وعلي بابها 3-6: صل الصلاة لوقتها... ولا تؤخرها عن وقتها لاشتغال
((صَلّ الصلاةَ لوقتِها المؤقَّت لها، ولا تُعَجّلْ وَقْــتَها لفراغ، ولا تُـؤَخّرها عن وقتِها لاشتِغال)) الإمام علي(ع)
في آخر وصية له بعد أن ضربه عبد الرحمن بن ملجم لعنه الله، أوصى أمير المؤمنين(ع) بعدة أمور، كان في بعضها يستخدم لفظة ((الله الله))، أي "راقبوا الله في هذا" أو "أنبهكم إلى مسؤوليتكم تجاه الله في هذا"؛ فكان منها مثلاً ((الله الله في بيت ربكم ...)) أو ((الله الله في الأيتام ...))، ومنها ((والله الله في الصلاة فإنها عمود دينكم)) (نهج البلاغة الكتاب/الوصية 47).
كون الصلاة عمود الدين مما عرفه المسلمون من حديث النبي(ص)، فإن الواجب الواضح هو عدم الغفلة عنها. من هذا هو وقت الصلاة، وبالذات صلاة الفريضة اليومية.
في هذه الكلمة ((صَلِّ الصَّلاةَ لوقتِها المؤقَّت لها، ولا تُعَجّلْ وَقْتَها لفراغ، ولا تُؤَخّرها عن وقتِها لاشتِغال)) يوصي الإمام(ع) بتعاهد أمر الصلاة في جانب التوقيت: أن يقوم المصلي بإقامة الصلاة في وقتها؛ وهذا يستتبع عدم الصلاة قبل الوقت عندما يجد نفسه في فراغ يريد أن يسده بعمل شيء، وعدم تأخير الصلاة عن الوقت عندما يكون منشغلاً.
ولعلنا لا نجد من المسلمين من يصلي قبل دخول وقت الصلاة علماً من الجميع أن ذلك مبطل للصلاة، ولكننا نجد الكثيرين، إن لم نقل الأكثرية، من يؤخرون الصلاة عن وقتها بسبب انشغالهم بالدنيا وما فيها.
وهنا أمران ربما يبدوان متناقضين:
(الأول) أن نصيحة أمير المؤمنين(ع) مطلقة، فكأنها تقول أترك ما بيدك من أي عمل واذهب إلى الصلاة
(الثاني) أن التكليف الشرعي هو الإتيان بالأهم ثم المهم، وعليه فإن هناك حالات كثيرة يجد المسلم نفسه فيها ملتزماً بأداء واجب لا يسعه التخلي عنه من أجل إقامة الصلاة. مثال ذلك الذين يعملون على خطوط إنتاجية لا يمكن إيقافها إلا بعد تمام دورة الإنتاج في هذا الجزء أو ذاك؛ أو الذين يشتركون في فعاليات اجتماعية أو غيرها ويدخل وقت الصلاة ومن المستحيل ترك ما في أيديهم؛ أو – بالطبع – الذين يقفون على المرابض في ثغور المسلمين وجبهات صراعهم مع أعدائهم.
إذاً، ما قصده الإمام(ع) بقوله ((ولا تُؤَخّرها عن وقتِها لاشتِغال)) إما جميع وقتها ما بين دخول وقتها ودخول وقت الصلاة التالية بحيث تصبح الصلاة قضاء، أو هو يعني أول وقت الصلاة (ما يسمى بوقت الفضيلة) ولكن باستثناء الحالات التي لا يمكن ترك العمل فيها كالتي ذكرناها أعلاه، عندها الأمر حسب الظروف.
المهم هو الغاية من هذا التشديد على قضية الوقت وعدم إهماله في إقامة الصلاة – الإمام(ع) يريدك أن تتوجه إلى ربك بأسرع ما يمكن – طالما دخل وقت الصلاة – كي تخرج من ضيق الدنيا وهمومها ومحاصرتها لك بقضاياها، وكم منها قضايا ثانوية تافهة في الواقع، إلى المولى عز وجل ورحابة ذلك الوجود الحي الدائم الرحيم الكريم... أنت تقف على نفس البقعة، ولكن بمجرد أن اتجهت ذاتك إلى الله تعالى فإن هذه البقعة تتحول من قطعة أرض يقف عليها إنسان قد أهمته الدنيا وزلزلت تفكيره وحاله إلى إنسان ارتبط بما هو أعلى من كل شيء، فكأنه يطير فوق هذه البقعة – أو قل: جسمه هناك وروحه في الملأ الأعلى...
لو نظرنا إلى المسألة بهذا الشكل ربما لم نتماهل يوماً في الوثوب إلى الصلاة بمجرد دخول وقتها، وهذا سينقلنا إلى الحالة التي ننتظر فيها دخول الوقت كي لا نضيع الفرصة في لحظة توفرها، ثم نبدأ بالتخطيط (البسيط) للتخفف من المشاغل ولو لدقائق قبل دخول الوقت كي نكون على أتم الاستعداد لذلك الانطلاق.