برنامج تدبر القرآن
المركز الإسلامي في سري، الخميس 15/05/2014
غسان نعمان ماهر السامرائي
مفردات التنزيل
القسم 2 من 5: القرآن والكتاب (2)
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على نبينا محمد وآله الهداة.
هذه الحلقة الثانية من خمس حلقات تتناول بسط مفردات التنزيل، نكمل فيها استخدامات مفردة "الكتاب"؛ ليتبقى ثلاث حلقات نتناول فيهما المفردات التي وصفت التنزيل بأنه: الوحي، الآيات، الروح، النور، الحديث، الفرقان، الذكر، الصحف، الحكمة، الحكم.
((( تاسعاً ))) الكتاب المبين والكتاب الحفيظ والكتاب المكنون واللوح المحفوظ:
الكتاب المبين:
وردت آيات كثيرة تصف "الكتاب" بأنه "مبين"، منها:
((وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لا تَأْتِينَا السَّاعَةُ قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتَأْتِيَنَّكُمْ عَالِمِ الْغَيْبِ لا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلا فِي الأَرْضِ وَلا أَصْغَرُ مِن ذَلِكَ وَلا أَكْبَرُ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ)) سبأ:3
فهو "كتاب مبين" أي يبين أو يوضح أو يظهر ما كان خافياً أو غيباً أو غير واضح على أي نحو؛ وفي هذه الآية الكلام عن جميع ما في الكون، وبالتالي هو من سنخ آيات "كتاب الكون" (سادساً) و "كتاب الزمن" (سابعاً)...
ومنها آية جامعة لكل شيء:
((وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ كِتَابًا)) النبأ:29
ويعطي فائدة كبرى لهذه الحقيقة الإلهية:
((مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِّن قَبْلِ أَن نَّبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ . لِكَيْلَا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ)) الحديد:22-23
هنا سؤال: هل أن "محتويات" هذا الكتاب "المبين" هي الأشياء التي في الكون فقط، أم ما يتعلق بها من أحداث أيضاً؟
إذا قلنا أن "الكتاب المبين" لا تبديل فيه، عندها لا يمكن أن يكون هذه الأشياء بذاتها لأنها متعرضة للتبديل على الدوام. وعليه، فإن المقصود هو:
ما يتعلق بها من "تقدير" في "الخلق أصلاً" + في "الأحداث بعد الخلق"
كما هو مذكور في الآيات المباركة، وقد سجله هذا "الكتاب المبين" بدقة وبعصمة مانعة.
(* ونعود فنلفت إلى مسألة العدل الإلهي وعلاقتها بالجبر والاختيار التي سنبحثها إن شاء الله في المستقبل القريب.)
الكتاب الحفيظ:
هذه الدقة والعصمة المانعة للتغيير والتبديل نجدها في وصف آخر للكتاب أنه "حفيظ".
((قَدْ عَلِمْنَا مَا تَنقُصُ الْأَرْضُ مِنْهُمْ وَعِندَنَا كِتَابٌ حَفِيظ)) ق:4
"حفيظ" على وزن "فعيل" فهو أقوى من "حافظ"، يحفظ كل شيء في تسجيل لا يقبل التلاعب من خارجه لأنه لا أحد يقوى على ذلك، كما لا يقبل التغيير من الله تعالى... إلا...
إلا بلحاظ "كتاب المحو والإثبات" (يأتي بعد قليل).
الكتاب المكنون:
((إِنَّهُ لَقُرْآَنٌ كَرِيمٌ ، فِي كِتَابٍ مَكْنُونٍ ، لَا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ ، تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ)) الواقعة: 77 – 80 .
مفردة "تنزيل" تشير إلى "القرآن"، وبالجمع مع ((في كتاب مكنون)) فإنها تدل على أن "القرآن موضعه في الكتاب المكنون" والجزء الخارجي كلماته وآياته، ومعانيه وتأويله.
إن معنى "مكنون" أي في "كنٍّ" أي "موضع حريز محفوظ من العبث الخارجي، وبالتالي فإن "محتوياته" هي تلك المذكورة في "كتاب الكون" و "كتاب الزمن" – "الكتاب الحفيظ".
اللوح المحفوظ:
((بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَّجِيدٌ . فِي لَوْحٍ مَّحْفُوظٍ)) البروج:21-22
فالقرآن ((في كتاب مكنون)) وأيضاً ((في لوح محفوظ))؛
وعليه فإننا يمكن أن نقول:
أن هناك علاقة بين "الكتاب المكنون" و "اللوح المحفوظ"، بحيث أن البعض ذهب إلى أنهما شيء واحد؛ ولكن...
ولكن نلاحظ عليه ما يلي:
(1) ((إِنَّهُ لَقُرْآَنٌ كَرِيمٌ ، فِي كِتَابٍ مَكْنُونٍ)) / ((بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَّجِيدٌ . فِي لَوْحٍ مَّحْفُوظٍ))
صفة "كريم" أي "يعطي" فيناسب أن يكون في "عالم الخلق والأمر"،
بينما صفة "مجيد" صفة "سمو يعلو بها على غيره"،
وبالتالي فيمكن القول أن "اللوح المحفوظ" أعلى من "الكتاب المكنون" – وهو احتمال ليس إلا.
(2) "الكتاب المكنون" يمكن أن "يمس" أي يتوصل إلى ما فيه، أو بعض ما فيه، بمشيئة الله تعالى، ولكنه لم يقل ذلك بشأن "اللوح المحفوظ".
معرفة الكتاب المبين المكنون الحفيظ:
القرآن صريح في أن هناك إمكانية لمعرفة ما في "الكتاب المكنون" للآية المارة أعلاه:
((إِنَّهُ لَقُرْآَنٌ كَرِيمٌ ، فِي كِتَابٍ مَكْنُونٍ ، لَا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ ، تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ)) الواقعة: 77 – 80 .
لأنه لو كان الضمير "هاء" في "يمسه" يتعلق بالقرآن في ((لقرآن كريم)) فإن المعنى يصير على ما عليه الرأي الشائع عند الناس أن "المس" هنا هو "اللمس باليد"، وهو مردود لأمرين:
(1) "المس" ليس "اللمس"، في آية الربا ((الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لاَ يَقُومُونَ إِلاَّ كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ...)) البقرة:275
فلا تعني أن "الشيطان لمسه بيده فصار يتخبط"، بل تعني أن "الشيطان مسه بنوع من التأثير أو المخالطة بحيث صار يتخبط".
ومثلها ما حكاه عن دعاء أيوب (ع) ((وَاذْكُرْ عَبْدَنَا أَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ)) ص:41، و "مس الشيطان" هذا ليس "لمساً" قطعاً، بل هو من القوى التي يتمتع بها الشيطان في إدخال "الأذى والضرر" أو "النصب والعذاب".
وعنه (ع) أيضاً ((وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ)) الأنبياء:83، و "الضر" معنوي بداهة.
أيضاً ((إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَواْ إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِّنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُواْ فَإِذَا هُم مُّبْصِرُونَ)) الأعراف:201، وهذا "الطائف" الذي يمر عليهم من الشيطان "يمسهم" مساً معنوياً أيضاً لأنه لا أثر مادياً له، كما أن "علاجه" أنهم ((تذكروا)) وهو معنوي أيضاً.
والواضح أن الفهم الشائع يخلط بين "المس" المعنوي و "اللمس" المادي:
((... وَإِن كُنتُم مَّرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاء أَحَدٌ مِّنكُم مِّن الْغَآئِطِ أَوْ لاَمَسْتُمُ النِّسَاء فَلَمْ تَجِدُواْ مَاء فَتَيَمَّمُواْ ...)) النساء:43،
والذي هو المعاشرة الجنسية المادية.
(2) فلا يبقى غير "المس" بمعنى "العلم والفهم"، وبما أن الكل يعلمون أن "العلم بالقرآن" قد تيسر للكثيرين جداً من الناس، علماء وعوام، بل وحتى غير المسلمين، عندها يصبح "المس-العلم" الذي هو غير متاح إلا "للمطهرين" لا بد أن يكون لشيء غير متاح لغيرهم، وهذا هو ما في "الكتاب المكنون".
** نقطة جانبية – من هم هؤلاء "المطهرون":
إذا كنا حقاً نتدبر القرآن فنعرض بعضه على بعض، فإن النظر في الفعل "طهر" أو الوصف بالـ "طهر" أو "مطهّر" (قائمة ملحقة آخر الملف، قرئت بعض آياتها المباركة في المحاضرة)، فإن:
- معنى "التطهير" يؤخذ من الآية ذاتها، عموماً؛
- كما أن معظم موارد هذه المفردة جاءت بمعنى "التطهير المعنوي"، وهذا التطهير المعنوي إما جاء على عمومه لمخلوقات في الآخرة أو صحف التنزيل المبين أو البيت الحرام، أو جاء لحالات خاصة موصوفة بالطهر ولمن هم من المعصومين (مريم وعيسى (ع))؛
- فليس هناك تحديد لجماعة صدع القرآن الكريم بوصفهم بـ "التطهير الإلهي" غير ما جاء في الآية 33 من سورة الأحزاب (المعروفة بآية التطهير):
((...إِنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا)) الأحزاب:33.
الأمر الذي نجده، ليس فقط في تشخيص هؤلاء الأطهار من خلال المرجعية النبوية – قولاً وفعلاً – (حديث الكساء في رواياته العديدة، وفعل النبي (ص) لأشهر عديدة وهو يقف على باب فاطمة وعلي (ع) يتلو الآية المباركة)، ولكن أيضاً من خلال روايات مختلفة تتحدث عن العلوم التي نقلها رسول الله (ص) إلى علي (ع)، من ذلك قوله (ص) ((وما من علم إلا علمته علياً))، أو ((أنا مدينة العلم وعلي بابها)) وغير ذلك مما هو معروف.
بل وردت الروايات في تفسير "اللوح المحفوظ" أنه هو "الإمام المبين" في آية
((إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي الْمَوْتَى وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ وَكُلَّ شَيْءٍ أحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ)) يس:12
وهي التي تماثل ((وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ كِتَابًا)) المارة والتي قلنا أنه "كتاب الكون" الخ؛
فيكون "الإحصاء في الإمام المبين" = "الإحصاء في الكتاب المبين"
ويكون "الإمام المبين" = "الكتاب المبين"
فيعود السؤال عن الفارق بين "الكتاب المبين" و "اللوح المحفوظ"، أمتماثلان أم لا؟
((( عاشراً ))) أُمُّ الكتاب:
هذه المفردة يمكن رصدها في معنيين:
(أ) صفة للـ "كتاب" أو لما هو "الأصل في الكتاب":
((وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ . إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ . وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتَابِ لَدَيْنَا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ)) الزخرف:2-4
فإذا تعلق الضمير "هـ" في ((وإنه في أم الكتاب)) بـ ((الكتاب المبين)) أو بـ ((قرآناً عربياً)) فالنتيجة واحدة في أن هناك شيء اسمه "أم الكتاب" هو الذي مسجل فيه هذه المنزلة السامية "علي حكيم" لهذا أو ذاك.
o و "أم الكتاب" هذا شيء منفصل وليس وصفاً مجازياً، لأنه تعالى يقول:
((يمْحُو اللهُ مَا يَشَاء وَيُثْبِتُ وَعِندَهُ أُمُّ الْكِتَابِ))
فهو سبحانه ((عنده)) هذا الذي اسمه ((أم الكتاب)) الرعد:39
وبما أن "الأم" تعني "الأصل"، كما هي الأم وأولادها، فإن "أم الكتاب" هو "الأصل" للقرآن والكتاب.
(ب) صفة "بعض آيات الكتاب":
((هُوَ الَّذِيَ أَنزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ في قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاء الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاء تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُواْ الألْبَابِ)) آل عمران:7.
لأن هذه "الآيات المحكمات" هي التي تعطي "الأطر العامة والأصلية"، أي "الأصل" الذي يقاس إليه "الآيات المتشابهات" لمعرفة معانيها.
أم الكتاب والكتاب المبين:
إذا كان "الكتاب المبين" فيه "إحصاء كل شيء" وكان "أم الكتاب" هو الأصل، فهل أنهما نفس الكتاب أم مختلفان؟
- إذا قلنا أن ((وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتَابِ لَدَيْنَا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ)) في الآيات ((وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ . إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ . وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتَابِ لَدَيْنَا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ)) تشير إلى "الكتاب المكنون"، يصبح الأخير (الكتاب المكنون) مكتوباً صفته في "أم الكتاب"، فهما إذاً مختلفان؛
- وإذا قلنا أن هذه مجرد صفة يمكن أن تذكر في الشيء ذاته، أي كما يصف القرآن نفسه بأوصاف مختلفة في آياته ذاتها، عندها هذا هو ذاك.
فهل هو نفسه أم غيره؟
Ø هل يمكن حل هذا من خلال قضية "استنساخ الأعمال"؟
((هَذَا كِتَابُنَا يَنطِقُ عَلَيْكُم بِالْحَقِّ إِنَّا كُنَّا نَسْتَنسِخُ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ)) الجاثية:29، والتي ورد في تفسيرها روايات منها عن الصادق (ع) ((فهو الكتاب المكنون الذي منه النسخ كلها، أو لستم عرباً فكيف لا تعرفون معنى الكلام؟ واحدكم يقول لصاحبه انسخ ذلك الكتاب وليس إنما ينسخ من كتاب آخر من الأصل وهو قوله ((إِنَّا كُنَّا نَسْتَنسِخُ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ)))).
والتي يصبح فيها "الكتاب المكنون" الذي هو الأصل "كتاب الكون" "كتاب صحائف الأعمال" هو نفسه الأصل "أم الكتاب"...
Ø أم يمكن حل هذا من خلال قضية "المحو والإثبات"؟
((يَمْحُو اللّهُ مَا يَشَاء وَيُثْبِتُ وَعِندَهُ أُمُّ الْكِتَابِ)) الرعد:39
والتي تؤكدها الروايات كما عن الصادق (ع) ((وهل يمحى إلا ما كان ثابتاً وهل يثبت إلا ما لم يكن؟))
الآية المباركة تشير إلى احتمال وجود حالتين: "المحو والإثبات" مقابل "أم الكتاب"،
فكأن "أم الكتاب" هو الذي لا تبديل فيه مطلقاً،
وعندها: هل أن "المحو والإثبات" في "الكتاب المكنون/الحفيظ/المبين"؟
وعندها، هما ليسا فقط مختلفان، ولكن "أم الكتاب" هو الأصل غير القابل للمحو والإثبات والأعلى على "الكتاب المبين" الذي هو الأصل القابل للمحو والإثبات.
قلت "احتمال وجود حالتين: المحو والإثبات مقابل أم الكتاب"، لأنه ليس كل "واو عطف" تعني المغايرة، بل يمكن أن يكون المعطوف من جنس المعطوف عليه، كما في قوله ((وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعًا مِّنَ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ)) الحجر:87، مع أن "السبع المثاني من القرآن العظيم" بدليل ((اللهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُّتَشَابِهًا مَّثَانِيَ)) الزمر:23، وقوله ((فِيهِمَا فَاكِهَةٌ وَنَخْلٌ وَرُمَّانٌ)) الرحمن:68 ، مع أن "الرمان هو فاكهة أيضاً" وليس شيئاً مغايراً...
(3) جمع "كتب"
جاء القرآن أيضاً بما يتعلق بالـ "كتاب" ولكن بصيغة الجمع:
((لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ مُنفَكِّينَ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ الْبَيِّنَةُ . رَسُولٌ مِّنَ اللَّهِ يَتْلُو صُحُفًا مُّطَهَّرَةً . فِيهَا كُتُبٌ قَيِّمَةٌ)) البينة:1-3
الآيات لا تسمي لا "الرسول" ولا "الصحف" ولا "الكتب"؛ ولكن بما أن الآيات تتحدث عن "البينة" التي تأتي إلى "أهل الكتاب" وهم اليهود والنصارى، وبالتالي فهي زمنياً بعدهم، فهذا ليس إلا الرسول محمد (ص)، وعليه فإن "الصحف" هي القرآن، وبذا فإن "الكتب القيمة" التي فيها هي ما مر من معان لمفردة "كتاب" التي هي جزء من القرآن وليست أشمل منه.
(4) أخيراً: العلاقة بين القرآن والكتاب
مما قدمنا من الأقسام المختلفة لاستخدام مفردة "كتاب" في القرآن، نستطيع القول أن هناك ثلاث حالات:
الأولى – "القرآن" أشمل من "الكتاب" كما في "الفرائض"
الثانية – "القرآن" هو نفس "الكتاب" كما في آيات كثيرة ذكرناها
الثالثة – "الكتاب" أشمل من "القرآن" كما في الأقسام الأخرى المختلفة من "كتاب الكون" أو "الكتاب المكنون"
وهذا يدل عليه قوله تعالى:
((وَاتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ كِتَابِ رَبِّكَ لَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ وَلَنْ تَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَدًا)) الكهف: 27 ، وهي تتحدث عن "تلاوة" فلا بد أن تكون "القرآن"، فتصفه أنه "من كتاب"؛ وإن كان يمكن القول أنها تقول "أتل آيات من القرآن النازل من ربك"؛
وقوله: ((وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ هُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ إِنَّ اللَّهَ بِعِبَادِهِ لَخَبِيرٌ بَصِيرٌ)) فاطر:31، والتي تميل نحو المغايرة، لأنها تقول أن "الوحي" "من الكتاب" دون استخدام لفظة "التلاوة" كما في الأولى.
على أن ما فصلته من الأقسام المختلفة بنص القرآن يقطع بالمغايرة في البعض وعدمها في البعض الآخر.
والحمد لله أولاً وآخراً وصلى الله على نبينا محمد وآله الهداة.
قائمة ملحقة / مفردات التطهير
آية التطهير (جزء من الأحزاب الآية 33)
أزواج في الجنة مطهرة
وَبَشِّرِ الَّذِين آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ ... وَلَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُّطَهَّرَةٌ ...
لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِندَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَأَزْوَاجٌ مُّطَهَّرَةٌ وَرِضْوَانٌ مِّنَ اللّهِ وَاللّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ
وَالَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا لَّهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُّطَهَّرَةٌ وَنُدْخِلُهُمْ ظِـلاًّ ظَلِيلاً
أو العهد الإلهي المنزل موصوف بالمطهر
فِي صُحُفٍ مُّكَرَّمَةٍ . مَّرْفُوعَةٍ مُّطَهَّرَةٍ
رَسُولٌ مِّنَ اللَّهِ يَتْلُو صُحُفًا مُّطَهَّرَةً
أو تطهير من الله للناس
وَإِذْ قَالَتِ الْمَلاَئِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللّهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَى نِسَاء الْعَالَمِينَ
إِذْ قَالَ اللّهُ يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ ...
أو التطهير من الأصنام والشرك لبيت الله عن طريق إبراهيم وإسماعيل (ع)
وَعَهِدْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَن طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ
وَإِذْ بَوَّأْنَا لِإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ أَن لَّا تُشْرِكْ بِي شَيْئًا وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ
أو عدم تطهير من الله
... وَمَن يُرِدِ اللّهُ فِتْنَتَهُ فَلَن تَمْلِكَ لَهُ مِنَ اللّهِ شَيْئًا أُوْلَـئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِدِ اللّهُ أَن يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ ...
أو تطهير بفعل نبوي بأمر الله
خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا ...
أو فعل موصوف بالطهر
وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاء فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلاَ تَعْضُلُوهُنَّ أَن يَنكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ ... ذَلِكُمْ أَزْكَى لَكُمْ وَأَطْهَرُ ...
... قَالَ يَا قَوْمِ هَـؤُلاء بَنَاتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ فَاتَّقُواْ اللّهَ وَلاَ تُخْزُونِ فِي ضَيْفِي ...
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ ... وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِن وَرَاء حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ ...
... إِذَا نَاجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَةً ذَلِكَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَأَطْهَرُ ...
أو أناس وصفوا بالتطهر
وَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلاَّ أَن قَالُواْ أَخْرِجُوهُم مِّن قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ
... لَّمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَن تَقُومَ فِيهِ فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَن يَتَطَهَّرُواْ وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ
فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَن قَالُوا أَخْرِجُوا آلَ لُوطٍ مِّن قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ
وكل ما مر حالات تطهير معنوية قطعاً.
وهناك حالات طهر مادي:
حالة مادية وصفت بالطهر
وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُواْ النِّسَاء فِي الْمَحِيضِ وَلاَ تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّىَ يَطْهُرْنَ
أو تطهير من الله مادي معنوي
v إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعَاسَ أَمَنَةً مِّنْهُ وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُم مِّن السَّمَاء مَاء لِّيُطَهِّرَكُم بِهِ وَيُذْهِبَ عَنكُمْ رِجْزَ الشَّيْطَانِ وَلِيَرْبِطَ عَلَى قُلُوبِكُمْ وَيُثَبِّتَ بِهِ الأَقْدَامَ
أو تطهير من الله مادي على ظاهره
v ... فَلَمْ تَجِدُواْ مَاء فَتَيَمَّمُواْ صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُواْ بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُم مِّنْهُ مَا يُرِيدُ اللّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُم مِّنْ حَرَجٍ وَلَـكِن يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ
v وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ