الحسن بن علي (عليهما السلام)
في ذكرى وفاته 7 صفر 50هـ
***
بمناسبة وفاة جدنا ومولانا أبي محمد الحسن المجتبى (ع)،
ذلك الإمام المظلوم، في حياته، وفي موته، وعند دفنه، وبعد ذلك
كله،
أذكر شيئاً مما حصل من تعامل بعض الأمة مع دفنه،
ثم قل لي:
أهكذا يكون التعامل مع آية مودة القربى؟
((قل ما أسألكم عليه أجراً إلا المودة في القربى))
((ومن يقترف حسنةً نزد له فيها حسناً، إن الله غفور شكور))
والتي فسرها لنا صاحب الذكرى (ع) أن ((اقتراف الحسنة مودتنا أهل
البيت)).
فهل تعاملهم مع دفنه وجنازته (ع) كان اقترافاً للحسنة أم للسيئة؟
إنا لله وإنا إليه راجعون، وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب
ينقلبون.
***
وصيته (ع) لأخيه الحسين (ع)
بعد أن سُقي إمامنا الحسن السبط (ع)
السّمّ (إحدى كبرى جرائم الصحابي الجليل!) وأيقن بالموت،
أوصى أخاه الحسين (ع) أن يدفنه إلى جنب
جده المصطفى (ص)، قائلاً:
((وأن
تدفنني مع رسول الله صلى الله عليه وآله فإني أحق به وببيته، فإن أبوا عليك
فأنشدك الله بالقرابة التي قرب الله عز جل منك والرحم الماسّة من رسول الله صلى
الله عليه وآله أن لا تهريق في أمري محجمة من دم حتى نلقى رسول الله صلى الله
عليه وآله فنختصم إليه ونخبره بما كان من الناس إلينا)).
***
تصرفوا كما توقع (ع)!
وفعلاً، كما توقع (ع) – فقد رفض
الناس...
روى الواقدي (سير أعلام النبلاء، باب
ومن صغار الصحابة، الحسن بن علي بن أبي طالب، ص274-275):
"عن ابن
عمر، قال: حضرت موت الحسن،
فقلت للحسين:
إتق الله، ولا تثر فتنة، ولا تسفك الدماء، ادفن أخاك إلى جنب أمه، فإنه قد عهد
بذلك إليك."
وروى أيضاً
"عن أبي
حازم، قال لما حُِضر
(أي احتضر) الحسن،
قال للحسين:
((إدفني عند أبي))، يعني النبي (ص) ((إلا أن تخافوا الدماء، فادفني في مقابر
المسلمين))، فلما قبض، تسلح الحسين،
وجمع مواليه، فقال له أبو هريرة: أنشدك
الله ووصية أخيك، فإن القوم لن يدعوك حتى يكون بينكم دماء، فدفنه بالبقيع،
فقال أبو هريرة: أرأيتم لو جيء بابن
موسى ليدفن
مع أبيه، فمنع، أكانوا قد ظلموه؟! فقالوا: نعم! قال: فهذا ابن نبي الله (ص) قد جيء
ليدفن مع أبيه".
وروى
أيضاً
"قال أبو هريرة مرة
يوم دفن الحسن:
قاتل الله مروان،
قال: والله ما كنت لأدع ابن
أبي تراب يدفن
مع رسول الله (ص) وقد دفن عثمان بالبقيع".
وهكذا ابن عمر دائماً، يسير بالاتجاه
الآخر. فبدلاً من أن يصطف مع الحسين (ع) ضد الممانعين لدفن أخيه (ع) عند النبي
(ص)، تجده يضغط عليه من أجل تحقيق البديل الثاني الأقل الذي في وصية الحسن لأخيه
(ع).
أما أبو هريرة، فقد قرّعهم على موقفهم
المخزي اللئيم مع ذلك المسجّى الكريم (ع).
***
الضربة الأكبر من محل آخر
على أن الإنصاف يقتضي القول أن الضربة
لم تأت من بني أمية وحسب، ولكن جاءت من الإعلان: "لا يدفن غريب في
بيتي"!
كيف يكون الحفيد غريباً لأرملة الجد؟
لا أدري.
وهل بعد الموت هناك قريب وغريب؟!
لماذا لم تجد الخليفة الثاني غريباً
فأصدرت الموافقة على دفنه، بينما الحسن (ع) وجدته غريباً؟
وكيف لزوجة واحدة الحق في الإرث الشامل
لجميع الزوجات، تدخل من تشاء وتمنع من تشاء؟
فإذا كان البعض لم يزل يهذي إلى اليوم
أن خروجها على علي (ع) إنما كان للإصلاح أو للثأر لقتل عثمان (التي لم يحرّض عليه
أحد من العالمين كما فعلت!)،
فهل سيهذي أحد – وهو يعلم أنه يهذي –
أن منع دفن الحسن (ع) عند جده (ع)، وبعد دفن أبيها وصاحبه من قبل، هو للإصلاح أو
الثأر لقتل عثمان؟!
***
رثاء محمد بن الحنفية
وقف أخوه محمد بن الحنفية (رض) على
جنازة أخيه (ع) يقول:
"رحمك الله يا أبا
محمد، فوالله لئن عزّت حياتك لقد هدّت وفاتك؛ ونعم الرّوح روح عُمِّرَ به بدنك،
ونعم البدن بدن ضمَّه كفنك؛ لم لا يكون كذلك وأنت سليل الهدى، وحلف أهل التقوى،
ورابع أصحاب الكساء؛ فعليك السلام ورحمة الله".
***
رثاء الحسين (ع)
ورثاه أخوه ووصيه وخليفته الحسين (ع):
أأدهنُ رأسي أمْ تطيبُ مجالِسي * وخَدُّكَ معفورٌ
وأنـت سليبُ
غريـبٌ وأطرافُ البيوتِ تحوطـُهُ * ألا كلُّ مَنْ تحتَ الترابِ غريبُ
فليسَ حِريبٌ مَـنْ أُصيبَ بمالِـهِ * ولكنَّ مَـنْ وارى أخاهُ حريبُ
***
فالسلام على جدنا وإمامنا ومولانا مولى
المؤمنين الحسن بن علي (عليهما السلام)، يوم ولد وأدخل الفرحة على قلب جده المصطفى
(ص)، ويوم ذهب إلى ربه شهيداً سعيداً، ويوم يبعث حياً شاهداً على هذه الأمة في
الشهداء ((لتكونوا شهداء ويكون الرسول عليكم شهيداً))، ويشكو إلى الله ظلم العباد.
والحمد لله رب العالمين.