عنوان: بحوث "الأمة المسلمة" في دعاء
إبراهيم وإسماعيل (عليهما السلام)
الحلقة 24 / الذرية الأمة المسلمة – آية ((يوم
ندعو كل أناس بإمامهم)) (تسجيل 32 من 35)
**
رابط يوتيوب: https://youtu.be/7GjuaRzEaSY
**
من
الآيات التي يتبادر إلى الذهن فيها العلاقة بالأمة المسلمة من ذرية إبراهيم وإسماعيل الأئمة
على الناس، الشهداء على الناس، هي هذه الآية المباركة.
يقول
تعالى:
﴿يَوْمَ نَدْعُو كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ
فَمَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَأُولَئِكَ يَقْرَءُونَ كِتَابَهُمْ وَلا
يُظْلَمُونَ فَتِيلاً . وَمَنْ كَانَ فِي هَذِهِ أَعْمَى فَهُوَ فِي الاخِرَةِ
أَعْمَى وَأَضَلُّ سَبِيلاً﴾ الإسراء:71-72.
الرابط بين الآيتين الكريمتين
موضع البحث
هو ﴿يَوْمَ
نَدْعُوا كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ﴾، إلا
أن هناك ملاحظة في الآية الثانية هي نفسها في الآية
71.
الآية
تقول: ﴿يَوْمَ
نَدْعُوا كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ﴾، الكلام عن يوم القيامة، إذاً سيكون دعوة
لكل أناس، لكل مجموعة، كل جماعة، بإمامهم، الذي هو –
بالتأكيد – في موضوع
ما هو الامام؟
ثم يقول:
﴿فَمَنْ
أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ﴾،
بعد ذلك يجري الحساب كيف فعل؟ أوتي كتابه بيمينه، ﴿يَقْرَءُونَ كِتَابَهُمْ وَلا
يُظْلَمُونَ فَتِيلاً﴾، يقرأون الكتاب بما قاموا به من الحسنات ولا يظلمون شيئا بسيطاً.
ثم يردف أنه
﴿مَنْ
كَانَ فِي هَذِهِ أَعْمَى﴾
– لعل الرابط بالآية الاولى –
أنه من كان في هذه الدنيا أعمى ﴿فَهُوَ
فِي الاخِرَةِ أَعْمَى وَأَضَلُّ سَبِيلاً﴾. عندما يُدعى هؤلاء الناس
الى إمامهم – بغض
النظر عن التفسير ما معنى الإمام –
فسيكونون فريقين، كل إنسان هناك له احتمالان:
أن يقرأ كتابه بيمينه، فيكون من الناجين، أو يكون ممن
في الآخرة هو أعمى وأضل سبيلاً، فيذهب الى سبيل الخسران.
وهذه
نتيجة لأي شيء؟ في المقدمة أنه في هذه الدنيا
كان أعمى ، ولا شك في أن المقصود من "أعمى" ليس كفيف البصر ولكن كفيف
البصيرة، أعمى البصيرة، الذي سار في الطريق المنحرف.
هذا هو المعنى
الذي يُفهم من الآيتين بهذا الشكل السريع..
روايات تفسيرية
إن ما
ورد من المعاني في ذلك من طرق أهل البيت (ولا يأتينا خبر من أحد أئمة
الهدى إلا ونعلم أنه من رسول
الله، لأنهم
لا يأخذون من أحد من خارج ذلك البيت)، من خلال الروايات، كله من ضمن تزكية الرسول لهم ﴿وَيُزَكِّيهِم﴾ البقرة:129 إلى الناس
(بعد تعليمهم الكتاب و الحكمة التي نجدها في رواياتهم ).
(هذه
الروايات – ما عدا رواية مشتركة، هي
من ضمن روايات عديدة عن طرق أهل البيت وليس عن طرق الكتب الأخرى كما المعتاد في هذه الحلقات عندما نأتي بالتفسير من تفسير
السعدي أو الطبري أو البغوي أو الثعلبي أو
ابن كثير – نأتي من هذا ليس لعدم وجود روايات في تلك التفاسير، فهي موجودة،
ولكن للإشارة الى أن حديث أهل البيت مقدم أصلاً على غيرهم،
ولكن في مقام التحاجج نأتي بأحاديث الآخرين.)
من ذلك
قول الباقر:
((يُجيءُ رسولُ الله في قَومِهِ
وعَليٌّ في قَومِهِ والحَسَنُ في قَومِهِ والحُسَينُ
في قَومِهِ وكُلُّ مَنْ ماتَ بينَ ظَهرانِي إمامٍ جاءَ معَهُ، كُلُّ أُناسٍ بإمامِهِم)) (تفسير العياشي ج2، ص302، رواية 114).
إذاً ((كُلُّ
أُناسٍ)) بتحديد الزمان، إمام بدأ من سنة كذا إلى سنة كذا، جميع الذين عاصروه
فعاصروا إمامته هؤلاء هم الناس المقصودون، هؤلاء الذي سيُدعَون –
هؤلاء الناس المقصودون الذين سيُدعَون مع هذا الإمام.
وقول
الإمام الصادق:
((ألا تَحمِدُونَ الله؟ إنَّهُ إذا
كانَ يومُ القيامةِ فدعا كلُّ قَومٍ إلى مَنْ يتولَّونَهُ، ودَعانا إلى رَسولِ
الله، وفَزِعتُم
إلَينا، فإلى أينَ تَرَونَ يُذهَبُ بكُم؟ إلى الْجَنَّةِ وَرَبِّ الكَعبَة! –
قالها ثلاثاً))
(تفسير مجمع البيان ج6، ص275).
هذا
معناه أن النبي هو الإمام
للأئمة من أهل بيته، ثم يكونون هم الأئمة لمن يأتم بهم، لأن رسول الله في
زمانه هو الإمام بالتأكيد، وإلا لا يطلق عليه الإمام باعتبار أن النبي والرسول من
الصفة الأولى فيه والإمام تحصيل حاصل كونه هو
الرسول. ولكن هذا ليس بالضرورة، لأننا نعلم أن إبراهيم كان نبياً ورسولاً ثم صار
إماماً من الكبار؛ هناك أنبياء يتبعون غيرهم،
لوط آمن بإبراهيم ولكن الذي هو من نوع تحصيل الحاصل أنت تعيش
في زمان وفي معيّة نبي أنت الذي تتبعه وتطيعه فيكون إماماً عليك.
وفي
رواية أيضاً قول الإمام الرضا:
((يُدعى كُلُّ أُناسٍ بإمامِ زَمانِهِم
وكِتابِ رَبِّهِم وسُنَّةِ نَبيِّهِم))، وهذا مروي عن غير طريق أهل البيت كما في الدر المنثور للسيوطي عن رسول الله أنه:
((يُدعى كُلُّ أُناسٍ بإمامِ زَمانِهِم
وكِتابِ رَبِّهِم وسُنَّةِ نَبيِّهِم)).
وهذا هو القول
الذي اختاره الطبري من الأقوال (سنذكر البدائل أدناه)، مع السبب
في اختياره المعنى أنه الإمام الشخص الإمام البشر، قال: "وأولى هذه
الأقوال عندنا بالصواب قول من قال معنى ذلك يوم ندعو كل أناس بإمامهم الذي
كانوا يقتدون به ويأتمون به في الدنيا، لأنه" –
يقول الطبري: "لأن الأغلب من استعمال العرب الإمام في ما ائْتُمَّ واقتدي
به، وتوجيه معاني كلام الله إلى الأشهَر أولى ما لم تثبت حجة لخلافه يجب التسليم
لها".
أي أنه يقول
نحن لا يجوز أن نتكلّف، كلام الله تعالى هذا نزل باللغة العربية، المعنى كان هذا، ما
الذي كان يستخدمه العرب في ما نزل فيهم، فهو هذا المعنى، فلا يجوز أن نذهب إلى
غيره إلا بدليل.
هذا وقد
روى القرطبي في تفسيره رواية عن علي: ((بإمام عصرهم)).
كما روى عن
النبي: ((كل يدعى بإمام زمانهم وكتاب ربهم وسنة
نبيهم فيقول هاتوا متبعي إبراهيم هاتوا متبعي موسى هاتوا متبعي عيسى هاتوا متبعي
محمد - عليهم أفضل الصلوات والسلام - فيقوم أهل الحق فيأخذون كتابهم بأيمانهم ،
ويقول : هاتوا متبعي الشيطان هاتوا متبعي رؤساء الضلالة إمام هدى وإمام ضلالة)).
بدائل أخرى في التفسير
جاؤوا
ببدائل مختلفة، بوجوه ثلاثة، لعلها هي التي تلخص ما في التفاسير.
الوجه
الأول / أن الإمام ﴿يَوْمَ
نَدْعُوا كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ﴾ هو نبيهم،
يعني يأتون مجموعة رسل يقال هذا رسولك فتعال –
أي من كان يقتدي به في الدنيا ويأتم به.
هذا صحيح
كما قلنا، ولكن بعد النبي من الأنبياء ماذا يحصل؟ بعد أن يتوفى،
في زمان الفترة بين النبي والنبي الذي يليه، كيف يكون؟ من هو الإمام الذي يقتدى
به؟ ثم إن كان نبي في منطقة ما، ماذا عن المناطق الأخرى التي لم تسمع به أصلاً؟
وأما الوجه
الثاني / فقالوا يُدعَون بكتب أعمالهم التي عملوها في الدنيا. وهذا بالتأكيد
غير صحيح لأن كتب الأعمال هي تسجل ما فعل، هي النتيجة لما فعلوا، أما يدعوهم
بإمامهم، الإمام هو الطريق الذي قادهم اتباعُهُ إلى هذه الأفعال. أي: اتبَعوا هذا
الإمام أولاً فأدى ذلك إلى ما فعلوه، فالكتاب يكون كتاب الأفعال ثم بعد ذلك الكلام
يدعو إلى إمامهم، فالإمام ليس هو كتاب الأفعال التي سجلت النتيجة.
والوجه
الثالث / هو يوم ندعو كل أناس بكتابهم الذي أنزلتُ عليهم
فيه أمري ونهيي. وهذا أيضاً غير صحيح لوحده، لأن الكتاب يحتاج إلى مبيّن،
والمبين هو النبي وبعده الإمام.
إذاً: الرواية الجامعة
الرواية
الجامعة من مصادر الفريقين تقول أنهم يُدعَون إلى سنّة نبيهم والكتاب الذي نزل
وإمامهم.
هذه
الرواية ممكنة لأنه مع الكتاب ومع السنة لا بد من الإمام الذي يهديك إليهما، فكلٌّ
يدّعي وصلاً بليلى، ولكن من قال أن هذه هي السنة الصحيحة؟ إذاً لا بد من وجود علم
هدى من البشر.
الآيتان الكريمتان وآيات الأمة المسلمة
وأخيراً الربط مع آيات الأمة المسلمة.
إن الجزء
من النص ﴿يَوْمَ
نَدْعُو كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ﴾ يتعلق بالإمامة
التي هي من أظهر الأمور في الأمة المسلمة من ذرية إبراهيم وإسماعيل، فإنها
دعوة من إبراهيم الإمام
على الناس عندما كان وابنه إسماعيل يرفعان القواعد في تأسيس هذا البيت العتيق
الذي سيكون هو القبلة للناس، ويدعو إلى هؤلاء الناس الذين سيكونون في المستوى
الأعلى من الإسلام، وبالتالي إن لم يكن هؤلاء هم الذين يؤتم بهم، فمن؟
ثم هي
دعوة من إبراهيم الذي
جعله الله إماماً ﴿قالَ
إنّي جاعِلُكَ للنّاسِ إماماً﴾ البقرة:124، فمن هو في مستوى الإسلام في
الطاعة لله على ذلك المستوى هو الذي سيجعله الله تعالى إماماً من بعد إبراهيم.
كما أن
تزكيتهم من الرسول بعد
تعليمهم الكتاب والحكمة، بمعنى ويزكيهم إلى الناس، كي يتبعهم الناس أي يتخذونهم
أئمة. فالإمام هو الشاهد على أهل زمانه هو، زمانه هو
بطبيعة الحال، لا يشهد على زمان ثان، فكيف يكون شاهداً ما لم يُدع أهلُ زمانه كي
يشهد عليهم؟ أي: في الآخرة على من يشهد إذاً؟
يشهد على
أهل زمانه اتبعوه أم لم يتبعوه؟
في الأصل
اتبعوه أم اتبعوا غيره؟
ثم كيف
اتبعوه، بأي درجة؟
إذاً
الناس في زمانه يُدعَون حسب إمام زمانهم لينظر كيف صنعوا.
نسأل
الله أن ننجح في هذا ولا نكون مصداقاً للآية التالية التي قرأناها:
﴿وَمَنْ كَانَ فِي هَذِهِ أَعْمَى فَهُوَ فِي الاخِرَةِ
أَعْمَى وَأَضَلُّ سَبِيلاً﴾.
ثم كيف اتبعوه، بأي درجة؟
نسأل الله أن ننجح في هذا ولا نكون مصداقاً للآية التالية:
((وَمَنْ كَانَ فِي هَذِهِ أَعْمَى
فَهُوَ فِي الاخِرَةِ أَعْمَى وَأَضَلُّ سَبِيلاً)).