بحوث "الأمة المسلمة" في دعاء إبراهيم
وإسماعيل (عليهما السلام)
الحلقة 26 / الذرية الأمة المسلمة – آية ((ويتلوه
شاهد منه)) (تسجيل 34 من 35)
رابط يوتيوب: https://youtu.be/wxIo7apQylM
من
آيات القرآن المتعلقة بالأمة المسلمة من ذرية إبراهيم وإسماعيل ،
والتي قلّما ترد في مثل هذه الأبحاث، هذه الآية المباركة:
﴿أَفَمَنْ كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ
مِنْ رَبِّهِ وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِنْهُ وَمِنْ قَبْلِهِ كِتَابُ مُوسَى إِمَامًا
وَرَحْمَةً أُولَئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ مِنَ الاحْزَابِ
فَالنَّارُ مَوْعِدُهُ فَلا تَكُ فِي مِرْيَةٍ مِنْهُ إِنَّهُ الْحَقُّ مِنْ
رَبِّكَ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يُؤْمِنُونَ﴾ هود:17.
"يشهد"
و "يتلو"
موضوع
الشاهد أو موضوع البحث في الآية هو ﴿أَفَمَنْ
كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِنْهُ﴾، وذلك لأن الشهادة متعلقة بموضوع الأمة
المسلمة التي قلنا أن لها مقام الشهادة – ﴿هُو سَمّاكُم المُسلمِين من قَبْل﴾ الحج:78، ﴿لتَكُونوا شُهَداءَ على النّاسِ
ويكُونَ الرَّسولُ عَليكُم شَهيداً﴾ البقرة:143، سمّاكم ذرّيّة
إبراهيم، ملّة أبيكم إبراهيم، كما ذكرنا في أول البحوث. فالشهادة هي من
مقامات الأمة المسلمة التي من ذرية إبراهيم وإسماعيل ،
الأمة المسلمة التي شخصناها بأنها الأئمة من آل محمد.
فالمعنى
الظاهر كالآتي:
-﴿أَفَمَنْ كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ
مِنْ رَبِّهِ﴾
إجماع على أنه رسول الله، لأن
الخطاب مع الآخرين خطاب مع اليهود ﴿وَمِنْ قَبْلِهِ كِتَابُ مُوسَى
إِمَامًا وَرَحْمَةً ... إِنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ﴾؛ الكلام كله لرسول الله، فهناك
إجماع على أن ﴿مَنْ
كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ﴾ –
فإن الله تعالى هو الذي بعثه بذلك، وهو يعلم ذلك، نزّله على قلبك –
رسول الله، بما لا
يحتاج إلى الإثبات العقلي بذلك، وإنما القضية مرتبطة بوجوده كله، فهو الذي ﴿عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ وَيَتْلُوهُ
شَاهِدٌ مِنْهُ﴾.
-﴿وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِنْهُ﴾، يتلوه بمعنى التلاوة أو بمعنى الاتباع؟
شاهدٌ، أو شيءٌ، أو شخصٌ منه، يُنمى إليه، له علاقة به، هذا المعنى الظاهر.
فالمعنى
الذي مما أخرجه الطبري في تفسيره ما نذهب إليه والذي هو موجود في روايات أهل البيت:
قال
علي(رض): ((ما مِنْ رجُلٍ مِنْ قُريش إلاّ وقد نَزَلَتْ فيهِ الآيةُ والآيَتان))
فقال رجل: فأي شيء نزل فيك؟ قال علي أما تقرأ الآية التي نزلت في هود: ﴿وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِنْهُ﴾.
(ملاحظة
على الهامش: هذه الرواية فيها تحجيم كبير لدور علي، فكأنها هي الآية الوحيدة النازلة فيه، زائداً
أن غيره أيضاً نزلت فيه الآية والآيتان، وهذا ما نعلم بطلانه بإجماع المحدثين
والمفسرين وأهل السير والأخبار أنه لم يأت بالأخبار الحسان مثلما جاء في علي، وفي القرآن كذلك، وهذه البحوث الأمة
المسلمة تكفي في هذا.)
موضع
الشاهد هو أن علياً نفسه
يخبرنا أن الآية نازلة فيه، أنه هو الشاهد منه.
والاعتراضات اللازمة!
فالاعتراض
على فهمنا للآية المباركة، أو ما جاؤوا به من بدائل، كالآتي:
-أول وجه
آخر جاؤوا به أن الشاهد منه هو لسانه، أي أن
اللسان هو الذي يتلو ما يقول، وهذه
أتركها لكم لأني لا أجد تعليقاً لائقاً بحقها، ماذا يعني أن اللسان هو الشاهد
عليه؟! شاهد منه؟ يتلوه، يتلو ماذا؟! الكلام عن الرسول.
-البديل
أو الوجه الآخر أنه هو محمد أي أنه
هو الشاهد من الله، ولكن هذه تجعل الذي على بيّنة من ربه هو الله نفسه!
لأنه هو يتلوه شاهد منه، يتلو الذي على بيّنة، فإذا كان رسول الله هو الشاهد، فإذاً
الله تعالى هو الذي بيّنة من نفسه، أليس كذلك؟
-الوجه
الثالث أن الشاهد هو جبريل، أي أن
النبي هو على
بينة من ربه وجبريل شاهد منه، يتلو على محمد ما بعث
به، هذا معناه أن جبريل شاهد على ما تلاه هو على النبي، فكيف
يقوم بالشهادة؟! كيف يقوم جبريل بالشهادة للناس؟ يظهر لهم بأي صورة؟ ثم كيف أن
جبريل شاهد من النبي؟ شاهد ﴿مِنْهُ﴾.. أي علاقة بين الاثنين؟ واحد ملك والآخر
بشر؟! ما معناها؟ هذه هي الأخرى لكم!
-الوجه
الرابع أن الشاهد هو ملك يحفظه، أي أن النبي معه
ملك يحفظه من الشرور من الآفات، مما يمكن أن يقع على البشر، ما يعني أن معنى شاهد
هو حافظ! وهذه أيضاً أتركها لكم!
-الوجه
الخامس هو ما قاله علي بن أبي طالب وهي
الرواية التي ذكرناها.
ولكن
حتى هذه الرواية التي قلت أنها تحجّم من موقعية علي في القرآن، حتى هذه وجدوها صعبة على أنفسهم،
فماذا فعلوا؟
فعلوا
ما فعلوه مراراً: يأتون برواية عن أحد أولاد علي، أو عن أحد صحابة رسول الله من
شيعته، عمار أو غيره، أو يأتون برواية حتى عن علي نفسه، ليضربوا هذه الرواية، لتقع الشبهة
فيها، ليقع التعارض، ليقع التساقط، فتضعف الرواية الأولى.
مع
هذه الآية المباركة، رووا حديثاً عن ولده محمد بن الحنفية، قال: "قلت لأبي،
يا أبت أنت التالي في ﴿وَيَتْلُوهُ
شَاهِدٌ مِنْهُ﴾؟
قال لا والله يا بني..."، يقسم بالله (!)، "وددت لو أنني كنت أنا هو،
ولكنه لسانه"! يعني حتى محمد بن الحنفية فهمها ولكن أباه خيب ظنه (!)، وذهب
إلى الوجه الأول أنه اللسان، وهو الذي تركت التعليق عليه لأني والله لا أجد كيف أن
علماء كبار بهذه العقلية الضعيفة، ما معنى أن اللسان الذي يتلو به هو شاهد؟! كيف
يشهد، هو يتلو الآيات، فكيف يشهد عليه؟ كيف تكون التلاوة وهو الشاهد عليها، فيكون
الشاهد هو اللسان التالي له؟!
هؤلاء
لا يهمهم أن يزروا بأنفسهم من أجل كتمان الحقيقة.
وهذا
وقد أخرج بعض المفسرين هذه الرواية عن علي بشكل يختلف. من ذلك قوله: ((واللهِ ما نَزلَتْ آيةٌ في كتابِ
الله في لَيلٍ أو نَهارٍ إلاّ وقد عَلِمتُ فِيمَنْ أُنزلَتْ ولا مَرَّ على رأسِهِ
المواسي (أي مواسي الحلاقة) إلاّ وقد أُنزلتْ عليهِ آيةٌ من كِتابِ اللهِ تَسُوقُهُ
إلى الجنّةِ أو إلى النّار))، ثم قام رجل فساله عن الذي نزل فيه فتلا عليه
الآية المباركة ثم قال: ((فرسُولُ الله صلّى الله عليه وآله عَلى بَيّنةٍ من ربِّهِ وأنا الشّاهِدُ لَهُ فِيهِ
وأتلُوهُ مَعَه))، وفيها الجمع بين المعنيين من كلمة "يتلو"
أنها الاتباع والتلاوة.
وهناك
روايات أخرى تعضد هذه (راجع تفسير نور الثقلين للحويزي، ج2، ص344-345.)
الآية المباركة وآيات الأمة المسلمة
أخيراً،
نربط هذه الآية المباركة المهمة مع آيات الأمة المسلمة، فنقول:
=طالما
أن مقام الشهادة على الناس من ضمن مقامات الأمة المسلمة من ذرية إبراهيم وإسماعيل، فإنها
أي الشهادة صفة أصيلة فيهم، يقومون بها كلما اقتضى الأمر. هنا ليست مثلما
قلنا شهداء على الناس في الدنيا وفي الآخرة، يشهدون كيف صنعوا، هنا الشهادة في
الدنيا على الرسالة الإسلامية.
=كما يمكن
أن تكون الآتي: أن النبي على
بينة من ربه وعلي بن أبي طالب منه بمعنى العصمة النسبية، الأقرب إلى النبي؛
=كما
يمكن أن تكون بمعنى العلاقة التي عقدها الله تعالى لهما مما جاء في دعاء إبراهيم وإسماعيل: ﴿وابعَثْ فيهِم رَسولاً مِنهُم﴾ البقرة:129، يعني الإثنين، وهذا الشاهد
يأتي تالياً للنبي بماذا؟
بمعنى يتلوه في الطاعة يتبعه أو يتلوه في الإمامة من بعده،
سيأتي من بعده إماماً على الناس، أو الإثنتين معاً، يتلوه يتبعه في الطاعة لا يحيد
عن ذلك ثم يأتي من بعده هو الذي يصبح الإمام في الناس.