برنامج تدبر القرآن
الخميس 13/02/2014
غسان نعمان ماهر السامرائي
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على نبينا محمد وآله الهداة.
لقاء اليوم هو الخامس في القسم الأول، من 6 حلقات، وذلك لتناول استخدام القرآن الكريم لكلمتين مهمتين في دلالاتهما المختلفة عند التدبر.
(الأقسام هي: البلاغة، الله تعالى، القرآن، النبي (ص)، أهل البيت (ع)، أقسام الناس، الخلافيات، الابتلاء، مفاهيم مهملة، قُل، إنَّما.) اليوم آيات تقدم لاستخدام كلمة "قـُل"..
القسم العاشر: كلمة "قـُلْ"
السبب في الاهتمام بهذه الكلمة " قـُلْ " هو الآتي:
إن القرآن كله من إنشاء الله تعالى، وعليه فإنه من تحصيل الحاصل أن الوحي عندما نزل فهو يقول له (ص) "قل كذا وكذا"، فلماذا ترى تأتي العبارات أو الجمل أو الآيات مصدرة بكلمة "قـُل"؟
هذا ما سأحاول إلفات النظر إليه كي ننتبه أكثر عندما نقرأ القرآن فتأتي كلمة "قـُل".
وردت هذه الكلمة مئات المرات (قيل 332 مرة ولكني لم أتحقق من هذا / وقيل أن كلمة "قالوا" تكررت بالضبط بنفس العدد!)، وسآتي اليوم بعشرين آية ربما تستوعب الأهداف المتنوعة لاستخدام هذه الكلمة في القرآن الكريم.
وسيكون الكلام بالإشارة السريعة إلى ما أفهمه من دلالة استخدامها، وذلك لأن جميع هذه الآيات فيها مما أشرته في أقسام التدبر التي مرت، على أمل تناولها في المستقبل إن شاء الله.
كما سأعطي المجال للأسئلة بعد كل خمس آيات.
بعض أمثلة قُل في القرآن المجيد
وَقَالُواْ لَن تَمَسَّنَا النَّارُ إِلاَّ أَيَّاماً مَّعْدُودَةً قُلْ أَتَّخَذْتُمْ عِندَ اللّهِ عَهْدًا فَلَن يُخْلِفَ اللّهُ عَهْدَهُ أَمْ تَقُولُونَ عَلَى اللّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ / البقرة 80 في المحاججة
لو لم يصدر الكلام بـ "قـُل": يمكن أن يجيبوه "نعم اتخذنا عند الله عهداً"؛
ولكن مع "قـُل": الذي يمكن الادعاء عليه – وهو الله تعالى – لأنه هو الذي ينفي ذلك.
وَقَالُواْ لَن يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلاَّ مَن كَانَ هُوداً أَوْ نَصَارَى تِلْكَ أَمَانِيُّهُمْ قُلْ هَاتُواْ بُرْهَانَكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ / البقرة 111 في مبادئ المحاججة
لأنهم "قالوا"، والقول لك أو وصل إليك: إذاً أجبهم بالمبدأ الأساس في المحاججة، وهو طلب البرهان.
مع "قـُل": الله يأمره بطلب البرهان منهم لأن دعواهم بحصرية الجنة عليهم لا يعلم بحقيقتها إلا مالك الجنة والنار وهو الله تعالى.
ثم يعلمنا: المبدأ الأساس في المحاججة، وهو "طلب البرهان"، فلا نقبل شيئاً دون برهان، كما لا نرفض شيئاً دون برهان.
يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَآ أَكْبَرُ مِن نَّفْعِهِمَا وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ كَذَلِكَ يُبيِّنُ اللّهُ لَكُمُ الآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ / البقرة 219
تعليم بعد السؤال + فتوى في ما ترسخ / نصيحة
لأنهم "سألوك": إذاً أجبهم.
مع "قـُل": الجواب من عندي أنا العالم بحقيقة الخمر والميسر. وأما النصيحة بأن ينفقون "العفو" أي جميع ما يزيد عن الحاجة (وهي نصيحة فحسب، فلم يقل "أنفقوا العفو"، لأن هذا هو المتوقع قبوله من الناس) فلو صدر منه (ص) فلربما اعتبر مبالغة عن أي حد ممكن من أي إنسان.
قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَن تَشَاء وَتَنزِعُ الْمُلْكَ مِمَّن تَشَاء وَتُعِزُّ مَن تَشَاء وَتُذِلُّ مَن تَشَاء بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَىَ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ / آل عمران 26
تعليم الدعاء المشتمل على معارف أساسية
وجدنا تعليم المعارف الإلهية الأساسية فيما بعد في الخطب والكلمات والأدعية التي وصلتنا، ولكن في زمان النزول كان هو زمان التأسيس لهذا، والقرآن هو الذي يقوم بالمهمة، فيحدد المالكية المطلقة لله - في الأموال والأنفس والقابليات وفي السلطة، والتي وجدنا تطبيقاتها "تؤتي الملك" "تنزع الملك" بشكل مستفيض عبر التاريخ.
مع "قـُل": يعلمنا أن نقول هذا على نحو الدعاء، أي التوجه إلى الله تعالى بهذه الحقائق، طبعاً من أجل إعلان الاعتراف بها، ومن أجل ترسيخها الدائم في أنفسنا.
· وردت ملاحظة من الحضور أنه ليس دعاء ولكن إعلان المعارف الأساسية، فيمكن أن تكون مما يفتتح به الدعاء. وهي ملاحظة صحيحة خصوصاً بلحاظ كثرة ورودها في الأدعية المأثورة.
قُلْ إِن تُخْفُواْ مَا فِي صُدُورِكُمْ أَوْ تُبْدُوهُ يَعْلَمْهُ اللّهُ وَيَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأرْضِ وَاللّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ / آل عمران 29
مبادئ إيمانية أساسية + التفاعلات مع الخارج
بدون التصدير بـ "قـُل": يبقى دعوة من النبي (ص)، أو يمكن أن تفهم هكذا لمن يريد التخفف من مراقبة الله تعالى؛ مع أن المؤمنين يوقنون بهذا.
مع "قـُل": الله ينبهنا إلى معرفته بما نظهر وما نبقيه في الداخل، سواء كان في الجانب الإيماني – أي ضعف الإيمان أو انعدامه، أو التزلزل في بعض العقائد – أو في جانب التفاعلات من الناس من حقد وحسد وبغض وسوء ظن، أو عكسها من المشاعر الجميلة، وكلها مما ينطلق من الفرد فيؤثر بأشكال مختلفة؛ فجاء التنبيه من أجل مساعدة الفرد على التخلص أو التخفف من هذه الأفكار والمشاعر.
((( تفضلوا بالأسئلة )))
قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ / آل عمران 31
مبدأ أساسي + نتيجة
بدون التصدير بـ "قـُل": ربما سيقول البعض من ضعاف الإيمان أنه (ص) يريد تحقيق اتباعهم له بأي وسيلة ومنها ربطها بما هو أعظم منها وهو محبة الله تعالى.
مع "قـُل": يؤكد أن الله تعالى – هدف المحبة المفترضة – هو الذي يربطها باتباعه (ص)، بل يجعله شرطاً لها؛ هذا أولاً.
ثانياً، النتيجة المتحققة من هذا هي الغاية العظمى لأي مؤمن – محبة الله له + غفرانه.
قُلْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَالرَّسُولَ فإِن تَوَلَّوْاْ فَإِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبُّ الْكَافِرِينَ / آل عمران 32
فرض طاعته (ص) + الرفض يعني الكفر
بدون التصدير بـ "قـُل": مشابه لأعلاه – أنه (ص) يريد منهم طاعته، خصوصاً مع ا لاستقلال النسبي في هذه الآية لأنه (ص) ذكر بلفظة "الرسول" وليس "رسوله"، وعليه ستكون في الأمور الأخرى غير بلاغ نص القرآن فقط، ولكن ستشمل البيان؛ مرة أخرى هذا لضعاف الإيمان، لأن المؤمن يعتبر طاعة الرسول (ص) أمراً مفروغاً منه.
مع "قـُل": يؤكد أن الله تعالى هو الذي عطف طاعته (ص) على طاعته سبحانه؛ هذا أولاً.
ثانياً، نتيجة عدم تفعيل الطاعتين ((فإن تولوا)) هو وصمهم بالكفر.
فَمَنْ حَآجَّكَ فِيهِ مِن بَعْدِ مَا جَاءكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْاْ نَدْعُ أَبْنَاءنَا وَأَبْنَاءكُمْ وَنِسَاءنَا وَنِسَاءكُمْ وَأَنفُسَنَا وأَنفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَل لَّعْنَةُ اللّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ / آل عمران 61
الفصل في النزاع + تحديد أهل البيت(ع) من الله
بدون التصدير بـ "قـُل": سيقولون أنه دعا إلى طريقة المباهلة في حسم النزاع كطريقة يفضلها هو أو من إنشائه هو؛ كما سيقولون أنه إنما أتى بعلي وفاطمة والحسنين (ع) لأنهم أهل بيته (ص)، أي على نحو العصبية العائلية (خصوصاً الإتيان بعلي (ع) بصفة ((أنفسنا)) وهي – برأيي – أعظم فضيلة لعلي (ع) مطلقاً لأنها تقول للناس "إنكم إذا أردتموني ولم تجدوني فإن الرجل الذي وصل إلى أعلى ما يمكن أن يصل إليه شخص في محبته لله ورسوله (ص) وطاعته واتباعه وتلبسه بالإسلام كله هو علي بن أبي طالب، والمنافسة الطبيعية كبشر من الآخرين تجعل الأمر عسيراً أو غير مريح على الأقل)؛ ومثلهما الدعاء الذي يقترح في المباهلة – إنزال اللعنة على الكاذبين.
مع "قـُل": يؤكد أن الله تعالى هو الذي أمر بذلك كله.
هَاأَنتُمْ أُوْلاء تُحِبُّونَهُمْ وَلاَ يُحِبُّونَكُمْ وَتُؤْمِنُونَ بِالْكِتَابِ كُلِّهِ وَإِذَا لَقُوكُمْ قَالُواْ آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْاْ عَضُّواْ عَلَيْكُمُ الأَنَامِلَ مِنَ الْغَيْظِ قُلْ مُوتُواْ بِغَيْظِكُمْ إِنَّ اللّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ / آل عمران 119
تعليم التقريع اللفظي بعد كشف المكنون
بدون التصدير بـ "قـُل": كأنه النبي (ص) ينفعل فيقرعهم بكلمة ((موتوا بغيظكم)).
مع "قـُل": الله تعالى هو الذي أمره (ص) بأن يقول هذا لهم، بعد أن كشف عن حقيقة ما هم فيه من الحقد الشديد على المؤمنين (والحاقدون يبدو أنهم من أهل الكتاب لقوله ((وتؤمنون بالكتاب كله))، ولكن يمكن أن يشمل غيرهم من أدعياء الإسلام لقوله ((وإذا لقوكم قالوا آمنا)) لأن اليهود لم يكونوا يقولون ذلك).
يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلاَلَةِ إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ وَهُوَ يَرِثُهَآ إِن لَّمْ يَكُن لَّهَا وَلَدٌ فَإِن كَانَتَا اثْنَتَيْنِ فَلَهُمَا الثُّلُثَانِ مِمَّا تَرَكَ وَإِن كَانُواْ إِخْوَةً رِّجَالاً وَنِسَاء فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ يُبَيِّنُ اللّهُ لَكُمْ أَن تَضِلُّواْ وَاللّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ / النساء 176
الفتوى بعد السؤال + قضايا المال حساسة
لأنهم "طلبوا منك الفتوى": إذاً أجبهم بالفتوى.
مع "قـُل": الفتوى من عندي أنا المشرع الوحيد فلا يجوز لك ولا لغيرك التشريع. وبما أن القضايا المالية تنتج الخلافات لأن الناس على ما وصفهم الله العالم بهم ((وتحبون المال حباً جماً)) فإنه سبحانه، بينما ترك الصلاة ليبينها النبي (ص) فإنه فصل أحكام الميراث تفصيلاً كاملاً في القرآن.
((( تفضلوا بالأسئلة )))
قُل لَّئِنِ اجْتَمَعَتِ الإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَن يَأْتُواْ بِمِثْلِ هَـذَا الْقُرْآنِ لاَ يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا / الإسراء 88
تحدي مقارعة القرآن يأتي ممن أنزله سبحانه
بدون التصدير بـ "قـُل": يبقى وكأنه ادعاء من الرسول (ص) وليس من المنزل نفسه سبحانه، فيمكن رده بأنه (ص) لا يستطيع القطع أن مقارعة القرآن مستحيلة أبد الدهر لأنه لا يملك العلم المطلق بهذا.
مع "قـُل": الله تعالى يجمع الأمرين – هو المنزل للقرآن فيعلم أسراره الدفينة المتجدده وفي نفس الوقت عنده العلم المطلق بما يمكن حصوله حتى آخر الزمان من تطور القدرات الإنسانية في العلوم واللغة والصياغات ومع ذلك يجزم بأنهم لن يستطيعوا مقارعة القرآن.
قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِن تَوَلَّوا فَإِنَّمَا عَلَيْهِ مَا حُمِّلَ وَعَلَيْكُم مَّا حُمِّلْتُمْ وَإِن تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ / النور 54
فرض طاعته (ص) من الله + طاعته (ص) خارج نص القرآن + لا إكراه + الهدى في طاعته
بدون التصدير بـ "قـُل": كأن النبي (ص)يريد جذبهم إلى طاعته، بل وحتى إعفاء نفسه من أي مسؤولية في حالة رفضهم/توليهم وأنه إنما عليه البلاغ المبين.
مع "قـُل": صحيح أن هناك آيات عديدة تأمر بطاعته (ص) دون التصدير بـ "قل"، لكن هذه الآية تستخدم "قل"، ربما كونها ليس فقط تأمر بطاعته – والتي فيها استقلال نسبي كونها تصفه بكلمة "الرسول" وليس "رسوله" التي تنسبه لله تعالى ما يشير إلى نص القرآن فحسب – ولكن أيضاً كي تقول لهم أنه في حالة توليهم عن طاعة الله والرسول (ص) فإن المسؤولية تقع عليهم هم؛ ثم تنبه مباشرة إلى أن المسألة لا ينبغي أن تبدو أن إعطاءهم الحرية يعني تساوي الحالتين – حالة الطاعة وحالة التولي – لأن حالة الطاعة تؤدي إلى الهداية؛ ثم تثبت ما قلناه من أن وصفه بكلمة "الرسول" تعني أكثر من نص القرآن عندما تقول أن مهمته هي ((البلاغ المبين)) فهو ليس فقط "البلاغ" أي النص، ولكن "المبين" أي الذي يبين النص.
قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَسَلَامٌ عَلَى عِبَادِهِ الَّذِينَ اصْطَفَى آللَّهُ خَيْرٌ أَمَّا يُشْرِكُونَ / النمل 59
تعليم السلام على المصطفين
بدون التصدير بـ "قـُل": لأن "السلام" هنا يشمل أول من يشمل النبي (ص) المخاطب بالآية المباركة فإنه سيقال أنه ينشئ ذلك لنفسه؛ أيضاً لأن السلام سيشمل إخوانه الأنبياء والمرسلين (ع)، ثم سيشمل أهل بيته (ع) بالخصوص (المطهرين بنص الكتاب، والمطهر من العباد المصطفين قطعاً لأن التطهير يعني اصطفاه الله بالتطهير واصطفاه الله من أجل مهمة)، فالأمر يحتاج إلى تحييده (ص).
مع "قـُل": الله تعالى هو الذي يقوم بذلك؛ فهو يعلمنا بشكل مشابه لآية الصلاة والتسليم على النبي (ص) ((إن الله وملائكته يصلون على النبي، يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليماً)) والتي صدرها بالنداء ((يا أيها الذين آمنوا)).
ينبغي الالتفات هنا إلى أمور:
(1)يبدأ التعليم بالحمد ((الحمد لله)) مطلقاً، إضافة إلى إلفات النظر إلى النعمة؛
(2)ثم يضيف السلام على المصطفين ما يعني أن هذه النعمة قطعاً تشمل النعمة على الخلق بهؤلاء المصطفين الأخيار؛
(3)أن الاصطفاء لا يخرج هؤلاء المصطفين من صفة "العبودية" فمهما بلغوا فهم عبيد لله؛
(4)أن "السلام" يعني أن تكون – أنت الذي ستستجيب للآية فتحمد الله وتسلم على العباد المصطفين – في حالة سلام مع هؤلاء المصطفين، والسلام يعني عدم العداوة أو العصيان أو حتى الإزعاج في قليل أو كثير.
يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ إِن كُنتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا / الأحزاب 28
تخيير الأزواج من الله لدفع التهمة عنه (ص)
بدون التصدير بـ "قـُل": ربما يقول المرجفون أنه (ص) يريد التخلص من أزواجه ويستبدل بهن غيرهن، الأمر الذي وجدناه يقال عنه حتى إلى الآن.
مع "قـُل": الله تعالى هو الذي يحسم الأمر بينه (ص) وبين الأزواج اللائي سألنه التوسعة في النفقة، لأن المعيشة كانت ضيقة فعلاً حتى أن إحدى أمهات المؤمنين قالت أنه ربما كان يمضي الشهر ولا يضرم في بيت النبي (ص) النار للطبخ إذ لم يكن هناك غير الماء والتمر وربما شيء من الزيت.
قُلْ مَن يَرْزُقُكُم مِّنَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ قُلِ اللهَ وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ / سبأ 24
تعليم طرح السؤال ثم الجواب + مبدأ الحوار الأسمى
في هذه الآية – يأمره بالسؤال، ثم يأمره بنقل الإجابة. أي ليست استجابة لـ ((يسألونك)) أو ((يستفتونك)) ولكن الله تعالى هو المنشئ لها.
مع "قـُل": ليس فقط صيغة السؤال ((من يرزقكم)) والجواب ((الله))، ولكن يأمره بأن يقول لهم ما يعتبر أعظم ما يمكن أن يصل في احترام الرأي الآخر لا سيما في معمعان البحث ذاته. هو الرسول من عند ربه ومع الكتاب ومعه الوحي، بل كان اسمه عندهم "الصادق الأمين"، فكان يمكن أن يقول لهم بعد نقل السؤال بـ "قل" والجواب بـ "قل" أنه على الحق وهم في ضلال مبين؛ ولكن عندها هل يمكن أن يجلسوا معه للبحث بعد أن حكم فيه بنفسه؟ أي بعد أن جعل نفسه الخصم والحكم؟ طبعاً لا.
فيأتي التعليم الإلهي ((وإنّا أو إياكم)) أنا أو أنتم ((لعلى هدى أو في ضلال مبين)) – إما أنا على هدى وأنتم في ضلال مبين، أو العكس أنتم على هدى وأنتم في ضلال مبين؛ عندها لن يجدوا مبرراً لعدم الجلوس والبحث في الموضوع.
فهذا المبدأ في البحث والنظر والتفاوض لهو أعلى مما ينقل عن الإمام الشافعي "كلامي الصواب يحتمل الخطأ وكلام خصمي خطأ يحتمل الصواب" لأنه يبدأ بالإعلان أنه هو على الصواب والخصم على خطأ، بينما الآية الكريمة تجلس الطرفين على قدم المساواة.
((( تفضلوا بالأسئلة )))
قُلْ مَا سَأَلْتُكُم مِّنْ أَجْرٍ فَهُوَ لَكُمْ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى اللَّهِ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ / سبأ 47
تأكيد عائدية دفع الأجر إلى الدافع وليس له(ص)
هناك تناقض ظاهري بين إعلانه من خلال القرآن أنه لا يسألهم أجراً لأنه ((إن أجري إلا على الله)) كما هو حال باقي الأنبياء والمرسلين (ع) وبين سؤاله الأجر في آية المودة ((قل ما أسألكم عليه أجراً إلا المودة في القربى))؛ لذا جاءت الآية لتؤكد حقيقة ربما لم يلتفتوا إليها وهي أن الأجر "الذي سألهم" هو لفائدتهم لأن أجره كاملاً مطلقاً هو من عند من أرسله سبحانه.
فبدون التصدير بـ "قـُل": ربما يقال له أنك تناقضت وهنا تريد أن توجّه الموقف المتناقض.
ولكن مع "قـُل": الله تعالى هو الذي يوضح أن لا تناقض في الموقف لأنه عندما سألهم الأجر مودة القربى كان ذلك من أمر الله لأن تلكم الآية صدرتها بنفس كلمة "قل" أولاً، وثانياً لأنه يؤكد في هذه الآية أن أجره على الله ((إن أجري إلا على الله)) أي حصرياً.
وينبغي الالتفات إلى أمرين:
(1) لم يقل "ما أسألكم" ولكن ((ما سألتكم)) أي يتحدث عن قضية حصلت في الماضي حقاً وهي سؤاله الأجر ، إذاً لا بد أنها "مودة القربى" التي سألهم إياها في آية سورة الشورى؛
(2) هذه الآية تنتهي بـ ((وهو على كل شيء شهيد)) لتشير إلى أنه سبحانه شاهد على ما نفعله إزاء هذا الموضوع كله وهو الوفاء بالأجر في مودة القربى حصراً وليس بشيء آخر.
قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ / الزمر 53
الرجاء العريض من الله فهو الذي فتح هذا الباب الواسع
بدون التصدير بـ "قـُل": ربما سيفهم أن الوعد منطلق من الرسول (ص) بما أعلمه ربه من خلال رؤيا أو غيرها؛ وحتى لو أخبرهم أنه قرآن فإنه يبلغهم الوحي ليس إلا.
ولكن مع "قـُل": أولاً هناك تأكيد لهذا الوعد من الجهة الوحيدة التي تملك الحق وهو الله تعالى، إذ من الذي يمكنه أن يعد بغفران الذنوب جميعاً غير الذي سيحكم فيها؟ ثانياً فإن الأمر من الأهمية بحيث أن الله يأمر رسوله (ص) بأن يوصل إليهم الوعد وذلك بكلمة "قل"، وهو أمر بالإيصال أزلي ما دام القرآن ولكل قارئ للقرآن حتى قيام يوم الدين، ما يزيد من قوة الوعد فيزيد من الثقة به.
وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِمًا قُلْ مَا عِندَ اللَّهِ خَيْرٌ مِّنَ اللَّهْوِ وَمِنَ التِّجَارَةِ وَاللَّهُ خَيْرُ الرَّازِقِينَ / الجمعة 11
تعليمهم مبدأ عام + إشارة إلى ضعف إيماني شديد
هل يحتاج المؤمن إلى التذكير أن ((ما عند الله خير من اللهو ومن التجارة))؟ مؤكد أنه لا يحتاج.
ولكن الذي يترك النبي (ص) واقفاً على المنبر ويخرج إلى قافلة التجارة، أي يزهد في مواعظه وبيانه، ناهيك عن أن مجرد رؤية وجهه الكريم لهي نعمة وأي نعمة، مثل هذا يحتاج إلى التذكير لأنه أثبت عملياً أنه يغفل عن هذه الحقيقة أن ما عند الله خير من التجارة واللهو.
أضف إلى ذلك، أنه بدون التصدير بـ "قـُل": يمتزج الخطاب من الله تعالى مع ما يجده النبي (ص) من الخيبة من تصرفهم هذا، فربما يكون هناك مدخلية لمشاعره هو (ص).
ولكن مع "قـُل": أخرج الله تعالى عبده المصطفى (ص) من الموضوع تماماً وصار هو الذي يخاطبهم ويذكرهم، ولكن من خلال النبي (ص) – وهو واسطة لو تنبهوا لشعروا بالخيبة هم من أنفسهم لأنهم سينتبهون أنا الله تعالى كي يذكرهم فإنه يفعل ذلك من خلال الذي تركوه على المنبر قائماً.
قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِّنَ الْجِنِّ فَقَالُوا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا / الجن 1
الإخبار باستماع الجن لمنع تكذيبه (ص)
هنا تأكيدان لهذه القصة غير المرئية:
الأول – بالقول ((أوحي إلي))، لأنه بدونه يكون (ص) هو المخبر عنها وهذا سيدفعهم للسؤال: كيف عرفت؟ ولكن معه فإنه علم باستماع الجن من خلال الوحي.
مع هذا، فإنه بدون التصدير بـ "قـُل": سيقول ضعاف الإيمان أنه يخبرنا بهذا الشيء الغريب لأنه يجد نفسه محاصراً بين المكذبين من قومه من قريش في بلده مكة وغيرهم من الطائف وغيرها.
مع "قـُل": يأتي التأكيد الثاني – الله تعالى يأمره (ص) أن يخبره بالقضية وبكيفية علمه بها.
قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ / الفلق 1
تعليم العوذة، ولأنه سبحانه لا يحتاج إليها
بدون التصدير بـ "قـُل": يبدو أن الله تعالى يتعوذ، وهو مستحيل، لأن التعوذ يعني اللجأ، فأي شيء في الوجود يحتاج الله تعالى إلى اللجأ منه؟!
مع "قـُل": يحصل الأمران: (الأول) لا وجود لهذا التعبير المستحيل (الثاني) تعليم إحدى العوذات، لأنها تتضمن الانتباه للآثار السلبية لبعض الشرور ومنشئي الشرور (ما خلق، غاسق إذا وقب، النفاثات في العقد، حاسد إذا حسد) ثم كيفية اللجأ إلى الله تعالى للحماية منها.
((( تفضلوا بالأسئلة )))
والحمد لله أولاً وآخراً وصلى الله على نبينا محمد وآله الأطهار.