بحوث الأمة المسلمة في دعاء إبراهيم وإسماعيل (ع)
الحلقة ح22 / آيات الصلاة على النبي (ص)
رابط يوتيوب: https://youtu.be/0ZjkyBeaJT0
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله
الهداة
آية من أعظم الآيات ومن أكثرها انتشاراً بل هي الأكثر انتشاراً، وهي آية
الصلاة على النبي(ص) والتي تتصل اتصالاً مباشراً، وإن كان غير واضح مما
هو سائد في الأبحاث، لكنه موجود، تتصل بموضوع الأمة المسلمة من ذرية إبراهيم وإسماعيل(ع):
الآية 56 من سورة الأحزاب ((إِنَّ اللَّهَ
وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا صَلُّوا
عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)) اللهم صل على محمد
وآل محمد.
معنى الآية
الآية فيها إخبار وفيها أمر أو حثّ:
أما الإخبار فهو أن ((الله وملائكته يصلون على النبي))، وأما الحث فهو أن نقوم
نحن المسلمون جميعاً ليقوموا ليس فقط بالصلاة، يعني يتابعون الله وملائكته على ذلك،
ولكن أيضاً هناك التسليم.
أما المعاني فقد اختلفوا في معنى الصلاة. قيل أن الصلاة من الله هي ثناء على
النبي، ومن ملائكته هي الثناء عليه وتعظيمه، وقيل الصلاة من الله هي الرحمة،
الرحمة به، ومن الملائكة الاستغفار له، ومن الناس هي الدعاء، هذا في الصلاة.
أما السلام فجاؤوا بثلاثة أوجه:
الأول أنه السلام من النواقص والآفات، يعني كأنما يقول نحن نعترف ونذكر له، بأنه(ص) خالٍ من الآفات
والنقائص؛
وقيل أن السلام هو الله تعالى، من أسمائه السلام فـ ((سلُموا تسليماً)) فكأنما نقول أننا نؤمن أن الله
تعالى السلام هو متعهد بحفظ النبي(ص) وبحمايته وبسائر
شأنه؛
والوجه الثالث أنه الانقياد من المسالمة
وعدم المخالفة، الانقياد له ولشريعته، هذا الوجه الأخير هو الذي أجده أنا الأكثر
انسجاماً مع التعبير في الآية وذلك لأنه
يقول ((وسلّموا تسليماً))، تسليم مفعول مطلق يؤكد الفعل مثل ((يطهّركم تطهيراً))، ((يتبّروا ما علوا
تتبيراً)).. هذا التسليم أنت تقول قاموا بتسليم أنفسهم إلى السلطات أو أن هذا
التسليم الكامل للأمر، الخضوع والانقياد إليه.. لو كان هو التحية، تحيتهم فيها
سلام لقال وسلموا سلاماً.
تزكية الرسول (ص) بالبيان الرسولي
أما تزكية الرسول(ص) لهم بالبيان الرسولي فقد رويت الروايات الكثيرة في هذا وجاء فيها بصيغة
الاستجابة للأمر بالصلاة والتسليم.
يسألون النبي كيف نفعل؟ فيعلمهم – أكثرها
شهرة:
((اللهم صل على محمد وآل محمد كما صليت على إبراهيم
إنك حميد مجيد وبارك على محمد وآل محمد كما باركت على إبراهيم إنك حميد مجيد، وفي
غيرها كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم وباركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم))،
وطبعاً بعضها تضع السلام أيضاً.
إذاً المشترك بين الروايات جميعاً أن
الاستجابة لأمر الله هذا هو النص القرآني، يقول ((صلّوا عليه))، إذاً لو لم يقل النبي(ص) شيئاً كنا نقول اللهم صل على محمد ونسكت، ولكن هو علّمنا أن نقول ((اللهم صل على محمد وآل محمد))، ومرة ثانية وثالثة وعاشرة يربطها(ص)
بإبراهيم(ع) ((كما صليت على إبراهيم)) وفي روايات ((على
آل إبراهيم)).
إعتراضات المخالفين
هناك اعتراضات على هذه كما هي العادة:
-أول اعتراض
يقولون أنكم يا معاشر شيعة أهل البيت تقولون أن هذه ميزة لأهل البيت أن الله
تعالى جعل الأمر أو الحث على الأقل عندما تصلون عليه تجمعون معه الآل، يقولون لا، هذا ورد في غيرهم، قوله تعالى ((هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلائِكَتُهُ)) سواءً بسواء. بل إنه
لم يذكر الآل هناك، وهنا يصلي عليكم جميعاً وملائكته (الأحزاب:43).
طبعاً هنا الآية تقول ((هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ
الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا))، شتّان ما بين الصلاتين، صلاة ليس فيها إلا هي، وصلاة أخرى تقول أنها تعطي تعليلاً لهذه الصلاة،
الهدف من الصلاة ليخرجكم من الظلمات إلى النور، فمتى كان رسول الله وآله الأطهار
في الظلمات يوماً لكي يحتاجوا إلى الصلاة عليهم ليخرجهم من الظلمات إلى النور؟
فلم يقل هذا. إن هذه صلاة وهذه شيء مختلف آخر.
-الاعتراض
الثاني أن آل محمد تشمل الأزواج وهذا طبعاً موجود وكثير من الفهم عند المسلمين
من غير أتباع أهل البيت(ع) أن هذه تشمل الأزواج.
نقول: أولاً هناك في بحث آية
التطهير نقول أن "أهل البيت" المصطلح اللغوي نعم يشمل الأزواج ويشمل
كل من في البيت حتى الضيف، الأقرباء، الخادم، كلهم، حتى قيل أنه يشمل الحيوانات
المنزلية كونها هي تعتاش في البيت، ولكن المصطلح
الشرعي تأخذه من الذي أُنزلت عليه وهو رسول الله(ص)، فوضعهم تحت
الكساء وقال هذا علي وفاطمة والحسن والحسين، ليس الزوجات، وأم سلمة(رض) عندما
أرادت أن تدخل تحت الكساء جذبه النبي، قالت له: "ألستُ أنا من أهل البيت؟"
قال: ((أنت من أزواج النبي)). لا.. هذه القضية هذا المصطلح في الآية 33 من سورة
الأحزاب لا ينطبق عليكِ، هذا أولاً.
ثانياً الآية تقول ((وسلّموا تسليماً))، إذاً كانت الآية هي تخص في هذا الانقياد. الانقياد نحن لم نؤمر أن ننقاد إلى زوجات النبي(ص)، أبداً،
لا يوجد هناك أمر بطاعتهن. ولكننا مأمورون بطاعة
علي وفاطمة وأولادهما(ع) كما في الروايات الكثيرة وكما في هذه البحوث،
بحوث موضوع الأمة المسلمة. وكيف يمكن أصلاً الانقياد للزوجات وقد حصل من بعضهن ما
حصل مما استوجب التهديد الشديد من الله تعالى كما في سورة التحريم لمن يريد أن
يراجع.
و (ثالثاً) لعل هناك في الروايات ما يشير إلى التفريق بين المجموعتين بين آل محمد والزوجات، كما أخرجوه هم في روايات زعموا أن النبي(ص) قال،
تعطي صيغة لكيفية الصلاة عندما سألوه كيف نفعل مع هذه الآية المباركة قال: "قولوا اللهم صل على محمد وعلى أهل بيته
وعلى أزواجه وذريته كما صليت على إبراهيم وآل إبراهيم إنك حميد مجيد، وبارك
على محمد وعلى أهل بيته وعلى أزواجه وذريته كما باركت على إبراهيم وآل إبراهيم إنك
حميد مجيد"، وهذا التفريق واضح بواو العطف
بين الآل والأزواج، بل وفي بعضها يفصّل، أو يفصل أمهات المؤمنين بوضوح. ما
نسبوه إليه بالقول: "من سرّه أن يكتال بالمكيال الأوفى إذا صلى علينا أهل
البيت فليقل: اللهم اجعل صلواتك ورحمتك على محمد وأزواجه وذريته وأمهات المؤمنين
كما صليت على إبراهيم.." وهذا تفريق واضح بين الآل وبين الزوجات. (طبعاً
الوضع في هذه الصيغة واضح لأنه ما معنى ذكر على أزواجه وعلى أمهات المؤمنين؟ يعني
هل أن الأزواج غير أمهات المؤمنين؟ نفس الشيء فواضح الوضع وطبعاً كما تعلمون الوضع
ضروري عندما يأتي الكلام عن آل محمد عليهم السلام كتمان فضائلهم وموقعيتهم. هذا فاشل
وهذا أحد الأسباب التي من أجلها نقوم بالبحث لتنبيه الناس إلى الحقيقة.)
-هناك اعتراض ثالث وهو حديث، أتصور هو
حديث من عصرنا وهو أن آل محمد هم جميع المسلمين هم
أتباع محمد، أمة محمد. وهذا الاعتراض يأتي عادة من القرآنيين...
(هؤلاء القرآنيون صفتهم التناقض يعني أكبر
صفة واضحة فيهم هي التناقض فإنهم يقولون نحن نريد القرآن ولا ننشغل بروايات لا
نعلم حالها، نطيع القرآن، نسألهم تطيعون القرآن بالمطلق؟ يقولون نطيعه بالكامل،
نقول طيب، القرآن يقول ((أطيعوا الرسول))، كيف
نفعل؟ القرآن يقول ((اتّبعوني)) كيف نتّبعه؟ القرآن يقول ((وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَإِلَى
الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُودًا)) تصدّون إلى الرسول أي خارج النص القرآني فهذا صفة النفاق، يسكتون هنا،
هذا حالهم.)
هنا يأتون بشيء هو من الرأي مع أنهم يقرّعون الناس كيف يأتون بالرأي قبالة
النص القرآني، فيقول أن آل محمد هم أمة محمد(ص).
طبعاً هذا
الكلام باطل لأقل نظر، ذلك (أولاً) لأنه
يعني أنه عندما نقول أن هذه الأمة كلها نصلي عليها هو مما لم يأت من أحد. والثاني أن مصطلح آل محمد هو على هذا الفهم
ومعناه الأمة، معنى هذا أن آل إبراهيم يعني أيضاً أمة إبراهيم(ع)، صح أو لا؟ إذاً آية الاصطفاء ((إِنَّ
اللَّهَ اصْطَفَى آَدَمَ وَنُوحًا وَآَلَ إبراهيم وَآَلَ عِمْرَانَ عَلَى
الْعَالَمِينَ)) أي اصطفى جميع أمة إبراهيم(ع)، فهل اصطفى جميع أمة إبراهيم؟! سواء
الذين معه أو الذين انحدروا منه؟ اصطفى جميع
اليهود وجميع النصارى وجميع المسلمين؟! هل من يقول بهذا عاقل؟ ثم ما معنى أمة عمران؟ اصطفى آدم ونوحاً وآل
عمران، هل عمران كان عنده أمة من الناس اتبعته؟
هذا قول واعتراض باطل.
هذه الآية وآيات الأمة المسلمة
أخيراً عندنا نريد أن نربط ذلك بآيات الأمة
المسلمة، وهو أن نبدأ بالقول أنه فعلاً أنهم لا ينقضي
العجب من أمة كل يوم تفعل شيئاً مرات ومرات في أهم فعل بينها وبين الله تعالى وهو
الصلاة، في تشهد الصلاة تصلي على جماعة من الناس وتعلم عنهم شيئاً، فإذا سئلت مَن
هم؟ لا تعلم!
فنقول يا جماعة هل يُعقل أن الله تعالى يضع في الصلاة التي هي عماد الدين بينكم وبينه
مرات في اليوم الصلاة التي لا يمكن إلا أن يؤديها المكلف حتى ولو كان على فراش
المرض بل فراش الموت، أو كان مشلولاً يؤديها في ذهنه فقط، يصلي على محمد وآل محمد(ص) ولا يكون لهؤلاء موقعية ومنزلة كبرى تختلف عن غيرهم؟ هذه المنزلة التي جمعتهم بالصلاة على رسول الله في هذه المواضع وفي
غيرها.
وإن النكتة المهمة جداً في عدم ذكر الآل عندما يقول ((صلّوا عليه)) ثم يأتي رسول الله(ص) فيقول ((على محمد
وآل محمد))، وفي روايات ((لا تصلّوا عليّ الصلاة البتراء))، يجب أن تذكروني معهم،
لو كانت الآية ذكرتهم لكانت فصّلت في ذلك، تطلب الصلاة على محمد وعليهم. عندما لم تذكرهم فكأنها تقول بل هي تقول أن
هؤلاء في دورهم هو في سنخ دور رسول الله(ص) هم الذين يؤدّون عنه بحيث
إذا ذُكر فهم معه تحصيل حاصل لا نحتاج إلى أن نذكر.
فليت المسلمين ينتبهون إلى هذه الحالة من
أجل أن يعلموا أن هؤلاء لهم دور يجب عليهم أن يلتفتوا إليه، لاسيما وأن هذا أمر،
قيل في التفاسير،
مثلاً السعدي قال في التفسير نأخذ
ملخص كلامهم، وهذا الأمر بالصلاة والسلام عليهم مشروع في جميع الأوقات وأوجبه
الكثير من العلماء في الصلاة،
وأما القرطبي فقط أورد في تفسيره
قول الزمخشري الذي أريده بالاختصار يعني بلقطات منه، هذا الزمخشري يقول: "فإن
قلت الصلاة على رسول الله(ص) واجبة أم مندوب إليها؟ طبعاً هو يقول صلى
الله عليه وسلم، وقبل ذلك ذكر الروايات وعلى آله. هذه أيضاً من التناقضات أم من مرض
القلب لا أدري. فإن قلت الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم واجبة أم مندوب
إليها؟ قلت بل واجبة، وقد اختلفوا في حال وجوبها، واجبة متى؟ كيف؟ فمنهم من أوجبها
كلما جرى ذكره(ص)، ومنهم من قال تجب في كل مجلس مرة، يعني أنت في مجلس،
أول ما ذكر النبي مثلاً في بداية المجلس يُصلّى عليه يعني مجبور بالصلاة، بعد ذلك
إذا ذُكر لا يُصلّى.. قال بعضهم هكذا يقول ثم هو يقول الزمخشري: "والذي
يقتضيه الاحتياط، الصلاة عند كل ذكر" كما ورد من الأخبار في ذلك، كلما يُذكر
رسول الله(ص) تصلي عليه، انه هذا مما أوجبه العلماء، ناهيك عن آثاره
العظمى التي في مصلحة الإنسان يعني لو لم يوجبوه لكان حريّاً بالمسلم أن يصلي عليه
في كل حين.
ولو قرأتم الروايات في هذا، فيها الأعاجيب
من الثواب بالصلاة على رسول الله، لماذا؟ لأنك عندما تفعل ذلك أنت في حالة الالتفات
مع نفسك وتلفت الآخرين إلى أن الله تعالى ينزل رحماته على النبي(ص) أنه يثني عليه، أن الملائكة تثني عليه وتعظمه، فأنا أتابعهم على ذلك،
وإذا نطقتها مع السلام فصلّ وسلّم فكأنما نقول الله هو السلام يحفظه هو موكل به،
أو السلام أنا أسلّم أنقاد إليه. كلمة عظيمة كبيرة
هي أعظم نعم الله سبحانه وتعالى على المسلمين فتجده علماً منهم بالذي سيجري بأن
الأمة ستدير ظهرها لهؤلاء الصفوة الطاهرين جعل على الأقل ذكرهم يجري على لسان
الإنسان المخالف لهم لا يعرفهم حسب فقهه لا يعرف عنهم شيئاً قد جهله وجعل ذكرهم
العطر على لسانه مرات ومرات في الصلاة.
والحمد لله على نعمه وآلائه وصلى الله على
محمد وآله الطاهرين.