بعض
ما يميز واقعة الطّفّ (كربلاء)
10
محرم 61هـ
1 من
3
***
البعض يعتبر ما
يقوم به الشيعة سنوياً من إحياء لذكرى واقعة الطف التي حصلت في كربلاء يوم 10 محرم
من سنة 61هـ مبالغة لأن الواقعة حصلت منذ قرون، ولأن ما حصل فيها حصل في غيرها من
وقائع، بل ربما عابوا على الشيعة اهتمامهم هذا في الوقت الذي يقصرون عن اهتمامهم
في إحياء وقائع جرت في العهد النبوي أو تلك المتعلقة بالفتوحات الإسلامية بعده.
ولا شك أن هناك تفريطاً في إحياء الكثير من المناسبات الهامة في تاريخنا الإسلامي – بغض
النظر عن كيفية تناولها من هذا الطرف أو ذاك –، ولا شك في أن هناك بدعاً كثيرة تمارس في مناسبة إحياء ذكرى يوم عاشوراء، وهذا
بعيد عن هذه المقالة السريعة التي تحاول الإشارة، مجرد الإشارة، إلى بعض الجوانب
التي تميز واقعة الطف عن جميع الوقائع الأخرى، كي يُعذَر الشيعة في هذا الإحياء
لأنهم عرفوا منه وفهموه بشكل لم يطلع عليه الآخرون.
***
( أولاً ) السمو
الأخلاقي للقيادة
(وهذا ما لا
نظير له، اللهم إلا في ما كان من النبي (ص) وأهل بيته (ع) مع أعدائهم)
1-
قام القائد الحسين (ع) وأصحابه بتقديم الموعظة تلو الموعظة، وباستخدام
جميع الأساليب: القرآن، الحديث الشريف، المشاعر القومية، الزجر، التخويف بالآخرة
وغيرها، وأخيراً الاستغاثة والاستنصار، كل ذلك من أجل أن يرجع من يريد الرجوع إلى
الحق، (وهو ما حصل مع بعض الأفراد كالحر الرياحي الذي التحق بالحسين (ع) قبل بدء
القتال، وبعض الآخرين (سعد بن الحارث الأنصاري وأخوه أبو الحتوف بن الحارث
الأنصاري) الذين غيروا اتجاههم وقاتلوا أعداء الحسين (ع) وهم معهم).
2-
على الرغم من أنه (ع) وأصحابه أعذروا في النصح والموعظة إلا أنه أمر
أصحابه بأن لا يبدؤوا بالقتال.
3-
يبكي القائد الحسين (ع) على أعدائه لأنه لا يريد لهم المصير الأسود
بسببه هو.
***
( ثانياً )
الانحطاط الأخلاقي للأعداء
(وهذا ربما يوجد
نظير له في الأمة أو في الأمم الأخرى، ولكن هل كان مع أهل بيت الأنبياء أو مع سادة
الأمم؟!)
1-
المحاصرة ومنع الماء لعدة أيام.
2-
قتل حتى الصبيان، بل والرضّع.
3-
حرق خيام النساء.
4-
ضرب النساء بالسياط.
5-
لم يكتفوا بقتل القائد وقطع رأسه، بل جالوا على جسده الشريف بالخيول.
6-
أخذ ما تبقى من أهل البيت سبايا بالسلاسل والأغلال، على الرغم من أنهم
من نفس أمة أعدائهم (بغض النظر عن أنهم عماد هذه الأمة).
7-
حمل رؤوس الشهداء على الرماح أمام السبايا في طريقهم الطويل إلى
الكوفة ثم إلى الشام.
***
( ثالثاً ) تنوع
أساليب القتال
(وهذا يمكن أن
يكون هناك نظير له وذلك بلحاظ بدائية الأسلحة المستخدمة آنذاك)
لم تستخدم
السيوف والرماح والسهام فقط، وإنما الحجارة وأعمدة الخيام، وحتى السموم – أي
السلاح الكيمياوي لتلك الأيام – عندما رمى نافع بن هلال الجملي بسهام مسمومة روي
أنها قتلت اثني عشر وجرحت آخرين.
***
( رابعاً ) تنوع
المقاتلين والضحايا
(وهذا ما لا
نظير له، لاسيما بخصوص الأطفال والصبيان، فإن كان لا بد أنه عزيز جداً)
1-
على مستوى الجنس: رجال ونساء
2-
على مستوى العمر: من الصبيان وحتى الطاعنين في السن، بل وحتى الرضع
3-
على مستوى الحرية: الحر والعبد
4-
على مستوى العنصر: الأبيض والأسود والعربي والتركي وربما غير ذلك
5-
على مستوى الدين: حتى من أسلم حديثاً بعد أن كان في طريقه إلى مضارب
قومه النصارى.
(يتبع)
بعض
ما يميز واقعة الطّفّ (كربلاء)
10
محرم 61هـ
2 من
3
***
( خامساً ) درجة
شجاعة وإخلاص المقاتلين
وصف الإمام الحسين (ع) أصحابه: ((إني لا أعرف أصحاباً خيراً من
أصحابي)). ولا عجب، فقد روي العجب من تنافس أولئك الأصحاب على نصرة الإمام وأهل
بيته وأصحابه أيضاً:
1-
ليلة عاشوراء، ليلة المعركة، على الرغم من أن الحسين (ع) أعطى أصحابه
الحرية للمغادرة على أساس أن العدو لا يريد غيره لكنهم رفضوا بأجمعهم التخلي عن
نصرته قائلين "قبّح الله العيش بعدك".
2-
نفس تلك الليلة، بمجرد أن سمع بعضهم بقلق أسرة الحسين (ع) قاموا
بالذهاب إليهم وطمأنتهم أنهم لن يسلموا الحسين (ع) طالما هم على قيد الحياة... ثم
صدقوا وعدهم في صبيحتها.
3-
في يوم المعركة تكلموا مع العدو بكل شجاعة، جامعين بين النصح والتذكير
بالله ورسوله (ص) والتوبيخ والإنذار.
4-
خرجوا للقتال قبل أهل البيت (ع) حتى قضوا بأجمعهم.
5-
كان المقتول منهم إذا وافاه الحسين (ع) وبه رمق يسأله إن كان قد وفى
وقام بواجبه خشية التقصير مع أنه بذل أقصى ما عنده.
6-
بعض من أُسِر منهم انتبه إلى إعلان مقتل الحسين (ع)، فقام وهو في
الأسر بالميلان على العدو حتى قتل.
7-
بعض من أُسِر بعد كسر ذراعيه سأله العدو عما "فعل بنفسه"
حسب تعبيره، فرد بكل شجاعة وإصرار على الموقف، فضرب عنقه.
8-
تنافست نساء الأصحاب مع رجالهن أو أولادهن على القتال، حتى الشهادة مع
بعضهن.
وهذا ما لا نظير
له مطلقاً، حتى ولا في معارك النبي (ص) أو علي (ع)... وفيما يلي ما يثبت ذلك دون
أدنى شك:
نحن نعرف أن
أصحاب الإمام علي (ع) كانوا متفاوتين في هذه الناحية، وبالتأكيد تعبوا بعد مدة،
وهذا لا نظن أن أحداً يعترض عليه لا سيما وأن الأمر فيه ذم لأهل العراق! ولكن لو
قال أحد من الناس: إن أصحاب الحسين (ع) أفضل من أصحاب النبي (ص) لقامت الدنيا
وكتبت المقالات وانهالت المصطلحات القديمة والحديثة على القائل...
ولكن لندع
الوقائع على الأرض تتكلم، وبشهادة القرآن الكريم، ثم نترك الحكم للقارئ:
1-
القرآن يقول: ((وإذ يعدكم الله إحدى الطائفتين أنها لكم وتودون أن غير
ذات الشوكة تكون لكم)) تصريح بأن البدريين كانوا يتمنون قافلة التجارة ليأخذوها
بدلاً من قتال الجيش الذي أخرجته قريش. في حين أن أصحاب الحسين (ع) عندما أعطاهم
قائدهم الإذن بمغادرته ليلة الوقعة رفضوا بأجمعهم ولم تخرج من واحد منهم كلمة تشير
إلى تخاذل أو رغبة بالمغادرة.
2-
في موقعة بدر نفسها، نزلت الملائكة بالألوف لتثبيت المسلمين، بل
وليضربوا أعناق الكافرين وأطراف أصابعهم، وأنزل عليهم النعاس أمنة منه، وأنزل المطر
الخفيف ليغتسلوا وليشربوا وليثبت الأرض تحت أقدامهم. في حين أن الحسين (ع) وأصحابه
قتلهم العطش وقضوا ليلة العاشر بين الصلاة والدعاء، ولم تتنزل عليهم ملائكة مسومون.
3-
القرآن يقول: ((إذ تصعدون ولا تلوون على أحد
والرسول يدعوكم في أخراكم)) تصريح يؤكد ما نقلته المصادر التاريخية جميعها وأجمع
عليه المسلمون، بفرار المسلمين من حول النبي (ص) يوم أُحُد، حتى أنه كان يدعوهم
((إليّ يا فلان، إليّ يا فلان)) يقول الراوي: "فلم يرجع إليه منهما
أحد"، أي أن كلمة فلان تعني فلاناً مشخصاً وذلك لأن الراوي يقول
"منهما". ورووا أن النبي (ص) كسرت رباعيته وشجّ رأسه وأحاطت به الأعداء
حتى قالوا: "قتل محمد"، في حين دافعت نسيبة بنت كعب الأنصارية عن النبي
(ص) بتلقي السهام بجسدها عنه (ص) وقاتل أبو دجانة سماك بن خرشة، أي ثبتت المرأة
والرجل الأعرج وهما ليس عليهما قتال في حين هرب الرجال الأصحاء الذين حرم عليهم
الفرار يوم الزحف. طبعاً ثبت علي (ع) حتى نودي ((لا فتى إلا علي ولا سيف إلا ذو
الفقار))، ثم ثاب إليه أبو دجانة وسهل بن حنيف وغيرهم (سبعة من الأنصار، ولا قرشي
واحد). في حين أن أصحاب الحسين (ع) لم يدعوا شيئاً يصل إلى قائدهم، ولا حتى جراحة
صغيرة، حتى قضوا بأجمعهم، ولم يفروا وكانوا أسوداً تقاتل بكل شجاعة ورضا ورغبة
فيما عند الله، في نصرة أهل بيت النبي (ص)، وأولئك فشلوا في نصرة النبي (ص) نفسه.
4-
القرآن يقول: ((إذ جاؤوكم من فوقكم ومن أسفل
منكم، وإذ بلغت القلوب الحناجر، وتظنون بالله الظنونا، هنالك ابتلي المؤمنون
وزلزلوا زلزالاً شديداً . وإذا يقول المنافقون والذين في قلوبهم مرض ما وعدنا الله
ورسوله إلا غروراً . وإذ قالت طائفة منهم يا أهل يثرب لا مقام لكم فارجعوا ويستأذن
فريق منهم النبي يقولون إن بيوتنا عورة وما هي بعورة إن يريدون إلا فراراً . ولو
دخلت عليهم من أقطارها ثم سئلوا الفتنة لأتوها وما تلبثوا بها إلا يسيراً . ولقد
كانوا عاهدوا الله من قبل لا يولون الأدبار وكان وعد الله مسؤولا)) تصريح بأن
المؤمنين في معركة الأحزاب/الخندق زلزلوا زلزالاً شديداً، بل وأن البعض صار يظن
بوعد الله ونصره، وصار ليس فقط المنافقون ولكن الذين في قلوبهم مرض (وهم صنف آخر
من المسلمين) يعلنون عن فقدانهم التصديق بوعد الله ورسوله (ص)، ويكذب بعضهم على
النبي (ص) أنه يريد حماية بيته المكشوف، هذا مع أنهم عاهدوا الله من قبل – أي في
بدر أو أحد – أن لا يفروا. ولكن انظر إلى أصحاب الحسين (ع)، لم يذكر أحد من الرواة
أن واحداً منهم تزلزل أو ظن بالله أو حاول الفرار. مع العلم أن وعد الحسين (ع) ليس
بقوة وعد النبي (ص)، بمعنى أن اندفاع صحابة النبي (ص) ينبغي أن يكون أشد. بل إن
الحسين (ع) أخبرهم بصراحة أنهم سيقتلون بأجمعهم في حين أن النبي (ص) كان يؤكد لهم
أنه يأمل بالنصر العسكري في جميع الوقائع. في معركة الأحزاب لم يرض أحد من الصحابة
أن يذهب للاستطلاع مع وعد النبي (ص) له بالجنة، حتى أن حذيفة بن اليمان (رض) قال
بأنه لولا أن النبي (ص) أمره بالذهاب لما ذهب. وأجمع الرواة والمؤرخون على أن
علياً (ع) كان الوحيد الذي خرج لمبارزة عمرو بن عبد ود بعد أن أحجم جميع المسلمين.
في حين أن أصحاب الحسين (ع) كانوا يخرجون كالأسود لأي واحد من الأعداء كائناً ما
كانت شدته وشهرته، حتى أن صبياً بعمر 11 سنة، أي القاسم بن الحسن (ع)، ينشغل
بإصلاح نعله وكأن الألوف من الرجال أمامه ليسوا شيئاً.
5-
في خيبر، بعد رجوع من أرسلهم النبي (ص) في اليومين الأولين دون فتح أرسل
(ص) في اليوم الثالث علياً (ع) مع قولته الخالدة: ((لأبعثن الراية غداً مع رجل،
يحب الله ورسوله، ويحبه الله ورسوله، كرار غير فرار، لا يرجع حتى يفتح الله عليه))؛
وفي أُحُد وغيرها حيث هرب الكثيرون، بل الأكثرون، تاركين النبي (ص) محاطاً
بالأعداء؛ قارن ذلك مع الرجال حول الحسين (ع) الذين ذابوا حباً بالله ورسوله (ص)
وكروا ولم يفروا بأجمعهم، حتى الذين وقعوا في الأسر فإنهم ظلوا على ثباتهم حتى
القتل. بل إن أهم ما كان عندهم هو التأكد أنهم قاموا بواجبهم، فتجد أحدهم يسأل
الحسين (ع) إن كان قد وفى مع أنه غارق في دمه وجراحاته، ويبكي الآخر لأنه لا
يستطيع أن يدفع عن الحسين (ع) بأكثر من نفسه، إلى غير ذلك من صور من الحب والوفاء
لا نظير لها. بل حتى النساء اللواتي لم يقاتلن قمن بما لم يقم به رجال حول النبي (ص)،
فزينب بنت علي (ع) تقدم ولدها عوناً، وربيبها محمداً، ليقاتلا دفاعاً عن الحسين
(ع) وهي لا تبالي إلا بما يجري لأخيها وإمامها، في صورة من الحب لا نظير لها من أم
ترى ولدها وربيبها يقتلان أمامها.
(إن مثل هذه المواقف لا شك
في أنها ستنال عند الله عز وجل مراتب عظمى شبيهة بما نالها من وقفوا تلك المواقف
من النبي (ص). من ذلك أن سعد بن معاذ سيد الأوس عندما استشهد في أحد طلب النبي (ص)
من الصحابة البحث عنه، فلما عثروا عليه كان به رمق، وكان كلامه الوصية للأنصار ألا
يصل للنبي (ص) سوء وبإمكانهم الدفاع عنه، هذا مع أنه طلب قبلها إخبار النبي (ص)
أنه وجد الروح والريحان وجنة النعيم، أي أن الفوز العظيم قد تحقق له، مع ذلك لم
يخرج من الدنيا حتى أوصى به (ص). لذلك، إهتز لمقتله عرش الرحمن ونزل سبعون ألف ملك
يصلون عليه، رضوان الله عليه.)
6-
يقول القرآن: ((ويوم حنين إذ أعجبتكم كثرتكم فلم تغن عنكم شيئاً وضاقت
عليكم الأرض بما رحبت ثم وليتم مدبرين . ثم أنزل الله سكينته على رسوله وعلى
المؤمنين وأنزل جنوداً لم تروها وعذب الذين كفروا وذلك جزاء الكافرين)) تصريح بأن
الصحابة حتى عندما وجدوا أنفسهم كثيرين فإن هذه الكثرة انقلبت إلى عجب فارغ كانت نتيجته
الهرب الكبير أمام هوازن وثقيف. أما أصحاب الحسين (ع) فأين هم من الإعجاب بالكثرة
وقد كانوا بضع عشرات في قبالة الألوف: أقلها 4000، أي أن النسبة هي 1 إلى 50 في
أحسن الفروض، ومع ذلك لم يبالوا بالجموع والألوف التي أحاطت بهم.
فهل نعجب إذا ما
سمعنا الإمام الحسين (ع) يصف أصحابه بالقول: ((إني لا أعرف أصحاباً خيراً من
أصحابي))؟ رضوان الله تعالى عليهم وضاعف لهم الأجر في أعلى عليين، ومتع أنظارنا
يوم القيامة برؤيتهم.
(يتبع)
بعض
ما يميز واقعة الطّفّ (كربلاء)
10
محرم 61هـ
3 من
3
***
( سادساً )
الفارق الهائل بين النتيجة العسكرية والنتيجة التاريخية
(وهذا ما لا
نظير له مطلقاً)
فيما نعرف لا
يوجد رجل قتل بتلك الصورة الفظيعة، مع أهل بيته وأصحابه، وحورب بعد ذلك من قبل
ملوك الأمة، إلى درجة حرث قبره وإجراء الماء عليه لمحوه، وإلى درجة التشكيك بنيته
في خروجه حيث قال البعض أنه خرج طلباً للحكم والسلطان، بل وإلى درجة نزول الدولة –
كما في العراق سابقاً – بأجهزتها القمعية
ودباباتها وجلاوزتها وهم في أعلى درجات الإنذار العسكري تحسباً من أوليائه الذين
يحيون ذكراه (بشكل لا يمكن أن يصدقه أحد لو قيل له أن هذا من أجل رجل قتل قبل 1400
عام!)، مع تصافق الجوقات الإعلامية المنهزمة مع القيادات التافهة
و"علماء" الإسلام في تشديد النكير على من يحيي الذكرى، لاسيما
على العراقيين (فإن هؤلاء عندهم حساسية تشبه أمراض الجلد من العراق
والعراقيين!)... كل هذا ثم لا يزداد شأن هذا الرجل القتيل قبل 14 قرناً إلا
ارتفاعاً بحيث لا يعلم إلا الله تعالى عدد الملايين الذين يطلعون في هذه السنين، لاسيما
من على الفضائيات، على شعائر إحياء ذكراه (ع)...
تقول أخته زينب
(ع) وهي تسلّي ولده السجاد (ع): ((لا يجزعنّك ما ترى، فو الله إن ذلك لعهد من رسول
الله صلى الله عليه وآله إلى جدّك وأبيك وعمّك، ولقد أخذ الله الميثاق من أناس من
هذه الأمة، لا تعرفهم فراعنة هذه الأمة، وهم معروفون في أهل السماوات، أنهم يجمعون
هذه الأعضاء المتفرقة فيوارونها، وهذه الجسوم المضرّجة، وينصبون لهذا الطفّ علماً
لقبر أبيك سيد الشهداء، لا يُدرس أثره، ولا يعفو رسمه، على كرور الليالي والأيام،
وليجتهدنّ أئمة الكفر وأشياع الضلالة في محوه وتطميسه، فلا يزداد أثره إلا ظهوراً،
وأمره إلاّ علوّاً)).
وهو ما حصل كما
أخبرت (ع). فهذه الملايين تزحف ما بين ماش وراكب، وهم في أشد حالات اللهفة للوصول
إلى قبر أبي عبد الله الحسين (ع)، وعندما يصلون تراهم كالفراش حوله، قلوب معلقة
بحب الله ورسوله (ص) وأهل بيته بشكل لا نظير له، لا نظير له لاسيما عند تلك القلوب
المتحجرة التي لم تعرف شيئاً من هذا الحب فتنعى عليهم ما يصنعون من أحياء ذكرى
الإمام الحسين (ع)... إنهم أشياع الضلالة، وأئمتهم أئمة الكفر، الذين ذكرتهم زينب
(ع)... ولكن ها هو قبره لا يزداد إلا ظهوراً وأمره إلا علواً، والحمد لله رب
العالمين.
وإذا كان قبره
يعني قبره الذي في كربلاء بالعراق (بل إن المسلمين يتنازعون قبره فها هو مشهده في
القاهرة في الحي المسمى باسمه الشريف هو المزار الأول في مصر)، فإن ذكره صار
منتشراً في جميع أنحاء العالم نتيجة لانتشار المسلمين من أتباع أهل البيت (ع)...
وهو انتشار كان بعضه بسبب الهروب من التنكيل الناشئ عن ولايتهم لأهل البيت (ع)
وإحياء أمرهم لاسيما شعائر أبي عبد الله الحسين (ع)، فانقلب السحر على الساحر
وصارت تلك الشعائر تقام خارج العالم الإسلامي كما تقام في داخله، وفي كافة القارات
الخمس، والحمد لله رب العالمين.
سمع عامر بن عبد الله ابن الزبير ابناً له ينتقص علي
بن أبي طالب (ع) فقال له: "يا بني لا تنتقص علياً فإن الدين لم يبن شيئاً
فاستطاعت الدنيا أن تهدمه وإن الدنيا لم تبن شيئاً إلا هدمه الدين..." ثم
أوضح مقالته: "يا بني إن بني امية لهجوا بسب علي بن أبي طالب في مجالسهم
ولعنوه على منابرهم، فكأنما يأخذون والله بضبعيه إلى السماء مداً، وإنهم لهجوا
بتقريظ ذويهم وأوائلهم من قومهم فكأنما يكشفون منهم عن أنتن من بطون الجيف! فأنهاك
عن سبه".
السلام على
الحسين وعلى علي بن الحسين وعلى أولاد الحسين وعلى أصحاب الحسين ورحمة الله
وبركاته.
(إنتهى)