فاستمع لما يوحى 1-6: إستعينوا بالصبر والصلاة
﴿يا أ يُّـها الَّذينَ آمنُوا استَعِينُوا بالصَّــبْرِ والصَّلاةِ إنَّ اللّهَ مَعَ الصّابر ين﴾ سورة البقرة:153
توجيه إلهي للمؤمنين أن يستمدوا العون من خصلتين: الصبر، والصلاة. ثم تعلن الآية ما يحبب الأخذ بهذا التوجيه أن الله تعالى مع الصابرين.
لا شك أن المؤمنين – جماعات وفرادى – تواجههم الصعوبات من الابتلاءات المختلفة، ومنها ومن أشدها الفتنة التي تمتحن إيمانهم، كما وعد عز وجل ﴿أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنوا وهم لا يفتنون . ولقد فتنا الذين من قبلهم، فليعلمن الله الذين صدقوا وليعلمن الكاذبين﴾ العنكبوت:2-3. هذه الصعوبات تحتاج إلى صبر يستطيع امتصاص الصدمات والآلام والبلايا والرزايا، ثم التعامل معها بحكمة وهدوء من أجل الخروج منها بسلامة الدين وسلامة الموقف. الآية توصي المؤمنين بالصبر.
ولكن لماذا الوصية بالصلاة في هذا المقام؟
إذاً، الصلاة من شأنها أن تعين المؤمن الذي يتعرض للصعوبات والمحن، وذلك:
(أولاً) لأنها تربطه بربه ربطاً مباشراً دون واسطة ولا انتظار ولا الحصول على الإذن
(ثانياً) لأنها تتضمن التذكير بعظمة الله وموقعه في الوجود نسبة إلى سائر الموجودات التي تمثل تلك الصعوبات والمحن ومن يشترك فيها
(ثالثاً) لأنها تتضمن قراءة آيات الكتاب العزيز التي تذكر بالقيم والأخلاقيات التي يحتاجها المؤمن في هذه الأوقات الصعبة (خذ مثلاً سورة العصر على قصرها فإنها مما يثلج قلب المؤمن، كيف لا وهي تعلن إن الناس في خسران ما عدا المؤمنين الذين يعين بعضهم بعضاً بالوصية بالتزام الحق وبالاستعانة بالصبر)
(رابعاً) لأنها متوفرة توفراً وجوبياً خمس مرات في اليوم على الأقل، ما يعني حتمية الاستفادة منها – ولو جزئياً – في خضم التعامل مع الصعوبات والمشاكل.
ولكن من المؤسف أن البعض لا يجد نفسه طيعة لمثل هذه الأوقات الرائعة التي ينتقل الإنسان فيها من ضيق الدنيا ومشاكلها إلى سعة الذات الإلهية ورحمتها وعونها. فقد أخبر القرآن – في سياق الكلام مع بني إسرائيل – أن توجيه الاستعانة بالصبر والصلاة يحتاج إلى الخشوع، أي الطاعة: ﴿وَاسْتَعِينُواْ بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ وَإِنَّها لَكَبِيرَةٌ إِلاّ عَلى الْخاشِعِين﴾ البقرة:45. فيا حسرة على العباد! حتى النصيحة ممن عنده العلم المطلق، بالنفس وضعفها، والدنيا وصعوباتها، والصلاة وآثارها، لما فيه الراحة للإنسان لا تجد عند الكثيرين آذاناً صاغية، إما لكسلهم وتقاعسهم، وإما لتكبرهم وعدم تذللهم بين يدي المولى عز وجل – فالأول ضعيف الهمة، والثاني ضعيف النفس، وكلاهما ضعيف الفهم. وعليه فهناك حاجة إلى الخضوع إلى أمر الله التوجيهي برفع الهمة من جانب وبالحذر من التكبر ثانياً.
إلا أن من شأن هذا الموعد اليومي المتكرر مع المولى عز وجل لا بد أن يجد عند المؤمن المصلي، حتى ولو بضع مرات في الأسبوع – على أساس أن الصلاة صارت عند الكثيرين عادة لا عبادة –، هذا الأثر الإيجابي وهو يتعامل مع الصعوبات في معترك الحياة. فهي فرض، ولقاء، وحديث من الله، وحديث إلى الله... بل هي هدية لا مثيل لها، والحمد لله رب العالمين.