بحوث "الأمة المسلمة" في دعاء إبراهيم
وإسماعيل (عليهما السلام)
الحلقة 27 / الذرية الأمة المسلمة – سورة الكوثر
(تسجيل 35 من 35)
رابط يوتيوب: https://youtu.be/IwMtJigtH7I
من
آيات كتاب الله العزيز التي تتعلق بالأمة المسلمة من ذرية إبراهيم وإسماعيل في
دعائهما العظيم عندما كان يبنيان البيت الحرام سورة كاملة وهي سورة الكوثر
المباركة، أصغر سور القرآن. سورة صغيرة جداً في نصّها، كبيرة جداً في دفاعها عن
النبي حيث
الإعجاز في الإخبار الإلهي المستغرق للزمان:
﴿بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيْمِ
إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ . فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ . إِنَّ
شَانِئَكَ هُوَ الأَبْتَرُ﴾
الكوثر:1-3.
معاني المفردات
الكوثر
هي الكثرة، "فَوْعَل كَوْثَر"، أي ﴿إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ﴾ أي الشيء الكثير.
﴿فَصَلِّ لِرَبِّكَ﴾، لم يستخدم فصلّ إلى إلهك؛ مما يجب أن نلتفت
إليه هنا عندما نقرأ القرآن، الفارق بين الإله والرب –
فالإله تعالى قبل الخلق بمعزل عن الخلق، لكن الرّبّ والربوبية، الرّبّ من التربية،
المربّي والتربية هو ما يتعلق بفعل الله تعالى مع خلقه، إذاً هنا العطاء.
﴿فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ﴾، ربك المنعم الذي أعطاك الشيء الكثير فصلّ له
وانحر؛ الصلاة هي الصلاة والنحر ﴿انْحَرْ﴾ هذا ما يفعله من يحتفل بالنعمة شكراً للنعمة
فيذبح الأضحية أو العقيقة.
﴿إِنَّ شَانِئَكَ﴾، الشانئ هو المبغض، من الشنآن، ﴿هُوَ الأَبْتَرُ﴾، الأبتر –
بترَ قطع، فالأبتر هو الأقطع أو المنقطع.
وهنا
يقول ﴿إِنَّ
شَانِئَكَ هُوَ الأَبْتَرُ﴾، "لم يقل إن شانئك الأبتر"، لو قال
إن شانئك الأبتر، صفة، شانئك الأبتر، لكن من الممكن أن تكون أنت أيضاً أبتر،
فشانئك أبتر وأنت أبتر، لكن عندما قال ﴿إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الأَبْتَرُ﴾ أي إن شانئك هو الأبتر وليس أنت.
فالمعنى
الكامل هو:
إنا
أعطيناك الشيء الكثير فقم بالصلاة والنحر شكراً لله على هذه النعمة، وإن مبغضك هو
المنقطع هو الأبتر.
فحتى بحساب الاحتمالات، يستطيع القارئ لهذه السورة المباركة
أن يقول أن هذا الشيء الكثير الذي أعطي لرسول الله لا بد وأن يكون له علاقة برميه أنه كان أبتر منقطعاً مقطوعاً، ليس مقطوع اليدين أو غيرها، إنما مقطوع الذّرّيّة؛ إذاً:
هذا
الكوثر هو الذي يرد على ذاك الذي يقول لك إنك أبتر بالقول إنه هو الأبتر وليس أنت،
أي أنه هو من سيكون منقطع الذرية لا شأن لهم، وأنت الذي ستكون، على العكس من
ذلك، لك الذرية الكوثر الكثيرة فلن تكون أبتر.
وهذا
ما تؤيده الروايات المتضافرة كلها، دون أن تشذ واحدة.
منها
عن يزيد بن رومان أحد الرواة قال:
"كان
العاص بن الوائل السهمي (والد عمرو بن العاص)، إذا ذكر رسول الله قال:
"دعوه فإنما هو رجل أبتر لا عقب له، لو هلك انقطع ذكره واسترحتم منه".
عقليته
هكذا – هذا رجل ليس عنده أولاد،
النتيجة ينقطع ذكره، فأنزل الله تعالى في ذلك ﴿إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ...﴾.
تحريف سائد!
الآن
هل من اعترض على ذلك؟ نعم، هناك وجوه مختلفة جاء المفسرون بها، أن الكوثر هو
القرآن أو الإسلام أو تخفيف الشريعة، أو الخير الكثير عموماً. ولكن الاعتقاد
السائد هو أحد هذه الوجوه.
فهو
ليس اعتراضاً على معنى الذرية المباركة (لأنهم لم يأتوا به!)، ولكنه الاعتقاد السائد
في القول وفي التفسير أن الكوثر هو ليس الكثرة في العقب في الذرية، إنما هو نهر في
الجنة، كما قالوا أيضاً أن الكوثر هو الحوض في الجنة، ثم ليربطوا بينهما قالوا
ان الكوثر هو نهر يصب في حوض الكوثر، وأن هناك القدحان وأن النبي يسقي
الناس.
صحيح،
مما اتفق عليه المسلمون أن هناك حوض النبي، وها
هم يجعلونه تفسيراً لهذه السورة المباركة.
ولكن
ما علاقة هذا بالسورة؟
الفهم
الواضح أن الله تعالى يقول أن العكس هو ما سيكون، عكس ما يرمونك به أنك أبتر
سنعطيك الكثرة من الأولاد، وهؤلاء ينقطع عقبهم، هؤلاء الشانئون سينقطع عقبهم، وأن
الشانئين سينقطع ذكرهم وأن وصف الأبتر سيكون لائقاً بهم وأنك على العكس لن تكون
كذلك.
والدليل
على ما أقول هو:
طالما أن المقصود هو أبتر الولد فإن التعويض يجب أن
يكون في الدنيا وليس في الآخرة، أي أن هؤلاء يقولون عنه أنه
أبتر، يعوضه في الآخرة؟ في الآخرة لا توجد منافسة بينه وبين
هؤلاء الكفرة العاص بن وائل وغيرهم، فشانئوا النبي لن تنعقد
بينهم وبينه منافسة
في الآخرة، فشانئ النبي في
جهنم، وبالتالي فإن التعويض ردّاً على هذا الشانئ ينبغي أن يكون في الدنيا ليخرسه
ويلطمه ويلقمه حجراً. فإذا كان التعويض هو الحوض في الآخرة فإن النبي يبقى
أبتر في الدنيا حسب تهمتهم، وهذا يرده القرآن بقوله ﴿إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الأَبْتَرُ﴾ وليس أنت الأبتر.
إذاً
تفسير الكوثر أنه هو حوض الكوثر غير صحيح؛ فإن كان فهو مصداق ضعيف،
والتفسير الصحيح الأصلي الذي لا خلل فيه هو أنه الذرية الكثيرة.
وحتى
القول أن "الكوثر" تعني الخير الكثير –
كما قد أورده بعض المفسرين –، فإن الخير
الكثير الذي هو ألصق بصفة الأبتر إنما هو الذرية المباركة.
وعليه،
فإن التفسير المعقول للكوثر هو الذرية عن طريق الزهراء لأن الله سيعطيه الكثير
الكثير من الذرية عن طريق هذه النسمة المباركة.
وهي أنثى
وهذا مهم، لأن الشانئ وحزبه كانوا يقولون ما عنده عقب، ما عنده غير بنت ليس لها
قيمة بالنسبة لهم، فأولئك الجاهليون كانوا يئدون البنات
ويخجلون منهن؛ وإذا بالقرآن ينزل ليقول أنه لا يضرّها كونها أنثى أن يخرج منها الكثير الكثير من
الذرية، هذا في الوقت الذي ستنقطع ذرية الشانئين –
مع أن عندهم ذرية من الذكور – فلا
يعود هناك من ينمى إليهم أصلاً.
وهذا
الذي أشار إليه صاحب تفسير الميزان، بعد أن جاء بالوجوه المختلفة التي أوردها
المفسرون – قال:
"والجملة لا تخلو من
دلالة على أن ولد فاطمة عليها السلام ذريته صلى الله عليه وآله وسلم، وهذا في نفسه من
ملاحم القرآن الكريم فقد كثر الله تعالى نسله بعده كثرة لا يعادلهم فيها
أي نسل آخر مع ما نزل عليهم من النوائب وأفنى جموعهم من المقاتل الذريعة".
السورة المباركة وآيات الأمة المسلمة
وقد
تحقق هذا وذاك على أرض الواقع، فإن الله تعالى قوله فصل وحكم ولا بد واقع. فإذا
أردنا أن نربط هذا مع آيات الأمة المسلمة، فنحن نعتقد أن فاطمة الزهراء وإن لم تكن من الأئمة بمعنى المصطلح الشرعي
للإمام بوظيفته اليومية في الأمة في بيان الشريعة وحراسة الشريعة...
...
حيث يمكن أن نوجز وظيفة الأئمة في أمرين، أو توجز وظائفهم في وظيفتين: بيان
الشريعة وحراسة الشريعة من الانحراف...
فليست
وظيفة الزهراء بهذا
الشكل الذي نعتقده في علي والحسنين والأئمة من ولد الحسين، لكنها حجة الله تعالى على العباد، حيث
قد تحققت فيها جميع صفات الشهادة على الناس، ونحن ذكرنا أن من صفات ونتائج الأمة
المسلمة أن ﴿لتَكُونوا
شُهَداءَ على النّاسِ ويكُونَ الرَّسولُ عَليكُم شَهيداً﴾ البقرة:143.
وعندما
يقول إبراهيم وإسماعيل وهما
يدعوان الله تعالى عند بناء البيت الحرام ﴿وابعَثْ فِيهِم رَسولاً مِنهُم﴾ البقرة:129 بعد أن يطلبا الذرية التي وصلت
الدرجة الأعلى من التسليم لله تعالى ﴿ومِنْ
ذُرِّيَتِنا أُمَّةً مُسلِمَةً لَك﴾ البقرة:128، والرسول منهم، وهذه الذرية
فاطمة من ضمن هذه الذرية وعلي من ضمن
هذه الذرية، ثم الأئمة من نسل علي وفاطمة ، فنحن
نعلم أنها حصلت على مقام الشهادة على
العباد وذلك:
من
خلال منزلتها التي نعلمها من قول النبي وفعله
في الكثير، منها آية التطهير ومنها ما ذكرنا من آيات أخرى في البحث ومن خلال
العديد مما جاء في الأحاديث الصحيحة باتفاق المسلمين وفي التفاسير؛
بعد
ذلك من أين جاءت الكثرة في نسل الزهراء؟
جاءت
من الفرعين الكريمين الحسن والحسين ،
وهذا طبعاً من الأمة المسلمة في البحث.
إذاً سورة الكوثر تخص بشكل خاص الزهراء ، ثم ولدها
الحسن الذي كان أول مصداق للكثرة، ثم الحسين الذي سيكون الفرع الثاني لهذه الكثرة، الكثرة العددية من هذه الذرية، ناهيك أنه سيكون والد
الأئمة التسعة الآخرين الذين هم يزكيهم
رسول الله إلى الناس بعد أن علّمهم الكتاب والحكمة.
والحمد
لله رب العالمين.