الرسالة الأولى بتاريخ 3 شعبان 1423هـ
(أرسلت بالبريد الإلكتروني إلى موقعه على الانترنت، وجاء رد بالاستلام،
ثم لم يأت أي رد من الأستاذ عمرو، ربما لكثرة مشاغله.)
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الاستاذ عمرو خالد حفظه الله تعالى
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. أدعوه تعالى أن تكون بخير وأن يوفقك لخدمة الإسلام والمسلمين.
لست من متابعي حلقات "ونلقى الأحبة" على قناة إقرأ بشكل مستمر، ولكن أقوم بذلك أحيانًا. ومما تابعت بعض الحلقات التي تتحدث عن الخلفاء الأربعة. وكوني من أتباع أهل البيت عليهم السلام (أو شيعي) - وكنت سابقًا من مدرسة أهل السنة (حيث ولدت لأبوين سنيين ثم تعرفت على مذهب أهل البيت ودرسته وكانت جهود سنين طويلة قراري اتباع مذهبهم) أي لست من الذين يقلدون بدون تفكير، وكون الأستاذ عمرو خالد من الدعاة العصريين - إن صح التعبير - أردت أن أرى كيفية تعامله مع الآراء القديمة التي مضى عليها السلف وتابعه الخلف دون تغيير أو خوفًا من التغيير... أردت ذلك لأني أتوسم فيك الحب الحقيقي للإسلام والرغبة الصادقة للقيام بشيء للنهوض بهذه الأمة، لاسيما قطاع الشباب الذين هم المستقبل.
سألت نفسي: ترى، أينفض الأخ عمرو غبار التقليد ويقول كلمة الحق فيما اختلف فيه، أو بعض ما اختلف فيه، أم يجري عليه ما جرى على غيره فيسير كما سار الآخرون؟
وعلى أني لم أشاهد حلقة الإمام علي (ع) من بدايتها، ولكني أظن أنها الأولى عنه، وعندي بعض الأسئلة أحب طرحها عليك، على أن تعاهدني أمام الله تعالى أن تبذل الجهد في التفكير بها، ثم تقرر فيما إذا كنت ستبقى على رأيك فيها.
(أولاً) ذكرت أن عليًا لم يسلم مباشرة عندما عرض عليه النبي (ص) الإسلام، بل قال: ((سأسأل أبي)). وكنت قلت قبلها أنه تربى في بيت النبي (ص) وبقي فيه إلى ما بعد البعثة. ترى، هل يعقل أن صبيًا ذكيًا كعلي (ع)، يعيش في حضن سيد البشر (ص) وزوجته سيدة النساء ويكون منه كما وصف هو نفسه في (نهج البلاغة) ((كنت أتبعه اتباع الفصيل أثر أمه، يرفع لي كل يوم علمًا من أخلاقه ويأمرني بالاقتداء به، وكان يمضع اللقمة ويلقمنيها، وكنت أجاوره بحراء ولا يجاوره غيري)) كل ذلك قبل البعثة المباركة، وإذا به يلجأ إلى رأي والده عندما يسأله عن الوحي! كيف ذلك وهو يقول ((عبدت الله سبع سنين قبل الناس)) ويعني السنين التي كان يذهب فيها بالطعام من البيت إلى غار حراء عندما كان يعتكف النبي (ص) هناك؟
فهل فعلاً أن الأستاذ عمرو مقتنع بهذه الرواية - التي لم أطلع عليها قط على الرغم من مكابدتي روايات التاريخ سنين طويلة، وتأليفي في هذه الأمور - أم أن الرواية تنفع في وضع علي (ع) بمنـزلة غيره من الصحابة الكبار الذين لم يسلموا مباشرة؟!
(ثانيًا) قلت أن عليًا (ع) عندما سأل أباه أجابه الأخير بأن لا يترك النبي (ص) لأنه ((لن يدلك إلا على خير)) أو كما قلت، ((أما أنا فلا أترك دين أبائي)). أتدري يا أخي عمرو بأني كنت أتكلم بكلامك قبل أن تتفوه به - أي وأنا أشاهد الحلقة - معرفة مني بالتفكير السنّي في هذه الأمور التاريخية. ولكن معك - أخي الكريم - كنت أمنّي النفس أن أخطئ، ولكن مع الأسف سرت على ما سار عليه الأولون والآخرون.
أستحلفك بالله العظيم الذي وهبنا العقل الذي هو أفضل نعمة منّ بها علينا، والتي رفع القلم عن فاقديها من المجانين والأطفال والنائمين والمغشي عليهم، أيعقل أن أبا طالب، سيد قريش وكبيرها وذا رأيها وعقلها، والذي كان يقول بصراحة أن محمدًا سيكون له شأن عظيم، بل أخبره بذلك (بحيرا) الراهب، ومن قبله (عبد المطلب) الذي يصرح بمثل ذلك أيضًا، ثم رأى من محمد (ص) في السنين التي عاش عنده العجب العجاب من الخلق والعظمة والكرامة، يأتي فينصح ابنه فلذة كبده كما يفعل الناصح الأمين بأن يتبع محمدًا (ص)، والسبب ((لأنه لا يدلك إلا إلى خير))، ثم يتوقف هو عن هذا (الخير)؟!
أنت نفسك وجدت أن هذا عجيبًا فقلت ((عجيبة هي شخصية أبي طالب))!
ولكن العجب كل العجب ليس في شخصية أبي طالب، هذا الرجل الذي لم يظلم تاريخنا الإسلامي أحدًا كما ظلمه، ولكن في العقول التي تقبل الجمع بين المتناقضات. رجل يصرح بأن ابن أخيه لا يدل إلا إلى خير، وينصح أولاده باتباعه (كما فعل مع علي وجعفر، وقال في ذلك شعرًا)، ثم يكفر به. ولا أدري، أخي العزيز، إن كنت اطلعت على شعر أبي طالب في الرسول والرسالة، فإن كان لا (فإني) أستطيع أن أعطيك المصادر (منها من تأليف شيخ أزهري أظن عوض الله ابراهيم بعنوان (الرسول والرسالة في شعر أبي طالب) ومنها (ديوان أبي طالب) للصديق د. عبد الحق العاني وغيرها). إستمع إليه في بائيته التي يقول في أحد أبياتها:
ألم تعلموا أنّا وجدنا محمدًا نبيًا كموسى خُطَّ في أول الكتبِ
وفي نونيته:
ولقد علمتُ بأنّ دين محمدٍ من خير أديان البريةِ دينا
وفي لاميته العظيمة التي قال عنها المختصون أنها بزّت المعلقات:
ألم تعلموا أنّ ابننا لا مكذبٌ لدينا ولا نعنى بقول الأباطلِ
عجيب غريب، يقول هذا وأضعافه، ويثبته الشيخ الأزهري فيما يصل إلى مائة صفحة، ثم لا يستطيع أن يخرج من تقليد السلف في الصفحة الأخيرة من كتابه بالقول بأنه يصدق فيه قوله تعالى ((وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم ظلمًا وعلوًا))! فهل يا ترى أنت - أخي الكريم - تنسج على منوالهم؟
(ثالثًا) بخصوص زواج الزهراء عليها السلام، قلت أن أبا بكر خطبها ثم عمر خطبها، ولكن النبي صلى الله عليه وآله ردهم بقوله ((إنها صغيرة)). ولا أدري إن كنت جئت بهذا من مصدر تاريخي أم هو تحليلك الشخصي، لأني لم أقرأ هذا من قبل. صحيح أن الشيخين خطباها، ولكن النبي (ص) رد كلاً منهما بقوله: ((أنتظر فيها أمر السماء)). فلما خطبها علي (ع) وافق – بل تهلل وجهه فرحًا عندما قال علي ((يا رسول الله ذكرت فاطمة))، وليس كما ذكرت بأن النبي (ص) هو الذي أخبره أنه يريد خطبتها.
بل إن بعض الروايات تقول أنهما قالا لعلي (ع) إذهب لخطبتها فإن النبي (ص) لن يزوجها غيرك – وهذا تصريح منهما بأن عليًا أفضل منهما -.
على أية حال، هذه الروايات صريحة في أن عليًا (ع) أفضل من الشيخين حسب ما يعتقد الشيخان، وفي أن الله تعالى هو الذي زوج فاطمة عليًا، وبذا فإنه (ع) أفضل الخلق بعد النبي (ص) لأن سيدة النساء (ع) من الطبيعي أن يتزوجها سيد الرجال. وبذلك قال إمامنا السادس جعفر الصادق: ((لو لم يخلق الله عليًا ما كان لفاطمة كفؤ)).
فهل إن عقيدتك في تفضيل الشيخين على علي (ع) - أخي العزيز – هي التي جعلتك تعرض عن هذه الروايات المعروفة وتلجأ إلى شيء غريب. بل إن هذا الشيء يجعل النبي (ص) تتناقض أقواله مع أفعاله لأنه لا يرضى بفارق العمر – كما استنتجت أنت في الحلقة – عندما يكون الأمر مع ابنته، في حين يرضى ذلك لبنات الآخرين عندما تزوج عائشة أم المؤمنين بفارق عمر يفوق الأربعين عامًا! فهل تناقضت أقواله مع أفعاله (ص) يومًا – حاشاه وحاشاه، ولكن هذه هي النتيجة المتوقعة للإصرار على العقائد المذهبية حتى وإن صادمت العقول.
(رابعًا) سألت الحضور من الشباب عن شيء مهم في أسماء أولاد أمير المؤمنين (ع)، ثم أخبرتهم أن ثلاثة من أولاده أسماؤهم بأسماء الخلفاء الثلاثة أبي بكر وعمر وعثمان، وأن ذلك كان من أجل أن لا يقول أحد فيما بعد أنه كان هناك مشكلة بين علي (ع) والثلاثة الذين سبقوه. وهذا الكلام مردود من وجوه:
الأول – أن هذه الأسماء كانت أسماء عامة، وعندما سمى علي أولاده بهذه الأسماء إنما سماهم بأسماء عربية يستعملها غيره من الناس، ولكننا نفكر بأن عليًا (ع) كان يفكر على شاكلتنا بالعقد النفسية والآفاق العقلية الصغيرة بحيث يرفض أسماء لأن البعض ممن دخل معهم في مشكلات لهم تلك الأسماء.
الثاني – أن بعض الأئمة سموا أولادهم بأسماء لها نفس الخصوصية التي تتحدث عنها، مثلاً الإمام التاسع محمد الجواد (ع) (وهو ابن علي الرضا بن موسى الكاظم بن جعفر الصادق) عنده بنت اسمها (عائشة)، فهل نقول بأن لم يكن هناك مشكلة بين أهل البيت (ع) وعائشة أم المؤمنين، فنلغي حرب الجمل بقتلاها الثلاثة عشر ألفًا – وهي أول حرب أهلية بين المسلمين لا شك أن السيدة عائشة وطلحة والزبير يتحملون مسؤوليتها أمام الله والأمة الإسلامية –، ونلغي خروجها على البغلة الشهباء تعلن رفضها ومنعها أن يدفن الحسن السبط عند جده (ص) قائلة ((لا يدفن غريب في بيتي)) مع أن الحسن حفيد زوجها فليس غريبًا، في حين لم تمانع من دفن (عمر بن الخطاب) وهو بلا شك غريب عنها – هذا مع أن الميت ليس فيه غريب أو قريب -، ونلغي قولها ((لا تتم هذه البيعة ولو أطبقت السماء على الأرض)) يوم سمعت ببيعة علي (ع)، ونلغي سجودها لله شكرًا يوم جاءها نبأ وفاته (ع) وقولها ((فألقت عصاها واستقر بها النوى كما قُرّ عينًا بالإياب المسافرُ))، نلغي كل ذلك لأن أحد الأئمة (ع) عنده بنت اسمها عائشة! أي منطق هذا؟
الثالث – إن المشكلة بين علي (ع) والشيخين من الوضوح بمكان بحيث لا يمكن القول بعدم وجودها، اللهم إلا أن نلغي التاريخ كله، ولا أرى من داع هنا لذكر أي منها لشخص مثلك لا بد أنه مطلع عليها. وإذا أردت أن أذكر فعن ماذا أتكلم وعن ماذا أسكت: أعن السقيفة، أم الشورى العمرية العجيبة الغريبة، أم عن سلب الزهراء (ع) فدكًا وسهم ذوي القربى، أم عن جلب الحطب إلى باب بضعة النبي (ص) وتهديدها ومن في بيتها بالتحريق حتى قال الناس في ذلك شعرًا، ليس القدماء فحسب بل على مر العصور، حتى وصلت إلى شاعر النيل (حافظ ابراهيم):
من قولةٍ لعليٍّ قالها عُمَرُ أكرِمْ بسامعها أعظِمْ بمُلقيها
حَرّقْتَ داركَ لا أُبقي عليكَ بها إن لم تبايعْ، وبنتُ المصطفى فيها!
ما كان غير (أبي حفص) بقائلها أمام َفارسِ عدنانٍ وحاميها!
حتى واجهت سلام الله عليها الشيخين بما تعرف عندما زاراها، وتوعدت أبا بكر بأن تدعو عليه دبر كل صلاة بعد أن ذكرتهما بقول أبيها (ص): ((فاطمة بضعة مني يؤذيني ما يؤذيها ويرضيني ما يرضيها))، وحتى أوصت أن تدفن ليلاً فلا يحضر أحد ممن آذاها دفنها، ونفذ علي (ع) وصيتها وعاتبه أبو بكر على ذلك إذ لم يدعه لدفنها. قال الشاعر:
لأيِّ الأمورِ تُدفن ليلاً بضعةُ المصطفى ويُعفى ثَراها؟
أُمُّ مَنْ؟ بنتُ مَْ؟ حليلةُ مَن؟ ويلٌ لمنْ سَنَّ ظُلْمَها وأذاها!
وأنا أسألك بدوري: لأي الأمور تدفن ليلاً إن لم يكن هناك أمور عظيمة بين الطرفين؟ وإذا كان ذلك كذلك – وهو ما لا يمكن دفعه مطلقًا – فهل يا ترى يسمي علي (ع) أولاده بأسماء من آذاها وظلمها وسلبها حقها لكي ينفي التهمة عنهم؟! ما هذا، يريد الدفاع عمن فعل العظيم بإبنة حبيبه سيد المرسلين (ع) الذي قال بحقه بعد وفاته:
كُنتَ السَّوادَ لناظري فبكى عليكَ الناظِرُ
مَنْ شاءَ بعدَكَ فَلْيَمُتْ فَعَليكَ كُنتُ أُحاذِرُ
إن هذه من الأمور المعلومة في التاريخ كما نعلم أن القاهرة عاصمة مصر وبغداد عاصمة العراق، لولا العناد. حتى اعترف بذلك الشيخ (محمد متولي الشعراوي) رحمة الله عليه في حلقة تفسير القرآن المتلفزة من جامع الشيخ سليمان بمنطقة الهرم وذلك في تفسير قوله تعالى ((تتجافى جنوبهم عن المضاجع))، فارجع إليها. أورد رحمة الله عليه قول علي (ع) في توديع فاطمة بعد دفنها ((السلام عليك يا رسول الله وعلى ابنتك النازلة في جوارك والسريعة اللحوق بك. قلّ يا رسول الله عن صفيّتك صبري ورقّ عنها تجلّدي، ولكن لي في فادح مصيبتك موضع تعزٍّ، فقد أنزلتك في ملحودة قبرك وفاضت بين سحري ونحري نفسك)) وهذا تكذيب واضح لقول عائشة ((متى أوصى، مات بين سحري ونحري)) عندما أرادت أن تنفي وصيته (ص) لعلي (ع). ثم تابع الشيخ قول علي(ع): ((وستخبرك ابنتك بتضافر أمتك على هضمها، فحفّها السؤال واستخبرها الحال)) وتابع حتى نهاية قوله ((والسلام عليكما سلام مُوَدّع لا قالٍ ولا سئمٍ، فإن أنصرف فلا عن ملالة، وإن أقم فلا عن سوء ظن بما وعد الله الصابرين)) وهو موضع الربط مع الآية الكريمة الآنفة الذكر.
إرجع إلى كل هذا – أخي في الله – ثم أعمل تفكيرك وذكاءك، وأخلص نيتك لله من أجل الحق لا غيره، وسترى.
الرابع – هو قول علي (ع) أنه سمى ولده (عثمان) على اسم صاحبه (عثمان بن مظعون) الصحابي المعروف والشهيد السعيد، وهذا يسقط الاستنتاج أيضًا.
أخي الكريم
أرجو أني لم أطل عليك، ولكن الأمر لا يحتمل المجاملة، لا سيما وأنت تحاضر على القنوات التي لا يعلم إلا الله كم عدد الناس الذين يشاهدونها.
ولعل للحديث بقية إذا وفقني الله لمشاهدة الحلقات القادمة.
والسلام عليكم ورحمة الله. والحمد الله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد خاتم النبيين وعلى آله الطاهرين وصحبه المنتجبين.
أخوك
غسان ماهر
لندن – بريطانيا
3 شعبان 1423هـ المصادف ولادة السبط الأصغر الإمام الحسين بن علي (ع) سيد الشهداء وأبي الأحرار، وفقنا الله وإياك لاتباع منهجه ونيل مناله، آمين.