
مِلَّةِ إبراهيم إِلا مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ وَلَقَدِ اصْطَفَيْنَاهُ فِي
الدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي الاخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ (130) إِذْ قَالَ لَهُ
رَبُّهُ أَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ (131) وَوَصَّى بِهَا إبراهيم
بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلا
تَمُوتُنَّ إِلا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (132))).
هذه الآيات من سورة البقرة وموضع الكلام
هو الآية 129:
((رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ
لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ)).
آية ملفتة للنظر لأن إبراهيم(ع)
هنا هو في بناء الكعبة قد مرّ بمراحل كثيرة، مرّ وهو فتى يقال له إبراهيم وماذا
فعل بالأصنام وخرج من هناك، وفي العراق رجع ثم لم يمكث مدة مع زوجته ابنة عمه التي
لم تنجب له أولاً، ثم تزوج من هاجر وأخذها إلى مكة إلى الحجاز وولد إسماعيل (ع)
هناك وتركهما ورجع وعاد، وفي العراق حاج إبراهيمَ في ربه ذلك الطاغية.. مراحل
متعددة، ثم يأتي بعد ذلك بناء البيت العتيق مع إسماعيل (ع)، أي أن إسماعيل (ع) صار
فتى أو شاباً أو حتى رجلاً..
هذه المراحل وإبراهيم(ع) هو
يمثل الإسلام، الإسلام لوجه الله، كيف يأتي بعد هذه المراحل كلها ليدعو مع ابنه إسماعيل
((وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ)) إذاً هنا يطلبان من الله تعالى أن ينالا
المستوى الأعلى في الإسلام...
(وهذا هو الإسلام بمعناه الأصلي في اللغة،
وحتى في المصطلح القرآني الذي غالباً ما نذهل عنه فنقول أن الإسلام هنا هو الدين
الإسلامي، نعم في القرآن الإسلام هو الدين الإسلامي في بعض، ولكن المعنى الأكمل
وفي آيات كثيرة معنى الإسلام أي التسليم لله تعالى فيما أمر ونهى وهذا هو الطريق
إلى العروج في آفاق أعلى للقرب من الله تعالى وحب الله تعالى.)
فهنا عندما يدعو ((واجعلنا
مسلمَين لك)) لا يمكن أنهما يدعوان بشيء هو موجود عندهما، إذاً هما عندهما الإسلام
في درجات عالية ولكن يدعوان إلى المستوى الأعلى.
((ومن ذريتنا أمة مسلمة لك)، فإذاً هذه
معطوفة "واجعل من ذريتنا أمة مسلمة لك"؛ بالتأكيد كلمة مسلمة هنا على
نفس السنخ من ((مسلمين)) هناك. إذاً هما يدعوان إلى جماعة يدعوان إلى أمة مسلمة تمثلت الإسلام
إلى هذا المستوى الأعلى من الإسلام.
ونجد الجار والمجرور "لك" في
الاثنتين ((واجعلنا مسلمين لك)) وهناك في ((أمة مسلمة لك)) تسليم لك وحدك لا شريك لك.
هذا المعنى من الأمة المسلمة.. الكثير
يذهبون إلى أن الأمة المسلمة هي الأمة الإسلامية أي جميع أمة لا إله إلا الله
محمد رسول الله، ولكن هذا لا يمكن أن يكون لأن هذه الأمة المسلمة المقصودة
في آية دعاء إبراهيم وإسماعيل هي من الذرية، من ذرية إبراهيم وإسماعيل، وهذا
بالتالي لا يمكن أن تكون الأمة الإسلامية التي فيها من ذرية إبراهيم وإسماعيل
(ع) ومن غيرهما؛
وبالتالي هذه الأمة المسلمة المقصود فيها:
هي جماعة من تلك الذرية كبرت أو صغرت، الآن ليس في التشخيص الدقيق ولكن
في التشخيص أنها بالتأكيد من ذرية إبراهيم وإسماعيل؛
فلا يمكن أن تكون الأمة الإسلامية لأن
فيها من الذرية ومن غير الذرية.
وإذا ذهبنا إلى سورة الحج الآية 78، الله
تعالى يخاطب فيقول:
((وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ
عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إبراهيم هُوَ سَمَّاكُمُ
الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ وَفِي هَذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيدًا عَلَيْكُمْ
وَتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآَتُوا الزَّكَاةَ
وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلاكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ)).
موضع الشاهد هنا ((هُوَ اجْتَبَاكُمْ)
اصطفاكم، ((مِلَّةَ أَبِيكُمْ إبراهيم)) إذاً أيضاً يخاطب
من هم ذرية إبراهيم حصراً، ((هُوَ سَمَّاكُمُ
الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ)) في تلك الآية، آية ((ومن ذريتنا أمة مسلمة لك)) هذه الأمة
المسلمة من الذرية هي التي هناك في آية الحج ((مِلَّةَ أَبِيكُمْ إبراهيم هُوَ سَمَّاكُمُ
الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ)) من قبل ماذا؟ وفي هذا: أي في القرآن: هذا الكلام هنا
بعد نزول القرآن؛
سمّاكم إبراهيم (ع) من قبل، قبل آلاف السنين
عندما يبني أي يرفع القواعد من البيت، يبني البيت العتيق مع ولده إسماعيل(ع).
فهذه تعضد تلك وتؤكد على أن معنى الأمة المسلمة هي جماعة مخصوصة من الناس من ذرية إبراهيم
وإسماعيل وليس من ذرية إسحق. ليست من فرع إسحق وإنما من الفرع الإسماعيلي.
وهذه هي في الدعاء، واستجاب الله الدعاء
لأنه هنا يقول ((هُوَ اجْتَبَاكُمْ)):
فإذاً جعل هذه الأمة واصطفاها؛
وسنجد في الآيات الأخرى من دعاء إبراهيم ما
هو هذا الاصطفاء ونتائج ذلك ما هي؟
والخلاصة في هذا أن الأمة المسلمة هي من ذرية إبراهيم وإسماعيل لا يمكن أن
تكون جميع الأمة الإسلامية.
والحمد لله رب العالمين