وعلي بابها 3-3: همج رعاع أتباع كل ناعق
((هَمَجٌ رِعاعٌ أتـــْبـاعُ كُلِّ ناعِق)) الإمام علي(ع)
ورد عن أمير المؤمنين علي(ع) تصنيف للناس بحسب قابليتهم للاستفادة من العلم والحكمة والتوجيه، وهو ما جمعه الإمام(ع) بكلمة "الخير". قال(ع) لصاحبه كميل بن زياد النخعي:
((القلوب أوعية فخيرها أوعاها للخير. إحفظ عني ما أقول لك:
الناس ثلاثة: فعالم رباني، ومتعلم على سبيل نجاة، وهمج رعاع، أتباع كل ناعق، يميلون مع كل ريح، لم يستضيئوا بنور العلم، ولم يلجؤوا إلى ركن وثيق)).
فإذا كان "القلب" هنا هو "العقل"، وأن العقل ينبغي أن يستثمر في "التّفكّر"... في جلسة منفردة مع النفس أو جلسة ثنائية مع صديق راجح العقل مأمون النفس معين على التفكر راغب فيه (حسب توجيهات القرآن)... لأن عملية التفكّر حياة لهذا القلب/العقل المتبصر (كما أوضح النبي(ص))... فإن المنتظر من الإنسان المتفكر المتبصر أن ينظر أين يقف وهو يرى حوله الطرق المتشعبة والتيارات المختلفة والرؤى المتناقضة والصراعات المستمرة... إذا كان ليس غير الهدى إلا الضلال أفلا يجب على المرء أن يدخل في حالة قلق إيجابي دائمة كي لا يحيد عن طريق الهدى فيسقط في الضلال؟
ولكن، إذا كان من الممكن أن يتصاعد الإنسان في أخذه بسبل الأخلاق حتى جعل السقف هو سيد البشر النبي محمد(ص) ﴿لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة﴾ الأحزاب:21، فإن هناك حدوداً سيقف عندها في نطاق العقل نتيجة محدودية القدرات الذهنية التي يتمتع بها هذا الإنسان مقارنة مع غيره. على أن هذا لا يضيره طالما هو يقوم بما ينبغي له.
فمن تمتع بقدرات عقلية كبيرة، وكان ممن وصل إلى القمم العليا في الخلق والمنهج، فسوف ينال من العلم حتى يصل إلى صفة "عالم ربّانيّ" – فهو عالم، وهو في إطار العلم الأسمى، وهو يسير على المنهج الهادي المهدي.
أما من لم ينل من القدرات الذهنية إلا قدراً محدوداً لا يوصله إلى درجة العلماء، لكنه دأب على التعلّم بنية صادقة وبرغبة أكيدة في اتباع طريق الهدى، فأخذ ينهل العلم من أهله، فهو "متعلّم على سبيل نجاة" لأنه يأخذ العلم الصحيح الذي ينجي من طرق الضلال.
وأما من لم يحترم عقله ولم يتوقف دقائق يفكر في الذين يتبعهم وفي الذي يردده من قولهم وفعلهم، فكأنه خرج من القالب الإنساني المحترم فصار يوصف بأنه ممن يوصفون بأنهم "همج رعاع"، الذين يتبعون "كل ناعق" بغض النظر عما يقول أو ما يدعو إليه.
وعلّة هؤلاء أنهم لم يتوصلوا إلى العلم الصحيح وبذا فإنهم لم يجدوا النور الذي ينير طريق الهدى من بين طرق الضلال الكثيرة، والسبب هو لجوءهم إلى هذا وذاك، لا إلى المعين الصافي والقناة الطاهرة المطهرة التي يمكن الركون إليها بثقة تامة "ركن وثيق"... فهؤلاء يميلون مع كل ريح، لأن أقدامهم ليست مستقرة في الأرض الثابتة التي سقتها ينابيع العلم من أهله وغذتها أيادي الحكمة التي اصطفاها الله تعالى العليم بخلقه...
هذه الكلمة "همج رعاع أتباع كل ناعق" لعلها من الكلمات التي صارت مثلاً سائراً تستخدم كثيراً لأنها معاشة بشكل مستمر، في كل زمان ومكان... والمؤسف أن هؤلاء هم الكثرة الكاثرة التي يستعين بها الظالمون والضالون المضلّون من أجل استمرار التجهيل والتعتيم والكتمان والافتراء على الحق وأهله... والمؤسف أكثر أن هؤلاء هم أول من يسقط في هذا الفخ، بل أن اتّباعهم كل ناعق هو السقوط بعينه، فساهموا في محاصرة طريق الحق ولم ينتفعوا من الباطل شيئاً...
فلينظر الناظر، وليتفكر المرء، أن يكون من أحد الصنفين الأولين: العالم الرباني أو المتعلم على سبيل نجاة، وليحذر أيما حذر أن يكون من الصنف الثالث، الذي لا يحترم عقله أولاً، ويشارك في التجهيل ثانياً، ثم لا ينال منه إلا ما يكره ثالثاً.